الدكتور لؤي بواعنة
أسئلة كثيرة، مناشدات أكثر، شكاوى واستغاثات بالمئات، بل بالآلاف، وُجِّهت إلى البلديات ووزارة البيئة والحكومة. لكن، "لا حياة لمن تنادي". الجميع يتنصّل من مسؤولياته، ولكلٍّ مبرّراته بحجة نقص المال الكافي لمواجهة المشكلة. وكما يقول المثل الشعبي: "حاطّين بهاي طينة وبهاي عجينة"؛ وكأن الأمر غير مقلق. أصبح الموضوع روتينيًّا لا يحتاج إلى هذه الضجّة والكلام والشكاوى، بينما المواطنون – أطفالًا وشيوخًا ونساءً – هم الضحايا ما بين الترويع والإيذاء والتهشيم.
السبب واضح: الإنسان الأردني بات بلا قيمة في نظر صُنّاع القرار،ولا قيمة له لدى وزراء حكومتنا الموقرة، وخاصة وزير البلديات والبيئة وأمين عمّان. وكأنهم أكبر من أن يبحثوا عن حلّ. أضف إلى ذلك أنّ هؤلاء المسؤولين لا يقيمون في تلك المناطق، ولا يذهب أبناؤهم إلى المدارس مشيًا على الأقدام؛ بل يأتي الباص ليأخذهم من أمام بيوتهم، أو يوصلهم سائق سيارة الحكومة إلى مدارسهم. أما باقي أبناء الشعب، فـ"الله لا يردّهم" – كما يبدو – لأنهم ليسوا من كبار المسؤولين ولا نوابًا ولا وزراء ولا سفراء ولا أثرياء؛ فلا بواكي لهم… لهم الله فقط!
تصريحات المسؤولين بلا جدوى… والكرسي أهم من البحث عن حل
قضية الكلاب الضالة قديمة جديدة. لم أرَ أو أسمع تصريحًا لمسؤول بهذا الشأن – وحتى أكون منصفًا – سوى تصريح رئيس بلدية كبرى (عماد العزام)،الشخص الذي يُقدَّروقوفه على أولويات المواطن أكثر من وزير البلديات نفسه. في المقابل لم أرَ وزيرًا أو رئيس بلدية أو أمين عمّان قد قدّم حلًّا أو اعترف بالمشكلة نفسها.وإذا سُئل أحد المسؤولين يبدأ حديثه عن التشاركية وصعوبة الحل من قبل البلديات وحدها، فتأتي تصريحاتهم في فراغ ودون جدوى، مجرد استهلاك للشعب والإعلام تنتهي معه المشكلة بعد المقابلة وكأنه لا مشكلة أصلًا.
وقد رأيت على وسائل التواصل الاجتماعي ما قامت به أمانة عمّان من جمع بضع كلاب – لا أعرف من أي منطقة – ربما بدواعٍ استعراضية، ليقولوا إنهم يعملون أو لإسكات الإعلام والسوشيال ميديا، وليس للبحث عن حل جذري. لأنه لو كان الحل جذريًا لما رأينا الكلاب في طبربور وأبو نصير وشفا بدران وحتى ضاحية الرشيد وغيرها.
إلى متى أيها المسؤولون المقصّرون ستبقى هذه الظاهرة؟ إلى متى ستبقى هذه المشكلة تسيء إلى سمعة الأردن وتكشف فشله الإداري، وتقتل أبناءنا وبناتنا؟ ماذا تعملون في مكاتبكم؟ وما ردودكم على هذه الظاهرة؟
لم يبقَ إلا أن نطلب من رئيس الوزراء أن يتدخل لحل هذه المشكلة أو من جلالة الملك نفسه. هذا ما وصلنا إليه للأسف. فالمسؤولون متقاعسون،لا يملكون حلولًا،ولا يكلّفون أنفسهم حتى بالبحث عنها.كلٌّ منهم خائف على كرسيه،لأن الكرسي والمنصب أهم من المواطن المتضرر من تلك الكلاب الضالة.
وزارة الإدارة المحلية العاجزة… وحلول كلامية دون فعل
ظاهرة الكلاب الضالة في الأردن وانتشارها في الشوارع قديمة، ورثتها حكومة جعفر حسان عن حكومة الخصاونة التي فشلت في إيجاد حل. ما أكثر حالات الاعتداء على الأطفال والنساء وغيرهم! يوميًا نسمع أن كلبًا عضَّ طفلًا أو طفلة في الزرقاء أو العاصمة أو إربد أو الرمثا أو المفرق.
رأيتُ بعيني طفلة في الزرقاء الجديدة قبل شهر وهي في طريقها إلى المدرسة، حيث هاجمها كلب كبير عند باب المدرسة يريد نهشها لولا أن الله حماها. جاء في أحد التقارير الإخبارية أن عدد حالات العقر في المملكة بلغ 5600 حالة منذ بداية العام الحالي، فيما سُجِّلت 30 حالة اعتداء من عشرين كلبًا على جسد طفل أردني متوجّه للمدرسة ليعود محمولًا إلى المستشفى بوجه وذاكرة مهشّمين. وكان آخرها حادثة طفلة الرمثا التي عقرها كلب ضار وتسبب لها بجروح كثيرة.
وللأسف، الحلول الموجودة لدى الحكومة تقتصر على التطعيم، لكننا لم نرَ شيئًا لا تطعيم ولا عزل، والسبب – كما يقولون – عدم رصد المخصصات. في حين أن إطلاق النار والتسميم ممنوع قانونيًا كما صرّحت أسماء الغزاوي من وزارة الإدارة المحلية، وأن الحل فقط بالتعقيم. لكن حتى التطعيم والتعقيم غير متوفرين. فما الحل؟ هناك آراء قانونية أخرى تحدّث بها اللواء المتقاعد الدكتور عمار القضاة. فلماذا لا نبحث عن حل ضمن القانون والتشريع؟
قيام المسؤولين بتجميع الكلاب في مدينة الشرق بالزرقاء عند زيارة مسؤول كبير فقط
للأسف يا دولة الرئيس الأفخم، المسؤولون في الأردن – وأقصد كل من هو معني بهذا الأمر – مقصّرون بل ومتآمرون على المواطن المسكين الذي ليس له إلا أن يشكو عبر برنامج صباحي يناشد المسؤولين أو البلديات بإيجاد حل لإنقاذ أبنائه من نهش الكلاب، أو بكتابة مقال صحفي، أو نشر فيديو يستجدي الحكومة والبلدية لإيجاد حل بعد أن يتعرّض ابنه أو ابنته لعضة كلب وتشويه وجهه.
الدليل على أن بعض المسؤولين مضلِّلون أنهم لا يبحثون عن حل ولا عن راحة المواطن واستقراره، ولا حتى عن منحه حقوقه التي كفلها الدستور ممثلة في حقوق المواطنة. المسؤولون لا يتحركون إلا عند زيارة شخصية كبيرة مثل جلالة الملك أو رئيس الوزراء. وقد بلغني أنه عند زيارة جلالة الملك الأخيرة للزرقاء قبل أسبوع قامت إحدى المؤسسات في مدينة الشرق بتجميع الكلاب ولملمتهم قبل الزيارة، وبعد الزيارة عادت الأمور كما كانت بل أسوأ حتى أن الناس أصبحت تتخوف من الذهاب لصلاة الجمعة إلا بالسيارة خوفًا من الكلاب.
هل نحن بحاجة لزيارة جلالة الملك لكل قرية ومدينة ومخيم حتى تنتهي هذه الظاهرة؟ المسؤولون اليوم ملزمون بالإجابة على هذا السؤال، والسؤال لدولتكم تحديدًا، لأن وزراءكم ليسوا معنيين بهذا الأمر وقد فشلوا في إيجاد حل. الحل عندكم يا دولة الرئيس، وإن عجزتم سنرفعه لجلالة الملك أبي الأردنيين الحريص على شعبه.
قانونية الحل بالتسميم بموجب التشريع الأردني
أسهب عضو مجلس الأعيان اللواء المتقاعد عمار القضاة في الحديث عن هذه الظاهرة والحلول التي نظمها القانون، فقال في تصريح لموقع "مدار الساعة":
القوانين المتعلقة بمكافحة داء الكلب ليست جديدة، إذ صدر "نظام داء الكلب" عام 1933، إلى جانب تعليمات لاحقة عام 2018، ونصت بوضوح على إتلاف الحيوان المصاب، وإلزام البلديات بتجهيز مرافق للحجز والعزل، والسماح للمتصرفين أو رؤساء البلديات بإصدار أوامر بتسميم أو إتلاف الكلاب الضالة.
لم يبقَ بعد هذا الكلام كلام، ما يعني أن التقصير هو تقصير البلديات. فماذا ننتظر؟
الحلول
دولة الرئيس، الحل عندكم بتخصيص مال كافٍ بعد تشكيل لجنة على مستوى الوطن تتشارك فيها كل المؤسسات والوزارات لحل المشكلة بشكل جذري، بحيث تتوفر الأموال اللازمة الكافية للحل، وتضم وزارة البلديات والبيئة والصحة والزراعة وأمانة عمّان والبلديات جميعًا.
وأهم شيء توفير المال الكافي المستعجل لحل المشكلة،لأن كل البلديات تتحجج بنقص المال. هذا يحتاج إلى قرار جريء منكم – كما عوّدتمونا – حتى يُسجَّل لكم أنكم تبحثون عن مشاكل المجتمع الأردني. الكلاب أخطر من الفقر والبطالة يا دولة الرئيس!
الكلاب الضالة في الأردن على مكتب دولة الرئيس جعفر حسان
القصة قديمة والمشهد متكرر يوميًا. أذكر أن الموضوع طُرح تحت قبة مجلس النواب عام 2023، حيث قام أحد النواب مشكورًا بعرض فيديو فيه أكثر من عشرة كلاب تجوب الدوار الثامن في الساعة العاشرة صباحا. وقد عرض رئيس المجلس الصفدي الفيديو أمام النواب والحكومة، وللأسف فشلت حكومة الخصاونة في إيجاد حلول.
تساءل الصفدي وقتها: هل هذا منظر؟ ونحن نقول كما يقول كل الأردنيين الآن: هل أصبح الكلب أهم من الإنسان؟ هل نستجدي جمعية حقوق الحيوان للموافقة على حل جذري؟ أم أن حقوق الحيوان أهم من حقوق الإنسان؟ هل نحن دولة عاجزة عن الحل.
إنها وصمة عار في تاريخ حكومة الخصاونة،وستكون وصمة عار في تاريخ حكومتكم يا دولة الرئيس إن لم تجدوا حلًا.والتاريخ لا يرحم. أم ستكونون أنتم الرئيس الذي أوجد الحل؟ الشعب يتأمل فيكم خيرًا،فكونوا عند ثقة هذا الشعب المسكين!
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |