رم - واصل نادي النصر زحفه الناري نحو استعادة لقب الدوري السعودي، مؤكدًا هيمنته المطلقة هذا الموسم بفوز كاسح جديد على حساب الفتح "5-1".
بهذا الانتصار، يغرد "العالمي" وحيدًا في الصدارة بالعلامة الكاملة، محققًا بداية مثالية لم تشهد أي تعثر.
هذا التحول المذهل، من فريق عانى في أمتار الحسم الأخيرة الموسم الماضي إلى "وحش" كاسر لا يرحم منافسيه، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عمل دؤوب وقرارات فنية جريئة اتخذها العقل المدبر البرتغالي، جورجي جيسوس، الذي أعاد تعريف هوية الفريق في وقت قياسي.
في هذا التقرير، نرصد 5 قرارات مفصلية اتخذها جيسوس، كانت كفيلة بصناعة هذا الفريق الذي لا يُقهر.
1. سرعة دمج "ترسانة النجوم"
عادةً ما تحتاج الصفقات الكبرى، خاصة في خط الهجوم، لوقت طويل للانسجام والتأقلم، لكن جيسوس كسر هذه القاعدة. فبدلًا من إدخالهم تدريجيًّا، قرر المدرب البرتغالي الدفع بكامل قوته الضاربة فورًا، البرتغالي جواو فيليكس لم يُمنح رفاهية الوقت، بل دُفع به ليصبح ماكينة أهداف فورية. كينغسلي كومان تحول في أسابيع إلى مصدر رعب دائم على الأجنحة، بينما أضاف إينيغو مارتينيز البُعد المفقود في خط الدفاع.
السرعة الفائقة في توظيف هذا الثلاثي الخطير ومنحهم الثقة الكاملة كانت القرار الأول الذي بنى عليه جيسوس فريقه المرعب.
2. ثورة دفاعية.. "الصلابة أولًا"
عانى النصر في المواسم الماضية من هشاشة دفاعية كلّفته الكثير من النقاط.. كان الفريق يسجل بغزارة لكنه يستقبل بسهولة. جيسوس، المعروف بصرامته التكتيكية، قلب المعادلة رأسًا على عقب، الأرقام لا تكذب؛ النصر يمتلك حاليًّا خط الدفاع الأقوى في الدوري بفارق شاسع عن أقرب منافسيه، لم يعد الأمر مقتصرًا على تألق الأفراد، بل على منظومة ضغط تبدأ من المهاجم الأول وتنتهي عند حارس المرمى. هذا التحسن بنسبة 100% في الصلابة الدفاعية هو الأساس الذي سمح للهجوم بالانفجار.
3. "الكل للكل".. اللعب الجماعي يفرض كلمته
انتهى زمن الاعتماد على الحلول الفردية أو انتظار "بطل" خارق لحسم المباريات، غرس جيسوس في لاعبيه مبدأ "الكل يهاجم والكل يدافع". تحت قيادته، ترى المهاجمين يضغطون كوحوش ضارية في الثلث الأخير من ملعب الخصم لاستعادة الكرة، وتجد الأظهرة تتقدم كوحدة واحدة مع لاعبي الوسط، وعند فقدان الكرة، يعود الجميع ككتلة واحدة خلف الخط. خلق هذا المبدأ فريقًا متماسكًا، يقاتل على كل كرة، ويجعل من الصعب جدًّا اختراقه أو مجاراته بدنيًّا طوال 90 دقيقة.
4. فك الارتباط برونالدو.. هجوم لا يُرحم
لعل القرار الأذكى لجيسوس هو تحرير النصر هجوميًّا من الاعتماد الكلي على الأسطورة كريستيانو رونالدو، رغم القيمة الفنية الهائلة لـ"الدون"، إلا أن الفِرق المنافسة أصبحت تقرأ الفريق بسهولة وتفرض عليه رقابة لصيقة، الآن، المشهد اختلف تمامًا؛ جواو فيليكس يتربع على صدارة هدافي الفريق والدوري برصيد 8 أهداف، في سابقة لم تحدث منذ وصول رونالدو للنادي.
الأمر لا يتوقف عند فيليكس، فكومان وساديو ماني يسيطران على قائمة صانعي الأهداف في الدوري (4 لكل منهما). هذا التنوع يعني أن الخطر يأتي من كل مكان، وأصبح لدى النصر "مثلث رعب" متعدد الأسلحة، مع استمرار رونالدو في دوره كقائد ومحطة حاسمة، ولكن دون أن يكون "الحل الوحيد".
5. إعادة إحياء "الكروت المحروقة"
لا يُقاس نجاح المدرب بالصفقات التي يشتريها فقط، بل بقدرته على تطوير مَن لديه وإعادة إحياء مسيرة لاعبين كادوا يخرجون من الحسابات، جيسوس أثبت براعته في هذا الملف؛ فنجد عبدالله الخيبري، الذي كان مسار حوارات الانتقالات في كل مناسبة أصبح اليوم "رئة" الفريق التي لا تهدأ.
كما أعاد اكتشاف نواف بوشل وحوّله إلى ظهير عصري يجمع بين الواجب الدفاعي والمساهمة الهجومية. هذه "الاستعادة" للاعبين "الكروت المحروقة" أعطت جيسوس عمقًا إستراتيجيًّا في دكة البدلاء، وجعلت الفريق جاهزًا لكل التحديات.