رم - بقلم: مهدي مبارك عبد الله
في حديثٍ مؤثرٍ بثّته منصة "غزة اليوم" عبر بودكاست خاص على محطة BBC نقلت فيه المحامية الفلسطينية غيد قاسم كلماتٍ تقطر وجعًا وأملًا خلال زيارتها لموكلها الطبيب الغزي المعروف ( الدكتور حسام أبو صفية ) مدير مستشفى كمال عدوان والمعتقل منذ أواخر عام 2024 حيث كان أول ما سألها
"هل باقي أفراد أسرتي أحياء وهل منزلنا قُصف وهل قصتي ما زالت تهم الناس والاهم هل ما زال أحد يتذكرني
هذه العبارات والكلمات الجياشة بمعانيها البالغة وروحانيتها المؤثرة فضلا عن مكانة وتضحيات وتقدير ومحبة طبيب المقاومة الذي وهب حياته لغزة واطفالها ولم تستطيع السجون أن تهزمه او تكسر روحه الإنسانية هو ما دفعني الى الاسراع في كتابة هذا المقال ردا على تساؤل الطبيب الحر الاسير ليعلم انه باق حيا في قلوبنا وخالدًا في أرواحنا وعهدا وقسما اننا لن ننساك ما دام فينا قلب يخفق وعرق ينبض فمن غزة إلى الأبد انت حاضر بيننا و لا تغيب عنا
سؤال الدكتور حسام رغم بساطته الا انه يهز نياط القلب ويفضح عمق المعاناة داخل الزنازين الاسرائيلية فحين يتساءل رجل بهذا الحجم والعطاء عن مجرد تذكر الناس له نكون أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية أن نرد بصوت واحد " لم ننسك يا دكتور حرا ولن ننساك في الأسر ومن اعماق وجع غزة حيث الحصار يثقل كاهل الحياة والسجون تشكل سياجًا من الألم تنبض قصة إنسانية عميقة تصنع من الأسى نورًا ومن العذاب عزيمة لا تلين ولا تنكسر في زمنٍ صعب باتت فيه الكلمات أضعف من أن تصف البطولات
نكتب بالغضب والثورة حكاية رجلٍ اختار أن يكون طبيبًا في قلب النار والموت لا على هامش الحياة ونتحدث عن إنسانٍ شق طريقه بالمبضع ووقف في وجه الحصار لا في خلفية المشهد إنه الدكتور حسام أبو صفية الطبيب الفلسطيني الإنسان المقاوم والمعتقل المنسي إعلاميًّا والحاضر بقوة في وجدان كل من يعرف معاني الفداء الاباء والكرامة الذي تحول مجرى حياته إلى أسير يقاوم في عتمة الزنازين ليصبح منارة لا تنطفئ في ضمير ووجدان الوطن والامة
حسام ابو صفية لم يكن مجرد طبيب أطفال بل كان قلبًا نابضًا بالرحمة وعقلًا يقاوم بالعلم والوعي وصوتًا يواسي المنكوبين كما انه لم يكن موظفًا عاديا في وزارة الصحة بل كان من أعمدتها ومن الذين اختاروا البقاء في غزة رغم العروض الكثيرة بالهجرة والمغادرة حيث كان يؤمن دائما بأن الطبيب الفلسطيني هو ( مقاتل بمعطف أبيض ) ومشروع شهيد يخوض المعركة من غرفة الطوارئ ويواجه الموت بقنطرة الشفاء من فوق الاسرة
خلال العدوان الأخير على غزة وأثناء اقتحام مستشفى كمال عدوان فقد ابنه إبراهيم وتعرض هو لإصابة بشظايا القصف لكنه رفض المغادرة وواصل إسعاف الجرحى وتجهيز جثامين الشهداء ومواساة الأهالي في ملحمة طبية ووطنية لا تُنسى وان سؤاله لمحاميته "هل ما زال أحد يذكرني " لم يكن مجرد لحظة ضعف بل كان نداءً من الأعماق وصرخة مدوية من روح لم تنكسر تطلب الأمل وتقاوم النسيان والسؤال نفسه لم يطرح خوفًا من الأسر والسجان بل كان تحذيرا من أن تمر التضحيات بصمت ودون اهتمام ونحن اليوم معه لنقول له " نعم اننا نتذكرك ونراك رمزًا ونعتبرك عنوان قضية وضميرًا حيًا لوطن ينزف لكنه لا ينسى "
قصة الدكتور حسام أبو صفية ليست حادثة اعتقال فردي بل هي مرآة لكل طبيبٍ شريف لم يهرب ولم يغلق بابه في وجه الجرحى ولم يساوم على مهنته وهو من صمد في أقسى اللحظات والظروف وعمل ليلتين كاملتين دون نوم يداوي الأطفال ويطمئن الأمهات ويبتسم رغم الدمار وفي ظل العدوان أعاد بوعي ووطنية تعريف معنى مهنة الطب في غزة المحاصر حيث كان الطبيب والمُسعف والمعلم وكان أول الحاضرين إلى المستشفى وآخر المغادرين وقد قاتل بنبل وضمير بدون سلاح بل بيدين بيضاوين صافحتا الألم بالعطاء وحملتا فلسطين في كل نبض في حسد كل جريح وشهيد
تخليدا لذكرى الدكتور حسام يجب أن يبقى العمل والعهد مستمرين ومن واجبه علينا أن نحفظ أثره المشرف في عقولنا ودروب حياتنا ومناهج اطفالنا وأن نطلق اسمه على مستشفى أو مركز طبي ليبقى حيًّا في أروقة الرحمة وأن نؤسّس منحة دراسية باسمه تخصص لأبناء الأسرى وطلاب الطب المتميزين وأن نخلد يوم " الطبيب المقاوم " تكريمًا لمن قاوموا على أسِرة الشفاء و الموت وأن ننتج فيلمًا وثائقيًا بحكي ملحمة حياته ويروي سيرته لبظل اسمه مشعًا في سماء الإنسانية كذكرى عطرة وقدوة حسنة للأجيال القادمة ولتعلّم الأجيال القادمة أن البطولة ليست فقط في ميادين القتال بل في كل غرفةٍ يُنتزع فيها اليأس من وجه طفلٍ صغير
لا زال الدكتور ابو صفية يقبع في زنازين الاحتلال حيث يثقل السجن على الجسد ويشق على النفس ويسكن الظلام ويخيم الصمت ويصنَع الأمل وتروى الحياة حيث اثبتت قصته انها ليست مجرد صفحة خالدة في سجل الاعتقالات بل هي ملحمة حقيقية تُروى شهادة حيّة على أن الفلسطيني لا ترضخ إرادته مهما اشتدت القيود والاصفاد
مع استمرار اعتقاله نوجه نداءً عاجلاً إلى كل المنظمات الحقوقية والإنسانية وإلى الهيئات الدولية ودول العالم الحر بأن يتدخلوا فورًا لإنقاذ هذا الطبيب النبيل من قبضة السجان وضمان تقديم الرعاية الطبية التي يحتاجها واحترام حقوقه كإنسان وكطبيب وإن الاصرار على اعتقاله يعكس قسوة غير مبررة واعتداء صارخً على حق الحياة والكرامة كما انه يمثل انتهاكًا فاضحًا لكل القوانين والمواثيق الدولية واننا نناشد المجتمع الدولي ألا يغفل عن قضيتنا العادلة وأن يقف مع الصامدين في غزة وأسرى فلسطين وأن يجعلوا من إطلاق سراح الدكتور حسام قضية إنسانية أولى تقديرًا لتضحياته ودوره الإنساني الذي امتد عبر سنوات من العطاء والمقاومة الطبية
ما بين قلبه النابض ومبضعه المُقاوم وسرير الطوارئ وزنزانة الأسر تتكوّن ملامح رجلٍ لم تغب شمسه يومًا عن غزة والوطن حيث كان وسيبقى وجدانًا طبيًا وإنسانيًا وها هو في المعتقل يواصل المقاومة بالصمت النابض والثبات العنيد رعم كل ما عناه من الإهمال الطبي والتنكيل ومع ذلك سأل في فضاء السجن فقط هل يتذكرونني وكأن النسيان كان قلقه وخشيته الأهم
اليوم ونحن نردد صدى سؤال الدكتور حسام العميق والمؤثر نؤكد له مرة اخرى أننا لم ننسه ولن ننساه وأن اسمه حي في قلوبنا وأرواحنا وحاضر في نضالنا ومقاومتنا وذاكرتنا رمز للصمود والإنسانية في وجه الظلم والاعتقال ومع كل صيحة ظلم تخترق السماء من امهات وابناء غزة نتذكر الطبيب الأسير البطل ونؤكد أن صموده داخل الزنزانة هو انتصار لنا و لكل حر وشريف في فلسطين الحبيبة حيث لم تضعف قيود الاحتلال عزيمته ولم تنجح السجون في سلبه إنسانيته بل زادته قوة وثبات وتحدي
من غزة ارض العزة والصمود التي أحببتها كما لم يفعل أحد نقول لك تكرارا " لم ننسك طبيبًا وانسانا ولا ولن ننساك أسيرًا وكل من بقي لدية ذرة من وفاء لفلسطين وشعبها يذكرك ومهما طال ليل القيد ستبقى بيننا وفينا صوتا للرحمة في زمن القسوة وستظل شرفا عاليا للمهنة وقامة من قامات الطب والمقاومة لم تهزمك الزنازين بل زادتك صلابة وقوة وعنفوان ولم توهنك القضبان بل أجّجت وهج إنسانيتك
واقع الاعتقال الذي يعيشه الدكتور ابو صفية بكل اجرامه ودمويته يمثل شهادة حية بأن الأسير الفلسطيني ليس فقط جسداً محبوسً بل روحًا مقاومة تتحدى الظلام وهو الجسر الذي يربط بين نضالات الأسرى وأحلام الحرية ومعاناة المرضى وقوة الأمل ففي كل لحظة اعتقال وفي كل ثانية يقضيها الدكتور ابو صفية خلف القضبان يصر على أن يكون مثالًا يُحتذى ونموذج يروى وهو يرسم اسطورة الصمود والمقاومة حيث لم يختر الهروب من ساحة المعركة في أصعب الظروف بل اصر على أن يواجهها بابتسامة وعزم لا يلين وهو يقود سفينة المرضى في بحر الموت ويوجهها بحكمة وعقل وقلب يفيض بالحنانً وصدق الانتماء والمواطنة
ختامًا: نؤكد لكم بان الدكتور حسام ابو صفية وهو في محبسه يعيش بيننا بذكراه العطرة وروحه المرحة وصوته الدافئ يضيء طريقنا ويرفع معنوياتنا ورغم كل الاغلال والقيود لن ننساه لأن الأبطال الحقيقيين لا يموتون وسيبقى حيا في قلوبنا نردد اسمه بكل فخر واعتزاز لأنه علمتنا أن الحياة تقاس بما نعطي لا بما نأخذ وأن الوطن لا يبنى إلا بأيدٍ بيضاء صادقة امينة
سلامٌ على قلبك الطيب وصوتك المجلجل الذي لم ينكسر وصمودك الذي يليق بفلسطين وبكل لحظةٍ ضحيت بها من أجل أن يعيش غيرك بصحة وامان
لك المجد... ولنا العهد أن نظل أوفياء لكل الشرفاء من ابنا فلسطين والامة
باحث وكاتب مختص في الشؤون السياسية
[email protected]