شهدت العاصمة عمّان صباح أمس 25/11/2025 عاصفة مطرية غزيرة أعادت إلى الأذهان ذكريات مؤلمة مع الفيضانات التي تكررت على مدار تاريخ الأردن. فمنذ منتصف القرن الماضي، والمشهد ذاته يتكرر: أمطار غزيرة تتحول إلى سيول جارفة وتتسبب بخسائر مادية فادحة. ولا اريد ان اعزف على ربابة ' التغير المناخي ' لكنها الادارة البيروقراطية العفنة العقيمة التي اوصلت شوارعنا واختناقات شبكات تصريف الامطار ولما الت اليه يوم امس..
سجل حافل بالكوارث المماثلة
تشير سجلات الكوارث الطبيعية في الأردن إلى نمط متكرر من الفيضانات المدمرة. ففي عام 1963، أودى فيضان وادي موسى بحياة 23 شخصاً، وبعد ثلاث سنوات فقط، شهدت معان فيضاناً مدمراً آخر. ولم تكن عمّان بمنأى عن هذه الكوارث، ففي عام 1965، أدى فيضان في وسط العاصمة إلى إخلاء عائلات للمساجد والمدارس.
في العقدين الأخيرين، تصاعد وتيرة هذه الأحداث بشكل مقلق. ففي عام 2015، أسفرت أمطار غزيرة في عمّان عن وفاة 4 أشخاص. لكن الكارثة الأكثر إيلاماً كانت في تشرين الاول / أكتوبر 2018، عندما أودى فيضان وادي زرقاء-ماعين بالبحر الميت بحياة 21 شخصاً، معظمهم من الأطفال في رحلة مدرسية.
تكرار مأساوي رغم التحذيرات
المفارقة المؤلمة أن كارثة البحر الميت لم تكن الأخيرة، فبعد أسابيع فقط في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات جديدة أودت بحياة 12 شخصاً في البترا ومادبا والعقبة ومعان، وتم إجلاء المئات من السائحين من مدينة البترا.
واستمرت السلسلة في كانون الثاني / ديسمبر 2022 بفيضان مفاجئ في البترا استدعى إجلاء 1700 سائح، ثم في ايار / مايو 2023 عندما تسببت فيضانات وبرد غزير في العقبة والزرقاء وعمان والسلط ومادبا بوفاة شخص في العقبة.
البنية التحتية... الحلقة الأضعف
يكشف تكرار الكوارث على مدى 60 عاماً عن خلل هيكلي. فشبكات تصريف المياه تثبت فشلها مع كل عاصفة بسبب: ضيق العبّارات، وسوء الصيانة، وغياب التخطيط طويل المدى، والتوسع العمراني على حساب المساحات الخضراء. أين تذهب الإستراتيجيات الوطنية للبنى التحتية؟ يكتب معظمها بلغة إنشائية، بعيداً عن مشاركة بيوت الخبرة، فتصبح وثائق 'مسلوقة' تزين الرفوف بدلاً من أن تكون خطط عمل.
من منظور إداري، يلاحظ أن إدارة الأزمات لا تزال تعتمد على ردود الفعل اللحظية بدلاً من الخطط الاستباقية الواضحة، رغم التراث الطويل من التجارب المؤلمة. فالتعامل مع مثل هذه الأحوال يتطلب تفعيل غرف الطوارئ مسبقاً، وإجراء مسوحات للنقاط الحرجة، وتوفير فرق ميدانية مدربة للتدخل السريع.
دعوة للعمل: كسر حلقة التكرار
العاصفة الأخيرة في عمّان لم تكن حدثاً استثنائياً، بل هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الكوارث المتشابهة. والبيانات التاريخية تؤكد أن الحل يحتاج إلى:
1. تطوير نظام إنذار مبكر متطور يرتبط بخطة إخلاء فعالة 2. إعادة هندسة شبكات تصريف الأمطار في جميع المدن الأردنية 3. تطوير خرائط مخاطر دقيقة بناءً على الخبرات التاريخية 4. تخصيص ميزانيات مستدامة لصيانة وتطوير البنية التحتية 5. إدماج البعد البيئي في التخطيط الحضري
ختاما : الوقت ليس في صالحنا المستقبل يُصنع بالإرادة. للأردن إمكانياته البشرية والاستراتيجية، لكن الوقت ليس في صالحنا. فالشعب لم يعد يطيق انتظار وعود لا تتحقق. التاريخ يحاسب، والفرصة أمامكم لكتابة فصل مشرف في سجل الأردن قبل فوات الأوان.
إن حماية الأرواح والممتلكات تتطلب إرادة حقيقية للخروج من حلقة التكرار المأساوية، والاستفادة حقاً من الدروس التي تمنحنا إياها كل عاصفة، قبل أن تأتي العاصفة التالية بأرواح جديدة تضاف إلى سجل الضحايا.
باحث ومخطط استراتيجي
احمد عبدالباسط الرجوب
شهدت العاصمة عمّان صباح أمس 25/11/2025 عاصفة مطرية غزيرة أعادت إلى الأذهان ذكريات مؤلمة مع الفيضانات التي تكررت على مدار تاريخ الأردن. فمنذ منتصف القرن الماضي، والمشهد ذاته يتكرر: أمطار غزيرة تتحول إلى سيول جارفة وتتسبب بخسائر مادية فادحة. ولا اريد ان اعزف على ربابة ' التغير المناخي ' لكنها الادارة البيروقراطية العفنة العقيمة التي اوصلت شوارعنا واختناقات شبكات تصريف الامطار ولما الت اليه يوم امس..
سجل حافل بالكوارث المماثلة
تشير سجلات الكوارث الطبيعية في الأردن إلى نمط متكرر من الفيضانات المدمرة. ففي عام 1963، أودى فيضان وادي موسى بحياة 23 شخصاً، وبعد ثلاث سنوات فقط، شهدت معان فيضاناً مدمراً آخر. ولم تكن عمّان بمنأى عن هذه الكوارث، ففي عام 1965، أدى فيضان في وسط العاصمة إلى إخلاء عائلات للمساجد والمدارس.
في العقدين الأخيرين، تصاعد وتيرة هذه الأحداث بشكل مقلق. ففي عام 2015، أسفرت أمطار غزيرة في عمّان عن وفاة 4 أشخاص. لكن الكارثة الأكثر إيلاماً كانت في تشرين الاول / أكتوبر 2018، عندما أودى فيضان وادي زرقاء-ماعين بالبحر الميت بحياة 21 شخصاً، معظمهم من الأطفال في رحلة مدرسية.
تكرار مأساوي رغم التحذيرات
المفارقة المؤلمة أن كارثة البحر الميت لم تكن الأخيرة، فبعد أسابيع فقط في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات جديدة أودت بحياة 12 شخصاً في البترا ومادبا والعقبة ومعان، وتم إجلاء المئات من السائحين من مدينة البترا.
واستمرت السلسلة في كانون الثاني / ديسمبر 2022 بفيضان مفاجئ في البترا استدعى إجلاء 1700 سائح، ثم في ايار / مايو 2023 عندما تسببت فيضانات وبرد غزير في العقبة والزرقاء وعمان والسلط ومادبا بوفاة شخص في العقبة.
البنية التحتية... الحلقة الأضعف
يكشف تكرار الكوارث على مدى 60 عاماً عن خلل هيكلي. فشبكات تصريف المياه تثبت فشلها مع كل عاصفة بسبب: ضيق العبّارات، وسوء الصيانة، وغياب التخطيط طويل المدى، والتوسع العمراني على حساب المساحات الخضراء. أين تذهب الإستراتيجيات الوطنية للبنى التحتية؟ يكتب معظمها بلغة إنشائية، بعيداً عن مشاركة بيوت الخبرة، فتصبح وثائق 'مسلوقة' تزين الرفوف بدلاً من أن تكون خطط عمل.
من منظور إداري، يلاحظ أن إدارة الأزمات لا تزال تعتمد على ردود الفعل اللحظية بدلاً من الخطط الاستباقية الواضحة، رغم التراث الطويل من التجارب المؤلمة. فالتعامل مع مثل هذه الأحوال يتطلب تفعيل غرف الطوارئ مسبقاً، وإجراء مسوحات للنقاط الحرجة، وتوفير فرق ميدانية مدربة للتدخل السريع.
دعوة للعمل: كسر حلقة التكرار
العاصفة الأخيرة في عمّان لم تكن حدثاً استثنائياً، بل هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الكوارث المتشابهة. والبيانات التاريخية تؤكد أن الحل يحتاج إلى:
1. تطوير نظام إنذار مبكر متطور يرتبط بخطة إخلاء فعالة 2. إعادة هندسة شبكات تصريف الأمطار في جميع المدن الأردنية 3. تطوير خرائط مخاطر دقيقة بناءً على الخبرات التاريخية 4. تخصيص ميزانيات مستدامة لصيانة وتطوير البنية التحتية 5. إدماج البعد البيئي في التخطيط الحضري
ختاما : الوقت ليس في صالحنا المستقبل يُصنع بالإرادة. للأردن إمكانياته البشرية والاستراتيجية، لكن الوقت ليس في صالحنا. فالشعب لم يعد يطيق انتظار وعود لا تتحقق. التاريخ يحاسب، والفرصة أمامكم لكتابة فصل مشرف في سجل الأردن قبل فوات الأوان.
إن حماية الأرواح والممتلكات تتطلب إرادة حقيقية للخروج من حلقة التكرار المأساوية، والاستفادة حقاً من الدروس التي تمنحنا إياها كل عاصفة، قبل أن تأتي العاصفة التالية بأرواح جديدة تضاف إلى سجل الضحايا.
باحث ومخطط استراتيجي
احمد عبدالباسط الرجوب
شهدت العاصمة عمّان صباح أمس 25/11/2025 عاصفة مطرية غزيرة أعادت إلى الأذهان ذكريات مؤلمة مع الفيضانات التي تكررت على مدار تاريخ الأردن. فمنذ منتصف القرن الماضي، والمشهد ذاته يتكرر: أمطار غزيرة تتحول إلى سيول جارفة وتتسبب بخسائر مادية فادحة. ولا اريد ان اعزف على ربابة ' التغير المناخي ' لكنها الادارة البيروقراطية العفنة العقيمة التي اوصلت شوارعنا واختناقات شبكات تصريف الامطار ولما الت اليه يوم امس..
سجل حافل بالكوارث المماثلة
تشير سجلات الكوارث الطبيعية في الأردن إلى نمط متكرر من الفيضانات المدمرة. ففي عام 1963، أودى فيضان وادي موسى بحياة 23 شخصاً، وبعد ثلاث سنوات فقط، شهدت معان فيضاناً مدمراً آخر. ولم تكن عمّان بمنأى عن هذه الكوارث، ففي عام 1965، أدى فيضان في وسط العاصمة إلى إخلاء عائلات للمساجد والمدارس.
في العقدين الأخيرين، تصاعد وتيرة هذه الأحداث بشكل مقلق. ففي عام 2015، أسفرت أمطار غزيرة في عمّان عن وفاة 4 أشخاص. لكن الكارثة الأكثر إيلاماً كانت في تشرين الاول / أكتوبر 2018، عندما أودى فيضان وادي زرقاء-ماعين بالبحر الميت بحياة 21 شخصاً، معظمهم من الأطفال في رحلة مدرسية.
تكرار مأساوي رغم التحذيرات
المفارقة المؤلمة أن كارثة البحر الميت لم تكن الأخيرة، فبعد أسابيع فقط في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات جديدة أودت بحياة 12 شخصاً في البترا ومادبا والعقبة ومعان، وتم إجلاء المئات من السائحين من مدينة البترا.
واستمرت السلسلة في كانون الثاني / ديسمبر 2022 بفيضان مفاجئ في البترا استدعى إجلاء 1700 سائح، ثم في ايار / مايو 2023 عندما تسببت فيضانات وبرد غزير في العقبة والزرقاء وعمان والسلط ومادبا بوفاة شخص في العقبة.
البنية التحتية... الحلقة الأضعف
يكشف تكرار الكوارث على مدى 60 عاماً عن خلل هيكلي. فشبكات تصريف المياه تثبت فشلها مع كل عاصفة بسبب: ضيق العبّارات، وسوء الصيانة، وغياب التخطيط طويل المدى، والتوسع العمراني على حساب المساحات الخضراء. أين تذهب الإستراتيجيات الوطنية للبنى التحتية؟ يكتب معظمها بلغة إنشائية، بعيداً عن مشاركة بيوت الخبرة، فتصبح وثائق 'مسلوقة' تزين الرفوف بدلاً من أن تكون خطط عمل.
من منظور إداري، يلاحظ أن إدارة الأزمات لا تزال تعتمد على ردود الفعل اللحظية بدلاً من الخطط الاستباقية الواضحة، رغم التراث الطويل من التجارب المؤلمة. فالتعامل مع مثل هذه الأحوال يتطلب تفعيل غرف الطوارئ مسبقاً، وإجراء مسوحات للنقاط الحرجة، وتوفير فرق ميدانية مدربة للتدخل السريع.
دعوة للعمل: كسر حلقة التكرار
العاصفة الأخيرة في عمّان لم تكن حدثاً استثنائياً، بل هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الكوارث المتشابهة. والبيانات التاريخية تؤكد أن الحل يحتاج إلى:
1. تطوير نظام إنذار مبكر متطور يرتبط بخطة إخلاء فعالة 2. إعادة هندسة شبكات تصريف الأمطار في جميع المدن الأردنية 3. تطوير خرائط مخاطر دقيقة بناءً على الخبرات التاريخية 4. تخصيص ميزانيات مستدامة لصيانة وتطوير البنية التحتية 5. إدماج البعد البيئي في التخطيط الحضري
ختاما : الوقت ليس في صالحنا المستقبل يُصنع بالإرادة. للأردن إمكانياته البشرية والاستراتيجية، لكن الوقت ليس في صالحنا. فالشعب لم يعد يطيق انتظار وعود لا تتحقق. التاريخ يحاسب، والفرصة أمامكم لكتابة فصل مشرف في سجل الأردن قبل فوات الأوان.
إن حماية الأرواح والممتلكات تتطلب إرادة حقيقية للخروج من حلقة التكرار المأساوية، والاستفادة حقاً من الدروس التي تمنحنا إياها كل عاصفة، قبل أن تأتي العاصفة التالية بأرواح جديدة تضاف إلى سجل الضحايا.
باحث ومخطط استراتيجي
التعليقات
عاصفة عمّان المطرية: تاريخ من الدروس المفقودة واختبارٌ متكرر للبنية التحتية
التعليقات