تسريبات العار .. سوريا التي أكلت الفئران بينما كان الأسد في جولة سياحية


رم - أ.د. علي حياصات

ما كُشف في تسريبات ”قناة العربية“ بين بشار الأسد ولونا الشبل ليس مجرد حديثٍ شخصي بين رئيسٍ ومذيعة سابقة، بل وثيقة عار جديدة تضاف إلى سجلٍ طويل من الانحطاط الذي حَكم به النظام السوري بلداً عظيماً اسمة سوريا.

لقد رأينا بأعيننا كيف كانت البلاد التي أنجبت الشعراء والمفكرين والمجاهدين تُدار بعقلية غرائزية، مريضة، منفصلة عن أي حسّ وطني أو أخلاقي.

هذا المشهد المقزز والمقرف لا يفاجئ من اكتوى بنار هذا النظام، من فقد أبناءه تحت التعذيب، أو دُفن أطفاله تحت الركام، أو عاش الحصار حتى أكل لحم القطط في الغوطة وحمص ودرعا. من عرف وجع السوريين يدرك أن ما تسرب اليوم ليس فضيحة خاصة، بل مرآة لحكمٍ مأزومٍ أخلاقيًا وإنسانيًا وسياسيًا.

هذه التسريبات، وإن بدت محصورة بسوريا، إلا أنها تعكس نموذجاً متكرراً لبعض الانظمة العربية الحالية التي جعلت من الحكم مزرعة ومن الشعوب وقوداً لغرائز الحاكم.
نعم، لكل إنسانٍ حياة خاصة، لكن عندما تصبح ”الخصوصية“على حساب دماء شعبٍ كامل، فإنها تتحول إلى جريمةٍ لا إلى حق. فبينما كانت المدن تُقصف، والمستشفيات تُدمر، والمخيمات تمتلئ باللاجئين، كان رأس النظام يعبث بحياة الناس كمن يشاهد فيلماً لا يعنيه مصيره.

الخطير في هذه التسريبات أنها كشفت ما كان يُدار في الكواليس باسم الممانعة والمقاومة، وكيف تحوّل محور المقاومة إلى محورٍ من الاستبداد والفساد والانحطاط. من طهران إلى الضاحية إلى دمشق، الكذبة ذاتها تتكرر شعارات عن الصمود، بينما الشعوب تسحق تحت أقدام المتسلطين.

الأكثر بشاعة ليس ما قاله الأسد، بل ما فعله كل من دافع عنه، وموّله، وبرر جرائمه. هؤلاء شركاء في الدم السوري، مهما حاولوا الاختباء خلف الشعارات الطائفية أو الحسابات السياسية. التاريخ لن يرحم أحداً، لأن الذاكرة السورية لن تُمحى لا بتسريبات ولا بتبريرات.

لقد منحتنا هذه التسجيلات لمحة من ” القصور المظلمة “ التي كانت تدير بلدًا اسمه سوريا كأنها مزرعة عائلية. لكنها في الوقت نفسه منحتنا دليلاً إضافيًا على أن الطغاة لا يسقطون فقط بالثورات، بل أيضًا بالتعرّي الأخلاقي أمام شعوبهم.

سوريا لا تستحق هذا الانحطاط، ولا يستحق شعبها أن يُختزل في عناوين الفضيحة. لكن ربما، بعد كل هذه السنوات من الدم، صار واضحًا أن سقوط الأسد لن يكون فقط سياسياً، بل سقوطاً أخلاقياً مدوّياً، تتردّد أصداؤه من الغوطة إلى حلب إلى كل بيت فقد إنسانه وكرامته.



عدد المشاهدات : (4414)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :