رم - بعيدا عن الضجيج، ودون شعارات كبيرة، بدأت ملامح تأثير التجربة المغربية تظهر بشكل واضح في الكرة الأردنية، مع المدرب المغربي جمال السلامي، الذي شكّل حضوره نقطة تحول حقيقية في أداء المنتخب الوطني، وإن كان هذا التأثير لم يكن محط ملاحظة واسعة في بداياته.
كأس العالم الأخيرة كانت حدثا تاريخيا للكرة الأردنية من حيث التحضير الذهني والفني للمشاركة المقبلة، إلا أن البصمة المغربية تحديدا بدأت تتجلى بشكل أوضح خلال بطولة كأس العرب، حيث ظهر المنتخب بهوية فنية أكثر وضوحا، وتنظيم تكتيكي أعلى، وأسلوب لعب أكثر توازنا بين الدفاع والهجوم.
المتتبع لأداء المنتخب يلمس أن العمل لم يكن عشوائيا، بل نتاج اشتغال فني حقيقي، قائم على تفاصيل تكتيكية دقيقة، وقرب واضح من اللاعبين، وانضباط داخل الملعب، وهي عناصر كانت غائبة أو ضعيفة في محطات سابقة، وبدأت اليوم تستعيد حضورها.
وتشير القراءة الفنية إلى أن التجربة المغربية أثبتت أنها أكثر تأثيرا وفائدة على الكرة الأردنية مقارنة بتجارب سابقة مع مدارس تدريبية أخرى، سواء العراقية أو المصرية، من حيث بناء الأداء، وتطوير الفكر التكتيكي، وخلق هوية لعب واضحة، دون الاصطدام بثقافة اللاعب أو تحميله ما يفوق إمكاناته.
الكرة المغربية، منذ مونديال 2022، فرضت نفسها كنموذج عربي ناجح، ليس فقط بوصول منتخبها إلى المربع الذهبي في إنجاز غير مسبوق، بل أيضا باستمرار تطور منتخباتها في مختلف الفئات، وحضور لاعبيها في كبرى الأندية الأوروبية، وتحقيق نتائج متقدمة في البطولات القارية والعالمية.
هذا النجاح لم يكن صدفة، بل نتاج منظومة متكاملة في التدريب والتخطيط وإعداد الكفاءات الفنية، وهو ما يجعل تعميم التجربة المغربية في الكرة الأردنية أمرا يستحق التفكير الجدي، سواء على مستوى المنتخبات السنية ويجب على الاتحاد البحث عن مدربين لاعداد اجيال المستقبل في الفئات العمرية إلى جانب المنتخب الأول.
وفي هذا السياق، يرى متابعون أن الاتحاد الأردني لكرة القدم بات بحاجة إلى مدير فني يقود المشروع الكروي الوطني، ويؤسس لمرحلة طويلة الأمد، على غرار الدور التاريخي الذي اضطلع به الراحل الكابتن محمود الجوهري، مع قناعة متزايدة بأن المدرسة المغربية مؤهلة لقيادة هذا الدور في المرحلة المقبلة.
جمال السلامي قدّم نموذجا مختلفا في القيادة، بهدوء، وتواضع، وقرب من اللاعبين، دون استعراض، ودون صدامات إعلامية، مع تركيز واضح على العمل داخل الملعب، وهو ما انعكس على الانسجام، والانضباط، وتحسن الأداء العام.
التجربة المغربية اليوم لم تعد مجرد خيار فني، بل مشروع قابل للتعميم، إذا ما أُحسن استثماره، ووُضع ضمن رؤية واضحة طويلة المدى، تعيد للكرة الأردنية هويتها، وتمنحها فرصة حقيقية للمنافسة والتطور في المرحلة المقبلة