منتصف نوفمبر 2025 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 2803 /2025 بشأن غزة والذي يجيز إقامة مجلس سلام مؤقت في غزة لإدارة إعادة الإعمار مع وجود قوة دولية استقرار (ISF) لتأمين القطاع ونزع سلاح المجموعات المسلحة وضمان أمن الحدود ومعايير وتحديد سقوف زمنية لانسحاب القوات الإسرائيلية حيث يبقى هذا الإشراف الدولي المؤقت حتى 31 كانون الأول عام 2027
في هذا المشهد السياسي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر جاء القرار الأممي ليضيف طبقة جديدة من الغموض والجدل حول مستقبل غزة فبين من يراه محاولة لفرض تهدئة دولية عبر إدارة جديدة ومن يعتبره خطوة أولى نحو تدويل القضية الفلسطينية يبرز سؤال محوري يفرض نفسه بقوة هل تمهّد الأمم المتحدة فعلاً لمرحلة وصاية دولية على غزة
مع تنامي مشاعر الامل البعيد ظن فيها البعض أن المجتمع الدولي سيمنح غزة نافذة تنفس بعد حرب قاسية لكنه جاء على النقيض تماماً فقد بدا القرار منذ لحظته الأولى ليس نهاية للصراع ولا بداية لسلام بل تأسيساً لمرحلة وصاية دولية جديدة تُفرض من الخارج وتحاك خيوطها فوق رؤوس أهل غزة دون أن يكون لهم فيها رأي أو قدرة على الرفض من خلال قرار يفرض بغير الإرادة الفلسطينية ويعيد إلى الذاكرة أكثر اللحظات ظلاماً في تاريخ الانتدابات القديمة
جوهر القرار يشير الى انه مخطط واضح المعالم تقوده الولايات المتحدة لفرض مرحلة انتقالية طويلة يجري فيها إعادة تشكيل غزة من الصفر والخطة الأميركية ذات العشرين بنداً لم تكن وثيقة تقنية بل مشروع وصاية سياسية كاملة تمنح إدارة الخارج الحق في تحديد معنى الأمن وكيفية الإعمار ومن هو المؤهل للحكم وما هو الشكل المقبول للمقاومة أو الحكم المحلي وهذه ليست مرحلة مؤقتة بل لحظة إعادة توظيف للقوة الدولية كي تصبح بديلاً عن الاحتلال العسكري المباشر مع تبديل الزي واللغة فقط بينما تبقى الفكرة ذاتها السيطرة من الخارج وتقييد الداخل
ليس أدل على ذلك من إنشاء ما سمي بمجلس السلام الذي وُلد منذ لحظته الأولى بوصفه سلطة سياسية متقدمة تمتلك الصلاحية للتوجيه والمحاسبة وتحديد أولويات الحكم وتوزيع التمويل وكأن غزة باتت تحت إدارة مفوّض سامٍ حديث لا يختفي في الخلفية بل يتصدر المشهد وهذه الهيئة بسلطاتها ليست جزءاً من سلطة فلسطينية ولا كياناً تابعاً لها بل سلطة فوقها بحيث تمسك جميع خيوط الحكم فيما يترك للفلسطينيين دور التكيّف مع ما يقرره الآخرون
القوة الدولية التي يخوّلها القرار باستخدام جميع التدابير اللازمة تشكل فصلاً جديداً من فصول الهيمنة بالإكراه فالحديث هنا لا يدور عن بعثة لحفظ السلام بل عن قوة تمتلك صلاحيات أمنية وتنفيذية لإعادة صياغة بيئة الأمن في قطاع يشهد حضور فصائل مسلحة راسخة والمطلوب منها وفق النص تنفيذ مهام لم تستطع إسرائيل تحقيقها ما يجعل جوهر التفويض ليس حماية المدنيين بل ضبط الفلسطينيين وترويض المقاومة وصياغة معادلة قوة جديدة تضمن بقاء غزة منطقة مُنزوعة المخاطر على أمن إسرائيل والولايات المتحدة بقدر ما تضمن مصالح الأطراف الإقليمية المتحالفة بصورة مشتركة
الدعم العربي والإسلامي الكبير للقرار شكل لحظة انكسار سياسي كبيرة والدول التي من المفترض أن تكون سنداً للقضية الفلسطينية تحولت إلى مُسهِّل لولادة وصاية دولية جديدة سواء عبر التصويت أو عبر الامتناع عن الاعتراض وهذا الدعم الاعمى لم يمنح القرار شرعية سياسية فقط بل أضفى عليه شرعية أخلاقية زائفة سمحت لواشنطن بأن تظهر كمنقذ ولروسيا والصين أن تغسل يديها من مسؤولية استخدام الفيتو وهكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين بإجماع دولي ناعم لكنه أشد خطراً من الاحتلال المكشوف لأنه يأتي بملامح الحل وفق الرؤية الاسرائيلية
في المقابل جاء الموقف الفلسطيني المقاوم واضحاً وحاداً حيث رفضت حركة حماس وفصائل المقاومة الاخرى ليس رفضاً تقنياً بل رفضاً لمبدأ تحويل غزة إلى منطقة تُدار بالريموت الدولي إذ كيف يمكن لفصيل صمد في وجه حرب مدمرة أن يقبل تسليم سلاحه لقوة دولية منحازة اصلا للمحتل وكيف يمكن لقوة أجنبية مهما بلغ حجمها أن تنزع سلاح طرف لم تستطع إسرائيل ذاتها إخضاعه وهذا السؤال بطبيعته يفضح التناقض البنيوي في القرار الذي يفترض إمكانية هندسة واقع غير قابل مطلقا للهندسة وإخضاع قوة لا يمكن إخضاعها إلا عبر اتفاق سياسي حقيقي ينت حقوقها وليس عبر قرار أممي نسج في الظلام
الحديث في مضمون القرار عن حق تقرير المصير كان مشروطاً ومقيداً وكأنه امتياز يمنح ترفا وليس حقاً أصيلاً وثابت وهذا المنطق بتفاصيله يعيد إحياء خطاب الانتداب البريطاني القديم حين كانت القوى الأوروبية تقرر متى يصبح شعب ما مستحقاً لحكم نفسه كما إنه صيغة تجريد ناعم للحق الفلسطيني مغلّف في خطاب قانوني لكنه يخفي جوهره في تحويل السيادة إلى وعد مؤجل لا يتحقق إلا عندما تقرر القوى الدولية أن الظروف نضجت أي عندما يتحول الفلسطيني إلى نسخة مقبولة وطيعة سياسياً من وجهة نظر الخارج الذي يهيمن على جميع الامور
هنا تأتي خطورة الفقرة التحليلية الأولى المهمة التي تتحدث عن المرحلة الانتقالية الممتدة حتى 2027 والتي يرى فيها الفلسطينيون انها ليست مجرد زمن إداري بل نافذة تُغلق فيها أبواب الفعل الفلسطيني وتفتح كل أبواب العمل والتقرير الدولي خلال هذه السنوات حيث تبنى الوقائع على الأرض وتعاد صياغة المؤسسات وتهندَس بنية السلطة بما يجعل العودة إلى حالة السيادة الحقيقية شبه مستحيلة حيث تُربّى غزة خلال تلك السنوات على طاولة الآخرين لا وفق إرادتها الحرة بل وفق إرادة من قرروا أن الحل لا يتم إلا عبر وصاية دولية مشكوك في اهدافها وعملها
اما الفقرة الثانية من القرار المتعلقة بالبعد الجيوسياسي فقد جعلت غزة جزءاً من معادلة نفوذ عالمية وساحة تُدار وفق توازنات القوى لا وفق متطلبات التحرر الوطني وهنا لم تعد القضية الفلسطينية تقرأ بوصفها قضية حرية لشعب محاصر بل بوصفها مساحة اختبار لمشاريع النفوذ الأميركي ومجالاً حيويا لتكتيكات روسيا والصين ومختبراً لإعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية وفي هذا المنطق الجديد يصبح الفلسطيني جزء تفصيلي صغيراً في لوحة صراع أكبر وهذا هو جوهر الانتداب أن يجرد الشعب من مركزيته في التعامل مع قضيته
فيما جاءت الفقرة الثالثة المضافة حديثاً وهي الأشد حساسية إن أخطر ما في القرار أنه يحاول إعادة تعريف الفلسطيني ذاته ويجعل منه موضوعاً إدارياً غير فاعل سياسياً ويحوله من شعب يقاوم الاحتلال إلى مجتمع قيد الإصلاح وهذا الخطاب ذاته الذي استخدمته القوى الاستعمارية في القرن الماضي لتبرير وجودها بالادعاء بأن الشعب المحلي بحاجة إلى مرحلة تأهيل وإلى إعادة ترتيب وإلى إدارة انتقالية وبما يعيد إنتاج منطق استعماري معاصر يجعل غزة مساحة تجريبية لتطبيق نموذج وصاية يستبدل الاحتلال العسكري بنظام مراقبة دولية محكمة أكثر أناقة لكنه أكثر خطورة على المدى الطويل
ابرز نقاط الضعف قفي القرار تجسدت في غياب آليات تنفيذ واضحة يجعله عرضة لأن يتحول إلى مجرد بيان سياسي بلا أثر فعلي وصياغته العامة والفضفاضة التي تمنح مساحة واسعة للتأويل ما يهدد بتضارب المعاني في التطبيق فضلا عن انه قد يُنظر إليه كمساس مباشر بالسيادة الفلسطينية وتهميش للأطراف المحلية
القرار رغم لغته الدبلوماسية يثير تساؤلات عميقة حول شكل المرحلة المقبلة وحدود الدور الدولي المحتمل وما إذا كانت غزة ستدخل طوراً سياسياً جديداً قد يغيّر بنية السلطة فيها، ويعيد رسم خارطة النفوذ على الأرض تداعيات القرار على الوضع الداخلي في غزة من المتوقع أن يُحدث القرار الأممي الأخير ارتدادات مباشرة داخل غزة، سواء على مستوى المشهد السياسي أو الاجتماعي. فالقوى السياسية ستتعامل معه بقراءات مختلفة فهناك من سيعتبره محاولة لانتزاع جزء من القرار الداخلي ووضعه تحت رقابة دولية، فيما قد ترى أطراف أخرى أنه فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتخفيف الضغوط الإنسانية الثقيلة. وعلى الصعيد الشعبي، يزيد القرار من حالة القلق والترقب، إذ يخشى كثيرون أن تتحول الوصاية المقترحة إلى إدارة طويلة الأمد تعيد رسم ملامح السلطة في القطاع، في حين يأمل آخرون أن يجلب أي دور دولي محتمل بعض الاستقرار والخدمات الأساسية.
هذا القرار الذي يفترض أن يكون محايداً وعادلاً وحامياً للقانون الدولي كان منحازاً بوضوح ضد إرادة الشعب الفلسطيني ومتجاهلاً لحقه في السيادة والكرامة ومتجاوزاً مطالب سكان غزة في الحياة الحرة والمستقبل المستقل وقد فشلت الأمم المتحدة مرة أخرى في أن تكون وسيطاً نزيهاً بعدما تحولت إلى أداة تمرر لمشاريع القوى الكبرى وحتى هذه اللحظة الصعبة لا يزال الطريق نحو إعادة الحياة إلى غزة بكرامة واستقلالية مغلقاً طالما بقيت القرارات الدولية تدار بالعقلية ذاتها التي صنعت الانتداب القديم وأعادت إنتاجه من جديد بأسماء واشكال مختلفة
في نهاية المطاف يبدو القرار الأممي وكأنه حجر آخر يُلقى في مياه غزة الراكدة لكن أثره سواء كان موجة صغيرة أو تسونامي سياسي سيعتمد على كيفية تفاعُل القوى المحلية والدولية معه وبين مخاوف الوصاية الدولية وآمال الخروج من عنق الزجاجة تبقى غزة معلّقة بين الماضي المثقل والبحث عن مستقبل أقل اضطراباً وربما يكون السؤال الأهم اليوم ليس إلى أين يقودنا القرار الأممي ؟ بل من سيملك القدرة على توجيه المسار في اللحظة الأكثر حرجاً في تاريخ القطاع ؟
منتصف نوفمبر 2025 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 2803 /2025 بشأن غزة والذي يجيز إقامة مجلس سلام مؤقت في غزة لإدارة إعادة الإعمار مع وجود قوة دولية استقرار (ISF) لتأمين القطاع ونزع سلاح المجموعات المسلحة وضمان أمن الحدود ومعايير وتحديد سقوف زمنية لانسحاب القوات الإسرائيلية حيث يبقى هذا الإشراف الدولي المؤقت حتى 31 كانون الأول عام 2027
في هذا المشهد السياسي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر جاء القرار الأممي ليضيف طبقة جديدة من الغموض والجدل حول مستقبل غزة فبين من يراه محاولة لفرض تهدئة دولية عبر إدارة جديدة ومن يعتبره خطوة أولى نحو تدويل القضية الفلسطينية يبرز سؤال محوري يفرض نفسه بقوة هل تمهّد الأمم المتحدة فعلاً لمرحلة وصاية دولية على غزة
مع تنامي مشاعر الامل البعيد ظن فيها البعض أن المجتمع الدولي سيمنح غزة نافذة تنفس بعد حرب قاسية لكنه جاء على النقيض تماماً فقد بدا القرار منذ لحظته الأولى ليس نهاية للصراع ولا بداية لسلام بل تأسيساً لمرحلة وصاية دولية جديدة تُفرض من الخارج وتحاك خيوطها فوق رؤوس أهل غزة دون أن يكون لهم فيها رأي أو قدرة على الرفض من خلال قرار يفرض بغير الإرادة الفلسطينية ويعيد إلى الذاكرة أكثر اللحظات ظلاماً في تاريخ الانتدابات القديمة
جوهر القرار يشير الى انه مخطط واضح المعالم تقوده الولايات المتحدة لفرض مرحلة انتقالية طويلة يجري فيها إعادة تشكيل غزة من الصفر والخطة الأميركية ذات العشرين بنداً لم تكن وثيقة تقنية بل مشروع وصاية سياسية كاملة تمنح إدارة الخارج الحق في تحديد معنى الأمن وكيفية الإعمار ومن هو المؤهل للحكم وما هو الشكل المقبول للمقاومة أو الحكم المحلي وهذه ليست مرحلة مؤقتة بل لحظة إعادة توظيف للقوة الدولية كي تصبح بديلاً عن الاحتلال العسكري المباشر مع تبديل الزي واللغة فقط بينما تبقى الفكرة ذاتها السيطرة من الخارج وتقييد الداخل
ليس أدل على ذلك من إنشاء ما سمي بمجلس السلام الذي وُلد منذ لحظته الأولى بوصفه سلطة سياسية متقدمة تمتلك الصلاحية للتوجيه والمحاسبة وتحديد أولويات الحكم وتوزيع التمويل وكأن غزة باتت تحت إدارة مفوّض سامٍ حديث لا يختفي في الخلفية بل يتصدر المشهد وهذه الهيئة بسلطاتها ليست جزءاً من سلطة فلسطينية ولا كياناً تابعاً لها بل سلطة فوقها بحيث تمسك جميع خيوط الحكم فيما يترك للفلسطينيين دور التكيّف مع ما يقرره الآخرون
القوة الدولية التي يخوّلها القرار باستخدام جميع التدابير اللازمة تشكل فصلاً جديداً من فصول الهيمنة بالإكراه فالحديث هنا لا يدور عن بعثة لحفظ السلام بل عن قوة تمتلك صلاحيات أمنية وتنفيذية لإعادة صياغة بيئة الأمن في قطاع يشهد حضور فصائل مسلحة راسخة والمطلوب منها وفق النص تنفيذ مهام لم تستطع إسرائيل تحقيقها ما يجعل جوهر التفويض ليس حماية المدنيين بل ضبط الفلسطينيين وترويض المقاومة وصياغة معادلة قوة جديدة تضمن بقاء غزة منطقة مُنزوعة المخاطر على أمن إسرائيل والولايات المتحدة بقدر ما تضمن مصالح الأطراف الإقليمية المتحالفة بصورة مشتركة
الدعم العربي والإسلامي الكبير للقرار شكل لحظة انكسار سياسي كبيرة والدول التي من المفترض أن تكون سنداً للقضية الفلسطينية تحولت إلى مُسهِّل لولادة وصاية دولية جديدة سواء عبر التصويت أو عبر الامتناع عن الاعتراض وهذا الدعم الاعمى لم يمنح القرار شرعية سياسية فقط بل أضفى عليه شرعية أخلاقية زائفة سمحت لواشنطن بأن تظهر كمنقذ ولروسيا والصين أن تغسل يديها من مسؤولية استخدام الفيتو وهكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين بإجماع دولي ناعم لكنه أشد خطراً من الاحتلال المكشوف لأنه يأتي بملامح الحل وفق الرؤية الاسرائيلية
في المقابل جاء الموقف الفلسطيني المقاوم واضحاً وحاداً حيث رفضت حركة حماس وفصائل المقاومة الاخرى ليس رفضاً تقنياً بل رفضاً لمبدأ تحويل غزة إلى منطقة تُدار بالريموت الدولي إذ كيف يمكن لفصيل صمد في وجه حرب مدمرة أن يقبل تسليم سلاحه لقوة دولية منحازة اصلا للمحتل وكيف يمكن لقوة أجنبية مهما بلغ حجمها أن تنزع سلاح طرف لم تستطع إسرائيل ذاتها إخضاعه وهذا السؤال بطبيعته يفضح التناقض البنيوي في القرار الذي يفترض إمكانية هندسة واقع غير قابل مطلقا للهندسة وإخضاع قوة لا يمكن إخضاعها إلا عبر اتفاق سياسي حقيقي ينت حقوقها وليس عبر قرار أممي نسج في الظلام
الحديث في مضمون القرار عن حق تقرير المصير كان مشروطاً ومقيداً وكأنه امتياز يمنح ترفا وليس حقاً أصيلاً وثابت وهذا المنطق بتفاصيله يعيد إحياء خطاب الانتداب البريطاني القديم حين كانت القوى الأوروبية تقرر متى يصبح شعب ما مستحقاً لحكم نفسه كما إنه صيغة تجريد ناعم للحق الفلسطيني مغلّف في خطاب قانوني لكنه يخفي جوهره في تحويل السيادة إلى وعد مؤجل لا يتحقق إلا عندما تقرر القوى الدولية أن الظروف نضجت أي عندما يتحول الفلسطيني إلى نسخة مقبولة وطيعة سياسياً من وجهة نظر الخارج الذي يهيمن على جميع الامور
هنا تأتي خطورة الفقرة التحليلية الأولى المهمة التي تتحدث عن المرحلة الانتقالية الممتدة حتى 2027 والتي يرى فيها الفلسطينيون انها ليست مجرد زمن إداري بل نافذة تُغلق فيها أبواب الفعل الفلسطيني وتفتح كل أبواب العمل والتقرير الدولي خلال هذه السنوات حيث تبنى الوقائع على الأرض وتعاد صياغة المؤسسات وتهندَس بنية السلطة بما يجعل العودة إلى حالة السيادة الحقيقية شبه مستحيلة حيث تُربّى غزة خلال تلك السنوات على طاولة الآخرين لا وفق إرادتها الحرة بل وفق إرادة من قرروا أن الحل لا يتم إلا عبر وصاية دولية مشكوك في اهدافها وعملها
اما الفقرة الثانية من القرار المتعلقة بالبعد الجيوسياسي فقد جعلت غزة جزءاً من معادلة نفوذ عالمية وساحة تُدار وفق توازنات القوى لا وفق متطلبات التحرر الوطني وهنا لم تعد القضية الفلسطينية تقرأ بوصفها قضية حرية لشعب محاصر بل بوصفها مساحة اختبار لمشاريع النفوذ الأميركي ومجالاً حيويا لتكتيكات روسيا والصين ومختبراً لإعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية وفي هذا المنطق الجديد يصبح الفلسطيني جزء تفصيلي صغيراً في لوحة صراع أكبر وهذا هو جوهر الانتداب أن يجرد الشعب من مركزيته في التعامل مع قضيته
فيما جاءت الفقرة الثالثة المضافة حديثاً وهي الأشد حساسية إن أخطر ما في القرار أنه يحاول إعادة تعريف الفلسطيني ذاته ويجعل منه موضوعاً إدارياً غير فاعل سياسياً ويحوله من شعب يقاوم الاحتلال إلى مجتمع قيد الإصلاح وهذا الخطاب ذاته الذي استخدمته القوى الاستعمارية في القرن الماضي لتبرير وجودها بالادعاء بأن الشعب المحلي بحاجة إلى مرحلة تأهيل وإلى إعادة ترتيب وإلى إدارة انتقالية وبما يعيد إنتاج منطق استعماري معاصر يجعل غزة مساحة تجريبية لتطبيق نموذج وصاية يستبدل الاحتلال العسكري بنظام مراقبة دولية محكمة أكثر أناقة لكنه أكثر خطورة على المدى الطويل
ابرز نقاط الضعف قفي القرار تجسدت في غياب آليات تنفيذ واضحة يجعله عرضة لأن يتحول إلى مجرد بيان سياسي بلا أثر فعلي وصياغته العامة والفضفاضة التي تمنح مساحة واسعة للتأويل ما يهدد بتضارب المعاني في التطبيق فضلا عن انه قد يُنظر إليه كمساس مباشر بالسيادة الفلسطينية وتهميش للأطراف المحلية
القرار رغم لغته الدبلوماسية يثير تساؤلات عميقة حول شكل المرحلة المقبلة وحدود الدور الدولي المحتمل وما إذا كانت غزة ستدخل طوراً سياسياً جديداً قد يغيّر بنية السلطة فيها، ويعيد رسم خارطة النفوذ على الأرض تداعيات القرار على الوضع الداخلي في غزة من المتوقع أن يُحدث القرار الأممي الأخير ارتدادات مباشرة داخل غزة، سواء على مستوى المشهد السياسي أو الاجتماعي. فالقوى السياسية ستتعامل معه بقراءات مختلفة فهناك من سيعتبره محاولة لانتزاع جزء من القرار الداخلي ووضعه تحت رقابة دولية، فيما قد ترى أطراف أخرى أنه فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتخفيف الضغوط الإنسانية الثقيلة. وعلى الصعيد الشعبي، يزيد القرار من حالة القلق والترقب، إذ يخشى كثيرون أن تتحول الوصاية المقترحة إلى إدارة طويلة الأمد تعيد رسم ملامح السلطة في القطاع، في حين يأمل آخرون أن يجلب أي دور دولي محتمل بعض الاستقرار والخدمات الأساسية.
هذا القرار الذي يفترض أن يكون محايداً وعادلاً وحامياً للقانون الدولي كان منحازاً بوضوح ضد إرادة الشعب الفلسطيني ومتجاهلاً لحقه في السيادة والكرامة ومتجاوزاً مطالب سكان غزة في الحياة الحرة والمستقبل المستقل وقد فشلت الأمم المتحدة مرة أخرى في أن تكون وسيطاً نزيهاً بعدما تحولت إلى أداة تمرر لمشاريع القوى الكبرى وحتى هذه اللحظة الصعبة لا يزال الطريق نحو إعادة الحياة إلى غزة بكرامة واستقلالية مغلقاً طالما بقيت القرارات الدولية تدار بالعقلية ذاتها التي صنعت الانتداب القديم وأعادت إنتاجه من جديد بأسماء واشكال مختلفة
في نهاية المطاف يبدو القرار الأممي وكأنه حجر آخر يُلقى في مياه غزة الراكدة لكن أثره سواء كان موجة صغيرة أو تسونامي سياسي سيعتمد على كيفية تفاعُل القوى المحلية والدولية معه وبين مخاوف الوصاية الدولية وآمال الخروج من عنق الزجاجة تبقى غزة معلّقة بين الماضي المثقل والبحث عن مستقبل أقل اضطراباً وربما يكون السؤال الأهم اليوم ليس إلى أين يقودنا القرار الأممي ؟ بل من سيملك القدرة على توجيه المسار في اللحظة الأكثر حرجاً في تاريخ القطاع ؟
منتصف نوفمبر 2025 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 2803 /2025 بشأن غزة والذي يجيز إقامة مجلس سلام مؤقت في غزة لإدارة إعادة الإعمار مع وجود قوة دولية استقرار (ISF) لتأمين القطاع ونزع سلاح المجموعات المسلحة وضمان أمن الحدود ومعايير وتحديد سقوف زمنية لانسحاب القوات الإسرائيلية حيث يبقى هذا الإشراف الدولي المؤقت حتى 31 كانون الأول عام 2027
في هذا المشهد السياسي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر جاء القرار الأممي ليضيف طبقة جديدة من الغموض والجدل حول مستقبل غزة فبين من يراه محاولة لفرض تهدئة دولية عبر إدارة جديدة ومن يعتبره خطوة أولى نحو تدويل القضية الفلسطينية يبرز سؤال محوري يفرض نفسه بقوة هل تمهّد الأمم المتحدة فعلاً لمرحلة وصاية دولية على غزة
مع تنامي مشاعر الامل البعيد ظن فيها البعض أن المجتمع الدولي سيمنح غزة نافذة تنفس بعد حرب قاسية لكنه جاء على النقيض تماماً فقد بدا القرار منذ لحظته الأولى ليس نهاية للصراع ولا بداية لسلام بل تأسيساً لمرحلة وصاية دولية جديدة تُفرض من الخارج وتحاك خيوطها فوق رؤوس أهل غزة دون أن يكون لهم فيها رأي أو قدرة على الرفض من خلال قرار يفرض بغير الإرادة الفلسطينية ويعيد إلى الذاكرة أكثر اللحظات ظلاماً في تاريخ الانتدابات القديمة
جوهر القرار يشير الى انه مخطط واضح المعالم تقوده الولايات المتحدة لفرض مرحلة انتقالية طويلة يجري فيها إعادة تشكيل غزة من الصفر والخطة الأميركية ذات العشرين بنداً لم تكن وثيقة تقنية بل مشروع وصاية سياسية كاملة تمنح إدارة الخارج الحق في تحديد معنى الأمن وكيفية الإعمار ومن هو المؤهل للحكم وما هو الشكل المقبول للمقاومة أو الحكم المحلي وهذه ليست مرحلة مؤقتة بل لحظة إعادة توظيف للقوة الدولية كي تصبح بديلاً عن الاحتلال العسكري المباشر مع تبديل الزي واللغة فقط بينما تبقى الفكرة ذاتها السيطرة من الخارج وتقييد الداخل
ليس أدل على ذلك من إنشاء ما سمي بمجلس السلام الذي وُلد منذ لحظته الأولى بوصفه سلطة سياسية متقدمة تمتلك الصلاحية للتوجيه والمحاسبة وتحديد أولويات الحكم وتوزيع التمويل وكأن غزة باتت تحت إدارة مفوّض سامٍ حديث لا يختفي في الخلفية بل يتصدر المشهد وهذه الهيئة بسلطاتها ليست جزءاً من سلطة فلسطينية ولا كياناً تابعاً لها بل سلطة فوقها بحيث تمسك جميع خيوط الحكم فيما يترك للفلسطينيين دور التكيّف مع ما يقرره الآخرون
القوة الدولية التي يخوّلها القرار باستخدام جميع التدابير اللازمة تشكل فصلاً جديداً من فصول الهيمنة بالإكراه فالحديث هنا لا يدور عن بعثة لحفظ السلام بل عن قوة تمتلك صلاحيات أمنية وتنفيذية لإعادة صياغة بيئة الأمن في قطاع يشهد حضور فصائل مسلحة راسخة والمطلوب منها وفق النص تنفيذ مهام لم تستطع إسرائيل تحقيقها ما يجعل جوهر التفويض ليس حماية المدنيين بل ضبط الفلسطينيين وترويض المقاومة وصياغة معادلة قوة جديدة تضمن بقاء غزة منطقة مُنزوعة المخاطر على أمن إسرائيل والولايات المتحدة بقدر ما تضمن مصالح الأطراف الإقليمية المتحالفة بصورة مشتركة
الدعم العربي والإسلامي الكبير للقرار شكل لحظة انكسار سياسي كبيرة والدول التي من المفترض أن تكون سنداً للقضية الفلسطينية تحولت إلى مُسهِّل لولادة وصاية دولية جديدة سواء عبر التصويت أو عبر الامتناع عن الاعتراض وهذا الدعم الاعمى لم يمنح القرار شرعية سياسية فقط بل أضفى عليه شرعية أخلاقية زائفة سمحت لواشنطن بأن تظهر كمنقذ ولروسيا والصين أن تغسل يديها من مسؤولية استخدام الفيتو وهكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين بإجماع دولي ناعم لكنه أشد خطراً من الاحتلال المكشوف لأنه يأتي بملامح الحل وفق الرؤية الاسرائيلية
في المقابل جاء الموقف الفلسطيني المقاوم واضحاً وحاداً حيث رفضت حركة حماس وفصائل المقاومة الاخرى ليس رفضاً تقنياً بل رفضاً لمبدأ تحويل غزة إلى منطقة تُدار بالريموت الدولي إذ كيف يمكن لفصيل صمد في وجه حرب مدمرة أن يقبل تسليم سلاحه لقوة دولية منحازة اصلا للمحتل وكيف يمكن لقوة أجنبية مهما بلغ حجمها أن تنزع سلاح طرف لم تستطع إسرائيل ذاتها إخضاعه وهذا السؤال بطبيعته يفضح التناقض البنيوي في القرار الذي يفترض إمكانية هندسة واقع غير قابل مطلقا للهندسة وإخضاع قوة لا يمكن إخضاعها إلا عبر اتفاق سياسي حقيقي ينت حقوقها وليس عبر قرار أممي نسج في الظلام
الحديث في مضمون القرار عن حق تقرير المصير كان مشروطاً ومقيداً وكأنه امتياز يمنح ترفا وليس حقاً أصيلاً وثابت وهذا المنطق بتفاصيله يعيد إحياء خطاب الانتداب البريطاني القديم حين كانت القوى الأوروبية تقرر متى يصبح شعب ما مستحقاً لحكم نفسه كما إنه صيغة تجريد ناعم للحق الفلسطيني مغلّف في خطاب قانوني لكنه يخفي جوهره في تحويل السيادة إلى وعد مؤجل لا يتحقق إلا عندما تقرر القوى الدولية أن الظروف نضجت أي عندما يتحول الفلسطيني إلى نسخة مقبولة وطيعة سياسياً من وجهة نظر الخارج الذي يهيمن على جميع الامور
هنا تأتي خطورة الفقرة التحليلية الأولى المهمة التي تتحدث عن المرحلة الانتقالية الممتدة حتى 2027 والتي يرى فيها الفلسطينيون انها ليست مجرد زمن إداري بل نافذة تُغلق فيها أبواب الفعل الفلسطيني وتفتح كل أبواب العمل والتقرير الدولي خلال هذه السنوات حيث تبنى الوقائع على الأرض وتعاد صياغة المؤسسات وتهندَس بنية السلطة بما يجعل العودة إلى حالة السيادة الحقيقية شبه مستحيلة حيث تُربّى غزة خلال تلك السنوات على طاولة الآخرين لا وفق إرادتها الحرة بل وفق إرادة من قرروا أن الحل لا يتم إلا عبر وصاية دولية مشكوك في اهدافها وعملها
اما الفقرة الثانية من القرار المتعلقة بالبعد الجيوسياسي فقد جعلت غزة جزءاً من معادلة نفوذ عالمية وساحة تُدار وفق توازنات القوى لا وفق متطلبات التحرر الوطني وهنا لم تعد القضية الفلسطينية تقرأ بوصفها قضية حرية لشعب محاصر بل بوصفها مساحة اختبار لمشاريع النفوذ الأميركي ومجالاً حيويا لتكتيكات روسيا والصين ومختبراً لإعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية وفي هذا المنطق الجديد يصبح الفلسطيني جزء تفصيلي صغيراً في لوحة صراع أكبر وهذا هو جوهر الانتداب أن يجرد الشعب من مركزيته في التعامل مع قضيته
فيما جاءت الفقرة الثالثة المضافة حديثاً وهي الأشد حساسية إن أخطر ما في القرار أنه يحاول إعادة تعريف الفلسطيني ذاته ويجعل منه موضوعاً إدارياً غير فاعل سياسياً ويحوله من شعب يقاوم الاحتلال إلى مجتمع قيد الإصلاح وهذا الخطاب ذاته الذي استخدمته القوى الاستعمارية في القرن الماضي لتبرير وجودها بالادعاء بأن الشعب المحلي بحاجة إلى مرحلة تأهيل وإلى إعادة ترتيب وإلى إدارة انتقالية وبما يعيد إنتاج منطق استعماري معاصر يجعل غزة مساحة تجريبية لتطبيق نموذج وصاية يستبدل الاحتلال العسكري بنظام مراقبة دولية محكمة أكثر أناقة لكنه أكثر خطورة على المدى الطويل
ابرز نقاط الضعف قفي القرار تجسدت في غياب آليات تنفيذ واضحة يجعله عرضة لأن يتحول إلى مجرد بيان سياسي بلا أثر فعلي وصياغته العامة والفضفاضة التي تمنح مساحة واسعة للتأويل ما يهدد بتضارب المعاني في التطبيق فضلا عن انه قد يُنظر إليه كمساس مباشر بالسيادة الفلسطينية وتهميش للأطراف المحلية
القرار رغم لغته الدبلوماسية يثير تساؤلات عميقة حول شكل المرحلة المقبلة وحدود الدور الدولي المحتمل وما إذا كانت غزة ستدخل طوراً سياسياً جديداً قد يغيّر بنية السلطة فيها، ويعيد رسم خارطة النفوذ على الأرض تداعيات القرار على الوضع الداخلي في غزة من المتوقع أن يُحدث القرار الأممي الأخير ارتدادات مباشرة داخل غزة، سواء على مستوى المشهد السياسي أو الاجتماعي. فالقوى السياسية ستتعامل معه بقراءات مختلفة فهناك من سيعتبره محاولة لانتزاع جزء من القرار الداخلي ووضعه تحت رقابة دولية، فيما قد ترى أطراف أخرى أنه فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتخفيف الضغوط الإنسانية الثقيلة. وعلى الصعيد الشعبي، يزيد القرار من حالة القلق والترقب، إذ يخشى كثيرون أن تتحول الوصاية المقترحة إلى إدارة طويلة الأمد تعيد رسم ملامح السلطة في القطاع، في حين يأمل آخرون أن يجلب أي دور دولي محتمل بعض الاستقرار والخدمات الأساسية.
هذا القرار الذي يفترض أن يكون محايداً وعادلاً وحامياً للقانون الدولي كان منحازاً بوضوح ضد إرادة الشعب الفلسطيني ومتجاهلاً لحقه في السيادة والكرامة ومتجاوزاً مطالب سكان غزة في الحياة الحرة والمستقبل المستقل وقد فشلت الأمم المتحدة مرة أخرى في أن تكون وسيطاً نزيهاً بعدما تحولت إلى أداة تمرر لمشاريع القوى الكبرى وحتى هذه اللحظة الصعبة لا يزال الطريق نحو إعادة الحياة إلى غزة بكرامة واستقلالية مغلقاً طالما بقيت القرارات الدولية تدار بالعقلية ذاتها التي صنعت الانتداب القديم وأعادت إنتاجه من جديد بأسماء واشكال مختلفة
في نهاية المطاف يبدو القرار الأممي وكأنه حجر آخر يُلقى في مياه غزة الراكدة لكن أثره سواء كان موجة صغيرة أو تسونامي سياسي سيعتمد على كيفية تفاعُل القوى المحلية والدولية معه وبين مخاوف الوصاية الدولية وآمال الخروج من عنق الزجاجة تبقى غزة معلّقة بين الماضي المثقل والبحث عن مستقبل أقل اضطراباً وربما يكون السؤال الأهم اليوم ليس إلى أين يقودنا القرار الأممي ؟ بل من سيملك القدرة على توجيه المسار في اللحظة الأكثر حرجاً في تاريخ القطاع ؟
التعليقات