ثلاث ساعات حبس انفرادي ..


رم - المهندس عادل بصبوص

كنت دائماً أشعر بالزهو أنني لم أدخل السجن قط ولم يتم توقيفي في مخفر ليوم أو بعض يوم ولا حتى لدقائق .... شعور جميل رافقني طول السنين وكنت أظن أنه سيستمر ما دمت حياً أرزق على "وش الدنيا" فأنا رجل مسالم أمشي الحيط الحيط وبقول يا رب الستر ....

لم يخطر ببالي ظهر اليوم وأنا أغادر العمل متوجهاً إلى البيت أن الأمور ستنقلب رأساً على عقب وأن ذلك الشعور سيصبح مجرد ذكرى جميلة من الماضي ....

كنت أعلم أن زوجتي سوف تستقبل عدداً من صديقاتها اللواتي سيأتين لتهنئتها بمناسبة عودتها الميمونة من الديار المقدسة بعد أدائها فريضة الحج ... وكانت قد أخبرتني بأنها ستقوم بواجب الضيافة لهن بما في ذلك تقديم طعام الغداء ....

دهشت عندما وصلت البيت لأعداد السيارات الواقفة أمام المنزل وقريباً منه واستبعدت أن تكون هذه السيارات للضيفات من رفيقات زوجتي ... ألا أن الأصوات المرتفعة والجلبة التي سمعتها وأنا أعبر بوابة البيت قد أكدت لي خطأ ظني ... فالسيارات لهن ... وهن الآن في ضيافة أم العيال ....

أسرعت الخطى بإتجاه باب المطبخ لأتجنب المرور من الصالون مكان جلوسهن ... وما أن دخلت المطبخ حتى واجهتني روائح الطعام الذي يجري تحضيره على قدم وساق وأصوات أحاديث النسوة المرتفعة التي تكاد تصم الآذان فالكل يتحدث ولا أدري إن كان هناك من يستمع ....

توجهت على عجل إلى غرفتي ... وما أن لمحتني زوجتي حتى سارعت للحاق بي ....
سألتها والدهشة تكاد تعقد لساني ... هذول ضيوفك ... أجابت مبتسمة نعم في عندك مانع .... أكيد لأ أجبتها على الفور ... ثم تابعتُ قائلاً ....بس شكلك عازمة نص نسوان الأردن ...
لا نسوان الأردن ولا نسوان فلسطين ... كلهن خمسة عشر واحدة ... قالت ضاحكة
بس وانتي وبناتك وكناينك ستة ... يعني واحد وعشرين واحدة يا حبيبي .... وأنا لحالي ... أجبتها بتلعثم وقد تاهت الحروف بين شفتي ...
ابتسمتْ في زهو وتركتني في ذهول قبل أن تعود مباشرة لتقول لي بلهجة حازمة... اسمع بتظلك في الغرفة وما تطلع منها ... النسوان بدهن يوخذن راحتهن...
راحة شو ... قلت لها بحدة.. هاي الصالون واسع أكبر من نص شقة خذو راحتكم فيه ...
لا يا سيدي ... ما بزبط القعدة حتكون في الصالون والأكل في المعيشة وبالتالي ما تطلع من الغرفة أبداً وأكلك وشربك بجيك لعندك ...

دهشت بل صعقت ليس من الأمر الذي صدر فقط بل من اللهجة والحزم الذي بدا على زوجتي ... وقلت في نفسي معقول إنها بتستقوي عليَّ بصاحباتها وبناتها وكناينها ....

ثلاث ساعات من الإقامة الجبرية قضيتها في غرفتي ... كموقوف في حبس انفرادي ... في البداية شعرت بالإنزعاج فيما روادتني الهواجس بضرورة التمرد والخروج من المحبس إلا أنني استكنت في النهاية واستسلمت لمصيري المحتوم ... وساعدني في ذلك أنه لم تتم مصادرة هاتفي ... الذي استعنت به لقضاء الوقت الذي مر بطيئاً كسلحفاة تتمشى في دخلة ترابية ...

لم أتعرض للإضطهاد طيلة اقامتي الجبرية ... وجبة من الطعام الذي استمتعتْ به الضيفات وصلتني وابريق صغير من الشاي بالميرمية كذلك ... كله حسب مواثيق جنيف للتعامل مع الأسرى والمعتقلين... المخالفة الوحيدة التي سجلت كانت فنجان القهوة السادة الذي أحضروه لي وأنا شريب قهوة وسط ...

انتهت محكوميتي على خير بعد أن غادرت الضيفات المكان .... خرجت من غرفتي وتفقدت المطبخ والمعيشة والصالون بعد أن استعدت السيادة على البيت كله أرضه ومائه وسمائه ...
نطقت الشهادتين وأنا أعبر الباب الخارجي لاستنشق الهواء النقي من جديد ... وقلت في نفسي الحمد لله رب العالمين الذي جعل لنا معشر الرجال القوامة على النساء .... أي ذل وهوان سوف نعانيه لو تحكمت النسوة بمصائرنا نحن الرجال ...

تباً لنا ما أغبانا ونحن نسعى لتمكينهن ومنحهن المزيد من الحقوق والصلاحيات ... سوف نندم يوم لا ينفع الندم ... منذ الغد لا بل من اليوم سأقدم استقالتي من "جمعية المريخ وزحل لتمكين المرأة" ... وكذلك من "جمعية شقائق النعمان للمساواة بين الزلم والنسوان" ....



عدد المشاهدات : (1537)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :