رم - بقلم - محمد متعب الفريحات
العالم لا يقف على حافة الحرب، بل صار يخوضها خلسة وعلنا، بوجوه مكشوفة وأخرى مقنعة. لم تعد الطلقات تطلق في الخفاء، بل أمام الكاميرات، ولغة الدبلوماسية باتت تترجم إلى صواريخ ومسيرات، وكأن الميدان هو من يكتب التاريخ الآن، لا غرف المفاوضات.
إيران، التي اعتادت أن تضرب في الليل، وجدت في الظلام حليفها، لكن الضوء المسلط على الداخل كشف وجعا أعمق. فالجبهة لم تعد فقط على الحدود، بل امتدت إلى الشوارع والأزقة، حيث عيون الموساد تتربص، وقلوب العمالة تنبض بالخيانة. أدركت طهران أن النصر يبدأ من الداخل، وأن جزء من المعركة يجب أن يخاض من الداخل مع العمالة التي تنقل الخطط والخرائط والأسماء.
في المقابل، إسرائيل اختارت أن تبدأ الضربة من السماء، مستهدفة الدفاعات الجوية بضراوة غير مسبوقة، محاولة فتح ثغرات واسعة في الجدار الإيراني، لتصل إلى العمق حيث تطبخ الأحلام النووية. إنها معركة لا تقف عند صاروخ أو طائرة، بل عند الهوية نفسها، من سيبقى؟ ومن سينكسر أولًا؟
الاصطفاف العالمي يتغير بسرعة البرق. باكستان تلوح،روسيا و الصين يراقبان ويدعمان من بعد، وكوريا الشمالية تجهز نفسها، كأنها تنتظر إشارة البدء لتعلن اصطفافها في مواجهة الغرب. على الجانب الآخر، تتحرك أمريكا وبريطانيا بثقل الجغرافيا والتاريخ، فيما فرنسا تتخلى عن ضباب الموقف وتعلن صراحة وقوفها مع تل أبيب. مجموعة الدول السبع، نطق صوتها لدعم إسرائيل، وكأنها تؤسس لحرب لا رجعة منها.
في خضم هذا الجنون، تجهد إيران في إعادة ترتيب وتكوين دفاعها الجوي، تحاول لملمة ما تبقى بعد الضربة المباغتة، تلاحق الخونة وتفكك شبكات التجسس، وتعمل على تقوية الجبهه الشعبية الداخلية ونبذ الخلافات .
في شوارع تل أبيب، باتت الملاجئ هي المأوى، واليخوت البحريه أصبحت تذاكر هروب لمن استطاع إلى قبرص وصولا. الحرب النفسية بلغت ذروتها، وإسرائيل تحاول إيهام الجميع بأنها ما زالت الممسكة بخيوط اللعبة، بينما ترتجف داخليا من كلفة حرب قد تطول، وترهق اقتصادا لا يحتمل نزيفا طويلا.
في مشهد لافت، تتصدر عناوين الصحف خبر إسقاط طائرة F35، أحد أضخم رموز الصناعة الحربية الأمريكية، وسط تساؤلات مرعبة، أي سلاح فعلها؟ وكيف؟ وماذا لو تكررت الضربة؟ الأسواق لم تنتظر الإجابة، بل بدأت بالنزيف فورا، وأسهم شركات الدفاع تهوي في مؤشر على أن اللعبة خرجت عن السيطرة.
لم يعد الصراع مؤجلا. نحن في مرحلة كسر العظم، حيث لا صلح ولا هدنة، بل دماء تتطاير، وتهديدات تتكثف، واغتيالات تطال قادة وعلماء في رسالة واضحة، نحن قادرون على الوصول إليكم مهما احتميتم ومهما خططتم.
لكن السؤال الأهم يبقى ماذا ستفعل إيران؟ هل ستفتح أبواب الجحيم وترد بعنف لا يحتمل التأويل، أم تناور تحت ضغط الجغرافيا والاقتصاد والتوازنات الدولية، في كلتا الحالتين، الثمن باهظ، والخسائر قد تكون جماعية.
العالم يدخل نفقا جديدا، لا يشبه ما مضى من حروب، لأن اللاعبين هذه المرة لا يكتفون بالردع، بل يشتاقون إلى الاشتباك. وهنا، لا مكان للضعفاء، ولا أمان لمن يقف على الحياد.
مرحلة الانفجار بدأت، وما خفي أعظم.
الكاتب - محمد متعب احمد الفريحات