بقلم: د. ماجد عسيلة
تصريحات سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مؤخرا حول الواقع الرياضي، فتحت الباب واسعا أمام مراجعة جدية لطبيعة منظومتنا الرياضية، خصوصا حين يؤكد سموه أن الرياضة أداة لصناعة الهوية الوطنية وتعزيز حضور الدول في المحافل الدولية.
ولعل ما قاله سموه بشأن ضعف مستوى الأندية المحلية وضياع المواهب بسبب سوء الإدارة ليس مجرد تشخيص، بل تنبيه مباشر لخلل تراكم على مدى سنوات، حتى أصبحت الأندية تعتمد على التبرعات وتدار بعقليات تقليدية لا تتوافق مع متطلبات العصر.
هذه التوجيهات جعلت الحكومة تتحرك بسرعة نحو إيجاد حلول لهذا الواقع، فسارع وزير الشباب إلى ترؤس اجتماع للجنة خاصة بدراسة مشروع 'خصخصة أندية كرة القدم'، حيث ناقشت اللجنة بصورة أولية، الإطار العام للمشروع والممارسات العالمية التي يمكن الاستفادة منها، فكان الاجتماع أقرب إلى طرح الأفكار واستعراض الأولويات منه إلى اتخاذ قرارات، وهو ما يجب أن يستمر في المرحلة المقبلة: تدرج محسوب، لا اندفاع غير مرغوب.
إن الانتقال من شكل الأندية الحالي إلى نموذج الخصخصة ليس مسألة تقنية أو قانونية بحتة، بل تحول بنيوي يتطلب فهما عميقا لطبيعة الأندية الأردنية التي تختلف في جذورها وثقافتها وتكوينها الاجتماعي عن الأندية في التجارب الإقليمية، سواء العربية أو القارية وحتى العالمية، ولهذا فإن أي تسريع غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وربما إلى تفكيك البنية الرياضية بدل تطويرها.
على اللجنة المشكلة قبل أن تصوغ تشريعات أو تقترح نماذج جاهزة، الاستماع إلى خبراء الإدارة الرياضية وأصحاب التجربة الميدانية في عمل الأندية من خبراء ميدان وأكاديميين رياضيين، لأن خبرة الممارسة تسبق النص القانوني، فالقانونيون يترجمون الرؤى، لكنهم لا يصنعونها وحدهم، ولهذا فإن نجاح المشروع يعتمد على الاستماع لمن عاش تفاصيل إدارة الأندية الرياضية، ويفهم مصادر قوتها ونقاط ضعفها، وكيف يمكن تحويلها إلى مؤسسات مستدامة وذات قدرة استثمارية حقيقية.
على اللجنة أيضا -التي آمل أن يكتمل وتتنوع فيها خبرات الأعضاء-؛ عدم اختزال مشروع الخصخصة نحو خدمة كرة القدم فقط رغم شعبيتها، بل أن يشمل منظومة الرياضة بكل ألعابها، فالأندية وجدت لتكون حاضنة للشباب، لا لتختزل في فريق كرة قدم، وأي نموذج إصلاحي يتجاهل هذا البعد يفقد جزءا من رسالته الأساسية.
إن الخصخصة ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لتأهيل الأندية كي تقف على قدميها، وتبني مصادر دخل مستدامة وتطبق الحوكمة المالية والإدارية، لكن النجاح في ذلك يتطلب وقتا ورؤية واضحة، وإشراكا حقيقيا للخبراء، وليس مجرد استعجال في اتخاذ القرارات تحت ضغط المقارنات مع تجارب خارجية لا تنطبق بالضرورة على واقعنا.
وحتى لا نتهم بالتنظير، وبوصفي أحد المختصين العاملين في الحقل الرياضي، والمرتبطين بتجارب الأندية وتحدياتها الإدارية والمالية، وأكاديميا في الإدارة الرياضية وتطوير البنى المؤسسية؛ أرى أن هذا المشروع الوطني الكبير يحتاج إلى مقاربات تستند إلى التجربة العملية، وفهما دقيقا لواقع الأندية، وإدراكا لطبيعة البيئة التشريعية والتنظيمية التي تحكم الرياضة الأردنية.
وانطلاقا من مسؤوليتي المهنية والأكاديمية، وإيماني بأهمية بناء نموذج أردني متوازن وقابل للتطبيق، أضع تصورا لصياغة آليات واقعية وخطوات تنفيذية مدروسة تضمن الانتقال الآمن من الوضع الحالي إلى بيئة احترافية مستدامة، بوصف المشروع أحد أهم مسارات تطوير الرياضة الأردنية وتعظيم دورها الاقتصادي.
يتساءل البعض: كيف تصبح الأندية الرياضية مملوكة لشركات؟ والإجابة؛ أن هناك طريقتان أساسيتان عالميا، ويمكن تطبيقهما محليا بعد تعديل أنظمة الاتحادات والأندية الرياضية وهما:
أولا: تحويل النادي إلى شركة 'خصخصة النادي مباشرة' (كما هو معمول في قطر والسعودية والإمارات) وذلك كما يلي:
1. تأسيس شركة مساهمة: النادي يحول قانونيا إلى 'شركة مساهمة خاصة' أو 'شركة غير ربحية' تمتلك النشاط الرياضي، والشركة تصبح هي الكيان القانوني المسؤول عن الفريق والميزانية واللاعبين والإدارة.
2. نقل الأصول وكامل الحقوق للشركة: سواء العلامة التجارية التي تكون ملك الشركة، عقود اللاعبين تصبح باسم الشركة، والمنشآت (إن وجدت) تسجل باسم الشركة أو تؤجر لها.
3. توزيع الملكية: يمكن أن تكون الشركة مملوكة بالكامل من شخص واحد، أو مجموعة مستثمرين، أو حتى هيئة عامة (مثل مجلس إدارة منتخب).
4. وجود إدارة احترافية: وجود مجلس إدارة محترف، مدير عام تنفيذي، مراقب مالي، والخضوع لقوانين الشركات وليس مزاج الإدارات.
5. الترخيص الرياضي: يشترط الاتحاد أن يكون النادي مسجلا كشركة للحصول على رخصة المشاركة في الدوري والبطولات.
ثانيا: أسلوب 'الشركة المالكة أو القابضة' ويستخدم في دول مثل تركيا والبرازيل وبعض الأندية العربية، حيث يبقى النادي جمعية أو هيئة أهلية، لكن شركة خاصة تمتلك حقوق الاستثمار وحق إدارة الفريق وحق التعاقدات والرعاية والاعلان، بينما تبقى الهوية الرياضية وتاريخ النادي لدى الهيئة العامة، أي أن الشركة تشتري النشاط الرياضي (أو إدارة الفريق) في النادي كنشاط كرة القدم أو غيره، وتكون خطوات التحول كما يلي:
1. توقع الهيئة العامة عقدا تجاريا مع شركة خاصة.
2. تدير الشركة الفريق وتموله لسنوات.
3. تحصل الشركة على حقوق الإعلانات والرعاية وإنشاء الأكاديميات وغيرها.
4. تحافظ الهيئة العامة على هوية النادي والمشجعين والانتساب وغيرها من الأمور الادارية.
والتساؤل المطروح هنا: أي النموذجين أنسب للأردن؟ والإجابة بأن الخيار الأكثر ملاءمة للرياضة الأردنية هو النموذج الثاني، بحيث تبقى الهيئة العامة مالكة للنادي، بينما تقوم الشركة بإدارة نشاطات النادي وذلك للأسباب التالية:
1. نظام الأندية والهيئات الشبابية ونظام الاتحادات الرياضية في الأردن، لا يسمحان بسهولة بتحويل الأندية مباشرة إلى شركات مساهمة ويحتاجان لتعديلات جوهرية.
2. أغلب الأندية الأردنية تفتقر للملكية العقارية أو الأصول التي يمكن تحويلها لشركات (مقرات مستأجرة، ملاعب صغيرة وغير مناسبة، موارد محدودة للغاية)، وعدد كبير منها مملوك للدولة.
3. وجود حساسية لدى الجماهير وأعضاء الهيئات العامة تجاه فكرة 'خصخصة النادي' أو بيعه لمستثمر؛ لكن هذا النموذج يحافظ على هوية النادي والهيئة العامة.
4. الكلف المالية للخصخصة المباشرة عالية، بينما العقود التجارية أسهل وأسرع وتسمح بدخول المستثمر دون التزام طويل دائم.
5. هذا النموذج نجح في بيئات مشابهة مثل تركيا والبرازيل والمغرب وبعض الأندية الخليجية قبل التحول الكامل).
6. يمكن الانتقال الى نموذج خصخصة النادي وتحويله إلى شركة خلال 4-6 سنوات في حال تم تعديل التشريعات بحيث يسمح بتحويل النادي لشركة مساهمة، وتحسن البيئة الاستثمارية الرياضية من حيث عقود البث، الملاعب، الرعايات، والتذاكر الإلكترونية، والقدرة على استقطاب مستثمرين كبار قادرين على تمويل البنية التحتية، وهذا غير متوفر حاليا إلا لعدد محدود جدا من الأندية الأردنية، واستعداد الأندية نفسها لأن تصبح كيانات تجارية وليست اجتماعية.
وحتى يتم تطبيق ذلك في الأردن فإننا بحاجة إلى:
1. تعديل نظام الاتحادات الرياضية والأندية والهيئات الشبابية ليسمح للأندية بأن تكون: شركات أو مملوكة جزئيا لشركات أو تدار تجاريا بعقود طويلة، وكذلك تعديل نظام الأندية والهيئات الشبابية الصادر عن وزارة الشباب.
2. سن تشريعات حكومية تسمح بتسجيل النادي كشركة، وإعفاءات ضريبية للشركات حتى لا يثقل كاهلها.
3. اعداد نظام مالي واضح على غرار نظام الاتحاد الأوروبي لكرةالقدم 'قوانين اليويفا للنزاهة المالية' وهو أن تكون الأندية قادرة على تسديد ديونها من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي المالي، وعدم السماح للنادي بالإنفاق أكثر من دخله، ويستثنى من ذلك مصاريف الملاعب واستدامتها والبنية التحتية، في حين يدخل فيها كل الأجور سواء للاعبين أوالموظفين وباقي المصاريف التي تشمل تشغيل النشاط الكروي وإصدار ميزانية سنوية ومنع تضارب المصالح ووضع سقف للديون.
4. وجود حوافز للمستثمرين مثل: حق تطوير الملاعب ومنح رخص إنشاء أكاديميات وبيع التذاكر إلكترونيا والمشاركة في أرباح البث التلفزيوني والرعايات والإعلان وغيرها.
إن مشروع خصخصة الأندية الرياضية يمثل فرصة تاريخية لتطوير الرياضة الأردنية، لكنه في الوقت نفسه مسار دقيق يحتاج إلى روية وتريث، واستناد إلى خبرة الميدان، وإشراك المختصين الذين خبروا تفاصيل العمل الرياضي، فالانتقال إلى نماذج احترافية ناجحة لا يتحقق بالاندفاع أو استنساخ تجارب خارجية، بل عبر بناء نموذج أردني واقعي يحافظ على هوية الأندية، ويؤسس لبيئة استثمارية آمنة وقابلة للاستدامة، والنجاح في هذا الملف مرهون بقرارات مدروسة وتشريعات واضحة، ورؤية تعتمد على المعرفة والخبرة لا على السرعة أو الانطباعات ولفت الأنظار.
بقلم: د. ماجد عسيلة
تصريحات سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مؤخرا حول الواقع الرياضي، فتحت الباب واسعا أمام مراجعة جدية لطبيعة منظومتنا الرياضية، خصوصا حين يؤكد سموه أن الرياضة أداة لصناعة الهوية الوطنية وتعزيز حضور الدول في المحافل الدولية.
ولعل ما قاله سموه بشأن ضعف مستوى الأندية المحلية وضياع المواهب بسبب سوء الإدارة ليس مجرد تشخيص، بل تنبيه مباشر لخلل تراكم على مدى سنوات، حتى أصبحت الأندية تعتمد على التبرعات وتدار بعقليات تقليدية لا تتوافق مع متطلبات العصر.
هذه التوجيهات جعلت الحكومة تتحرك بسرعة نحو إيجاد حلول لهذا الواقع، فسارع وزير الشباب إلى ترؤس اجتماع للجنة خاصة بدراسة مشروع 'خصخصة أندية كرة القدم'، حيث ناقشت اللجنة بصورة أولية، الإطار العام للمشروع والممارسات العالمية التي يمكن الاستفادة منها، فكان الاجتماع أقرب إلى طرح الأفكار واستعراض الأولويات منه إلى اتخاذ قرارات، وهو ما يجب أن يستمر في المرحلة المقبلة: تدرج محسوب، لا اندفاع غير مرغوب.
إن الانتقال من شكل الأندية الحالي إلى نموذج الخصخصة ليس مسألة تقنية أو قانونية بحتة، بل تحول بنيوي يتطلب فهما عميقا لطبيعة الأندية الأردنية التي تختلف في جذورها وثقافتها وتكوينها الاجتماعي عن الأندية في التجارب الإقليمية، سواء العربية أو القارية وحتى العالمية، ولهذا فإن أي تسريع غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وربما إلى تفكيك البنية الرياضية بدل تطويرها.
على اللجنة المشكلة قبل أن تصوغ تشريعات أو تقترح نماذج جاهزة، الاستماع إلى خبراء الإدارة الرياضية وأصحاب التجربة الميدانية في عمل الأندية من خبراء ميدان وأكاديميين رياضيين، لأن خبرة الممارسة تسبق النص القانوني، فالقانونيون يترجمون الرؤى، لكنهم لا يصنعونها وحدهم، ولهذا فإن نجاح المشروع يعتمد على الاستماع لمن عاش تفاصيل إدارة الأندية الرياضية، ويفهم مصادر قوتها ونقاط ضعفها، وكيف يمكن تحويلها إلى مؤسسات مستدامة وذات قدرة استثمارية حقيقية.
على اللجنة أيضا -التي آمل أن يكتمل وتتنوع فيها خبرات الأعضاء-؛ عدم اختزال مشروع الخصخصة نحو خدمة كرة القدم فقط رغم شعبيتها، بل أن يشمل منظومة الرياضة بكل ألعابها، فالأندية وجدت لتكون حاضنة للشباب، لا لتختزل في فريق كرة قدم، وأي نموذج إصلاحي يتجاهل هذا البعد يفقد جزءا من رسالته الأساسية.
إن الخصخصة ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لتأهيل الأندية كي تقف على قدميها، وتبني مصادر دخل مستدامة وتطبق الحوكمة المالية والإدارية، لكن النجاح في ذلك يتطلب وقتا ورؤية واضحة، وإشراكا حقيقيا للخبراء، وليس مجرد استعجال في اتخاذ القرارات تحت ضغط المقارنات مع تجارب خارجية لا تنطبق بالضرورة على واقعنا.
وحتى لا نتهم بالتنظير، وبوصفي أحد المختصين العاملين في الحقل الرياضي، والمرتبطين بتجارب الأندية وتحدياتها الإدارية والمالية، وأكاديميا في الإدارة الرياضية وتطوير البنى المؤسسية؛ أرى أن هذا المشروع الوطني الكبير يحتاج إلى مقاربات تستند إلى التجربة العملية، وفهما دقيقا لواقع الأندية، وإدراكا لطبيعة البيئة التشريعية والتنظيمية التي تحكم الرياضة الأردنية.
وانطلاقا من مسؤوليتي المهنية والأكاديمية، وإيماني بأهمية بناء نموذج أردني متوازن وقابل للتطبيق، أضع تصورا لصياغة آليات واقعية وخطوات تنفيذية مدروسة تضمن الانتقال الآمن من الوضع الحالي إلى بيئة احترافية مستدامة، بوصف المشروع أحد أهم مسارات تطوير الرياضة الأردنية وتعظيم دورها الاقتصادي.
يتساءل البعض: كيف تصبح الأندية الرياضية مملوكة لشركات؟ والإجابة؛ أن هناك طريقتان أساسيتان عالميا، ويمكن تطبيقهما محليا بعد تعديل أنظمة الاتحادات والأندية الرياضية وهما:
أولا: تحويل النادي إلى شركة 'خصخصة النادي مباشرة' (كما هو معمول في قطر والسعودية والإمارات) وذلك كما يلي:
1. تأسيس شركة مساهمة: النادي يحول قانونيا إلى 'شركة مساهمة خاصة' أو 'شركة غير ربحية' تمتلك النشاط الرياضي، والشركة تصبح هي الكيان القانوني المسؤول عن الفريق والميزانية واللاعبين والإدارة.
2. نقل الأصول وكامل الحقوق للشركة: سواء العلامة التجارية التي تكون ملك الشركة، عقود اللاعبين تصبح باسم الشركة، والمنشآت (إن وجدت) تسجل باسم الشركة أو تؤجر لها.
3. توزيع الملكية: يمكن أن تكون الشركة مملوكة بالكامل من شخص واحد، أو مجموعة مستثمرين، أو حتى هيئة عامة (مثل مجلس إدارة منتخب).
4. وجود إدارة احترافية: وجود مجلس إدارة محترف، مدير عام تنفيذي، مراقب مالي، والخضوع لقوانين الشركات وليس مزاج الإدارات.
5. الترخيص الرياضي: يشترط الاتحاد أن يكون النادي مسجلا كشركة للحصول على رخصة المشاركة في الدوري والبطولات.
ثانيا: أسلوب 'الشركة المالكة أو القابضة' ويستخدم في دول مثل تركيا والبرازيل وبعض الأندية العربية، حيث يبقى النادي جمعية أو هيئة أهلية، لكن شركة خاصة تمتلك حقوق الاستثمار وحق إدارة الفريق وحق التعاقدات والرعاية والاعلان، بينما تبقى الهوية الرياضية وتاريخ النادي لدى الهيئة العامة، أي أن الشركة تشتري النشاط الرياضي (أو إدارة الفريق) في النادي كنشاط كرة القدم أو غيره، وتكون خطوات التحول كما يلي:
1. توقع الهيئة العامة عقدا تجاريا مع شركة خاصة.
2. تدير الشركة الفريق وتموله لسنوات.
3. تحصل الشركة على حقوق الإعلانات والرعاية وإنشاء الأكاديميات وغيرها.
4. تحافظ الهيئة العامة على هوية النادي والمشجعين والانتساب وغيرها من الأمور الادارية.
والتساؤل المطروح هنا: أي النموذجين أنسب للأردن؟ والإجابة بأن الخيار الأكثر ملاءمة للرياضة الأردنية هو النموذج الثاني، بحيث تبقى الهيئة العامة مالكة للنادي، بينما تقوم الشركة بإدارة نشاطات النادي وذلك للأسباب التالية:
1. نظام الأندية والهيئات الشبابية ونظام الاتحادات الرياضية في الأردن، لا يسمحان بسهولة بتحويل الأندية مباشرة إلى شركات مساهمة ويحتاجان لتعديلات جوهرية.
2. أغلب الأندية الأردنية تفتقر للملكية العقارية أو الأصول التي يمكن تحويلها لشركات (مقرات مستأجرة، ملاعب صغيرة وغير مناسبة، موارد محدودة للغاية)، وعدد كبير منها مملوك للدولة.
3. وجود حساسية لدى الجماهير وأعضاء الهيئات العامة تجاه فكرة 'خصخصة النادي' أو بيعه لمستثمر؛ لكن هذا النموذج يحافظ على هوية النادي والهيئة العامة.
4. الكلف المالية للخصخصة المباشرة عالية، بينما العقود التجارية أسهل وأسرع وتسمح بدخول المستثمر دون التزام طويل دائم.
5. هذا النموذج نجح في بيئات مشابهة مثل تركيا والبرازيل والمغرب وبعض الأندية الخليجية قبل التحول الكامل).
6. يمكن الانتقال الى نموذج خصخصة النادي وتحويله إلى شركة خلال 4-6 سنوات في حال تم تعديل التشريعات بحيث يسمح بتحويل النادي لشركة مساهمة، وتحسن البيئة الاستثمارية الرياضية من حيث عقود البث، الملاعب، الرعايات، والتذاكر الإلكترونية، والقدرة على استقطاب مستثمرين كبار قادرين على تمويل البنية التحتية، وهذا غير متوفر حاليا إلا لعدد محدود جدا من الأندية الأردنية، واستعداد الأندية نفسها لأن تصبح كيانات تجارية وليست اجتماعية.
وحتى يتم تطبيق ذلك في الأردن فإننا بحاجة إلى:
1. تعديل نظام الاتحادات الرياضية والأندية والهيئات الشبابية ليسمح للأندية بأن تكون: شركات أو مملوكة جزئيا لشركات أو تدار تجاريا بعقود طويلة، وكذلك تعديل نظام الأندية والهيئات الشبابية الصادر عن وزارة الشباب.
2. سن تشريعات حكومية تسمح بتسجيل النادي كشركة، وإعفاءات ضريبية للشركات حتى لا يثقل كاهلها.
3. اعداد نظام مالي واضح على غرار نظام الاتحاد الأوروبي لكرةالقدم 'قوانين اليويفا للنزاهة المالية' وهو أن تكون الأندية قادرة على تسديد ديونها من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي المالي، وعدم السماح للنادي بالإنفاق أكثر من دخله، ويستثنى من ذلك مصاريف الملاعب واستدامتها والبنية التحتية، في حين يدخل فيها كل الأجور سواء للاعبين أوالموظفين وباقي المصاريف التي تشمل تشغيل النشاط الكروي وإصدار ميزانية سنوية ومنع تضارب المصالح ووضع سقف للديون.
4. وجود حوافز للمستثمرين مثل: حق تطوير الملاعب ومنح رخص إنشاء أكاديميات وبيع التذاكر إلكترونيا والمشاركة في أرباح البث التلفزيوني والرعايات والإعلان وغيرها.
إن مشروع خصخصة الأندية الرياضية يمثل فرصة تاريخية لتطوير الرياضة الأردنية، لكنه في الوقت نفسه مسار دقيق يحتاج إلى روية وتريث، واستناد إلى خبرة الميدان، وإشراك المختصين الذين خبروا تفاصيل العمل الرياضي، فالانتقال إلى نماذج احترافية ناجحة لا يتحقق بالاندفاع أو استنساخ تجارب خارجية، بل عبر بناء نموذج أردني واقعي يحافظ على هوية الأندية، ويؤسس لبيئة استثمارية آمنة وقابلة للاستدامة، والنجاح في هذا الملف مرهون بقرارات مدروسة وتشريعات واضحة، ورؤية تعتمد على المعرفة والخبرة لا على السرعة أو الانطباعات ولفت الأنظار.
بقلم: د. ماجد عسيلة
تصريحات سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مؤخرا حول الواقع الرياضي، فتحت الباب واسعا أمام مراجعة جدية لطبيعة منظومتنا الرياضية، خصوصا حين يؤكد سموه أن الرياضة أداة لصناعة الهوية الوطنية وتعزيز حضور الدول في المحافل الدولية.
ولعل ما قاله سموه بشأن ضعف مستوى الأندية المحلية وضياع المواهب بسبب سوء الإدارة ليس مجرد تشخيص، بل تنبيه مباشر لخلل تراكم على مدى سنوات، حتى أصبحت الأندية تعتمد على التبرعات وتدار بعقليات تقليدية لا تتوافق مع متطلبات العصر.
هذه التوجيهات جعلت الحكومة تتحرك بسرعة نحو إيجاد حلول لهذا الواقع، فسارع وزير الشباب إلى ترؤس اجتماع للجنة خاصة بدراسة مشروع 'خصخصة أندية كرة القدم'، حيث ناقشت اللجنة بصورة أولية، الإطار العام للمشروع والممارسات العالمية التي يمكن الاستفادة منها، فكان الاجتماع أقرب إلى طرح الأفكار واستعراض الأولويات منه إلى اتخاذ قرارات، وهو ما يجب أن يستمر في المرحلة المقبلة: تدرج محسوب، لا اندفاع غير مرغوب.
إن الانتقال من شكل الأندية الحالي إلى نموذج الخصخصة ليس مسألة تقنية أو قانونية بحتة، بل تحول بنيوي يتطلب فهما عميقا لطبيعة الأندية الأردنية التي تختلف في جذورها وثقافتها وتكوينها الاجتماعي عن الأندية في التجارب الإقليمية، سواء العربية أو القارية وحتى العالمية، ولهذا فإن أي تسريع غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وربما إلى تفكيك البنية الرياضية بدل تطويرها.
على اللجنة المشكلة قبل أن تصوغ تشريعات أو تقترح نماذج جاهزة، الاستماع إلى خبراء الإدارة الرياضية وأصحاب التجربة الميدانية في عمل الأندية من خبراء ميدان وأكاديميين رياضيين، لأن خبرة الممارسة تسبق النص القانوني، فالقانونيون يترجمون الرؤى، لكنهم لا يصنعونها وحدهم، ولهذا فإن نجاح المشروع يعتمد على الاستماع لمن عاش تفاصيل إدارة الأندية الرياضية، ويفهم مصادر قوتها ونقاط ضعفها، وكيف يمكن تحويلها إلى مؤسسات مستدامة وذات قدرة استثمارية حقيقية.
على اللجنة أيضا -التي آمل أن يكتمل وتتنوع فيها خبرات الأعضاء-؛ عدم اختزال مشروع الخصخصة نحو خدمة كرة القدم فقط رغم شعبيتها، بل أن يشمل منظومة الرياضة بكل ألعابها، فالأندية وجدت لتكون حاضنة للشباب، لا لتختزل في فريق كرة قدم، وأي نموذج إصلاحي يتجاهل هذا البعد يفقد جزءا من رسالته الأساسية.
إن الخصخصة ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لتأهيل الأندية كي تقف على قدميها، وتبني مصادر دخل مستدامة وتطبق الحوكمة المالية والإدارية، لكن النجاح في ذلك يتطلب وقتا ورؤية واضحة، وإشراكا حقيقيا للخبراء، وليس مجرد استعجال في اتخاذ القرارات تحت ضغط المقارنات مع تجارب خارجية لا تنطبق بالضرورة على واقعنا.
وحتى لا نتهم بالتنظير، وبوصفي أحد المختصين العاملين في الحقل الرياضي، والمرتبطين بتجارب الأندية وتحدياتها الإدارية والمالية، وأكاديميا في الإدارة الرياضية وتطوير البنى المؤسسية؛ أرى أن هذا المشروع الوطني الكبير يحتاج إلى مقاربات تستند إلى التجربة العملية، وفهما دقيقا لواقع الأندية، وإدراكا لطبيعة البيئة التشريعية والتنظيمية التي تحكم الرياضة الأردنية.
وانطلاقا من مسؤوليتي المهنية والأكاديمية، وإيماني بأهمية بناء نموذج أردني متوازن وقابل للتطبيق، أضع تصورا لصياغة آليات واقعية وخطوات تنفيذية مدروسة تضمن الانتقال الآمن من الوضع الحالي إلى بيئة احترافية مستدامة، بوصف المشروع أحد أهم مسارات تطوير الرياضة الأردنية وتعظيم دورها الاقتصادي.
يتساءل البعض: كيف تصبح الأندية الرياضية مملوكة لشركات؟ والإجابة؛ أن هناك طريقتان أساسيتان عالميا، ويمكن تطبيقهما محليا بعد تعديل أنظمة الاتحادات والأندية الرياضية وهما:
أولا: تحويل النادي إلى شركة 'خصخصة النادي مباشرة' (كما هو معمول في قطر والسعودية والإمارات) وذلك كما يلي:
1. تأسيس شركة مساهمة: النادي يحول قانونيا إلى 'شركة مساهمة خاصة' أو 'شركة غير ربحية' تمتلك النشاط الرياضي، والشركة تصبح هي الكيان القانوني المسؤول عن الفريق والميزانية واللاعبين والإدارة.
2. نقل الأصول وكامل الحقوق للشركة: سواء العلامة التجارية التي تكون ملك الشركة، عقود اللاعبين تصبح باسم الشركة، والمنشآت (إن وجدت) تسجل باسم الشركة أو تؤجر لها.
3. توزيع الملكية: يمكن أن تكون الشركة مملوكة بالكامل من شخص واحد، أو مجموعة مستثمرين، أو حتى هيئة عامة (مثل مجلس إدارة منتخب).
4. وجود إدارة احترافية: وجود مجلس إدارة محترف، مدير عام تنفيذي، مراقب مالي، والخضوع لقوانين الشركات وليس مزاج الإدارات.
5. الترخيص الرياضي: يشترط الاتحاد أن يكون النادي مسجلا كشركة للحصول على رخصة المشاركة في الدوري والبطولات.
ثانيا: أسلوب 'الشركة المالكة أو القابضة' ويستخدم في دول مثل تركيا والبرازيل وبعض الأندية العربية، حيث يبقى النادي جمعية أو هيئة أهلية، لكن شركة خاصة تمتلك حقوق الاستثمار وحق إدارة الفريق وحق التعاقدات والرعاية والاعلان، بينما تبقى الهوية الرياضية وتاريخ النادي لدى الهيئة العامة، أي أن الشركة تشتري النشاط الرياضي (أو إدارة الفريق) في النادي كنشاط كرة القدم أو غيره، وتكون خطوات التحول كما يلي:
1. توقع الهيئة العامة عقدا تجاريا مع شركة خاصة.
2. تدير الشركة الفريق وتموله لسنوات.
3. تحصل الشركة على حقوق الإعلانات والرعاية وإنشاء الأكاديميات وغيرها.
4. تحافظ الهيئة العامة على هوية النادي والمشجعين والانتساب وغيرها من الأمور الادارية.
والتساؤل المطروح هنا: أي النموذجين أنسب للأردن؟ والإجابة بأن الخيار الأكثر ملاءمة للرياضة الأردنية هو النموذج الثاني، بحيث تبقى الهيئة العامة مالكة للنادي، بينما تقوم الشركة بإدارة نشاطات النادي وذلك للأسباب التالية:
1. نظام الأندية والهيئات الشبابية ونظام الاتحادات الرياضية في الأردن، لا يسمحان بسهولة بتحويل الأندية مباشرة إلى شركات مساهمة ويحتاجان لتعديلات جوهرية.
2. أغلب الأندية الأردنية تفتقر للملكية العقارية أو الأصول التي يمكن تحويلها لشركات (مقرات مستأجرة، ملاعب صغيرة وغير مناسبة، موارد محدودة للغاية)، وعدد كبير منها مملوك للدولة.
3. وجود حساسية لدى الجماهير وأعضاء الهيئات العامة تجاه فكرة 'خصخصة النادي' أو بيعه لمستثمر؛ لكن هذا النموذج يحافظ على هوية النادي والهيئة العامة.
4. الكلف المالية للخصخصة المباشرة عالية، بينما العقود التجارية أسهل وأسرع وتسمح بدخول المستثمر دون التزام طويل دائم.
5. هذا النموذج نجح في بيئات مشابهة مثل تركيا والبرازيل والمغرب وبعض الأندية الخليجية قبل التحول الكامل).
6. يمكن الانتقال الى نموذج خصخصة النادي وتحويله إلى شركة خلال 4-6 سنوات في حال تم تعديل التشريعات بحيث يسمح بتحويل النادي لشركة مساهمة، وتحسن البيئة الاستثمارية الرياضية من حيث عقود البث، الملاعب، الرعايات، والتذاكر الإلكترونية، والقدرة على استقطاب مستثمرين كبار قادرين على تمويل البنية التحتية، وهذا غير متوفر حاليا إلا لعدد محدود جدا من الأندية الأردنية، واستعداد الأندية نفسها لأن تصبح كيانات تجارية وليست اجتماعية.
وحتى يتم تطبيق ذلك في الأردن فإننا بحاجة إلى:
1. تعديل نظام الاتحادات الرياضية والأندية والهيئات الشبابية ليسمح للأندية بأن تكون: شركات أو مملوكة جزئيا لشركات أو تدار تجاريا بعقود طويلة، وكذلك تعديل نظام الأندية والهيئات الشبابية الصادر عن وزارة الشباب.
2. سن تشريعات حكومية تسمح بتسجيل النادي كشركة، وإعفاءات ضريبية للشركات حتى لا يثقل كاهلها.
3. اعداد نظام مالي واضح على غرار نظام الاتحاد الأوروبي لكرةالقدم 'قوانين اليويفا للنزاهة المالية' وهو أن تكون الأندية قادرة على تسديد ديونها من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي المالي، وعدم السماح للنادي بالإنفاق أكثر من دخله، ويستثنى من ذلك مصاريف الملاعب واستدامتها والبنية التحتية، في حين يدخل فيها كل الأجور سواء للاعبين أوالموظفين وباقي المصاريف التي تشمل تشغيل النشاط الكروي وإصدار ميزانية سنوية ومنع تضارب المصالح ووضع سقف للديون.
4. وجود حوافز للمستثمرين مثل: حق تطوير الملاعب ومنح رخص إنشاء أكاديميات وبيع التذاكر إلكترونيا والمشاركة في أرباح البث التلفزيوني والرعايات والإعلان وغيرها.
إن مشروع خصخصة الأندية الرياضية يمثل فرصة تاريخية لتطوير الرياضة الأردنية، لكنه في الوقت نفسه مسار دقيق يحتاج إلى روية وتريث، واستناد إلى خبرة الميدان، وإشراك المختصين الذين خبروا تفاصيل العمل الرياضي، فالانتقال إلى نماذج احترافية ناجحة لا يتحقق بالاندفاع أو استنساخ تجارب خارجية، بل عبر بناء نموذج أردني واقعي يحافظ على هوية الأندية، ويؤسس لبيئة استثمارية آمنة وقابلة للاستدامة، والنجاح في هذا الملف مرهون بقرارات مدروسة وتشريعات واضحة، ورؤية تعتمد على المعرفة والخبرة لا على السرعة أو الانطباعات ولفت الأنظار.
التعليقات