نتنياهو يعشق الاساطير ، توراتية كانت أم اغريقية ولا يخشى تداعياتها


رم - بقلم : تيسير خالد

أحلام بنيامين نتنياهو لا تعرف الحدود ، وتجره من سقطة سياسية الى أخرى ، دون أن يدرك حجم المخاطر ، التي تتسبب بها هذه الاحلام . قبل فترة وجيزة أعرب في مقابلة له مع الصحفي في قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال إنه يشعر بأنه في ” مهمة تاريخية وروحية “، وأنه متمسك “جداً” برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية ، “وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر” . اسرائيل الكبرى ، التي يحلم بها بنيامين نتنياهو مثار خلاف وجدل في التلمود والادب التلموي ، فهي في حدها الأدنى تشمل فلسطين والاردن وسيناء ومساحة واسعة من الاراضي السورية تصل الى حدود خط مدينة حمص بين سورية ولبنان ، فيما يشمل حدها الأقصى إضافة الى فلسطين شبه جزيرة سيناء والاردن وسوريا ولبنان مساحات واسعة من الأراضي التركية وفي جميع تفاسير التلمود والادب التلمودي فإن ارض اسرائيل تشمل جزيرة قبرص كذلك . وقد تسببت اقوال نتنياهو ، التي وردت في تلك المقابلة بهزة سياسية غطت المنطقة فضلا عن العالم باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وربما ناورو وميكرونيزيا وبالاو وبابوا وتونغا.

قبل أيام اتسعت آفاق أحلام بنيامين نتنياهو وبشر المواطنين في اسرائيل بعزلة دولية صعبة ، مدعيا أن المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا تحولوا إلى أقليات كبيرة ترفض الصهيونية ولها صوت مسموع وتؤثر كثيرا على الحكومات، وهم لا ينفون ذلك. إنهم يعترفون بذلك في محادثات شخصية. وهذا يؤدي إلى عقوبات وقيود كثيرة على إسرائيل ويقيد قدرتنا على استيراد قطع سلاح، ويهددنا بصعوبات اقتصادية ، ووعد مواطني دولته بالخروج من العزلة من خلال التحول الى دولة شبيهة ب "اسبارطة العظمى" ، ما تسبب بهزة اقتصادية وسياسية واسعة كان اشدها وأكثرها وقعا في حدود دولته . قال نتنياهو : "سيتعين علينا بشكل متزايد التكيف مع اقتصاد يتمتع بخصائص الاكتفاء الذاتي، إنها كلمة أكرهها، أنا من دعاة السوق الحرة، لقد عملت على قيادة إسرائيل نحو ثورة السوق الحرة، لكننا قد نجد أنفسنا في وضع تتعرقل فيه صناعاتنا العسكرية، سيتعين علينا تطوير صناعات الأسلحة هنا". "سيتعين علينا أن نكون مثل أثينا وأسبرطة العظمى، ليس لدينا خيار آخر، على الأقل في السنوات القادمة، سيتعين علينا التعامل مع ‏محاولات العزل هذه، ما نجح حتى الآن لن ينجح من الآن فصاعدا".

من الواضح ان بنيامين نتنياهو يحب الاساطير والتنبؤات ، بل هو متعلق بها الى درجة الهوس بصرف النظر عن سقطاتها وتداعياتها . فما قصة إسبارطة التي يتحدث عنها نتنياهو؟ في الأساطير اليونانية، يُقال إن الملك الأسطوري لاكديمون ، ابن زيوس ، أحد آلهة الاغريق القدماء هو من قام في القرن العاشر قبل الميلاد ببناء المدينة وسماها باسم زوجته سبارت . عاشت هذه المدينة على الحروب وبنت نظاما عسكريا متكاملا ومتماسكا واصبحت الحرب عند حكامها وسيلة دائمة لاستمرار الحياة واحتل الجنود فيها قمة سلم البناء في المجتمع وطغت قيم نزعتها العسكرية على كل القيم الاخرى الضرورية لتنظيم الحياة في كل مجتمع سليم وفي النهاية تعرضت الى هزيمة أودت بها الى الفناء .

نتنياهو لا يخشى العزلة الدولية طالما ان الولايات المتحدة الاميركية تقف الى جانب دولته بصرف النظر عن سياسة حكومتها . هو في ضوء فرض المزيد من القيود على صادرات الاسلحة إلى اسرائيل مثلا ، لا يخشى تداعيات ذلك ويعتقد أن بإمكان دولته أن تعوض ذلك بتطوير الابحاث في صناعتها العسكرية الى الحد ، الذي يمنحها القدرة على بناء وتطوير صناعة عسكرية تحررها من الاعتماد على الخارج ، دون ان يدرك على سبيل المثال أن تكاليف البحث والتطوير لطائرة إف-35 وحدها كلفت الولايات المتحدة الاميركية نحو 50 مليار دولار أمريكي وأن تكاليف البحث والتطوير في ميزانية وزارة الدفاع الاميركية تقترب سنويا من حدود تريليون دولار .

وهو لا يخشى أن يتحول اقتصاد اسرائيل الى ما يشبه " اقتصاد اسبرطة " ولا يخشى تداعيات ان تفرض عليه دول الاتحاد الاوروبي عقوبات تزيد من عزلة دولته ، بما يشمل إلغاء امتيازات ضمن اتفاقية الشراكة التجارية بين الجانبين بتعليق بعض الأحكام التجارية في الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل . هنا تفيد التقديرات أن إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل يتطلب مصادقة على مستويين داخل الاتحاد الأوروبي. الاولى في مجلس المفوضين ، حيث الخسارة هنا متوقعة إذا ما اعتبر المجلس أن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان، وبالتالي يجب وقف الاتفاق التجاري معها. صحيفة "هآرتس" تشير إلى أن المستوى الثاني تحيط به حالة من عدم اليقين ، حيث أن أي تعديل على اتفاقية التجارة الحالية، التي تمنح إسرائيل إعفاءً جمركياً كاملاً، يحتاج إلى تأييد 55% من الدول الأعضاء تمثل 65% من سكان الاتحاد. ووفق تحليل وزارات المالية والاقتصاد والخارجية الإسرائيلية، فإن الدول المطالبة بتشديد شروط التجارة باتت قريبة من حشد الأغلبية المطلوبة . وإذا حدث ذلك تكون دولة اسرائيل قد تعرضت لنكسة غير عادية ، خاصة وأن بيانات مجلس الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن الاتحاد هو الشريك التجاري الأهم لإسرائيل، بحجم تبادل بلغ عام 2024 نحو 42.6 مليار يورو (منها 17 مليار دولار صادرات إسرائيلية إلى أوروبا و25 مليار دولار واردات من أوروبا)، منها 37% تمتعت بامتيازات تخفيضات جمركية بناء على اتفاقية الشراكة التجارية.

وتبقى التداعيات الداخلية المترتبة على تصريحات بنيامين نتنياهو وأحلامة " الاسبرطية " هي الاهم ، بعد أن دعا نتنياهو الى تبني اقتصاد بسمات " اوتاركية " أي اقتصاد مغلق يعتمد على الذات في مواجهة عزلة عن الأسواق العالمية . فقد حذر 80 خبيرا اقتصاديا، وُصفوا بأنهم الأرفع في إسرائيل، من كارثة اقتصادية لم تشهد إسرائيل مثيلا لها، إذا لم يتم إجراء تغيير جذري في وضع إسرائيل السياسي – الأمني الحالي، الذي تزداد خطورته بسبب استمرار الحرب الوحشية ، التي تشنها دولة الاحتلال على على غزة، وفق ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" ، كما شهدت بورصة تل أبيب على الفور هزة وصفت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية أجواءها في الأسواق بـالسوداوية ، إذ انخفض مؤشر "تل أبيب 125" بنسبة 1%، وتهاوى مؤشر النفط والغاز بـنسبة 2.2%، في حين تكبدت أسهم الصناعات العسكرية خسائر قاسية، إذ فقدت "إلبيت" 2% من قيمتها، وهوت "نكست فيجن" بـنحو 4%. ، وامتدت التداعيات إلى قطاعات أخرى، إذ خسر سهم "نيو ميد إنرجي" 2.4%، في حين سقطت أسهم "ألومة إنفراستركشر" بنسبة 12.9% ، وهو ما وصفته "كالكاليست" بأنه دليل على تآكل الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي . وكان قطاع التكنولوجيا الأكثر حدة في انتقاداته، إذ أصدر "منتدى الهايتك من أجل إسرائيل" بياناً قال فيه إن "الهايتك، محرك النمو المركزي للاقتصاد، يعتمد على الأسواق الدولية وثقة المستثمرين الأجانب. الانغلاق الحالي يهدد ميزتنا التكنولوجية والعسكرية، وبدلا من ضمان الاستقرار، تنحدر إسرائيل إلى واقع خطير من العزلة وفقدان القدرة على المنافسة ، متسائلا بلهجة ساخرة: "هل هذا هو حلم نتنياهو؟ أن نعود لنبيع البرتقال؟".

لا حدود لأحلام وأوهام هذا الرجل ، الذي يجر دولته والمنطقة الى المجهول ، رجل مصاب بداء الغطرسة ، مزدوج الشخصية ، علماني يجري وراء الأساطير ، تارة يستحضر " قورش " الفارسي في عدوانه على ايران وتارة ثانية يعد مواطنيه بالقضاء على " عماليق " العصر ، " سأطارد أعدائي وألاحقهم ولن أعود إلى أن أبيدهم كما كتب في التوراة وسنحقق هذا الهدف " ومؤخرا استحضر " سبارطه العظمى " في إشارة للسير في طريق وعر ، صعب وخطير للتغلب على عزلة دولية تعيشها دولته بفعل وحشية حربها على على الفلسطينيين في قطاع غزة كما في الضفة الغربية ونزعاتها العدوانية التوسعية في علاقتها مع دول الجوار والمنطقة .



عدد المشاهدات : (4243)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :