بين الاجتهاد والإدانة الجماعية: نحو فهم أعمق لحل الأزمات في الحكومات الأردنية


رم - بقلم: سالم أحمد الحوراني
على مدار العقود الماضية، واجهت الحكومات الأردنية المتعاقبة أزمات وتحديات متباينة في عمقها وحدّتها، من أزمات اقتصادية إلى أزمات إدارية واجتماعية، تراوحت بين ضغوط داخلية وتغيرات إقليمية ودولية. وفي كل مرة، كان الحل الأسهل – والأكثر تكرارًا – هو اللجوء إلى تعديل حكومي أو تغيير وزاري، وكأن تغيير الوجوه هو مفتاح الحلول الجذرية.
لكن، هل المشكلة في الأشخاص أم في النهج؟ وهل التغيير بحد ذاته كافٍ لعبور الأزمات؟

في خضم هذا المشهد، يغيب عن الكثيرين أن المسؤول – الوزير أو الأمين العام أو حتى رئيس الحكومة – إنما هو إنسان، يحمل رؤيته، ويجتهد ضمن إمكانات محددة، ومعطيات قد لا تكون ظاهرة للعيان. فإن أصاب، فله أجر الإنجاز، وإن أخطأ، فله أجر الاجتهاد، وهذا مبدأ راسخ في قيم العدالة والتقييم المتوازن.
لكن ما نشهده في واقعنا هو موجة من الإدانة المطلقة لكل مسؤول يقع في الخطأ، وكأن الخطأ بحد ذاته جرم لا يُغتفر، لا مرحلة طبيعية من مسار تعلّمي وإداري.

ما يغيب عن الوعي الجمعي أحيانًا هو أن بعض الأزمات ليست ناتجة عن شخص بعينه، بل عن تراكمات في السياسات أو غياب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، أو تضارب في الأولويات، أو قصور في أدوات التنفيذ. وفي هذه الحالات، فإن تغيير الوزير لا يغيّر شيئًا إن بقيت المنهجية نفسها، أو ظلّت البيروقراطية العميقة تعوق كل محاولة للتصحيح.
المثل الشعبي… وتوقيت اللوم
كثيرًا ما نسمع المثل الشعبي الأردني القائل: "لما يوقع الجمل بتكثر سكاكينه"، وهو وصف دقيق لما يحدث عند تعثر مسؤول أو فشل تجربة حكومية. تتكاثر أصوات النقد، وتتحول إلى جلد جماعي، وكأن الجميع كان يتوقع الفشل، ويملك حلولًا لم يُتح له عرضها. هذا السلوك الجماهيري – رغم أنه مفهوم نفسيًا – إلا أنه غير عادل ولا يُسهم في بناء ثقافة تصحيحية حقيقية.

إن تجاوز الأزمات في الأردن لا يكون فقط عبر التعديل الحكومي، بل عبر:
- وضع سياسات وطنية طويلة الأمد بعيدة عن المزاجية والردود السريعة.
تمكين المسؤولين من العمل بأريحية مهنية، دون خوف من الشيطنة أو التشويه عند أول خطأ.
- تقييم الأداء بناءً على معايير موضوعية لا على المزاج العام أو الضغوط الإعلامية.
- بناء ثقافة مجتمعية تقوم على المحاسبة المتزنة لا الإعدام المعنوي.
- تشجيع الاجتهاد الإداري والمبادرة، ومكافأته حتى في حال عدم تحقيق النتائج المثلى، لأن البديل هو الركود والخوف من المحاولة.


خلاصة القول
ليست كل أزمة تُحل بتغيير المسؤول، كما أن المسؤول ليس دائمًا هو الأزمة. وحين نفهم أن الإصلاح عملية مركّبة، تشاركية، طويلة النفس، حينها فقط يمكننا أن نخرج من دائرة التكرار، وندخل إلى أفق التغيير الحقيقي.
أما "الجمل" الذي وقع، فربما لو وجد من يرفعه لا من يطعنه، لما احتجنا إلى كل هذه السكاكين.



عدد المشاهدات : (5681)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :