مبادرة ترامب: كرة نار في يد حماس .. فكيف تتصرف؟


رم -
أحمد عبدالباسط الرجوب
باحث ومخطط استراتيجي

في مشهد جيوسياسي ضبابي ومعقد، تمسك حركة حماس اليوم "كرة نار" تمثلها مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة. ليست هذه المبادرة مجرد حلقة جديدة في الصراع العربي-الإسرائيلي الطويل، بل هي معضلة وجودية تُقرأ كـ "محور انعكاس" حيث يرى كل طرف فيها ما يعزز روايته. فبينما يراها الجانب الإسرائيلي "فوزاً بطعم الخسارة"، يراها الفلسطينيون "خسارة بطعم الفوز".

السياق: صندوق أسود ومخاض تاريخي

تعيش الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب حالة من "المخاض الجديد"، يمكن وصفه بانقلاب ناعم على المؤسسات والقيم التقليدية، ما جعل تحليل سياستها الخارجية ضرباً من التكهن بصندوق أسود. في هذا المناخ، اجتمع ثمانية قادة عرب ومسلمين لانتزاع قرار وقف الحرب من "فم الأسد". لكن الصفقة التي خرجت بها واشنطن تحمل في طياتها أجندة أعمق، تضع "الكرة الملتهبة" في ملعب حماس.

ويبرز سؤال غامض: ما دور توني بلير في مناقشات ما بعد الحرب؟ البعض يرى أن "الشيطان لم يكن متاحاً"، في إشارة إلى أن الدور الاستعماري البريطاني يُعاد إنتاجه بوجه جديد. فالخطة تبدو "شيطانية" وتهدف إلى تمكين التوسع الإسرائيلي، لكن يقينيات التاريخ تشير إلى أن مثل هذه المخططات مصيرها الفشل.

تفكيك "كرة النار": ورقة ترامب-نتنياهو

المشهد الذي رُوج له في البيت الأبيض هو في جوهره "حفلة ترامب-نتنياهو". المبادرة هي "الورقة الخاصة بترامب ونتنياهو"، وليست خطة سلام حقيقية. لقد كان الهدف إفراغ ما تم تداوله في الأمم المتحدة وإعادة ترتيب الأوراق وفق الرؤية الأمريكية-الإسرائيلية.

وتكشف النسخ المختلفة للمبادرة - نسخة تركيا، نسخة العرب، ونسخة نتنياهو (النسخة النهائية للتنفيذ) - عن طبيعتها التكتيكية. ومن البديهي أن أي مبادرة أمريكية لن تخرج إلا بالتنسيق الكامل مع دولة الاحتلال.

أبرز بنود الخطة (نسخة نتنياهو) تشمل:

1. الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين خلال 48 ساعة من وقف إطلاق النار.

2. انسحاب إسرائيلي تدريجي وجزءي، مع الاحتفاظ "بحرية العمل الأمني" الكاملة داخل قطاع غزة.

3. إقصاء دور السلطة الفلسطينية، والاكتفاء بدور شبه رمزي لها، ورفض إدارتها للقطاع.

4. خطة انتقالية بإشراف "خبراء دوليين" بقيادة توني بلير، تديرها الولايات المتحدة، مع تركيز كبير على الجانب الأمني.

5. فترة انتقالية تمتد من 3 إلى 5 سنوات، وهي النقطة المفصلية التي تثير القلق. فخلال هذه السنوات، ومع احتفاظ إسرائيل بحق النقض (الفيتو) وقدرتها على خلق وقائع على الأرض في الضفة الغربية وغزة، ما الذي سيبقى من الأرض الفلسطينية؟ هنا "مربط الفرس" حيث قد تُدفن فكرة حل الدولتين إلى الأبد.

6. قوة عربية متعددة الجنسيات تدير الأمن، بإشراف أمريكي مباشر من قبل جنرال أمريكي. هذا النموذج يستحضر التجربة الفاشلة في لبنان، حيث خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار آلاف المرات تحت أنظار المشرفين الدوليين.

7. إلقاء عبء إعادة إعمار غزة، بتكلفة قد تصل إلى 200 مليار دولار، على الدول العربية، لإعادة بناء ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية.

هذه القراءة تؤكد أن الخطة "مفخخة". فغداً، قد يتجادل الأمريكيون والإسرائيليون عليها علناً، وسيظهر الإسرائيليون وكأنهم يعارضونها، بينما هي في الحقيقة تجسيد حرفي لرؤية نتنياهو.

المعادلة المستحيلة: كيف تتصرف حماس؟

هنا تكمن المعضلة: كيف تمسك حماس بهذه "الكرة النارية" دون أن تحترق؟ يُعارض البعض قبول المبادرة باعتبارها شكلاً جديداً من الاستعمار، وهذا الرفض مشروع. لكن ما فات هؤلاء هو أن الرفض أيضاً قد يكون انتحاراً، يقضي على ما تبقى من بشر وحجر وشجر في غزة.

قبل الموافقة أو الرفض، فإن الأهم هو الوحدة. الأهم أن تتفق الفصائل الفلسطينية على أن مصلحة الأرواح والدماء هي فوق كل اعتبار. لا يجب أن نسأل فقط من يحمل السلاح في فلسطين عما يريد، بل يجب أن نسأل المواطنين العزل. سيجيبك هذا المواطن: "نريدكم أن تتوحدوا كمكونات فلسطينية من أجل مصلحة شعبنا، وليس من أجل أجنداتكم السياسية." سيقولون: "نريد الموت دفاعاً عن قضيتنا، لا أن نموت بسبب قرارات مرتجلة غير مسؤولة." سيصرخون للعالم: "نحن شعب يستحق الحياة، فاتركوا لنا الحياة فوق تراب فلسطين، لا الموت تحته."

الاحتلال عار، والمقاومة تغسل العار. لكن القرار الأصعب هو اختيار معركتك في الوقت والمكان المناسبين لتحقيق الحرية. السؤال : هل تستطيع حماس حمل "الكرة النارية"، بل هل تستطيع إلقاؤها بالاتجاه الصحيح دون أن تحرق نفسها ومستقبل غزة؟

السيناريوهات المستقبلية: بين المطرقة والسندان

في هذا المشهد المركب، تواجه حماس اختباراً وجودياً. يبدو أن خياراتها قليلة في ظل موافقة الموقف العربي والإسلامي الرسمي على المبادرة، انطلاقاً من مبدأ "هذا أفضل الممكن". إذا ارتفع هذا الغطاء العربي والإسلامي، ستجد حماس نفسها مستنزفة عسكرياً وسياسياً، وقد تدفعها الضغوط إلى قبول المبادرة، مع محاولة التفاوض على "تحسينات هامشية". وبالتالي، من المرجح أن نرى رداً إيجابياً منها، وإن كان قسرياً.



عدد المشاهدات : (4036)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :