رم - ليست القوّة أن تجفَّ المآقي، ولا أن يختبئَ الوجعُ خلف صمتٍ متماسك.
القوّةُ الحقّةُ هي أن تعرفَ ما تشعرُ به، وأن تمنحَ نفسَك الإذنَ لتكون إنسانًا.
فالقلبُ الذي يبكي لا ينهزم، إنّما يطهُر.
الشخصُ القويّ لا يخافُ من دمعته، لأنّه يُدركُ أنّها ليست انكسارًا،
هي صدق لمن لم يتذوق طعم الصدق يوما.
هو الذي يفتحُ نوافذَ روحه للضوءِ ولو لسعَتْه الشموس،
ويقولُ للعالم: أنا أشعر… إذن أنا حيّ.
إنّ الحساسيةَ ليست ضعفًا،
هي بوصلةٌ دقيقةٌ تُشيرُ إلى إنسانيتنا كلّما تاهَ الاتجاه.
هي التي تجعلُنا نرى ما لا يُقال، ونسمعُ ما لا يُنطق،
فنلتقطُ وجعَ الآخرين كما لو كانَ فينا،
ونبكي لا لأنّنا هشّون؛
إنما انعكاس لحبنا العميق، ولصدقنا المتجذر.
من يبكي في الخلافِ لا ينهزم،
إنّما يُعلنُ أنّ العلاقةَ عنده أسمى من الكِبْر،
وأنّ العدلَ عنده أغلى من الصمت،
وأنّ المشاعرَ عنده ليست عيبًا يُخفى،
هي نعمةٌ في قلوب الأنقياء.
البكاءُ لغةُ البصيرة؛
حينَ تفيضُ النّوايا على الملامح، ويغدو الصدقُ أثقلَ من الكتمان.
إنّه ارتجافُ النورِ في جوفِ الطين،
ونزفُ الرحمةِ حينَ تضيقُ بها المسافةُ بين القلبِ والعالم.
القويّ لا يُحسنُ التمثيل،
ولا يضعُ درعًا على قلبه ليرضي صورةً اجتماعيةً عن “الثبات”.
هو ثابتٌ من الداخل، ولو ارتجفَ صوته.
يبكي قليلًا، ثم يمسحُ دموعَه بكرامةٍ ويعودُ أكثر وعيًا،
لأنّه يعلمُ أنّ العاصفةَ لا تقتل الجذرَ
مادام قويا.
إنّها القوّةُ التي لا تُرى في العضلات،
هي القدرة على البقاء نقيًّا رغم الخذلان،
رحيمًا رغم الأذى،
صادقًا رغم القسوة،
ودامعًا دون خجل.
تلك هي القوّةُ التي تُبكي،
وتبقى بعد الدموع… شامخةً كقلبٍ يُضيءُ وإن انكسر.
من لا يبكي قد ماتَ بعضُه،
ومن بكى نجا من التكلّسِ الذي يُصيبُ العواطفَ حينَ تُدفنُ حيّةً باسم القوّة.
فالقوّةُ التي لا تعرفُ الرِّقّةَ قسوةٌ،
والرِّقّةُ التي لا تستندُ إلى وعيٍ تَيهٌ،
وأجملُ ما بينهما دمعةٌ تَعبُرُ القلبَ لتُبقيه إنسانًا.
بقلم: ياسمين زاهدة