رم - د. روان سليمان الحياري
إن التعليم ركيزة أساسية من ركائز الأمن الوطني والتنمية المستدامة، إذ يُعد الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأذكى والأبقى. وفي ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم من ثورة رقمية وتغيرات في سوق العمل العالمي، أصبح تطوير قطاع التعليم ضرورة استراتيجية لا يمكن تأجيلها، لضمان القدرة على المنافسة والريادة في عالم قائم على المعرفة والابتكار.
رغم ما حققه الأردن من إنجازات مشهودة في مجالات محو الأمية، وانتشار التعليم والتعليم العالي، إلا أن القطاع التعليمي، يواجه تحديات تتطلب معالجات جذرية. لا تنحصر فقط في المناهج أو الأبنية، بل في بناء ثقافة تعليمية تقوم على الشراكة والابداع بين شركاء العملية التعليمية وجوهرها الطالب والمعلم، فتراجع تلبية المخرجات التعليمية لاحتياجات سوق العمل، وضعف مواءمة المناهج الدراسية مع المهارات المستقبلية، إضافة إلى الحاجة لتعزيز الحوكمة الرشيدة في القطاع، عبر توحيد المرجعيات ووضع رؤية وطنية واحدة للتعليم المبكر والمدرسي والجامعي -تضم تربويين ومفكرين استراتيجيين و المختصين- -برأيي- محاور هامة لاعادة بناء منظومة تعليمية متكاملة ومستدامة.
فعلى مستوى التعليم المدرسي، يعتبر الاكتظاظ في الصفوف، ومحدودية الإمكانات التقنية، وضعف البنية التحتية في بعض المدارس، والفجوة الرقمية بين المحافظات، أمور تتطلب أولوية معالجتها مؤسسيا، من خلال بناء شراكات مثمرة مع القطاع الخاص، أما على مستوى التعليم العالي، فأشدها، ضعف دور البحث العلمي التطبيقي، المرتبط بالحاجات الصناعية والتجارية والإنتاجية بشكل عام، ومحدودية الابتكار في المجالات الخصبة، كالذكاء الاصطناعي ومجالاته الاستراتيجية كالدرونات وغيرها والطاقة الخضراء وتحديات المياه، فضلا عن تشبع التخصصات التقليدية مقابل النقص في التخصصات التقنية والمهنية المطلوبة.
مع ذلك كله ، فإن الفرص أمام الأردن كبيرة وواعدة -إذا ما استثمرت بذكاء- فالتحول نحو التعليم الرقمي والذكي، يمثل فرصة استراتيجية لإعادة هندسة العملية التعليمية بما يتماشى مع متطلبات الثورة الصناعية "الرابعة". -علاوة على تعزيزه للعدالة في الوصول إلى المعرفة- من خلال حوسبة المناهج، وتفعيل التعلم المدمج، وتمكين المعلمين و الطلاب من أدوات التعليم الرقمي لرفع كفاءة ونوعية النظام التعليمي، لينتقل من "مكان التعليم" الى "فضاء التعليم"، فضاء رحب للتفكير الخلاق، والمنتج، والمواكب للتطورات العالمية .
فإعادة هيكلة التعليم المهني والتقني استنادا الى قيمته المضافة، ودمجه بالتنشئه منذ مراحل الطفولة المبكرة، وربطه بسوق العمل من خلال شراكات فاعلة مع القطاع الخاص، يمكن أن يسهم في تخفيف معدلات البطالة بين الشباب ويعزز الاقتصاد الإنتاجي.
كما ان الاستثمار في الكوادر التربوية عبر برامج تدريب مهنية مستدامة، تعتمد معايير كفاءة وطنية، تشكل بيئه جاذبة ومحفزة للبحث والتطوير، وحاضنة للشباب من رواد الأعمال والمبتكرين وتسمع صوت المعلم المتميز -في المدرسة والجامعة- في تطوير المناهج، ستحسن جودة التعليم، وديناميكية العملية التعليمية، وتعزز مكانة الاردن الإقليمية كمركز أكاديمي متميز، من خلال تشجيع البحث العلمي، ودعم الجامعات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، وتطوير بيئات حاضنة للابتكار.
إن تطوير التعليم في الأردن ليس ترفًا ولا خيارًا يحتمل التأجيل، بل ضرورة وجودية لضمان مستقبل الوطن وقدرته على التكيف مع عالم سريع التغير. التعليم هو بوابة العدالة الاجتماعية، وأداة تمكين الشباب، وجسر عبور الأردن نحو اقتصاد المعرفة.
اليوم، يقف قطاع التعليم على مفترق طرق: إما أن نغتنم الفرصة لإعادة بناء منظومة تعليمية عصرية تلبي متطلبات البقاء والاستمرار في عالم متسارع التحديات والفرص فالمسؤولية جماعية، والفرصة لا ولن تنتظر،
التعليم ليس خدمة وحق فقط.. بل هو سيادة وطنية، وضمانة لمستقبل، نمتلك كل عناصر القوة فيه ان اجدنا استثمارها.