من يملىء الفراغ ؟


رم - بلال حسن التل
ختمت مقالي الماضي بالسؤال: لماذا وصلنا الى هذه المرحلة التي غابت فيها قيمة الدولة ودورها عن وجدان الأردنيين وسلوكهم، فصار بعض الذين يعيشون فوق تراب هذا الوطن يشعرون أنهم أكبر منه، وصار بعضهم الآخر يتطاول على الوطن ورموزه، فيخاطب أحدهم رئيس الوزراء في دار الرئاسة باسمه مجرد من صفته، في صورة صارخة من التطاول على رموز الدولة ومؤسساتها، من خلال التطاول على شاغلي المواقع القيادية في هذه المؤسسات، الذين يشكل احترامهم جزء من احترام الدولة ومؤسساتها، وأدب الخطاب من أهم مظاهر الاحترام ومكوناته، فكيف إذا كان الخطاب مع من تجتمع فيه الشخصيتين الطبيعية والاعتبارية كالمسؤول على رأس مؤسسته، وهذا جزء من الإجابة على سؤال لماذا وصلنا إلى هذا الحال، وهو جزء يتمثل في فقداننا لقيمة الاحترام للقيم والتقاليد والقواعد الناظمة للعلاقة بين الناس بعضهم ببعض وبينهم وبين مؤسسات دولتهم.
وإذا كان فقداننا لقيمة الاحترام جزء من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة، فإن السبب الأهم والأخطر هو حالة الفراغ التي يعيشها بلدنا، بعد أن جرت خلال السنوات الماضية عملية تدمير ممنهجة، لكل الأطر القادرة على إنتاج قيادات ورموز،سببت كل هذا الفراغ الذي نعيشه فعلى الصعيد الاجتماعي غابت القيادات الاجتماعية الوازنة، التي تستطيع ضبط حركة الناس وإيقاعهم، بعد أن عملت آلة التخريب الممنهجة عملها في إضعاف العشائر وتمزيقها وخلق بدلاء لشيوخها الأصلاء، بعد أن كانت عشائرنا تفرز لنا قادة اجتماعيون وسياسيون وحزبيون قادرون على ضبط الناس من أمثال مثقال الفايز، ورفيفان المجالي، وعبد القادر التل وغيرهم كثير ممن كانوا محل ثقة الناس واحترامهم، وبعد أن كانت عشائرنا تربي أبنائها على الأصول وعلى القيم وأولها قيمة الاحترام وأدب الخطاب.
كما عملت آلة التخريب عملها في حياتنا الحزبية، تخريباً لها وتخويفاً منها، فلم نعد نرى قادة حزبيون من وزن عبدالله الريماوي ولا محمد عبد الرحمن خليفه ولا يعقوب زيادين ولم نعد نرى رجال دولة دربتهم وثقفتهم الحياة الحزبية كوصفي التل، وعبد الحميد شرف، وذوقان الهنداوي وسليمان عرارو وابراهيم الحباشنه. وعلى ذكر رجال الدولة فقد بذلت خلال السنوات الماضية جهود كبيرة لإخراج الكثيرين منهم من الصورة والمشهد العامين، تحت مسميات كثيرة كأبعاد الحرس القديم،وقد أدى ذلك إلى حالة من الفراغ السياسي والإداري،كل ذلك لفتح الباب أمام مدرسة سياسية هجينة ظهرت في بلدنا، لم تستقر بعد على تسمية لنفسها ليبرالية هي أم ماذا؟
وعلى ذكر المشهد والصورة لابد من التأشير إلى حجم التخريب الذي لحق بالإعلام الرسمي الأردني، الذي تم تدميره بالواسطة والمحسوبية وإنزال قياداته بالمظلات، وهذا يعني فراغاً معنوياً يتمثل في تغيب خطاب الدولة، ليحل محله خطاب التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام البديل.
مع كل هذا الفراغ صار لابد من أن يتصدر الشارع والدوار الرابع أشخاص غير قادرين على ضبط حركة الناس، كما حدث يوم الخميس الماضي، وهذا فرق كبير بين ما حدث في حراك رمضان الذي رسم خلاله الأردنيون صورة حضارية رائعة، وبين ما حدث هذه الأيام التي كادت بسببه أن تدخل البلاد يوم الخميس نفقاً مظلماً، وهذا الفرق يتمثل في فراغ القيادة، ففي رمضان كانت النقابات المهنية تقود، لكنها الآن أفرغت مكانها فتقدم لملىء هذا الفراغ من لم يستطيع، مما أسفر عن شرارة خطر، من حسن حظنا أنها لم تصب حطباً، لأننا لم نعاني بعد من فراغ أمني، والسؤال الآن كيف سنملأ كل هذا الفراغ الاجتماعي والسياسي ومن سيملاؤه؟



عدد المشاهدات : (4655)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :