رم - مهدي مبارك عبدالله
في خطوة وُصفت بأنها واسعة أجرى الدكتور جعفر حسان رئيس الوزراء الاردني أول تعديل وزاري على حكومته طال أكثر من ثلثها وشمل نصف أعضاء فريق التحديث الاقتصادي والإداري وسط ضجيج من عدم الرضى في الشارع الأردني وهدوء في المضمون والمسار ليُطرح سؤال حتمي وبديهي في الاوساط الشعبية هل نحن أمام تغيير يبشر بإصلاح حقيقي أم نحن في مواجهة فصل جديد من تدوير الوجوه تحت عناوين التجديد والتحديث البراقة سيما وان التعديل الوزاري مهما كان واسعًا سيبقى ناقصًا إن لم يترجم إلى أثر فعلي يلامس حياة الناس والتغيير المنشود لا يأتي بإعلان في الجريدة الرسمية فقط بل بالنتائج العملية على الأرض التي تتمثل في جودة الخدمات وتحسين مستوى المعيشة وارتفاع الدخل وتوفير فرص العمل وغيرها
البيان الرسمي سارع إلى وصف التعديل الوزاري بأنه “رفد للحكومة بكفاءات جديدة ” والواقع السياسي القائم يطرح تساؤلًا جوهريًا هل التعديل سوف يصلح مسارًا أم يعيد إنتاج أزمة وهل الحكومة أمام تحدي إعادة الثقة أم أنها تكرس مزيدًا من القطيعة مع الشارع خصوصا وان مثل هذا الخطاب المكرور لم يعد كافيًا لإقناع الأردنيين الذين يقيسون أداء الحكومة بمؤشرين لا ثالث لهما اما تحسن في معيشتهم اليومية أو شعور حقيقي بوجود نية للإصلاح في المقابل لا يزال الشارع يتساءل لماذا لا يربط الأداء الوزاري بتقارير محاسبية شفافة تنشر علنًا ولماذا لا يفهم التعديل كإجراء عقابي أو تصحيحي مبني على نتائج لا كفرصة لإعادة توزيع الحصص وهل سيغير التعديل شيئًا في أسس صناعة القرار الاقتصادي أو الاجتماعي التي ما زالت تتجاهل أولويات الناس بين فرضيات واسس التحديث والتنفيذ
التعديل الوزاري جاء في سياق سياسي داخلي يتميز بانسداد الأفق وانخفاض منسوب الثقة بين الدولة والمواطن فمنذ سنوات أصبح التعديل أداة بيد الحكومات لتخفيف الضغط الشعبي أو تجديد الثوب دون تغيير الجسد وهي أدوات تستخدم غالبًا في غياب اي مشروع وطني متكامل للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من هنا يمكن فهم هذا التعديل ضمن أحد سيناريوهين أولهما أنه محاولة من رئاسة الوزراء لامتلاك زمام المبادرة قبل دخول البلاد في موسم سياسي داخلي ساخن خاصة مع تصاعد أصوات الاحتجاجات الاقتصادية والمطلبية في بعض المحافظات ثانيهما أنه تعديل اضطراري لتسكين خلافات داخلية بين مراكز النفوذ في الدولة ومحاولة لتحقيق توازن بين الأجنحة الإدارية والاقتصادية المتنافسة لكن في الحالتين يظل السؤال قائمًا هل التعديل سيصب في مصلحة إعادة بناء العقد الاجتماعي أم أنه تكتيك سياسي مؤقت لتمرير فصول المرحلة الصعبة
التعديلات الوزارية ليست غريبة على الحياة السياسية الأردنية بل يكاد يصبح تقليدًا متكررًا إذ شهدنا على مدى العقود الأخيرة وفي الحكومات المتعاقبة عشرات التعديلات التي غالبًا ما جاءت بلا أثر ملموس فالوجوه تتغير بل وفي عدة حكومات وجدنا إن بعض الوزراء الذين غادروا سابقا على خلفية الفشل او ضعف الاداء عادوا من شباك الولاءات في مشهد لا يعكس سوى هشاشة معيار الكفاءة لصالح معادلة الترضيات والمحاصصة مما يؤكد أن مفهوم التحديث المنشود لا يزال محصورًا داخل دوائر ضيقة من النخب تمثل أحيانًا امتدادًا لما يُعرف بالدولة العميقة أكثر مما تمثل قناعة حقيقية بالإصلاح الجذري
رغم أن بعض الوجوه التي دخلت الحكومة تحمل مؤهلات فنية عالية وسيرًا ذاتية محترمة إلا أن تجربة الأردنيين مع ما يعرف بحكومات التكنوقراط لم تكن مشجعة دائمًا فالكفاءات الفردية كثيرًا ما تعطّلها البيروقراطية أو تحتوى ضمن منظومة قرار لا تمنحها هامشًا للحركة وهنا تكمن المفارقة فالمواطن لا يريد ان يحكم على الوزير بما يملكه من شهادات بل بما ينجزه من حلول وما لم يكن هناك استقلال حقيقي في القرار التنفيذي سيبقى الوزير مهما علا شأنه مجرد موظف بدرجة ” معالي” وليس صانع قرار وستبقى الفجوة بين التحديث كفكرة والتنفيذ كواقع تعمق فقدان الثقة بين المواطن والحكومة
من الثابت ان الأزمة المتفاقمة في ادارة مؤسسات الدولة لا تكمن فقط في الأشخاص بل ايضا في فلسفة الإدارة نفسها وفي واحدة من أبرز أوجه الإشكال في التعامل مع التعديلات الوزارية في الأردن تكمن في أنها غالبًا لا تُراجع النهج بل تكتفي بتبديل الأفراد في حين أن أصل المشكلة ليس في من يجلس على الكرسي بل في عقلية الإدارة العامة وآلية صناعة القرار وتراكم الأزمات دون تقييم جاد للأداء فما جدوى تغيير وزير عمل إذا بقيت نفس السياسات التي تنتج البطالة وما أهمية وزير جديد للصحة إذا كانت الموازنات لا تكفي لتطوير مستشفى حكومي في محافظة بعيدة عن العاصمة ومهما تنقلت الحقائب تبقى السياسات على حالها بالتركيز على تجميل الواقع لا تغييره
الحقيقة الراسخة انه لا يمكن لأي تعديل وزاري أن ينتج فرقًا نوعيا ما لم يرتبط برؤية وطنية شاملة تشرك الناس في تحديد أولوياتهم وتحاسب الوزراء وفق خطط محددة بجدول زمني ومؤشرات أداء يعلن عنها أمام الناس لا خلف الأبواب المغلقة والواقع إن التعديل الوزاري الأخير في حكومة د. جعفر حسان لم يأتِ برؤية جديدة في إدارة الملفات الأكثر إلحاحًا من الفقر إلى البطالة ومن التعليم إلى الصحة وعليه سيظل التعديل في نظر الاردنيين مجرد إجراء شكلي لا يرقى إلى مستوى التحديات التي يتطلعون اليها بوجود حكومة لا تجامل بل تُحاسب لا تستهين بذكائهم بل تحترم صبرهم, لا يختبئ وزرائها خلف المكاتب بل تنزلون إلى الميدان
الأردنيين اليوم لا يبحثون عن ” حكومة متبدلة ” بل عن ” حكومة فاعلة ” تحاسب لا تكافأ ولا يريدون ” تعديل واسع ” بل ” تحول واضح ” خاصة في ظل الضغوطً المتزايدة التي يعيشونها مع معدلات بطالة مرتفعة تتجاوز 22 % وسب فقر تتفا قم في المحافظات والأطراف وخدمات تعليم وصحة تعاني التراجع رغم ما ينفق عليها من موازنات وأي وزير جديد لا يحمل خطة حقيقية لتنفيذ حلول مباشرة لهذه القضايا لن يكون سوى رقم جديد وثقيل في سلسلة قائمة ” اصحاب المعالي ” الطويلة والمرهقة لجيوب المواطنين
خاتمة : مرة اخرى يتسأل معظم الاردنيين بحيرة وارتياب هل نحن امام إعادة إنتاج الإحباط وتدوير العجز أم بدء عهد جديد وكسر للجمود في وقت ما زال فيه الأردنيون يمنحون الفرص للحكومات في كل مرة يعلو فيها صوت التغيير لكن خيبات التجربة المتراكمة جعلت رصيد الثقة يقترب من النفاد والتعديل الوزاري الأخير رغم وسعه يعتقد الكثيرين انه لن يكون إلا رقمًا في سجل الإدارات الحكومية إن لم يأتِ بتغيير جذري في الأولويات وفي أسلوب العمل وطريقة مخاطبة الناس والمطلوب اليوم حكومة تتقن ” الإنصات” وتسمع انين واوجاع الناس ولا ان تكتفي ” بالشرح ” فقط وهي تعرف مسبقا أن استعادة الثقة تمر من الميدان لا من المنصة فهل تكون حكومة د. جعفر حسان نقطة انعطاف أم مجرد استراحة في طريق التدوير المعتاد
باحث وكاتب مختص في الشؤون السياسية
[email protected]