عندما تتحول الطبيعة إلى مصدر دخل… فهل ننتظر أم نبدأ؟


رم -

د. ايمن محمد ابورمان

بين شمس تشرق علينا كل يوم بلا مقابل، ورياح تهب علينا بلا انقطاع، هناك فرصة حقيقية تتشكل فوق تراب هذا الوطن… فرصة قد تغير وجه الاقتصاد الاردني إذا امتلكنا الجرأة على الاستثمار فيها بدل الاكتفاء بالشكوى.

لقد أرهق الانتظار المواطن الاردني، وتعب من الوعود المؤجلة ومن فواتير الكهرباء التي تثقل كاهله شهرا بعد شهر، ومن حديث الأزمات الذي لا ينتهي. أزمات نسمع عنها كل يوم، لكننا نادرا ما نرى حلولا حقيقية تخفف وطأتها على المواطن، بينما العالم من حولنا يتغير بسرعة مذهلة. فبحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة أكثر من 90% من النمو المتوقع في إنتاج الكهرباء العالمي خلال العقد القادم سيأتي من الشمس والرياح. وهذه ليست مجرد أرقام، بل مؤشر على ولادة اقتصاد جديد… اقتصاد يعتمد على ضوء الشمس لا على برميل النفط.

العالم اليوم يعيش ثورة طاقية غير مسبوقة، دول كانت تعرف سابقا كمستوردة للطاقة، أصبحت اليوم مراكز تصدير للكهرباء النظيفة، بعد أن استثمرت في مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية والرياح. ففي مصر، أقيم مشروع بنبان في مدينة أسوان الذي يعد من أكبرمجمع للطاقة الشمسية في العالم بطاقة تتجاوز 1.6غيغاواط، وفي المغرب تم الاعلان عن مشروع ضخم لتصدير الكهرباء الخضراء إلى المملكة المتحدة، وفي السعودية تسعى رؤية 2030 لأن تكون الطاقة المتجددة أحد أعمدة اقتصادها الجديد ومصدر رئيسي لتوليد الدخل المستدام.

كلها أمثلة تقول لنا بوضوح: الثروات لم تعد تستخرج من باطن الأرض، بل تبنى فوقها. لدينا ما يحلم به الآخرون، أكثر من 300 يوم مشمس في السنة، ومناطق تمتاز برياح ثابتة في الشمال والجنوب. تخيل الاردن بعد عقد من الآن، حين تمتد اكبرمزارع الطاقة الشمسية من البلقاء الى الأزرق إلى معان والمفرق، تلتقط الضوء لأكثر من 300 يوم سنويا، وتحوله إلى كهرباء نظيفة بتقنيات تخزين ذكية تضمن إمدادا مستمرا. وفي الشمال والجنوب، تدور توربينات الرياح الحديثة لتغذي الشبكات الوطنية والإقليمية، فنصدر الكهرباء بدلا من استيرادها، ونصنع قرارنا الاقتصادي بأيدينا. بهذا، يصبح الاردن صانع قرار في سوق الطاقة النظيفة، لا مجرد مستورد لها.

أين هي الحكومة اليوم من تشجيع الاستثمار الحقيقي في الطاقة المتجددة؟
أليس أولى أن توجه الاستثمارات إلى انشاء اكبرمشروع للطاقة الشمسية والرياح في الشرق الاوسط داخل الاردن بدل أن تضخ الأموال في الخارج؟
الاستثمار بمشروع وطني واحد بحجم طموح الأردنيين في مزارع شمسية أو رياحية قد يخفف من فاتورة الكهرباء على المواطن المرهق، ويخلق فرص عمل لأبنائه، ويمنح الاردن استقلالا اقتصاديا نفتخر به جميعا. هذه ليست دعوة اقتصادية فحسب، بل نداء وطني صادق: الأوطان لا تبنى بالكلام، بل بالإيمان والفعل المشترك بين الدولة وشعبها.

كفانا نقدا وشكوى، آن الأوان أن نفكر بالتطوير لا بالتبرير، بالحل لا بالمشكلة. لدينا العقول، ولدينا الطبيعة، ولدينا الإرادة، ما نحتاجه فقط هو قرار وطني شجاع يرى في الشمس والرياح مصدر قوة ناعمة، ودخل سيادي، وأمل اقتصادي جديد. الشمس التي تشرق علينا بلا ثمن، والرياح التي تمر بنا بلا توقف، ليستا مجرد مشهد طبيعي، بل رسالة من الله تقول لنا: ثروتكم فوق رؤوسكم… فابدأوا.

الاردن لا ينقصه الضوء، بل الرؤية، ولا تنقصه الرياح، بل الإرادة. فلنحول الشمس والرياح إلى اقتصاد جديد، يضيء مستقبلنا كما تضيء صباحاتنا كل يوم.




عدد المشاهدات : (5998)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :