نتنياهو يلوّح بـ «إسرائيل الكبرى» … والأردن في مرمى الخيال التوسّعي


رم - د. هيثم علي حجازي


مَنْ كان يظن أن الشعار القديم «أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات» سيخرج يوما من صفحات التاريخ إلى شاشات التلفزة؟ ما كان يُهمَس به في دوائر مغلقة أصبح اليوم حديثا علنيا على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، في رسالة تحمل أكثر من دلالة سياسية وأمنية. وبينما يحاول البعض التقليل من أهمية هذه التصريحات باعتبارها «رمزية» تدرك عمّان وعواصم عربية أخرى أن الكلمات قد تتحوّل، في لحظة ما، إلى خرائط تُفرض على الأرض.
في طفولتنا كنّا نسمع الجملة الشهيرة: «أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات». كانت تبدو آنذاك مثل خرافة سياسية أو حلم بعيد عن الواقع، لا وجود له إلا في الكتب أو على لسان المتعصّبين. لكن اليوم، يخرج نتنياهو ليتحدّث عن ارتباطه بـ «رؤية أرض الميعاد» و«إسرائيل الكبرى» وكأننا أمام عودة مقصودة لهذا الخطاب، لكن هذه المرّة من قلب السلطة الإسرائيلية الرسمية نفسها.

قد يقول البعض: «إنها مجرد لغة دينية أو تاريخية»، لكن في السياسة، الكلمات تمهِّد الطريق للأفعال. فحين يعلن زعيم حكومة عن تبنّي فكرة توسعية تضم أراضي من الأردن، فهو يعيد تأهيلها أمام الرأي العام ويمنحها شرعية سياسية. وبالتالي، ليس عبثا أن سارعت الخارجية الأردنية لاعتبار التصريحات استفزازا خطيرا، وأن طلبت مصر إيضاحات رسمية حول مغزاها.

وحتى لو لم يضع نتنياهو خطة واضحة لاحتلال أراضٍ أردنية، فإن السياسات الفعلية تمضي في نفس الاتجاه داخل الضفة الغربية. فمشاريع الاستيطان آخذة بالتوسع، والأراضي تُقطع أوصالها، ومخططات مثل ممر E1 شرق القدس تُعاد للحياة بعد سنوات من التجميد. هذا الممر وحده، إذا اكتمل، سيقسم الضفة ويقضي عمليا على فكرة الدولة الفلسطينية، ويمس مباشرة العمق الأمني والجغرافي للأردن. ولمن يعتقد أن هذه مجرد صدفة، يكفي أن نتذكر مشهد وزير المالية سموتريتش العام الماضي وهو يلقي خطابا وخلفه خريطة تضم الأردن كلها داخل حدود "إسرائيل".

معاهدة وادي عربة عام 1994 لم تكن ورقة مجاملة، بل كانت اتفاقا حدّد بوضوح الحدود الدولية الدائمة، وقام على احترام السيادة. وبالتالي، فإن اللعب بهذه الرمزية أو طرحها على طاولة النقاش يهدد واحدة من آخر ركائز الاستقرار في المنطقة، مع التأكيد على أن الأردن ليس أرضا فارغة في خرائط أحد، بل دولة محورية في أمن الإقليم ومياهه واقتصاده.

إن قبول مثل هذا الخطاب أو التغاضي عنه يفتح الباب ليتحول إلى خطوات عملية، كما حدث مع قضايا الاستيطان في الضفة؛ ولذلك فإن المطلوب ليس الاكتفاء بالبيانات، بل تحرك عربي منسّق: دبلوماسية ضاغطة، وتحركات قانونية دولية، واستدعاءات للسفراء.

إن اتفاقيات السلام الموقعة بين كل من مصر والأردن مع إسرائيل أصبحت الآن في موضع الخطر لأن اللعب بورقة «إسرائيل الكبرى» قد يدمّر حالة الهدوء القائمة ويجرّ الجميع إلى مواجهة مفتوحة.
ما بدأ كهتاف في مظاهرة قبل عقود، يعود اليوم في خطاب رسمي. وفرق كبير بين أن يُقال في الشارع وبين أن يُقال من مكتب رئيس وزراء. وعلى العرب أن يضعوا خطوطا حمراء واضحة، فالأوهام الإمبراطورية لا تتوقف من تلقاء نفسها، بل عند أول جدار من الرفض العملي والسياسي.



عدد المشاهدات : (6287)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :