من يراقب المشهد الأردني يتأكد أن بلدنا لا يعاني من قلة مبادرات، بل من فيضانها. مبادرات للشباب، مبادرات للابتكار، مبادرات للريادة… بعضها برعاية وزارات، وأخرى بتوقيع هيئات جديدة تُطلق كل عام تقريبا. عناوين براقة، مؤتمرات أنيقة، شعارات مزخرفة… لكن بعد بضعة أشهر فقط، تخفت الأضواء، تختفي الأصوات، ونكتشف أن الفكرة التي كان يُفترض أن تغيّر الواقع تحولت إلى خبر قديم على موقع رسمي.
لماذا؟ لأن الجوهر لم يكن واضحا من البداية فلا ابتكار بلا ثقة. في مجتمعاتنا، اعتدنا أن نتعامل مع “الابتكار” كديكور يُضاف للخطط، أو ككلمة رنانة في الخطابات الرسمية. لكن حين يقترب الموضوع من التنفيذ، تظهر الحقيقة: بيئة تخلو من الثقة بين الشباب والجهات الراعية، بين المؤسسات والموظفين، بين القيادات والفرق.
خذوا مثال الهيئات الشبابية التي أُطلقت خلال العقد الأخير. كم منها بدأ بزخم كبير، بوعود أن يكون “صوت الشباب” و”منصة التغيير”؟ وكم منها انتهى بلا صوت ولا تأثير؟ السبب ليس نقص الأفكار، بل تراوح بين غياب الثقة وتكرار النشاط او تحويل الإبداع لمشروع “دهان اطاريف”. الشاب الذي جاء متحمسا ليقترح أو يشارك، اكتشف أن صوته لا يمر إلا إذا انسجم مع المزاج العام لاصحاب المبادرة. ومع الوقت، هاجر بعضهم لفُرص خارج الأردن، واختار آخرون الصمت.
ومهما حاولت هذه المبادرات تجميل صورتها – عبر إعادة إطلاق، تغيير أسماء، أو إقامة مؤتمرات باذخة – فلن تعود لألقها الأول. لأن المشكلة لم تكن في التسويق، بل في الجوهر، لا ثقة = لا استدامة.
حتى في بيئة الأعمال، القصة تتكرر. شركات ناشئة تحمل أفكارا لامعة، لكنها تسقط عند أول عقبة لأن مؤسسيها لم يجدوا من يثق بقدرتهم على التنفيذ، أو لأن المستثمر يطلب ضمانات غير واقعية، أو لأن الشركاء أنفسهم يفتقدون الثقة المتبادلة. النتيجة: فكرة تذبل في مهدها.
والمفارقة أن عندنا في الأردن نماذج قليلة نجحت بجدارة – “مبادرات مؤسسة ولي العهد : جامعة الحسين التقنية، نحن، نوى، حقق”، “إدراك”، “موضوع”، “طماطم” وغيرها – لأنها انطلقت من بيئة ثقة حقيقية بين الفرق، وليست من مبادرات تجميلية أو مسميات فضفاضة. هؤلاء لم يحتاجوا إلى عشرات المؤتمرات ليبرهنوا على ابتكارهم، بل إلى مساحة آمنة للتجربة والخطأ والمحاولة.
الخلاصة أن الابتكار لا يُصنع بقرار فوقي ولا يُولد من ورشة ملونة. الابتكار ابن الثقة الشرعي. حين يثق الشاب أن صوته سيُسمع، يجرؤ على الإبداع. حين يثق الموظف أن فكرته لن تُسرق، يشاركها. وحين يثق الشريك أن استثماره محمي، يغامر.
أما بدون ثقة، فستظل مبادراتنا مثل تلك الهيئات التي وُلدت في ضوء الكاميرات وماتت في صمت المكاتب. ومهما جربنا من عمليات “إنعاش” أو “تجميل”، الحقيقة لا تتغير: الألق ضاع من اللحظة التي غابت فيها الثقة.
الدكتور نضال المجالي
من يراقب المشهد الأردني يتأكد أن بلدنا لا يعاني من قلة مبادرات، بل من فيضانها. مبادرات للشباب، مبادرات للابتكار، مبادرات للريادة… بعضها برعاية وزارات، وأخرى بتوقيع هيئات جديدة تُطلق كل عام تقريبا. عناوين براقة، مؤتمرات أنيقة، شعارات مزخرفة… لكن بعد بضعة أشهر فقط، تخفت الأضواء، تختفي الأصوات، ونكتشف أن الفكرة التي كان يُفترض أن تغيّر الواقع تحولت إلى خبر قديم على موقع رسمي.
لماذا؟ لأن الجوهر لم يكن واضحا من البداية فلا ابتكار بلا ثقة. في مجتمعاتنا، اعتدنا أن نتعامل مع “الابتكار” كديكور يُضاف للخطط، أو ككلمة رنانة في الخطابات الرسمية. لكن حين يقترب الموضوع من التنفيذ، تظهر الحقيقة: بيئة تخلو من الثقة بين الشباب والجهات الراعية، بين المؤسسات والموظفين، بين القيادات والفرق.
خذوا مثال الهيئات الشبابية التي أُطلقت خلال العقد الأخير. كم منها بدأ بزخم كبير، بوعود أن يكون “صوت الشباب” و”منصة التغيير”؟ وكم منها انتهى بلا صوت ولا تأثير؟ السبب ليس نقص الأفكار، بل تراوح بين غياب الثقة وتكرار النشاط او تحويل الإبداع لمشروع “دهان اطاريف”. الشاب الذي جاء متحمسا ليقترح أو يشارك، اكتشف أن صوته لا يمر إلا إذا انسجم مع المزاج العام لاصحاب المبادرة. ومع الوقت، هاجر بعضهم لفُرص خارج الأردن، واختار آخرون الصمت.
ومهما حاولت هذه المبادرات تجميل صورتها – عبر إعادة إطلاق، تغيير أسماء، أو إقامة مؤتمرات باذخة – فلن تعود لألقها الأول. لأن المشكلة لم تكن في التسويق، بل في الجوهر، لا ثقة = لا استدامة.
حتى في بيئة الأعمال، القصة تتكرر. شركات ناشئة تحمل أفكارا لامعة، لكنها تسقط عند أول عقبة لأن مؤسسيها لم يجدوا من يثق بقدرتهم على التنفيذ، أو لأن المستثمر يطلب ضمانات غير واقعية، أو لأن الشركاء أنفسهم يفتقدون الثقة المتبادلة. النتيجة: فكرة تذبل في مهدها.
والمفارقة أن عندنا في الأردن نماذج قليلة نجحت بجدارة – “مبادرات مؤسسة ولي العهد : جامعة الحسين التقنية، نحن، نوى، حقق”، “إدراك”، “موضوع”، “طماطم” وغيرها – لأنها انطلقت من بيئة ثقة حقيقية بين الفرق، وليست من مبادرات تجميلية أو مسميات فضفاضة. هؤلاء لم يحتاجوا إلى عشرات المؤتمرات ليبرهنوا على ابتكارهم، بل إلى مساحة آمنة للتجربة والخطأ والمحاولة.
الخلاصة أن الابتكار لا يُصنع بقرار فوقي ولا يُولد من ورشة ملونة. الابتكار ابن الثقة الشرعي. حين يثق الشاب أن صوته سيُسمع، يجرؤ على الإبداع. حين يثق الموظف أن فكرته لن تُسرق، يشاركها. وحين يثق الشريك أن استثماره محمي، يغامر.
أما بدون ثقة، فستظل مبادراتنا مثل تلك الهيئات التي وُلدت في ضوء الكاميرات وماتت في صمت المكاتب. ومهما جربنا من عمليات “إنعاش” أو “تجميل”، الحقيقة لا تتغير: الألق ضاع من اللحظة التي غابت فيها الثقة.
الدكتور نضال المجالي
من يراقب المشهد الأردني يتأكد أن بلدنا لا يعاني من قلة مبادرات، بل من فيضانها. مبادرات للشباب، مبادرات للابتكار، مبادرات للريادة… بعضها برعاية وزارات، وأخرى بتوقيع هيئات جديدة تُطلق كل عام تقريبا. عناوين براقة، مؤتمرات أنيقة، شعارات مزخرفة… لكن بعد بضعة أشهر فقط، تخفت الأضواء، تختفي الأصوات، ونكتشف أن الفكرة التي كان يُفترض أن تغيّر الواقع تحولت إلى خبر قديم على موقع رسمي.
لماذا؟ لأن الجوهر لم يكن واضحا من البداية فلا ابتكار بلا ثقة. في مجتمعاتنا، اعتدنا أن نتعامل مع “الابتكار” كديكور يُضاف للخطط، أو ككلمة رنانة في الخطابات الرسمية. لكن حين يقترب الموضوع من التنفيذ، تظهر الحقيقة: بيئة تخلو من الثقة بين الشباب والجهات الراعية، بين المؤسسات والموظفين، بين القيادات والفرق.
خذوا مثال الهيئات الشبابية التي أُطلقت خلال العقد الأخير. كم منها بدأ بزخم كبير، بوعود أن يكون “صوت الشباب” و”منصة التغيير”؟ وكم منها انتهى بلا صوت ولا تأثير؟ السبب ليس نقص الأفكار، بل تراوح بين غياب الثقة وتكرار النشاط او تحويل الإبداع لمشروع “دهان اطاريف”. الشاب الذي جاء متحمسا ليقترح أو يشارك، اكتشف أن صوته لا يمر إلا إذا انسجم مع المزاج العام لاصحاب المبادرة. ومع الوقت، هاجر بعضهم لفُرص خارج الأردن، واختار آخرون الصمت.
ومهما حاولت هذه المبادرات تجميل صورتها – عبر إعادة إطلاق، تغيير أسماء، أو إقامة مؤتمرات باذخة – فلن تعود لألقها الأول. لأن المشكلة لم تكن في التسويق، بل في الجوهر، لا ثقة = لا استدامة.
حتى في بيئة الأعمال، القصة تتكرر. شركات ناشئة تحمل أفكارا لامعة، لكنها تسقط عند أول عقبة لأن مؤسسيها لم يجدوا من يثق بقدرتهم على التنفيذ، أو لأن المستثمر يطلب ضمانات غير واقعية، أو لأن الشركاء أنفسهم يفتقدون الثقة المتبادلة. النتيجة: فكرة تذبل في مهدها.
والمفارقة أن عندنا في الأردن نماذج قليلة نجحت بجدارة – “مبادرات مؤسسة ولي العهد : جامعة الحسين التقنية، نحن، نوى، حقق”، “إدراك”، “موضوع”، “طماطم” وغيرها – لأنها انطلقت من بيئة ثقة حقيقية بين الفرق، وليست من مبادرات تجميلية أو مسميات فضفاضة. هؤلاء لم يحتاجوا إلى عشرات المؤتمرات ليبرهنوا على ابتكارهم، بل إلى مساحة آمنة للتجربة والخطأ والمحاولة.
الخلاصة أن الابتكار لا يُصنع بقرار فوقي ولا يُولد من ورشة ملونة. الابتكار ابن الثقة الشرعي. حين يثق الشاب أن صوته سيُسمع، يجرؤ على الإبداع. حين يثق الموظف أن فكرته لن تُسرق، يشاركها. وحين يثق الشريك أن استثماره محمي، يغامر.
أما بدون ثقة، فستظل مبادراتنا مثل تلك الهيئات التي وُلدت في ضوء الكاميرات وماتت في صمت المكاتب. ومهما جربنا من عمليات “إنعاش” أو “تجميل”، الحقيقة لا تتغير: الألق ضاع من اللحظة التي غابت فيها الثقة.
التعليقات