أزمة النخبّ الحزبية


رم - أ.د. علي النحلة حياصات
المشهد يتكرر , استقالات جماعية في بعض الاحزاب الاردنية ، فقد شهد الحزب المدني الديمقراطي الاردني استقالات جماعية اليوم لعدد من أعضاء المجلس المركزي، وهذه خطوة لا بد ان تُثير تساؤلات حول مستقبل الحزب , بشكل خاص , ومنظومة التحديث السياسي بشكل عام !!!
هذه الاستقالات، في تقديري، لا يجب أن تُقرأ بوصفها حادثة معزولة أو حالة فردية، بل بوصفها تعبيرًا عن أزمة عميقة تعيشها الأحزاب الأردنية، خاصة اليسارية منها، وهي أزمة لا تتعلق فقط بالتنظيم أو الفكر، بل تتجذر في مكان آخر, في النخب السياسية نفسها، وفي الثقافة السياسية العامة، وفي سياق تحكمه الدولة العميقة .
حضرت يوم السبت الماضي اجتماعًا موسعًا لأحزاب اليسار الديمقراطي، طُرحت فيه فكرة الاندماج أو التحالف. لكنني كنت واضحًا في مداخلتي:
لسنا أمام نضج حزبي يسمح ببناء تحالفات متقدمة أو تشكيل جبهة سياسية متماسكة، بل أمام حاجة واقعية لتنسيق انتخابي ذكي ومؤقت، سواء في الانتخابات المحلية أو البرلمانية.
السبب بسيط ومباشر, أزمتنا ليست في المشروع الديمقراطي اليساري المدني، بل في النخب التي تتصدره.
الأحزاب في الأردن، خصوصًا تلك التي ترفع شعارات الديمقراطية والعدالة، فشلت في تحويل المبادئ الى ممارسات داخلية. فالاستقالات من الحزب المدني الديمقراطي كشفت صراعًا حادًا داخل نخب الحزب على النفوذ , واي نفوذ مع الاسف ؟؟؟ على مواقع هلامية يقودها البحث عن دور في المجتمع من اي طاقة شباك وليس باب!!!
لكن, ليس من الإنصاف أن نحمل هذه الأحزاب مسؤولية إخفاقها بالكامل، دون الإشارة إلى العامل الحاسم الآخر, البيئة السياسية التي تشتغل بمنطق "ضبط الإيقاع" أكثر من تمكين الفعل السياسي الحر.
فالدولة ,بمؤسساتها الصلبة والناعمة ,ما تزال تتعامل مع العمل الحزبي باعتباره حقلًا تجريبيًا يجب ان يُدار وفق مقاسات دقيقية لا تخرج عن السيطرة !!! وهنا تكمن المشكلة الحقيقية !!!
النتيجة؟ أحزاب تُراقب أكثر مما تُساند، ومناخ سياسي يفرز أحزابًا مروّضة أكثر من كونه يسمح بأحزاب مستقلة أو مؤثرة.
لكن الأخطر ,في تقديري الشخصي , ليس تدخل الدولة وحده، بل ثقافتنا العامة التي تستهلك الأحزاب كوسيلة من اجل الظهور المجتمعي بأي شكل من الاشكال !!! وبالتالي بات الناس لا يرون في الأحزاب وسيلة لتحسين شروط العيش، بل كائنات نخبوية مشغولة بذاتها، منفصلة عن واقعهم، ومتصارعة حول واجهات وهمية.
ليس من الواقعية الرهان الآن على اندماج حزبي شامل، لأن الشروط التأسيسية لم تنضج بعد.
لكن ما يمكن فعله ,ويجب فعله , هو بناء تنسيق انتخابي مرن وفعّال بين القوى المدنية والديمقراطية، تنسيق يقوم على القضايا الملموسة، لا على التحالفات الورقية.
تنسيق يبدأ من البلديات، والنقابات، والبرلمان، لا من الغرف المغلقة والنقاشات النظرية.
في الوقت نفسه، على النخب أن تعترف أن إصلاح الأحزاب يبدأ من الداخل، لا من الخارج.
لا فائدة من رفع شعار الديمقراطية اذا لم تمارس داخل الحزب. ولا معنى للشكوى من هيمنة الدولة، إذا كانت الأحزاب نفسها عاجزة عن إنتاج نخبها الحقيقية والمؤثرة.
نحتاج أولًا الى اصلاح الثقافة السياسية قبل اصلاح النظام الحزبي. نحتاج اكثر إلى نخب تؤمن بالشراكة لا بالاحتكار، وبالعمل الجماعي لا الفردانية.
الاستقالة من الحزب المدني قد تكون جرس إنذار، لكنها أيضًا فرصة لمراجعة شاملة، ولطرح السؤال الجوهري , أي أحزاب نريد؟ ومن يملك حق تمثيل فكرة اليسار الديمقراطي؟



عدد المشاهدات : (4567)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :