رم - ميلاد رسول الرحمة
بقلم الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات
في مثل هذا اليوم الميمون، وُلد النور، وأشرقت الأرض بضياء سماوي جديد. خرج إلى الدنيا خير البرية محمد ﷺ، فغدت مكة مهوى القلوب، ومن قلبها انطلقت رسالة تهدي الحائر، وتروي الظمآن، وتبدد غيوم الجهل لتشرق شمس الهداية والرحمة على العالمين.
ميلاده ﷺ لم يكن حدثًا عابرًا في سجل التاريخ، بل كان فجرًا إنسانيًا خالدًا، وميلادًا لمعنى جديد للحياة. لقد جاء ليعلّم البشرية أن القلوب لا تُفتح بالسيوف، بل بالكلمة الطيبة، بالصدق الذي يزرع الطمأنينة، وبالعدل الذي يُنصف المظلوم، وبالرحمة التي تحيي النفوس قبل الأجساد.
كان ﷺ رحمة تمشي على الأرض؛ حانيًا على الصغير، مُكرمًا للكبير، قريبًا من قلوب الناس وهمومهم. عاش بينهم متواضعًا، يشاركهم أفراحهم، ويتألم لآلامهم، حتى قالوا: "ما رآه أحد إلا أحبه". فكيف لا يُحب من كان بلسمًا للجرح، وأملًا لليائس، وضياءً للسالكين؟
جمع النبي ﷺ في شخصه صفات القائد العظيم الذي لم يعرف قسوة ولا جبروت، والمعلم الحكيم الذي يزرع العلم في العقول والنور في الأرواح، والإنسان البسيط الذي يجلس على الأرض مع أصحابه، ليؤكد أن العظمة الحقيقية لا تُقاس بعرش أو سلطان، بل بصدق القلب ونقاء السريرة.
واليوم، في زمنٍ تضج فيه الماديات وتضيع القيم وسط ضجيج الحياة، نحن بأمس الحاجة إلى أن نعود إلى هديه العطر. شبابنا يحتاجون أن يتعلموا من سيرته معنى الرحمة في عالم غلُظت فيه القلوب، ومعنى الصدق في زمن كثرت فيه الأقنعة، ومعنى العدل في مجتمعات تئن تحت وطأة الظلم. إن حب النبي ﷺ ليس شعارات نرددها ولا احتفالات عابرة، بل هو سلوك حيّ، واقتداء عملي، ووفاء عميق لرسالته.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف ليست يومًا نزين به الشوارع بالأضواء، بل فرصة نزين بها قلوبنا بأنوار الإيمان. هي دعوة لنعلّم أبناءنا أن محمدًا ﷺ باقٍ برسالته ما دامت السماوات والأرض، وأنه سيظل رسول الرحمة، قدوة الأجيال، وهادي الإنسانية إلى الطريق المستقيم.