الحسين ابني وابنكم والدلالات السياسية في خطاب العرش


رم - الدكتور لؤي بواعنة

يقلق الملك نعم يقلق،لكن لايخاف إلا الله.عنوان بارز ولافت ويعني في لغة السياسة الكثير الكثير.لم يكن خطاب العرش للدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين الذي القاه سيد البلاد في هذه المرة خطابا عاديا،بل كان خطاباً فاق ببلاغته ومعانيه ومراميه السياسية ووضوحه كل الخطابات والكلمات.خطابا يستحق أن يُدرّس في الاكاديميات العالمية للسياسة الدولية،لما تضمنه من مَعانٍ ورسائل مباشرة وغيرمباشرة. كان خطاباً شديد اللهجة ومعبراً وصريحاً في الوقت نفسه ،فيه من الصرامة ما يكفي،وفيه من الحب لشعبه ما يكفي وفيه من الاعتزاز بإرث آبائه الهاشميين ما يكفي،وفيه من الاعتزازبنضال الجيش العربي ما يكفي،وفيه من الأمل بالشباب الأردني وبولده الحسين ما يكفي للأطمئنان على الوطن وشعبه ونظامه السياسي الهاشمي.

كان خطاب الملك خطاب الواثق من نفسه ونظامه السياسي وشعبه سنده وجيشه الذي ضحى وما زال يضحي من أجل الوطن وقيادته والعروبة وفلسطين .أشاد الملك عبدالله الثاني في خطابه بثوابت عدة كانت هامة للغاية وأساسية لاستقرارالنظام السياسي وصموده عبرالاجيال والفترات السابقة والمعاصرة وهي:‹الأردنيين،والوطن،والحسين الأب وتاريخه،والحسين الابن والجيش والشباب›.ولكن المراقب يلاحظ أكثرما يلحظ ما كان ملفتا لي ولغيري تركيزه على النقاط الست السابقة.ولكنه أكثر تركيزاً على الأردن والأردنيين حتى ذكرها 9 مرات،كما كان ذكره للأمير الشاب الحسين وما يحظى به من مكانة لدى الأردنيين أهمية بالغة للغاية أيضا،وكل ذلك يحمل دلالات رمزية وهامة جداً. فقد قالها الملك بصوت عال يحمل فيها مشاعر جياشة تجمع بين عاطفة الأبوة وبين الاعتراف بالثقة والقدرة لولي عهده،أثبتتها المهمات الجسام له في الداخل والخارج .

الأردنييون حماة الديار

عبرالملك في خطابه عن اعتزازه بالأردنيين الذي هو واحد منهم بل وزعيمهم الأوحد.فقد كرر كلمة الأردن والأردنيين ما يزيد عن تسع مرات،وهذ دليل ما تعنيه الكلمة وما هومعول عليهم من الثبات والصمود والدعم للملك وولي العهد.وقدعبرالملك في خطابه عن وعي الشعب الأردني الذي عاصر التحديات السياسية والمصاعب والأزمات التي عصفت بالمملكة وكان الإنسان الأردني دائما موضع ثقة الملك والنظام،إذ كانوا صادقين على الدوام،كانوا دوما سندأً للنظام والهاشميين بدليل قوله:’’حضرات الأعيان حضراتي النواب،أخاطبكم وأخاطب من خلال مجلسكم الكريم الأردنيين والأردنيات شعبي القريب مني،سند الأردن وذخره’’.كما أشاد الملك بجهود الأردنيين في الداخل والخارج سواءً في العمل،أوفي حماية الوطن والقيام بواجبه وإغاثة الغيرلقوله:’’ يتساءل بعضكم هل يشعرالملك،هل يقلق الملك نعم،ولكن لا يخاف إلا الله،ولايهاب شيئا وفي ظهره أردني،وهذا والحمد الله أثمن ما يشتد به القائد. نعم الأردني حامي الحمى الذي فتح بابه فانتصرللضعيف،ولبنى نداء المستغيث.الأردني،الذي تعلم فَعلّم،زرع فاطعم ،الذي تميزورفع رأسنا بين الشعوب’’.لقد حمل الخطاب الملكي رسائل عديدة أكدت على صدق الأردنيين وتضحياتهم في الداخل والخارج فقد لبّوا نداء الاستغاثة لكل من استغاث بهم من العرب،فكانوا على الدوام نصيرا لفلسطين والجزائر واليمن والعراق وسوريا وعمان. فلم يقصرالأردنيون يوما.ولهذا فهم موضع فخرالملك .

قوة الملك والنظام الهاشمي

عبر الملك عبدالله الثاني عن قوة النظام السياسي الأردني بفضل حكمته واعتماده واعتزازه بالأردنيين وبالشباب الأردني الطموح . وأكد على متانته هو شخصيا وقدرته على الصمود في وجه كل التحديات والأزمات،بدليل ما حدث في المنظقة مؤخرا من حرب غزة،ووقوفه بكل صلابة في وجه كل التحديات،فكان جريئا وصلبا وصريحا أمام كل التقلبات السياسية،وحتى لواعتراه قلق،فإنه لا يخاف من قول الحقيقة وإبداء رأيه في أحداث المنطقة وتجاوزات إسرائيل معتمدا على إلتفاف شعبه حوله ووحدته الوطنية وتماسكه ووقوفهم لجانبه ونصرته سدا منيعا في وجه التحديات جميعها،وهذا سبب استقرارالنظام السياسي الملكي الأردني عبر مائة عام ويزيد . فالملك لا يخاف إلا الله،لأنه مدافعا عن الحق والإنسانية رافضا الظلم الذي تكرسه إسرائيل في المنطقة وفلسطين تحديدا.فهولا يخاف أحداً إلا الله عزوجل.وهذا هو شعورالانسان الواثق من نفسه ومن شعبه والمؤمن بربه ،وهكذا كان والده وجده،وهكذا سيكون الحسين الأمير الشاب،ملك الأردنيين مستقبا.فهده رسالة ملكية للخارج والداخل ذات أبعاد سياسية غاية في الأهمية .

إرث عظيم للحسين بن طلال والجيش العربي

عبّرالملك باهتمامه إلى المراحل الأولى لبناء الدولة الدولة وبناءها،وركزعلى دورالآباء المؤسسين من الهاشميين الذين تبنوا مبادىء وقيم عروبية وقومية في تثبيت أركانها وهويتها،وقد بقي الأردن طوال تلك الفترة راسخا وثابتا وصامدا كالجبال رغم كل الأزمات والصراعات التي عاصرها ورغم كل التحديات السياسية والاقتصادية التي مربها.وهذا ما اعتبره الملك إرثا عظيما أسسه الآباء والأجداد وحافظ عليه بنفسه،وسيحافظ عليه من بعده .كما عد الجيش وتضحياته جزءاً من هذا الأرث وداعما وحاميا له.وقد أبرز الملك دور الجيش العربي وتضحياته التي يشهد بها الجميع،فهذا الجيش مصدر قوة الدولة والملك.وهذا يفسرمتانة النظام السياسي الأردني فهذه الدولة راسخة بنيت على أسس ثابته،من الوحدة والاستقلال والتضحية.فالحسين رحمه الله بنى الأردن وعمل على تطويره طوال فترة حكمه وصمد أمام إسرائيل مدافعا عن حق الشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية وانتصر بجيشه العظيم على إسرائيل في حرب الكرامة،مما يدل على قوة هذا النظام السياسي الذي يعد مصدر اعتزاز الجميع والملك بشكل شخصي بوجود الثلاثي المكون من (الهاشميين والجيش والشعب).فما دام هذا الثلاثي صامدأً وثابتاً على الحق،فلن يخاف شيئا وهذا ما أراده الملك.وكأن الملك يقول أنا راضٍ عن مواقف شعبي الداعمه لسياستي وولائهم للنظام السياسي بقوله:’’على مدى العقود شهدت منطقتنا والعالم حروب وصرعات أزمات اقتصادية وتغيرت هذه الأزمات ،بقي الأردن قويا مستندا لإرث من بنوا هذا الوطن على قيم العزة والكرامة يحميه جيش عربي مصطفوي ،سليل أبطال كانوا وما زالوا حماة للأرض وسياج للوطن.ومهما تعاظمت الأحداث واشتدت اقولها قولا واحد هنا رجال مصانع الحسين درعا مهيبا ’’. وقد بدا من كلام الملك أن استحضار التاريخ المجيد والإرث العظيم للملك الحسين يسهم وبشكل واضح في إظهارعناصرقوة الدولة وتماسكها ومتانتها وجهوزيتها وفي مقدمتها الجيش العربي الذي يعد سياج الوطن وحامي الحمى وهي رسالة واضحة للخارج على قوة الأردن ومليكه استنادا لإرث عظيم وجيش يفدي الهاشميين والوطن بالمُهج والأرواح .

الحسين الشاب ملك المستقبل

أكد الملك في خطاب العرش السامي أهمية هذه الدولة الأردنية الهاشمية في التجديد دوما،فهي ولادة للاحراروالشباب القادرون دوما على حمل رسالة المجد والكرامة والسعي نحو المستقبل وهي رسالة الهاشميين دوما وفي مقدمتهم الأمير الشاب الحسين لقوله:" فهذه الأرض المباركة ولادة الأحراروالشباب الأردني وأولهم الحسين ابني وابنكم جند لهذا الوطن ".فقد بدا واضحا ربط الملك تاريخ الهاشميين الأوائل بالأردنيين في التضحيات المشتركة في وجه كل المحن والتحديات. وهذه حقيقة راسخة في الأردن.فالأردن تاريخ مستمرومنبع للاحرارالذين يقفون دوما في وجه كل التحديات خلف الهاشميين ومعهم سندا وظهراً،وهذا ما سيكون عليه الأردنيين في مستقبلهم المنظور داعمين للأميرالحسين الشاب – حفيد الحسين- الذي يتطلع الأردنيون له لمستقبل واعد للأردن بهمة والده وتوجيهاته ودعمه حكمته وخبرته،والنهل من مدرسته،مدرسة الرجولة والشجاعة.فالهاشميون في الأردن ليسوا حكاماً فقط،بل هم أصحاب رسالة ومدرسة فكرية وسياسية ووطنية وقومية قوامها الوحدة والحرية والقيم والمبادىء والتضحيات والوفاق مع الشعب. فالأسرة الهاشمية سلالة شريفة مباركة متوارثة في الأردن وعلى العهد دوما،بدءاً من الملك عبدالله الأول مرورا ًبالملك طلال،فالملك الحسين بن طلال فالملك عبدالله الثاني ،فالحسين بن عبدالله الثاني.أنها سلالة مباركة،نشأت واستمرت،وعلى العهد بقيت دوما مع الأردنيين وللابد .

الوطن

ركز الملك على أهمية تكاثف الجهود لتطوير الوطن من حيث جميع جوانبه،التعليم والصحة والنقل.كما أكد الملك على مواصلة استمرارعملية التحديث السياسي التي اصبحت ثابتا من ثوابت الدولة بشكلها العام دون رجعة عنه.وهذا لن يتحقق إلا بهمة الأردنيين وعزيمتهم وقناعاتهم .

*كاتب وباحث وأكاديمي في جامعة البلقاء التطبيقية



عدد المشاهدات : (4360)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :