رم -  د. لؤي بواعنة *
البربيطة أوكما تسمى (سيل الحسا) قرية منسية قابعة في جنوب الأردن في الطفيلة،التي تعرف بالطفيلة الهاشمية،وتبعد قليلاعن سد التنوربضعة كيلومترات وتقع في الطريق إلى حمامات عفرا.قرية نسمع ونقرأعنها في الكتب المدرسية،وفي نشرات وزارة السياحة،بأنها تزخربوجود المياه المعدنية الحارة ومعبد نبطي قديم يعود للأنباط.ولكنها على أرض الواقع شيئا مختلف.وعلى الرغم من قربها من سد التنورإلا أن أهلها عطشى وجوعى لا كهرباء لاصحة ولامياه صالحة للشرب فهي تفتقرلأقل الخدمات التي يحلم بها المواطن الأردني.وعلى الرغم من وجود منتجعات سياحية إلا أنها خاليه ومهملة لضعف الاهتمام بها،وأهلها باطلون عن العمل،على الرغم من وجود العديد من مزارع الجوافة.فهل هذا الأردن الذي نحلم به.وهل هذه الأيام الجميلة التي لم نراها بعد على رأي أحد رؤساء الوزراء السابقين.أم أن ما يجري في عمان العاصمة وبيوتها الفخمة لاعلاقة له بقرى الأردن وبواديها ومناطقها النائية،فهو للاستهلاك الإعلامي فقط .
يبلغ عدد سكان القرية 600 نسمة.ويعيش أهلها مأساة يومية.لم نسمع بمثل هذا الواقع الخدمي والصحي والاقتصادي البتة،ويبدوأن أهلها فقدوا الأمل فانقطعت مناشداتهم رغم وجود مكرمة ملكية بإنشاء عددمن البيوت أوالشقق للأسرالعفيفة. ففي المرحلة الأولى منها تم بناء 14شقة،وفي المرحلة الثانية تم بناء 18 شقة والثالثة وعد أهل البلدة ببناء12 شقة،وما زالوا ينتظرون أن ترى النور منذ 4 سنوات،والذريعة حجج مختلفة .
قرية البربيطة قرية منسية،لم يكتب لها القدرأن تنعم بالخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وخدمات صحية.لم يزرها مسؤلاًمنذعشرات السنين.ولعب القدرمعها يوما بأن يعين الشاب عمرالبدورفي مدرستها الثانوية.فعرف معنى الوطن بحكم مشاهدته لمعاناة أهلها. ومنذ تلك الايام أخذعلى عاتقة أن يعمل على إيصال هموم تلك القرية ومعاناتها للمسؤولين.وقدرله الالتقاء بجلالة الملك ونقل هموم القرية،ونقص سكناتها فكانت المكرمة الملكية لإيواء أهلها،حتى حصل القدروالتقى بعامرالرجوب "صوت الوطن والمواطن"،الذي زارالقرية ووقف على معاناتها وشرب من ماءها الأحمر ورأى معاناة شبابهاوبناتها وشيوخها وعجائزها،فنقل الصورة حيةعبرأذاعته"عين " .ومن هنا بدأت الحكاية،وتم كشف المستورالذي كشف عن قصور واضح لدولة بأكملها في معاناة أهلها وقصورها بتحقيق العدالة بين مواطنيها الذي كفله الدستور.فالقرية خارج التنظيم ،وأهلها " بدو رحل " ،فلا يعرفها وزراء ولا يعرفها نواب إلاعند سرقة أصواتهم للوصول لعمان لتحقيق أحلامهم،لا لتحقيق أحلام قريتهم،بل تذهب وعوداتهم مع الهواء فور وصولهم لقبة العبدلي .  
أن ما يحدث في هذه القرية الأردنية يشابه الخيال.والسؤال الذي يطرح نفسه،هل ما يعيشه أبناء هذه القرية من مأساة وعوز وحاجة يعزز لديهم حقوق المواطنة.هل ما يعيشه بنات وأطفال هذه القرية يجعلهم مواطنون متساون في الحقوق والواجبات مع أبناء عمان العاصمة وإربد والسلط وغيرها من مدن الأردن . أن ما يعانيه أهل هذه القرية يجعلنا أمام مأساة القرن الحادي والعشرين.هل يعقل أن أهلها يشربون ماءً أحمر اللون؟ وهل يعقل أننا في الأردن. أيعقل من يشاهد معاناة البربيطة ويشاهد شوارع عبدون وقصورعمان والرمثا في الوقت نفسه،يصدق أننا في الأردن.هل يعقل أن وزراء المياه في الأردن لايعرفون هذه القرية،ولايسمعون بمعاناتها ولا يشاهدون المياه التي يشربونها.فالحقيقة المرة التي يعرفونها أولايعرفونها أنها قرية من دون مياه،وأن وجدت بها مياه فهي غير صالحة للشرب،لونها حمراء ويميل إلى اللون البرتقالي،ويتكبد أهلها لجلب المياه بمبلغ وقدره 60 دينارا شهريا. ناهيك عن أمراض الكلى التي يصاب به أهل القرية. وقد كشف أستاذ القرية عمرالبدورعبر قناة عامر الرجوب أن عدد المواطنين الذين ماتوا بمرض الكلى من وراء مياهها الملوثة 12 شخصا،كان آخرهم سيدة العجوزأسمها (أم مريم) وتبلغ من العمر 93 عاما وتعاني من الكلى،وتشكي إلى الله من أوصلها لهذا الحال.
السؤال الذي يطرح نفسه أين الحكومات من هذه القرية التي ينقصها الماء والكهرباء والمراكز الصحية ؟.أين المسؤولون في الحكومة الأردنية.أين رجالات الدولة الذين تولوا مناصب هامة في الدولة وأدعوا أنهم خدموا وقدموا ؟ أين نواب الأمة الذين يتبجحون عبروسائل التواصل أنهم نواب وطن.أين نواب المحافظة أنفسهم من معاناة  أبناءهم ؟ أين المستشارون في الوزارات الذين تعينهم الحكومة من هموم الناس ومعاناتهم.أين التنمية الاجتماعية من كل هذا الفقر الذي وصل إليه حال أهل القرية،حتى أن أحد أولياء الأمور صرّح بأن سيطلب من ابنته عدم الذهاب للجامعة لتكاليف المواصلات وعدم القدرة على الانفاق عليها،حتى أن طلبة مدرستها استهجن عند رؤيته لسندويشة من الفلافل أحضرها أحد أساتذه المدرسه معه ليأكل. إلى هذا الحد وصلت بعض مناطقنا،وليس من مجيب وليس من منقذ ؟ أين نحن ؟هل نحن في الأردن ؟
يا لها من قرية صامدة،حيث يعيش أهلها فيها رغم شح الخدمات.ولا يملكون فن الشكوى أوالردح لأنهم يعشقون الأردن والملك ليس أكثر.أنها البربيطة تلك القرية التي تعاني من نسبة عالية من الأمية،لايعرفون القراءةولا الكتابة ولا مراكز صحية .،فاقرب مستشفى يبعد عنهم حوالي 45 كيلو .لا كهرباء لا نت ولا أي خدمة من الخدمات التي ينعم بها الإنسان،أما مياهها وهي الأسوء فهي غيرصالحة للشرب.أي تهميش ما بعده تهميش. وإن كان هناك دعم يتلقاه البعض لا يصل إلى 100 دينار،ومع ذلك لا تجدهم ينتقدون الحكومة،ولا يناشدون إلا الملك ،لأنه هو الأصدق مع شعبه.أيعقل أننا في كل شي من واجبات الحكومة نناشد الملك.أيعقل أن يصبح الملك هو المسؤول عن إيصال الكهرباء والمياه والتعليم والصحة.أن دل على شيء فإنه يدل على تقصيرالحكومات الاردنية على الاطلاق.  
أحلام قرية البربيطة يا جلالة الملك بسيطة للغاية،فكل ما يطلبه أهل القرية مسكن يليق بهم يقيهم برد الشتاء القارص وحر الصيف،ومركز صحي يقيم فيه طبيب بغرفة واحدة ليوم أو يومين في الأسبوع يشرف على فحصهم أن احتاجوا لكثرة أمراضهم من سوء مياههم. حيث يؤكد أستاذ المدرسة عمرالبدور بأن عدد من يعرفهم وقد كانت وفاتهم بسبب مرض الكلى بسبب المياه بلغ (12) شخصا. أما عن أحوالهم الاقتصادية فحدث ولا حرج – رغم عفة النفس لديهم - فيؤكد عمر البدور بأن الطلبة هناك لا يملكون مصروفا للانفاق على أنفسهم أما فقر الدم فهو  سمة غالبة لمعظم أهل القرية،ففي أحدى الفحوصات للطلبة البالغ عددهم 42 طالب ،بلغت قوة الدم عندهم بين 6-7.والأسوء من ذلك كله ما يعانيه أهلها في كل فصل شتاء حيث تكثر في القرية الخرابيش التي هي معرضة في كل فصل شتاء للسقوط على أهلها مما يعني معاناتهم طول الفصل.ورغم تعهد شركة الفوسفات مشكورة بتوفير المياه للقرية إلا أن هذا لا يعفي الحكومة من تقصيرها .فالقرية بحاجة لخدمات أخرى غير مياه الشرب.
أما البطالة في القرية فحدث ولا حرج فمعظم أهل القرية يعملون بالأغنام،ونسبة البطالة عالية للغاية،وعندما تم إنشاء مشروع  زراعة مائية في سد التنور،لم يتعين أحد من أهل المنطقة،ومعظم من عيّنوا فيها من أقارب النواب وغيرهم.يعقل هذا أن تبقى هذه القرية طوال عمرها على هذا الحال،ونحن نتغنى ليل نهار بما لدينا من توافربنية تحية جيدة،وبوجودعدالة مجتمعية في توزيع الخدمات والمكتسبات.أعتقد ما نراه في واقعه البربيطة يسقط كل هذه الادعاءات ويضع الوزراء والمسؤولين في قفص الإتهام.والمشكلة أيضا قد لا تتعلق بالبربيطة وحدها فقد يكون عندنا مئات القرى في الجنوب مثل البربيطة ؟ ونكررثانية وثالثة أين المسؤولون الذين أقسمواعلى الدستور؟ أين الانتماء للأردن وتوزيع الخدمات بعدالة بين أهلها،أم أن الأردن هي عمان والزرقاء ومادبا وإربد وغيرها من محافظات المملكة.أن ما يحدث في قرية البربيطة من نقص مياه ووجود مياه عادمة للشرب ونقص في الدواء،حيث يقبع الأهالي بدون طبيب ومركزصحي وبدون سكنات يمثل وصمة عار في جبين كل الحكومات الأردنية السابقة،كما أنه يمثل وصمة عارعلى نواب المدينة الذين يتهافتون على القرية لسرقة أصواتها ويغادرونها فور نجاحهم دون رجعة للدورة اللاحقة حيث تعود أكاذيب النواب من جديد.
أين أنتم يا وزراء الطفيلة من البربيطة.أين أنتم يا نواب الطفيلة منها.أين الزيارات الميدانية لرئيس الوزراء من قرية البربيطة ؟ أين الديوان الملكي منها. أين رؤساء الوزارات السابقين منها.أين البربيطة من صدق أم كذب مراكز الدراسات وقياس ورضاها عن حكومة فلان أو فلان وانجازاتها؟ أين أصحاب الواسطة والمحسوبية الذين يستنزفون أموال الدولة من البربيطة.أعتقد أننا في الأردن نركض وراء الشعارات فقط ولا نبحث عن مواطن الخلل الحقيقية.أيعقل أننا لانعلم عن جيوب الفقرهذه وكل الحكومات تأتي وتذهب لمحاربة الفقر والبطالة ؟ أيعقل أن يكون عدد موظفي مجلس النواب 600 موظف الجزء الأكبرمنهم بلاعمل أولا يتقنون الطباعة.وعدد المستشارين في المجلس 35 مستشار،ويبقى أهل البربيطة يشربون المياه الحمراء ويعيشون بدون مركز صحي وبدون طبيب.!!!!. أطالب بطرح الثقة بوزير المياه.واطالب بزيارة رئيس الحكومة جعفر حسان وحكومته كاملة للبربيطة للوقوف على حاجاتها.
رحم الله وصفي التل ورحم الله الملك حسين ورحم الإعلام الأردني ورموزه الذين كانوا يتحسسون هموم الناس من خلال برامجهم الصباحية فليتقطها الملك المرحوم أو رئيس وزراه مضر بدران .وكم من مرة التقط الملك حسين حادثة كهذه،وكم مرة التقط المرحوم مضر بدران حادثة كهذه واشرف على حلها بنفسه والتاريخ يشهد للرجلين .
أعانك الله يا جلالة الملك على حكومتك الرشيدة ووزرائك القابعون خلف مكاتبهم،لا يعرفون عن معاناة الأردنيين إلامن خلال السوشال ميديا مخالفين بذلك قسمهم على الدستور،ولا يعرفون الأردن وقراها ومعاناتها كما عرفتها أنت شخصيا عن قرب بزياراتك المتكررة لقراها وبواديها.والسؤال الذي يبقى مفتوحاهل ننتظر حلا لمعاناة قرية البربيطة بلمسة ملكية منكم حفظكم الله ودام عزكم،لأن أهلها لا يثقون إلا بكم .
*كاتب وباحث وأكاديمي في جامعة البلقاء التطبيقية