موازنة الأردن 2026: هل نمو 2.9% كافٍ لامتصاص طاقات الشباب؟


رم -


احمد عبدالباسط الرجوب

في السادس من تشرين الثاني 2025، بشر وزير المالية الأردني المواطنين بعدم فرض أي ضرائب جديدة في عام 2026، مصحوبًا بتطمينات حول تراجع العجز المالي وارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي المتوقع.

ومع ذلك، لا تزال علامات استفهام كبرى تلوح في أفق الاقتصاد الوطني. فالإعلان عن موازنة تقترب قيمتها من 13 مليار دينار، والتي تشمل زيادة في النفقات الرأسمالية وبنود الدعم، يهدف في جوهره إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الاستقرار المالي والضغوط الاجتماعية المتصاعدة.

إلا أن الركيزة الأساسية لأي خطة تنموية حقيقية - وهي معالجة آفة البطالة التي تثقل كاهل الشباب والاقتصاد على حد سواء - تبدو غائبةً عن خطاب الطمأنة هذا. إذ يسلط الإعلان الضوء على المؤشرات المالية الواعدة، لكنه يترك في الظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نمو بنسبة 2.9% كافٍ لخلق فرص العمل التي يحتاجها الأردنيون؟ وأين هي المشاريع الاستثمارية الجديدة التي ستستوعب طاقاتهم وتطلق العنان لإمكاناتهم؟

جوانب الإطمئنان: إشارات على طريق التعافي

لا شك أن بنود الموازنة تحمل عدة إشارات إيجابية يمكن للمواطن والتاجر على حد سواء الشعور بها:

1. وقف نزيف الضرائب: قرار "لا ضرائب جديدة" هو رسالة طمأنة قوية للمواطن والقطاع الخاص، بعد سنوات من الإجراءات التي شكت الأعباء المالية. يشجع هذا القرار على الاستهلاك ويبعث برسالة ثقة للاستثمار المحلي.
2. انكماش العجز المالي: يشكل انخفاض العجز المتوقع إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي (مقارنة بـ 5.2% في 2025) مؤشرًا على تحسن في إدارة المالية العامة، حتى في ظل زيادة النفقات، مما يعزز مصداقية الحكومة أمام المؤسسات المالية الدولية.
3. الاستثمار في المستقبل: زيادة النفقات الرأسمالية بـ 230 مليون دينار لتصل إلى 1.6 مليار دينار، وتوجيهها لمشاريع كبرى مثل الناقل الوطني للمياه والسكك الحديدية، هو عصب أي تنمية حقيقية. هذه المشاريع لا تخلق فرص عمل خلال مرحلة البناء فحسب، بل تُحسّن من قدرة الاقتصاد على النمو على المدى الطويل.
4. شبكة أمان اجتماعي متينة: تخصيص 655 مليون دينار للدعم، بما في ذلك زيادات في دعم الغاز والحماية الاجتماعية وبرنامج التأمين ضد السرطان، يظهر حرصًا على حماية الفئات الأكثر هشاشة من تقلبات الأسعار والأعباء الصحية غير المتوقعة.
5. ثقة في الأداء الاقتصادي: توقع ارتفاع النمو الاقتصادي إلى 2.9% والتحكم بمعدل تضخم عند 2%، إلى جانب زيادة الإيرادات المحلية دون اللجوء لفرض ضرائب، يعكس تفاؤلاً رسمياً بتحسن أداء الاقتصاد وكفاءة التحصيل.

وجه آخر للعملة: نقاط تستدعي التريُّث والحذر

وراء هذه الصورة المتفائلة، تبرز تحديات هيكلية لا يمكن للتقرير الرسمي أن يغفلها:
1. الغائب الأكبر: معضلة البطالة: التصريح الرسمي خلو تمامًا من أي ذكر لكيفية معالجة أحد أهم التحديات التي تواجه البلاد، وهي البطالة المرتفعة وخاصة بين الشباب. النمو المتوقع (2.9%) هو نمو "فاقد للوظائف" أو غير كافٍ بكل تأكيد لاستيعاب عشرات الآلاف الداخلين الجدد إلى سوق العمل سنويًا.
2. نقص الوضوح الاستثماري: رغم الحديث عن المشاريع الرأسمالية، يغيب التفصيل حول آليات جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية المباشرة، والتي هي المحرك الحقيقي لخلق الوظائف المستدامة. لا توجد إشارة إلى إصلاحات تنظيمية أو تحفيزية نوعية من شأنها أن تشكل قفزة في مناخ الأعمال.
3. تبعية للمنح الخارجية: يبقى الاعتماد على المنح (750 مليون دينار) مصدر قلق استراتيجي. أي تذبذب في هذه المنح والذي يعود إلى ظروف إقليمية أو دولية قد يخل بموازنة الحسابات ويضطر الحكومة إلى إجراءات تقشفية غير متوقعة.
4. استمرار نزيف العجز والديون: رغم انخفاضه، يبقى العجز بملياري دينار أمراً خطيراً على المدى المتوسط، لأنه يعني استمرار تراكم الدين العام وانزياح جزء أكبر من الموازنة المستقبلية لخدمة هذا الدين عوضاً عن الإنفاق على الصحة والتعليم والتنمية.
5. الفجوة بين الاستهلاك والاستثمار: لا تزال النفقات الجارية (11.456 مليار دينار) تفوق النفقات الرأسمالية (1.6 مليار دينار) بفارق هائل. هذا يعني أن الجزء الأكبر من أموال الضرائب والمنح يذهب لتغطية رواتب الموظفين ومستلزمات التشغيل اليومي، بدلاً من ضخها في مشاريع تدر عوائد مستقبلية.

خلاصة: بين بشرى المواطن وتحدي التنمية

خلاصة القول، إن موازنة 2026 تمثل مشهدًا من مشاهد الاقتصاد السياسي المعقد في الأردن؛ فهي ترسم صورة متفائلة على الورق من خلال أرقام النمو المتصاعد والعجز المتناقص، وتقدم تنازلاً اجتماعياً مهماً بعدم فرض ضرائب جديدة. ومع ذلك، فإن هذه الصورة تظل ناقصة وغير مكتملة. فالنجاح الحقيقي لهذه الموازنة لن يقاس بنسب العجز والنمو فحسب، بل بقدرتها على الانتقال من دائرة التوقعات إلى فضاء التنفيذ الفعلي، وبمدى تأثيرها الملموس على حياة المواطن. التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة ليس في إقرار الأرقام، بل في تحويل هذه الأرقام إلى مشاريع إنتاجية تخلق وظائف، وإلى بيئة جاذبة للاستثمار تُنعش القطاع الخاص. حتى ذلك الحين، ستظل الموازنة وعداً يحتاج إلى إثبات، وخطوة على طريق طويل نحو تنمية حقيقية تلامس هم المواطن الأول: فرصة عمل كريمة.

باحث ومخطط استراتيجي




عدد المشاهدات : (4215)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :