سراب تحقيق المشاريع والاستثمارات في الشرق العربي


رم -

كريستين حنا نصر

منذ ما قبل الربيع العربي وحتى ما بعده ، كان من المتوقع والمرجح أن تصبح المنطقة العربية وبالأخص الشرق العربي في حال أفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، وذلك بهدف أن يتاح لهذه المنطقة الجغرافية فرصة للتطور والتنمية ، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمشاريع الضخمة وما يتصل بجلب الاستثمارات الخارجية، ولكن للأسف فإننا نشهد غير هذه التوقعات بعد مرور أكثر من عقد من الأزمة السورية وما تلاها من واقع الصراع في غزة، والوضع المأساوي في لبنان إقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وفيما يتعلق تحديداً بمسألة السلاح الخارج عن إطار الدولة، الأمر الذي أسفر عن تعميق حالة الفساد وهيمنة أحزاب على سيادة الدولة ، ناهيك عن واقع التدخلات الخارجية التي تهيمن على قرار وسيادة الدولة في لبنان، والعراق وسوريا.


وقبل أن نتكلم عن أي استثمارات وأحلام تتصل بمشاريع مستقبلية تنهض باقتصاديات المنطقة، خاصة منطقة بلاد الشام التاريخية ، فإنه يجب الوعي والادراك أن مثل هذه المشاريع الاقتصادية الضخمة والتي سوف تنجح في حال نُفذت، فانه سوف لا يمكن لأي من المشاريع والاستثمارات النجاح عملياً وبالقدر المرجو منها ، دون احلال السلام والأمن والاستقرار السياسي وترسيخ سيادة الدول في تقرير مصيرها باختيار السلم أو الحرب، ودون وجود لأي سلطة أحزاب أو قوى خارجية تهيمن على هذه الأحزاب وتعطل أي تقدم سياسي أو اقتصادي في بلدان الشرق العربي، ناهيك أيضاً عن حالة الفساد الاداري واستغلال هذه الأحزاب لموارد الدولة، طبعاً لمصلحتها الخاصة وعلى حساب مؤسسات الدولة وشعبها، ومنعها أي تقدم سياسي واقتصادي والذي سيأتي بالمشاريع الخارجية والاستثمارات للنهوض بهذه الدول ، فعلى سبيل المثال لبنان الذي عانى الكثير من هيمنة حزب الله سياسياً واقتصادياً على سيادة الدولة اللبنانية ، فأنه يترافق معه واقع الأزمة المالية العصيبة التي تمر بها المصارف اللبنانية ، والتي لم تتمكن من دفع واسترجاع أموال المودعين والمستثمرين الخارجيين في المصارف اللبنانية.


ان هيمنة ايران على الحزب و وجود أي قوى خارجية من شأنها تعطيل إمكانية أي تقدم اقتصادي في الدولة ، ولهذا السبب لا يوجد أي تقدم أو اي استثمارات تُذكر وملموسة ومنفذة في المنطقة ، وللأسف الاوضاع تزداد سوءاً من الناحية السياسية والاقتصادية ، وفي نفس السياق المتراجع نجد أن سوريا الآن نسمع بشأنها وعود لإقامة مشاريع واستثمارات ضخمة تلوح مؤخراً في الأفق، وبشكل يوازي هذه الجهود المتصلة بمساعي اقامة وتشجيع المشاريع مثل مشروع مترو دمشق ( subway) وغيره ، فإن هناك أيضاً توترات أمنية متلاحقة وعميقة ، وقد رافقها أحداث الساحل السوري والسويداء وغيرها من المناطق السورية، والتي من الواضح أن هناك وجود لبصمة صراع طائفي وعرقي ومناوشات هنا وهناك وفي مختلف مناطق الجغرافية السورية ، وعدم قدرة الحكومة المؤقتة على ضبط الأمور أمنياً على كامل امتداد الجغرافية السورية. والسؤال هنا ، هل يوجد في منطقة الشرق العربي مناخ مواتي ومشجع لقيام أي استثمارات خارجية أو مشاريع ضخمة يمكن تنفيذها ؟، وللأسف الجواب ، هو لا يوجد في الوضع الراهن مناخ مشجع ومساعد لأي مستثمر على تحقيق أي استثمار في ظل الوضع الأمني الحالي المتردي في المنطقة ؟، وللأسف أيضاً منطقة الشرق العربي مرهونة لقوى خارجية تهيمن على سيادة بعض الدول ، فعلى سبيل المثال العراق يعيش واقع الهيمنة الايرانية وسلطة الميليشيات على سيادة الدولة ، ومن الناحية الاقتصادية وجود حالة من الهيمنة على المصارف والبنوك العراقية وعلى كافة مداخيل النفط المتبخرة ، والتي يرافقها أوجه متعددة للفساد الاداري والمشاريع الوهمية ، التي يتزامن معها فساد مالي ، وهو أمر يؤثر بوضوح على إقتصاد الدولة ككل ، ومع ذلك يوجد في العراق بالطبع استثناء ، هو إقليم كردستان والذي نجح في مشاريع التنمية وزيادة الاستثمارات فيه ، الى جانب الحد من الفساد مقارنة مع العاصمة بغداد ، وهذا كان واضحاً في موجة الحر الماضية ، حيث شهد الاقليم ديمومة للكهرباء وعدم انقطاع، بخلاف ما كان في بغداد والتي شهدت انقطاعاً وأزمة .


وللأسف نلاحظ أنه بدلاً من أن تشهد المنطقة انتعاشاً بالاستثمارات الخارجية والمشاريع ، التي سوف توفر مستقبلاً وظائف للأفراد، خاصة لفئة الشباب الذين أصبحوا يتخرجون وبأعداد كبيرة من الجامعات والمعاهد دون القدرة على خوضهم لتجربة العمل وتطبيق ما يتعلمونه في الجامعات ، وللأسف فإن معدلات البطالة تتزايد يوماً بعد يوم، وبالمقابل تتقلص نسبة الاستثمارات الخارجية وتنسحب الكثير من القائمة منها بل وتتقلص، والسبب الأساسي لذلك هو عدم وجود حالة الأمن والأمان المفروض ، والذي استبدل بصراعات طائفية وعرقية وهيمنة لبعض الاحزاب المدعومة من خارج الدول ، والتي تفتك وتسرق مقدرات الدولة على حساب شعبها وغياب تحقيق المصلحة العليا الداخلية للاقتصاد الوطني ، وبالتالي تقويض أي مناخ مستقر يمكن له أن يجلب المستثمرين .


وبالتالي يبدو أن هناك واقع من سراب ، ومجرد أحلام بخصوص المشاريع الاستثمارية الضخمة في المنطقة، حيث نلاحظ عملياً وسنة بعد سنة بأن الأمور الاقتصادية باتت تتدهور تجاه الاسوأ ، وهناك نقص في السيولة وتزايد في العبء المعيشي على المواطنين ، الذين لم تتم أي زيادة على رواتبهم ومداخيلهم ، وفي الوقت نفسه يزاد عليهم معدل غلاء المعيشة وكلفة الحياة الكريمة ، الى جانب تدهور ملموس في منظومة التعليم وبشكل خاص في ظل الصراعات والحروب التي تساهم في تأخير التقدم والبحث العلمي ، على حساب انتشار التطرف وزيادة الانغلاق ، الأمر الذي يؤثر على ظاهرة عدم قبول الاخرين في الوطن الواحد ، ويرافق ذلك كما نلاحظ انتشار وتزايد للمخدرات وتجارتها في منطقة الشرق العربي وهو ما يعني التأثير على المستوى الانتاجي في المجتمع .


والسؤال هنا ، ما هي الحلول المرجوه لتحسين وضع دول الشرق العربي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً ؟
الحل الأول والاساسي هو تقليص، بل وقف النفوذ الخارجي الذي يدعم بعض الأحزاب والاشخاص ، ومنعهم من التحكم أوخلخلة سيادة الدولة ، فاذا لم تتمكن بعض الدول من بسط سيادتها على دولتها والتخلص من نفوذ الأحزاب والميليشيات فيها والتي تتدخل في قرارات الدولة ، فانه لا يوجد عندها حل أو أمل لأي تقدم سياسي واقتصادي وتعليمي مستقبلي كحال أي دولة تهيمن عليها قوى ودول خارجية ، إذ يجب أن لا يتحكم أحد في مداخيل ومقدرات أي دولة من دول الشرق العربي، لصالح دعم هيمنة أي دولة طاغية عليها أمنياً واقتصادياً .


نحن الان وفي هذه المرحلة أجدني لا أريد الخوض في أي موضوعات أو نقاط مفصلية أخرى ، دون معالجة مشكلة تراجع امكانية اقامة الاستثمارات والمشاريع الضرورية للتنمية والنهوض الوطني ، بمعنى لا يمكن تخطي هذه الامور التي أوضحتها في مقالي بإعتبارها أساس للتقدم نحو المرحلة التي تليها ، والسؤال الأهم ، هو هل سيتمكن العراق ولبنان من تقليص هيمنة الأحزاب والميليشيات المدعومة من الدول الخارجية ؟، وذلك حتى تتمكن هذه الدول من إعادة هيكلة مفاصل الدولة ، وبسط سيادتها واستقرارها لتتمكن من بناء الاقتصاد وخلق مناخ سليم ، كفيل بجذب الاستثمارات وتحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي ، الذي سوف يكون حينها محطة مهمة لتأسيس بيئة استثمارية قوية .


وهل ستتمكن سوريا من وأد الصراعات الداخلية وبسط سلطة الدولة وفرض الأمن الداخلي ، خاصة الصراعات العرقية والطائفية ؟، وذلك لكي تتمكن بعدها من إنجاز المشاريع والاستثمارات المرجوة ، وفي بيئة لا يوجد فيها أي صراعات أو حروب، بل استقرار وأمن لمعظم دول الشرق العربي المترابط ببعضه ، وبالتالي أيضاً نطرح السؤال الأهم اليوم ، وهو ألا يوجد أمل من الانتعاش وجلب أي استثمارات ومشاريع ضخمة للمنطقة ؟.




عدد المشاهدات : (4555)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :