رم - أ.د. لؤي بواعنة
يبدو أن الظرف السياسي الراهن الذي تمر به الأردن والمنطقة والإقليم بشكله العام يدعونا إلى مراجعة شاملة لكل الحسابات والخطط والعلاقات الدولية والإقليمية مع عددٍ من الدول؛ لإعادة تشكيل تلك العلاقات بقصد إقامة تحالفات جديدة.وفي هذا الإطار، نحن بحاجةٍ إلى إعادة تقييم جذري لعلاقاتنا مع إسرائيل، بما يضمن حماية مصالحنا وأمننا الوطني تحسّبًا لارتكابها أي مغامرة سياسية أو عسكرية على حدودنا.
لقد كان لحرب السابع من أكتوبر أثرٌ كبير في تأجيج الصراع برمّته بين العرب وإسرائيل، بل بين بعض الدول الإسلامية وإسرائيل، وخاصة تركيا وإيران، حتى طالت هذه الحرب العلاقات الأوروبية–الإسرائيلية فأصبحت في مهب الريح، بدليل ما اتخذته كثير من تلك الدول من مواقف وإجراءات عقابية ضد دولة «الكيان»، تنوعت بين المقاطعة الاقتصادية والسياسية.
إن ما تقوم به دولة الكيان الصهيوني من حرب إبادة ضد إخواننا في غزة، وما تمارسه من شتى صنوف القهر والظلم من قتل وتجويع وتهجير في غزة، وكذلك في الضفة الغربية بتقويضها قيام دولة فلسطينية وتوسيع مشاريع الاستيطان، كشف حقيقة هذه الدولة وغطرستها وسياستها ومخططاتها دون لبس. فقد أعلن مؤخّرًا، دون مواربة وعلى لسان نتنياهو، عن حلمه وارتباطه وإيمانه بمشروع «دولة إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات،وطموحها بضم جزءٍ من الأردن وسوريا؛ وهنا يكمن الخطر الداهم.
لم تقتصر سياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على التصريحات الاستفزازية والاستعمارية على لسان حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، بل امتدّ الأمر ليشمل سلوكها العسكري، متجاوزةً كل المواثيق والأخلاق الدولية –ليس فقط في غزة بل وفي الضفة الغربية أيضا- بل بتدخلها العسكري السافر في سوريا ولبنان واليمن وإيران وقطر مؤخرًا، مما يدل دلالةً واضحة على عدم مبالاة إسرائيل بكل من يعارض سياستها، وضربها المجتمع الدولي وقوانينه عرض الحائط، وخرقها لكل الأعراف والقوانين الدولية وتحديها لدول الشرق الأوسط برمتها، حين أعلن رئيس حكومتها نفسه أنه سيغيّر شكل الشرق الأوسط؛ وفي هذا تهديد للسلم في الإقليم والعالم.
المطلوب أردنيا على المستويين السياسي والشعبي،أن تؤخذ تصريحات دولة الكيان الصهيوني بعين الاهتمام وبمحمل الجدّ،سواء تلك التي ينظرون فيها إلى غور الأردن كجزءٍ من حلم «دولة إسرائيل الكبرى»، أو تلك المتعلقة بتهجير أهل غزة والضفة الغربية إلى الأردن، وخاصة ما صرّح به سموتريتش قبل أيام بشأن حملة الجوازات الأردنية.
لم تكن تلك التصريحات الاستعمارية لتمربسهولة دون ردع؛ فقد قامت الدولة الأردنية، ممثلةً بوزيرخارجيتها أيمن الصفدي ووزير الاتصال الحكومي محمد المومني، بالرد وفق الأطر الدبلوماسية الأردنية اللازمة، مؤكدين أن الأردن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تلك السياسات الإسرائيلية الاستفزازية ضد الأردن والضفة الغربية، والتي جزءٌ كبيرٌ منها موجه بشكل مباشر ضد الأمن الوطني الأردني، وأن الأردن قادر على حماية أرضه وحدوده وشعبه.
كما أثارت تلك التصريحات غضب عدد من السياسيين والبرلمانيين الأردنيين؛ فقد صرّح رئيس مجلس النواب الأسبق عبد الكريم الدغمي، وهو من الرموز الوطنية والمحسوب على النظام السياسي، مطالبًا بإعلان الأحكام العرفية واعتبار البلاد في حالة حرب مع دولة الكيان، داعيًا إلى تشكيل حكومة عسكرية. وفي حينه، كان بسام العموش، الوزير والنائب الإسلامي الأسبق، أكثر صرامةً من خلال دعوته لتحويل المجتمع الأردني إلى مجتمعٍ عسكري تحت قيادة الجيش ودعوة الأردن لعقد قمة عربية على مستوى رؤساء الأركان. كلا النائبين التقاطا الإشارة بذكاء: دولة الكيان تستهدف المنطقة برمتها ومنها الأردن. ومن هنا جاءت دعوتهما للاستعداد النفسي والمادي والعسكري وتبنّي استراتيجية عسكرية ضد هذه الدولة المارقة قبل فوات الأوان.
فدولةٌ كهذه لديها مطامع تتجاوز كل الحدود؛ فهي تعشق الدم العربي والتوسع على حساب الأراضي العربية. إنها دولة لا تحكمها الأعراف الدولية ولا الأخلاق السياسية، ولا تقيم وزناً لأي اتفاقية دولية—لا لوادي عربة ولا لغيرها—وقد استهترت ونكثت عهودها في اتفاقية رودس الموقعة عام 1949 مع الأردن ومصر وسورية. وهذا يعني أنها تسعى للتمدد في المنطقة مستغلة بذلك الصمت والضعف العربي والإسلامي والدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية.
السؤال المشروع: ماذا أعددنا بعد كل ذلك؟ هل نمتلك خططًا واستراتيجياتٍ عسكرية جاهزة للتنفيذ في حال تعرّضنا لاجتياح من هذه الدولة المارقة وهذا الرئيس المتطرّف والمقامر؟ هل بادرنا بتوقيع اتفاقيات،أوأعدنا نظرًا بتحالفاتنا،أو رسمنا سياسةً عسكرية جديدة تتناسب والتهديد الحاصل،كما فعلت المملكة العربية السعودية قبل أيام بعقد اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، وهي دولة إسلامية قوية وتملك سلاحًا نوويًا؟ كما قامت دول الخليج، إثر استهداف قطر من قبل دولة الكيان، بالدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع العسكري المشترك لمجلس التعاون الخليجي، وكان من أهم مقرراته تسريع أعمال فريق العمل المشترك الخليجي لمنظمة الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية وزيادة التبادل الاستخباراتي بينها.
أما نحن فماذا فعلنا عسكريًا؟ وماذا ننتظر؟ وصحّ المثل الأردني: «العلق عند الغارة ما بينفع». وهل حليفنا الاستراتيجي الأمريكي يشكل ضمانة لنا بعدم الاعتداء علينا؟ لا أعتقد ذلك،لأن قطر الشقيقة كانت بالأمس هدفًا إسرائيليًا بعلم الولايات المتحدة الأمريكية.
لن أدعو إلى الوحدة الوطنية وزيادة مستوى الوعي— فهذا أمر محسوم أردنيًا على المستوى الشعبي وعلى مستوى القيادة— لكني أدعو إلى اتخاذ إجراءات عملية لمؤازرة الدولة عسكريًا واقتصاديًا ووطنياً، بتعبئة عامة ضد دولة الكيان الصهيوني،والإعداد ماديًا على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة، بما فيها المجلس التشريعي بسنّ قانون يدعم المجهود الحربي الأردني وحماية حدودنا ودعم قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية.يمكن تسمية هذا القانون بما يراه المشرع مناسبًا،لكن مضمونه يتلخّص في مساهمة المواطن في الدفاع عن الوطن من خلال دعمٍ مادي يُمكّننا من مجابهة إسرائيل في حال حدوث ذلك باستباق الحدث.
ومن صورالتمويل المقترحة فرض ضريبة أو رسمٍ خاص تحت عنوان «الدفاع عن الوطن»، مثل: «دينار حماية الوطن من إسرائيل»، أو «قرش حماية الوطن من إسرائيل»، أو «قرش الردع» على كل مواطن شهريًا،أوعند كل معاملة رسمية بفرض قرشٍ واحد، أو وضعه على كل فاتورة كهرباء أوعلى كل دفترعائلة،حسبما يرى المشرع.بحيث نستطيع دعم جيشنا عسكريًا دون أن نُثقل كاهل الدولة والنظام أونُجبرها على عقد صفقات لشراء أسلحة بالقروض أوغيرها، مع علمنا بما تعانيه بلادنا من مديونية وظروف اقتصادية صعبة،أوفي حالة تعذّر بعض الدول الصديقة لإسرائيل عن إمدادنا بالسلاح في حال حدوث حرب —لا سمح الله.
وكلي ثقة بصدق جميع مؤسساتنا في حمل أمانة المسؤولية، واستعداد الشعب للمشاركة في ذلك لما يعنيه الأردن والوطن لكل واحدٍ منهم.
*كاتب وباحث أردني / جامعة البلقاء التطبيقية