رم - بقلم: عبد الحكيم مداس/ الجزائر
استوقفتني مقولة الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة): (الكتابة قرار وفعل إبداعيّ)، وسألت أهل الاختصاص على أمل الاستفادة من الفكرة القائلة (هل يمكن للكتابة الذّاتيّة أن تحمل همّاً اجتماعيّاً؟
الحقيقة أنّني لست مختصّاً بالدّراسات النّقديةّ، لكن للفائدة أكتب عن مقولة: (الكتابة قرار وفعل إبداعيّ).
تُعد الكتابة من أرقى الأفعال الإنسانية التي تجمع بين الوعي والإرادة من جهة، والخيال والإبداع من جهة أخرى؛ لذلك فإنّها تختزل هذه الازدواجيّة الجوهريّة؛ فهي لا تُحيل على لحظة الإلهام وحدها، ولا تقتصر على التّقنيّة الباردة، بل تنظر إلى الكتابة بوصفها فعلاً وجودياً مسؤولاً وعملية فنيّة جماليّة في آن.
1- البُعد الفلسفيّ:
يرى جان بول سارتر في كتابه ما الأدب؟ أنّ "الكاتب مسؤول عن كلماته، والكتابة فعل حرّيّة". وهذا يؤكد أن الكتابة قرار إرادي يترتّب عليه وعي ومسؤولية، أمّا رولان بارت فقد بيّن أنّ "الكتابة ليست مجرد تعبير، بل هي ممارسة ونسق"، أي أنّها فعل واعٍ ينطلق من اختيار أسلوبيّ ودلاليّ. ومن زاوية أنطولوجيّة، يعدّ هايدغر أنّ اللّغة هي "بيت الكينونة"، والكتابة فعل انكشاف للوجود، أيّ أنّها قرار مواجهة الذّات والعالم عبر الكلمة.
2- البُعد الأدبيّ:
يذهب كثير من الأدباء إلى أنّ الكتابة لا تقوم إلا على الإبداع. يقول ماركيز: "الكتابة تبدأ بقرار الجلوس أمام الورقة البيضاء، ثم تتحوّل إلى مغامرة لا حدود لها"، وهو ما يجمع بين القرار الأولي والخيال المفتوح. ويرى نجيب محفوظ أنّ "الكتابة موقف ومسؤولية، وهي أيضاً انغماس في الفن والخيال"، مؤكّداً الطّابع المزدوج للفعل الكتابيّ. أما بورخيس فعدّ الكتابة "شكل من أشكال السّعادة"، أيّ أنّها فعل جماليّ يتجاوز حدود النّفعيّة.
3- جدليّة القرار والإبداع:
لا يكفي القرار وحده لإنتاج نصّاً أدبيّاً، كما أنّ الإبداع لا يثمر من غير وعي والتزام. يؤكّد تزفيتان تودوروف أنّ "الكتابة ليست انعكاساً، بل فعلاً يغير العالم الذي يصفه". بينما يرى أمبرتو إيكو أنّ "الكاتب يبني عالماً بديلاً انطلاقاً من وعي وخطة". وبهذا المعنى فإنّ الكتابة عملية مزدوجة: قرار مسؤول + فعل إبداعيّ، وهو ما يجعلها عملاً إنسانياً متفرّداً.
الخاتمة:
تُبرز مقولة الدّكتورة سناء الشّعلان (الكتابة قرار وفعل إبداعي) توازناً نقدياً بين لحظتين متكاملتين: الإرادة (القرار) والخيال (الإبداع)؛ فهي تقف ضدّ التّصوّر الرّومنسي الذي يختزل الكتابة في الإلهام وحده، وضدّ النّظرة الشّكلانيّة التي تراها مجرّد تقنيّة، لتؤكّد أنّ الكتابة فعل وجوديّ–جماليّ يتأسّس على الوعي والمسؤوليّة، ويتفتّح على الابتكار والإبداع. وهكذا تغدو الكتابة قراراً يواجه العالم، وإبداعاً يعيد تشكيله.
باختصار: وجهة نظري: إنّ الكتابة فنّ تجتمع فيه الصّفات القياديّة للكاتب المسؤول الذي يحمل عبء القضيّة .