رم - د. نضال المجالي
لا تأتي جولة جلالة الملك في دول شرق آسيا من باب البروتوكول السياسي أو المجاملة الدبلوماسية، بل تمثل انعطافة استراتيجية تعكس تحولا عميقا في طريقة تفكير الدولة تجاه مستقبلها الاقتصادي والسياسي. فاختيار آسيا تحديدا—بتنوع قواها الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية—ليس مصادفة، بل قراءة ملكية واعية لمشهد عالمي يتغير بسرعة، ولحاجة الأردن إلى تنويع شراكاته ومصادر نموه وابتعاده عن الارتهان للأسواق التقليدية التي لم تعد تمنح القيمة ذاتها.
آسيا اليوم هي مركز الثقل الجديد في العالم: استثمارات ضخمة، قدرات تكنولوجية هائلة، وتجارب ناجحة في التحول الاقتصادي يمكن للأردن الاستفادة منها. وفي فكر الملك، تبدو الجولة بمثابة بحث ذكي عن “النوافذ المفتوحة” في عالم يزداد انغلاقا. فالتعاون مع الاقتصادات الآسيوية ليس مجرد اتفاقيات، بل انتقال إلى فضاء جديد من الشراكات التي تقوم على التكنولوجيا، التعليم، الصناعة، اللوجستيات، والسياحة النوعية.
ما يميز رؤية الملك أنها لا تكتفي بالتصريحات، بل تتحرك نحو بناء جسور عملية: جذب استثمارات، فتح أسواق جديدة للمنتج الأردني، إدخال تكنولوجيا التصنيع، والاستفادة من نماذج التعليم والتدريب الآسيوية التي أثبتت نجاحها. كما أن الملك يقرأ التحولات في الطاقة والأمن الغذائي وسلاسل الإمداد، ويدرك أن آسيا جزء أساسي من الحلول التي يحتاجها الأردن في المرحلة المقبلة.
لكن تبقى النقطة الأهم: ماذا بعد الجولة؟
هنا يتجه البصر إلى الداخل. المطلوب اليوم جهاز تنفيذي اداري قادر على التقاط هذه الفرص وعدم تركها معلقة في الهواء او الاكتفاء بالتقاط وزير مرافق للجولة لصور تذكارية مع شركاء محتملين كما حدث مع فرص سابقة. مطلوب خطة متابعة واضحة بفرق متخصصة، وربط الاستثمارات التي تم التباحث حولها بمواعيد تنفيذ، وتسهيل الإجراءات، وتوفير بيئة قانونية مستقرة تشجع المستثمر الآسيوي الذي يركز عادة على الانضباط الإداري -المفقود غالبا- والوضوح التشريعي - المتغير مكررا-.
كما أن القطاع الخاص مطالب بأن يواكب التحرك الملكي، لا أن يبقى متفرجا. فالشراكات مع آسيا تحتاج وجود شركات أردنية جاهزة للعمل، مدربة، وبعقلية تحديث لا بعقلية انتظار والأمل في القطاع الخاص كبير.
الجولة الملكية ليست حدثا عابرا، بل إعلانا واضحا بأن الأردن يفتح صفحة جديدة في علاقاته الدولية، صفحة عنوانها: الانطلاق نحو الشرق حيث الفرص تنتظر من يلتقطها ولعلها تكون عنوانا للمرحلة الثانية من عمر رئيس الحكومة الذي سجل عنوان "الرئيس الميداني" في العام الاول.