رم - رفض أكثر مـن 1600 طلـب لعدم اســتيفاء الشروط
نظام إلكتروني حد من تجاوزات تزويج الأقل من 18 عاماً
«تقدم والدها بطلب تزويجها مرتين، في محكمتين مختلفتين، ورُفض في كل مرة».. قصص كهذه تعكس تحولا في تعامل القضاء الشرعي مع زواج الأقل من 18 عاما، إذ لم تعد تلقى طلبات تزويج هذه الفئة قبولا منفصلا، بل تواجه اليوم منظومة قانونية باتت أكثر صرامة ووضوحا في ضوابطها.
منذ عام 2017، انخفضت نسبة زواج الأقل من 18 عاما من 18% إلى نحو 8% في 2024، وفق بيانات دائرة قاضي القضاة، التي شددت الإجراءات وحدّت من التوسع في منح الاستثناءات. إذ كشفت دائرة قاضي القضاة لـ"الرأي» أنها رفضت منح الإذن بالزواج لأكثر من 1600 حالة لأسباب متنوعة تتعلق بعدم استيفاء الشروط القانونية.
كما فعّلت دائرة قاضي القضاة الربط الإلكتروني بين المحاكم الشرعية كافة، إذ تسجل المعاملات مركزيا منذ لحظة تقديم الطلب إلى صدور نتيجة القرار، فضلا عن رفض المعاملات غير المستوفية للشروط بشكل تلقائي، ما ساهم في تعزيز الرقابة وضمان المصلحة الفضلى لهذه الفئة.
وفي موازاة هذه الجهود، واصل المجلس الوطني لشؤون الأسرة دعمه عبر التنسيق بين الجهات المعنية ضمن الخطة الوطنية للحد من زواج من هم دون 18 عاما (2020–2024)، والتي شكلت إطارا عاما للمبادرات التوعوية وبناء القدرات، بما يعزز مناخا مؤسسيا يرفض الزواج المبكر، ويركز على حماية حقوق الفتيات التعليمية والصحية والاجتماعية.
«تعليمات صارمة»
أرجعت دائرة قاضي القضاة سبب انخفاض نسب زواج الأقل من 18 عاما إلى الجهود التوعوية والتشريعية والتعليمات الصارمة التي تنظم منح الإذن بالزواج لهذه الفئة.
وتؤكد الدائرة لـ «الرأي» على أن المحكمة الشرعية لا تمنح الإذن بالزواج دون سن 18 إلا في حالات خاصة ومحددة بدقة، وضمن ضوابط صارمة تضمن أن يظل الاستثناء استثناء، ولا يتحول إلى قاعدة عامة؛ التزاما بنص المادة (10/ب) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 15 لسنة 2019.
وتنص هذه المادة على أنه: «يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة وبعد التحقق من توفر الرضا والاختيار، أن يأذن، وفي حالات خاصة، بزواج من بلغ ست عشرة سنة شمسية من عمره، وفقا لتعليمات يصدرها لهذه الغاية، إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة، ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما».
ووفق الدائرة فإنه قد صدرت التعليمات المتعلقة بهذا النص ونشرت في الجريدة الرسمية، وتضمنت معايير وضوابط دقيقة لضمان عدم التوسع في تطبيق الاستثناء، فضلا عن تحقيق مصلحة الطرفين حال منح الإذن بالزواج، ومنع إتمامه في حال عدم وجود مصلحة.
وتوضح الدائرة أنها تتخذ جملة من الاجراءات التنظيمية والقضائية لضمان عدم التوسع في تطبيق هذا الاستثناء، ومن أبرزها: «إلزامية موافقة قاضي القضاة أو من يفوضه على كل معاملة، بعد تحقق دقيق من استيفاء الشروط، وتعزيز الرقابة الداخلية من خلال مراجعة دورية لحالات الزواج التي تم منح الإذن فيها، للتأكد من عدم وجود تجاوزات».
وتشير الدائرة إلى أن التراجع في هذه النسبة يعكس نجاعة الإجراءات المتبعة، ويؤكد أن الاستثناء لا يمنح إلا عند تحقق شروطه الصارمة، بما يضمن حماية هذه الفئة وتحقيق الاستقرار الأسري.
كما تشدد الدائرة على تقييم شامل لطرفي عقد الزواج، يشمل استماع القاضي شخصيا للخاطب والمخطوبة، والتأكد من رضاهما الحر، ومدى إدراكهما لمسؤوليات الزواج، فضلا عن إجراء دراسة اجتماعية ونفسية للطرفين من خلال مكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري لتقييم البيئة الأسرية، والملاءمة، والنضج النفسي والعقلي.
وتحرص المحاكم الشرعية على التحقق من عدم وجود ضرر محقق على الفتاة، سواء من الناحية الاجتماعية أو التعليمية أو الصحية، بالإضافة إلى ضمان حقها في إكمال تعليمها، إذ يتم إفهام المخطوبة بإمكانية اشتراط ذلك ضمن عقد الزواج، ويتم تثبيت هذا الحق صراحة في نص العقد.
وفيما يتعلق بمحاولات التحايل على القانون من خلال تقديم طلب جديد في محكمة أخرى بعد رفضه في محكمة أولى، كما يحدث أحيانا عند الانتقال بين المحافظات، تنبه الدائرة إلى أنه تم تفعيل الربط الإلكتروني بين جميع المحاكم الشرعية في المملكة، بحيث تسجل المعاملة مركزيا منذ لحظة تقديم الطلب، وإذا صدر قرار بالرفض، توضع إشارة إلكترونية تمنع استقبال الطلب مجددا في أي محكمة أخرى.
وتؤكد الدائرة أن هذا الربط الإلكتروني ليس مجرد أداة تقنية، بل هو وسيلة قانونية وأخلاقية لحماية الفتيات وضمان تطبيق القانون بالشكل الذي يحقق المصلحة الفضلى لهذه الفئة العمرية، ويمنع أي محاولة للالتفاف على التشريعات النافذة.
«مظلة تنسيقية»
من جانبها، أكدت الأخصائية الرئيسية في شؤون الطفولة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة، هانية الخانجي، التزام المجلس بدعم قضايا الأسرة والطفولة، من خلال مواصلة جهوده للحد من زواج الاقل من 18 عاما، ضمن إطار تنفيذ خطة العمل الوطنية للأعوام 2020–2024، التي تشكل مظلة تنسيقية للمبادرات والأنشطة الوطنية في هذا المجال.
وتشير لـ"الرأي» إلى أن المجلس، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، شكل لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ الخطة، إلى جانب فريق من ضباط ارتباط الجهات التنفيذية، لضمان المتابعة المباشرة وتوثيق التقدم المحرز من خلال تقارير سنوية.
وتبين الخانجي أن حالات زواج الأطفال في الأردن شهدت انخفاضا ملحوظا خلال السنوات الخمس الماضية، إذ تراجعت من 7,964 حالة في عام 2020 (بنسبة 11.8%) إلى 5,033 حالة في عام 2024 (نحو 8.1%)، مرورًا بـ: 8,039 حالة في 2021 (10.7%)، 5,824 حالة في 2022 (9.1%)، 5,072 حالة في 2023 (8.3%).
وتوصف هذا الانخفاض بأنه «نتيجة مباشرة لتشديد الإجراءات من قبل دائرة قاضي القضاة، التي أدت دورا محوريا في الحد من زواج الأقل من 18 عاما، من خلال الاقتصار على الحالات التي تستوفي الشروط الصارمة، بما يحقق المصلحة الفضلى للقاصر».
وتضيف أن من أبرز أدوات الرقابة الفاعلة التي ساهمت في هذا التراجع، تطوير نظام إلكتروني محوسب خاص بمنح الموافقات لزواج الأقل من 18 عاما، يتيح رفض المعاملات غير المستوفية للشروط بشكل تلقائي، ويسهم في تعزيز الرقابة والالتزام بالضوابط القانونية.
وأكدت الخانجي أن هذا التقدم يجسد الجهود الوطنية التي يقودها المجلس بالشراكة مع الجهات المعنية، من خلال برامج التوعية، وبناء القدرات، والمتابعة المستمرة.
كما كشفت عن توجه المجلس، مع اقتراب نهاية الخطة الوطنية بنهاية 2024، إلى إعداد دراسة وطنية متكاملة حول زواج الأقل من 18 عاما في الأردن خلال عام 2025، تهدف إلى تقديم فهم شامل ومبني على الأدلة حول الظاهرة، من خلال تحليل أبعادها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والخروج بتوصيات عملية تدعم صناع القرار والجهات ذات العلاقة.
وتوضح أن الدراسة تركز على خمسة محاور رئيسية، تشمل: مراجعة الإطار القانوني والتشريعي، وتحليل الأسباب والدوافع الاجتماعية والثقافية، واستعراض الآثار الصحية والتعليمية والاجتماعية، ومقارنة المؤشرات المحلية مع الإقليمية والدولية، وتقييم السياسات الوطنية المطبقة في السنوات الماضية.
وتختتم الدراسة، بحسب الخانجي، بإعداد توصيات قابلة للتنفيذ تناقش ضمن جلسة حوار وطني مع صنّاع القرار، مؤكدة أن هذه الخطوة تشكل محورا أساسيا لتطوير سياسات أكثر شمولية وفعالية تضمن حقوق الأطفال والفتيات في التعليم والصحة والحماية. الراي