رم - رأى خبراء سياسيون في فرنسا أن إعلان مارين تونديلييه، زعيمة حزب الخضر اليساري، ترشحها للانتخابات الرئاسية لعام 2027، يشكل مؤشرًا واضحًا على بدء السباق نحو قصر الإليزيه مبكرًا، وسط محاولات لإعادة توحيد صفوف اليسار المنقسم في مواجهة اليمين المتطرف.
وأعلنت تونديلييه، البالغة من العمر 39 عامًا، رسميًا، دخولها السباق الرئاسي خلال لقاء صحفي بمدينة بيرك في إقليم با دو كاليه، مؤكدة أن "اليسار لا يمكنه الفوز إلا إذا توحّد خلف مشروع مشترك"، داعيةً إلى تنظيم انتخابات تمهيدية لليسار الفرنسي لاختيار مرشح موحّد.
بداية معركة الإليزيه مبكرًا
ويرى الباحث السياسي الفرنسي فيليب مارليير، أستاذ السياسة الفرنسية والأوروبية في جامعة "يو سي إل" بلندن، والباحث في المركز القومي الفرنسي للبحوث العلمية المتخصص في الأحزاب السياسية الفرنسية، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن إعلان تونديلييه "يمثل الشرارة الأولى لانطلاق الحملة الرئاسية فعليًا"، موضحًا أن "اليسار بدأ يتعامل مع معركة 2027 كاستحقاق مصيري، لا مجرد انتخابات دورية".
وأضاف مارليير أن دعوة تونديلييه إلى انتخابات تمهيدية "هي رسالة إلى الاشتراكيين واليساريين جميعًا بأن الانقسام لم يعد خيارًا"، لكنه أشار إلى أن "توحيد اليسار سيبقى مهمة شاقة في ظل التباينات العميقة حول القضايا الاقتصادية والهجرة والطاقة".
من جهته، اعتبر الباحث الفرنسي فيليب كوركوف، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في ليون، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن دخول تونديلييه السباق بهذه السرعة "يهدف إلى حجز موقع مبكر في المعادلة الانتخابية، واستثمار الشعبية المتزايدة للقضايا البيئية والاجتماعية في فرنسا".
كما حذّر كوركوف من أن "الانقسام اليساري، إلى جانب صعود اليمين القومي بقيادة مارين لوبان، يجعل مهمة توحيد الصفوف أشبه بتسلق جبل سياسي صعب".
ورأى كوركوف أن إعلان مارين تونديلييه ترشحها "لا يمثل مجرد خطوة رمزية من زعيمة بيئية، بل إشارة إلى بدء معركة الرئاسة الفرنسية مبكرًا، في سباق يبدو أنه سيتحدد هذه المرة ليس فقط حول القضايا الاقتصادية والأمنية، بل أيضًا حول قدرة اليسار على تجاوز خلافاته والحديث بصوت واحد".
"الخضر" يسعون إلى تثبيت حضور وطني
وتونديلييه، التي تولّت قيادة حزب الخضر البيئيين منذ العام 2022، تسعى من خلال ترشحها إلى نقل الحزب من موقع الشريك الثانوي في التحالفات المحلية إلى لاعب رئيس في المعادلة الوطنية.
وتُلقّب في الأوساط السياسية بـ"الخوذة الزرقاء لليسار"، نظرًا لمحاولاتها المستمرة التوسط بين فصائل التيار اليساري المتناحرة منذ تأسيس تحالف الجبهة الشعبية الجديدة العام 2024.
وفي تصريحاتها الأخيرة، أكدت أن "المعركة، اليوم، ليست بين اليمين واليسار فقط، بل بين من يختار الأمل في المستقبل ومن يستسلم للخوف"، وفق تعبيرها.
في المقابل، حذّرت ساندرين روسو، النائبة والناشطة البيئية المعروفة، من أن خطوة تونديلييه "قد تُثير انقسامات جديدة داخل اليسار بدل توحيده"، قائلةً لصحيفة "لوموند" الفرنسية: "نحن بحاجة إلى انتخابات تمهيدية شاملة ومفتوحة، لا أن يفرض حزب بعينه مرشحه مسبقًا. الوحدة الحقيقية لا تُبنى بالإعلان الفردي بل بالحوار الجماعي".
وترى روسو أن تحركات تونديلييه تعكس "طموحًا سياسيًا مشروعًا، لكنها أيضًا مغامرة محفوفة بالمخاطر في مشهد يساري مشتت يحتاج إلى إستراتيجية جماعية لا شخصية".