رم - مهدي مبارك عبد الله
قال الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ( توشك القرى أن تخرب وهي عامرة قيل وكيف تخرب وهي عامرة يا أمير المؤمنين قال إذا علا فجارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها )
دعونا نتعرف على أصل هذه التسمية من أين جاء الجوخ هو نوع من القماش الصوف( مخمل ) والكلمة تركية الجذور و ( الجوخة دار) مصطلح معروف كان يطلق في السابق على الشخص الذي يقوم علي خدمة السلطان في إعداد وتنظيف وتلبيس الأحذية ثم توسع المعنى وشمل من يقومون بإسدال الستائر وفتحها في السراي وقصور الوزراء ولما كانوا يلبسون الجوخ فقد أطلق عليهم الاسم مشتقا مما يلبسون أصحاب الجوخ
من هذا الفهم تم صياغة مصطلح مسح الجوخ كدلالة رمزية على التقرب لصاحب المنصب بالتملق والكذب والخداع والرياء وكثرة مسح الجوخ والتملق والمداهنة بشكل كبير خصوصا في الوظائف العامة حيث تجد بعض لمسؤولين يفتحون بازارا دائم لتجارة سوق النفاق والرياء ويقربون منهم كل هماز مشاء بنميم بل بعضهم يفتح حلبة سباق علنية لفرسان النقاق الوظيفي ولا يستطيع العيش بدون جوقة تطبيل وتزمير وتجسس ولا تغفو عينيه ويطمئن قلبه إلا بوجودهم من حوله
في المقدمة لابد أن نعلم أن مسح الجوخ هو مرض اجتماعي مزمن ينمو بكثرة في المجتمعات الفردية المتخلفة التي لا يستطيع فيها المواطن الحصول على حقوقه المدنية والمادية والوظيفية الا من خلال هذا السلوك المرفوض والمزدرى وفي المجتمعات الحديثة والواعية والديمقراطية والتي تحقق العدالة الاجتماعية و تتساوي فيها الفرص بين المواطنين بعدالة اجتماعية منضبطة ينعدم وجود مثل هؤلاء الأشخاص الطحالب وتنتفي هذه الصفات المشينة
الأمثال الشعبية العربية في التراث المتوارث لم تترك موقف إلا وقالت فيه عبرة وشكلت مرآة صادقة تعكس الحدث وترسم الواقع لكثير من الصفات والسلوكيات لبعض الناس وكأنها اشبه بحاوي ماهر يتنبأ بما هو قادم يوم كانت الناس تعيش على البساطة والفطرة السليمة والصدق والأمانة والكرامة والشهامة والمروءة لا يعنيها ان تأكل لحوم بعضها البعض غير مملحة ولم تترك تلك الأمثال في أرشيفها الجمعي مجالسة ولا واقعة الا وكان لها فيها قسط وافر من الحكمة والخبرة والتصحيح
ها نحن اليوم مع المثل الشعبي عنوان المقالة أعلاه والذي يجسد دوره شخصية ( ماسح الجوخ ) والشخص المتملق والتي أصبحت سمة غالبة ومحببة ومرغوبة وسلم يتسابق عليه البعض ويدفع الغالي في سبيل الوصول اليها بعدما كانت نقيصة وذميمة وصاحبها ملفوظ ومكروه لأنه يهدر كرامته وعزة نفسه و شرفه وهي اهم صفة في أصحاب النفوس المريضة والدنيئة والخسيسة التي تقتات وتتكسب على ماء وجهها وكرامتها
مسح الجوخ اصبح اليوم فن تكتيكي قائم بذاته في عصر النفاق الذي جعل االنكرات والمغمورين وجهاء القوم وسادة وقادة واول الركب وهو سلوك لا يحتاج الى شهادات و مؤهلات ومعاهد وجامعات وتدريب فق بل يحتاج فوق كل ذلك الى إنسان رخيص ولسان حاذق متلون يحسن انتقاء كلمات المديح الزائف والتزلف والتملق والنفاق المصطنع وكثير من المسؤولين وصلوا إلى مناصبهم ومواقعهم بهذا السلوك المنحرف وتلك الصفات القبيحة من التملق والواسطة و المحسوبية وهم ليسوا مؤهلين ولا يحسنون فن القيادة او الإدارة أو التطوير
أول من استخدم نظام مسح الجوخ عالميا هو المفكر السياسي البراغماتي ميكافيلي حين وضع نظريته الغاية تبرر الوسيلة ومن ابرز ترهات وويلات مسح الجوخ واثاره السلبية على المجتمع والإدارة العامة انه يحول بعصاه السحرية العجوز الشمطاء لفتاة حسناء وأصحاب العقول الخرقاء والنفوس الجوفاء لأشخاص في أعلى المراكز المناصب القيادية وسلالم الارتقاء كما يجعل من الغبي أستاذا جامعياً وينقل الوضيع إلى مكان رفيع وإن ماسح الجوخ يبقى يداهن للحاكم والمسؤول ويحلل ما حرّم الله ويعين على الظلم ويزينه ويلازم الفساق والأثرياء اهل المال والجاه ويمسح عباياتهم المخملية من عوالق الأتربة بكرامته وسمعته ويلعق احذيتهم بلسانه حتى يحقق غايته ويصل الى هدفه
هنالك الكثر من الصفات غير المحمودة التي تدلك على ماسح الجوخ المتملق وهو يقوم بالمديح الزائف والرياء والنفاق والتزلف وتقبيل الأيادي والتذلل والخضوع لأصحاب السلطة وكل من له مصلحة معهم بهدف التسلق وتحقيق مكتسبات لا يستحقها حيث تجده في أي خلاف أو صراع مع الطرف الأقوى ظالم او مظلوم وهو ذلك الشخص الذي يقفز من مكانه سريعاً ليلبي طلب المدير بكأس ماء أو خدمة آخري خلال اجتماع عمل أو زياره وهو الذي تجده يضحك بصوت عالٍ حين يلقي المدير بفكاهة غير مضحكة فترى وجهه مصفرا ممتقع بالحقارة والنفاق
في ذات الوقت بينما يقضي الشرفاء والمخلصين ليلهم ونهارهم في العمل الجاد والمنتج في إعداد الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذها للحصول على مكافأة أو ترقية يأتي هذا المخلوق الهجين على حين غرة فينافسهم مكانتهم واعمالهم من دون أي جهد أو تعب وفي كثير من الأحيان يحظى بالترقية والتكريم قبلهم جميعا لأنه الأقرب إلى قلب وعقل المسؤول ذو الرأس المربع
المؤسف ان كثير من الأمثال والأقوال الشعبية المستخدمة اليوم تدعو و تدعم مثل هذه التصرفات المشينة حيث يقال في سوريا مثلا " تمسكن لتتمكن " و" يلي بيعرف يمسح جوخ أحسن من يلي بأيدو صنعة " و" بوس الأيادي لتضحك عاللحى " و " تملق لتتسلق " ويقال ايضا عندنا في الأردن " هز الذنب هز اذا حابب تعيش بعز وظل" احلم بالمدير لما تشوفه فز " ما يفوتك يوم دون ما تبوس الراس " والمعلوم ان هز الذنب لازم يكون طبع ومراس وفكر كلامي رخيص إذا بدك تصير كبير فالوصول سهل حتى لمنصب الوزير بالنفاق والتزلف
هؤلاء هم المتسلقين والوصوليين أصحاب الولاءات للمصالح الفردية النفعية يعيشون بيننا ويعيثون فسادا فينا ويتدرجون في المراتب والمناصب وهم عصابة مجرمة قتلت عن عمد وسبق إصرار معظم الكفاءات الوطنية الصادقة وقزمت انجازات المجتهدين وأهدرت مقومات التنمية والتقدم والازدهار ورسمت اسوأ صورة للإنسانية الصادقة والمخلصة
اخي المواطن البسيط والموظف العام الأمين الشريف المنتمي لا تترك نفسك متراسا للباطل في وجه الحق واعلم ان خوفك وحبك لله ثم دينك ينبغي ان يغلب على كل حب للشهوات والأموال و الجاه و المراتب والسلطان لتنال مبتغاك من الله رضوان ورحمة وجنة عرضها السموات والأرض يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم فلا تسمح للباطل والنفاق والرياء أن يتجمل بك فيعلو فهذا هو العار بذاته وأبشع صوره ولا تطيع نفسك بأن تكون في صف من باع الدين والوطن والضمير والأخلاق لتخسر دنياك و آخرتك فتصبح مذموما مدحورا من اجل حطام دنيا زائلة
كاتب وباحث محتص في الشؤون السياسية
[email protected]