رم - بقلم: الدكتور يوسف عبيدالله خريسات
حين يتحدث صاحب السمو عن تاريخ الأردن، فإنه لا يكتفي بسرد الوقائع أو تعداد الأحداث، وإنما يخلق جسرًا حيًّا بين الماضي والحاضر، بين الأرض والإنسان، بين الجيل الحالي وأجيال الوطن القادمة. إن قرب الأمير من تراب بلده ومن أبناء الوطن يجعل كلماته أكثر من مجرد خطاب فهي نبض حقيقي يلامس وجدان الناس والوطن، ويزرع فيهم شعور الانتماء العميق والوعي الراسخ بالهوية الوطنية. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد صفحات مكتوبة في الكتب، بل هي روحٌ تتنفس في وجدان كل فرد، وهي الركن الأول في بناء الإنسان والمجتمع والدولة.
إن الأردن، بتاريخه الممتد وجغرافيته الغنية، ليس مجرد مساحة على خارطة، بل هو سردية حية تتحرك وتتجدد في كل جيل. وفي كل جبل، وكل وادٍ، فكل حجر يحكي قصة شعب صامد، شعب يحمي ذاكرته كما يحمي أرضه، شعب يدرك أن القوة الحقيقية تكمن في معرفة الجذور وفهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل بعين يقظة ووعي عميق.
عندما يحث سمو الأمير على حفظ ذاكرة الوطن، فهو لا يدعو فقط إلى التوثيق، بل إلى التفاعل الثقافي والفكري، وإلى أن تصبح المعرفة التاريخية والجغرافية أدوات حياة، وأن يتحول التعلم من الماضي إلى منهج حضاري ووطني يمكن الأجيال من إثبات وجودها ومكانتها في ذاكرة الأمة.
فالجيل الذي يعرف تاريخ وطنه ويستوعب سرديته، هو الجيل الذي يمكنه أن يصنع الفرق بين أن يبدع وأن يحافظ على الهوية الوطنية عميقة الجذور. وهذا الفهم يجعل كل فرد مسؤولًا عن وطنه، وكل مجتمع شريكًا في البناء الثقافي والفكري، وكل جيل يمتلك القدرة على أن يكون حضوره فعالًا ومؤثرًا في مسيرة الأمة.
صاحب السمو، بمتابعته الدائمة لشؤون الناس والوطن وبتواصله الروحي معهم، يعكس صورة القيادة القريبة القادرة على دمج الحكمة التاريخية بالوعي المعاصر، ليصبح الوطن متجددًا في ذاكرة أجياله، شامخًا في وجدان أبنائه، صامدًا أمام الرياح العاتية للتحديات، وراسخًا في قلب كل مواطن ومواطنة.
ففي حديثه في الطفيلة تتجلى فلسفة الوطن في البعد الثقافي والفكري، وتتحقق الهوية الوطنية في ممارسة الحياة اليومية، ويصبح كل جيل حاملًا للرسالة، ناشرًا للمعرفة، ومشاركًا في بناء المستقبل على أساس من الفهم العميق والوعي الراسخ بتاريخ هذا الوطن العظيم.