لم يعد الاحتلال الإسرائيلي يكتفي بالقتل والتدمير بل تجاوز كل الخطوط الحمراء ليطال حتى جثامين الشهداء الفلسطينيين من خلال سرقة أعضاء من أجسادهم وتعذيبهم وتشويههم بعد الموت وإخفاء هويتهم في ما يعرف بمقابر الأرقام وهذه الجرائم الوحشية تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وإهماله المتعمد للقوانين الدولية الإنسانية وتطرح أسئلة حادة حول مصداقية ومسؤولية المجتمع الدولي في حماية حقوق الضحايا وتطبيق العدالة
الاتهامات الموجهة للجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين تمثل فصلا جديدا من فصول الانتهاكات الوحشية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وتكشف حجم الاستهتار بالقوانين الدولية ومدى القدرة في ردع هذه الجرائم وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أن الاحتلال أعاد مؤخرا عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر مئات الجثامين خلال الفترة الماضية معظمها في حالة مزرية يدل حالها على حدوث إعدامات ميدانية وتعذيب خارج نطاق القانون في جريمة تجاوزت حدود الحرب
مدير المكتب الإعلامي إسماعيل الثوابتة أكد اكثر من مرة بأن بعض الجثامين أعيدت معصوبة الأعين ومقيدة اليدين والقدمين فيما تظهر على أخرى علامات خنق وربط حبال حول الرقبة وآثار لجنازير الدبابات وحروق على أجسادهم وقد أشار ايضا إلى أن أجزاء من أجساد العديد من الشهداء مفقودة بينها عيون وقرنيات وأعضاء أخرى ما يوضح جليا سرقة الاحتلال أعضاء بشرية خلال احتجاز الجثامين وقد وصف الثوابتة ذلك بالجريمة الوحشية التي تتطلب تحركا دوليا عاجلا للمسائلة والمحاسبة
في السياق ذاته حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن الصور والتقارير الطبية التي رافقت عملية تسليم الجثامين اظهرت دلائل دامغة على تعرض عدد من الضحايا للضرب المبرح والحرق والقتل المتعمد بإطلاق الرصاص عن قرب بعد احتجازهم وهو ما يمثل انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني حيث دعا المرصد إلى فتح تحقيق دولي مستقل وشفاف لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم ومحاسبتهم تحت إشراف جهات أممية ومحاكم دولية مختصة وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية كما أكد على ضرورة سماح إسرائيل الفوري بدخول بعثات طبية شرعية مستقلة وخبراء في الطب الشرعي والحمض النووي إلى قطاع غزة لتوثيق هوية الضحايا وفحص ظروف احتجازهم وتعذيبهم وحذر من أن الأدلة الميدانية قد تتلف وتختفي ما لم توثق بشكل عاجل
الإحصاءات والبيانات المختصة تشير إلى أن الاحتلال كان يحتجز قبل وقف إطلاق النار نحو سبعمئة وخمسة وثلاثين جثمانا في ما يعرف بمقابر الأرقام وهي مدافن بسيطة محاطة بحجارة دون شواهد وفوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما دون اسم لصاحب الجثمان ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية وتشير تقارير أخرى إلى احتجاز نحو ألف وخمسمئة جثمان فلسطيني في معسكر سدي تيمان المثير للجدل ما يفتح ملفا واسعا حول مصير المفقودين وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل وقتل
هذه الشواهد المؤلمة جاءت بعد توقيع المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في العاشر من أكتوبر الماضي والتي سمحت بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل إفراج الحركة عن أسرى إسرائيليين وقد أعيدت جثامين الفلسطينيين دون تعريفات دقيقة ما اضطر معها الطاقم الطبي في غزة للاعتماد على وسائل بدائية لمحاولة التعرف عليهم ما يعكس فقدان الهوية وغياب العدالة ويعزز المخاوف من استمرار انتهاكات الاحتلال بعد انتهاء الحرب بسياسة ممنهجة
في المقابل تبرز المفارقة الأخلاقية الفاضحة فبينما سلمت المقاومة الفلسطينية جثث الأسرى الإسرائيليين دون أي مساس بأجسادهم احتراما لكرامة الإنسان في الموت وانطلاقا من شرفها العسكري وثوابتها الدينية المستمدة من مبادئ الإسلام الحنيف نجد ان الاحتلال مارس نقيض ذلك تماما من انتهاك وتنكيل وسرقة للأعضاء في سلوك لا يمت إلى القيم الإنسانية أو الأعراف الحربية بصلة بل يكشف الفارق الهائل بين من يقاتل بعقيدة وشرف ومن يقتل بحقد ووحشية خصوصا وان ما جرى لم يكن تجاوزًا فرديًا بل نمطًا منظّمًا من التعذيب والقتل والمشاهد المتكررة تعيد إلى الأذهان صور السجون السرية ومعتقلات الاحتلال التي تحوّلت إلى مختبر للتنكيل الجسدي والنفسي، ضمن سياسة تهدف إلى كسر الإرادة الفلسطينية حتى بعد الأسر
الوقائع الميدانية الموثقة تشكل صدمة إنسانية وسياسية وحقوقية وتؤكد أن التعذيب وسرقة الأعضاء كانت سياسة توجيهية منظمة هدفها الترهيب والقمع ولا يمكن فصلها عن سياق الجرائم الواسعة ضد الإنسانية في قطاع غزة مما يفرض على المجتمع الدولي التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين وعدم الاكتفاء بالإدانة اللفظية فالصمت الدولي يعمق مأساة الضحايا ويكرس فرصة الإفلات من العقاب وأن الجرائم المرتكبة بلغت مرحلة التفنن في الوحشية وأنها تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي تُرتكب على مرأى من العالم دون محاسبة
إن استحضار هذه الجرائم وتحليلها اليوم يكشف بوضوح زيف منظومة العدالة الدولية أمام الواقع الفلسطيني المرير ويضع مسؤولية أخلاقية وسياسية على عاتق كل من يسكت عن هذه الانتهاكات ويؤكد أن كل عضو بشري تمت سرقته من جسد شهيد فلسطيني هو وصمة عار على وجه العالم اجمع وأمام التاريخ وهو ما يستدعي تحركا عاجلا يعيد الاعتبار للضحايا ويوقف سياسات التصفية الجسدية والإفلات من العقاب ويحول المقابر الصامتة إلى محطات للعدالة والحق
المؤسسات الدولية باتت فارغة من محتواها وأن العدالة الدولية تحولت إلى واجهة شكلية امام كل هذه الجرائم البشعة التي تظهر المنظومة الدولية عجز او متواطئة في ظل هيمنة سياسية تمنع أي محاسبة حقيقية لمرتكبي الجرائم الإسرائيلية وأن المحاكم الدولية موجودة كمبانٍ فقط لا تملك أدوات تنفيذ أو إرادة سياسية لإنفاذ القانون حيث لم تعد مذكرات التوقيف الصادرة ضد نتنياهو وغالانت تكفي إذ يجب أن تمتد لتشمل المئات من الضباط والمسؤولين الذين شاركوا في التعذيب والإعدامات
ختاما : لا يمكن للعالم الحر أن يظل صامتا أمام هذه الجرائم البشعة التي تتعدى حدود الإبادة إلى انتهاك كرامة الموتى وتدمير أي أثر لهويتهم فكل جثة فلسطينية كانت تحمل شهادة على وحشية الاحتلال وكل عضو مسروق هو دليل حي على استمرار الإجرام وإهمال العدالة العالمية والمجتمع الدولي بات مطالبا اليوم قبل الغد بالتحرك الجاد والمحاسبة الحازمة فإما تطبيق العدالة وإما استمرار العار أمام التاريخ وإذا كان العدو يظن أن عبثه بجثامين الشهداء سينال من مكانتهم فإنه واهم فكرامة الشهيد لا تنتهك وجسده الطاهر عند الله عزيز ومكرم ولا يضره ما يصنع الأعداء به بعد موته فما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها وقد فاز الشهداء بالحياة الأبدية وتركوا للجلادين خزيا فريدا لا يزول ووحشية حصرية لن تمحى من اذهان الشعوب والامم في الحاضر والمستقبل في وقت تعود فيه جثامين الشهداء بالحقائق إلى الواجهة في انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف الرابعة وكل قواعد القانون الدولي الإنساني هل يقترب يوم العدالة المؤجلة لضحايا الإعدامات الميدانية التي نفذت بدمٍ بارد في غزة هل الى متى يمكن أن تظل رهينة حسابات سياسة مختلفة ؟
لم يعد الاحتلال الإسرائيلي يكتفي بالقتل والتدمير بل تجاوز كل الخطوط الحمراء ليطال حتى جثامين الشهداء الفلسطينيين من خلال سرقة أعضاء من أجسادهم وتعذيبهم وتشويههم بعد الموت وإخفاء هويتهم في ما يعرف بمقابر الأرقام وهذه الجرائم الوحشية تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وإهماله المتعمد للقوانين الدولية الإنسانية وتطرح أسئلة حادة حول مصداقية ومسؤولية المجتمع الدولي في حماية حقوق الضحايا وتطبيق العدالة
الاتهامات الموجهة للجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين تمثل فصلا جديدا من فصول الانتهاكات الوحشية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وتكشف حجم الاستهتار بالقوانين الدولية ومدى القدرة في ردع هذه الجرائم وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أن الاحتلال أعاد مؤخرا عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر مئات الجثامين خلال الفترة الماضية معظمها في حالة مزرية يدل حالها على حدوث إعدامات ميدانية وتعذيب خارج نطاق القانون في جريمة تجاوزت حدود الحرب
مدير المكتب الإعلامي إسماعيل الثوابتة أكد اكثر من مرة بأن بعض الجثامين أعيدت معصوبة الأعين ومقيدة اليدين والقدمين فيما تظهر على أخرى علامات خنق وربط حبال حول الرقبة وآثار لجنازير الدبابات وحروق على أجسادهم وقد أشار ايضا إلى أن أجزاء من أجساد العديد من الشهداء مفقودة بينها عيون وقرنيات وأعضاء أخرى ما يوضح جليا سرقة الاحتلال أعضاء بشرية خلال احتجاز الجثامين وقد وصف الثوابتة ذلك بالجريمة الوحشية التي تتطلب تحركا دوليا عاجلا للمسائلة والمحاسبة
في السياق ذاته حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن الصور والتقارير الطبية التي رافقت عملية تسليم الجثامين اظهرت دلائل دامغة على تعرض عدد من الضحايا للضرب المبرح والحرق والقتل المتعمد بإطلاق الرصاص عن قرب بعد احتجازهم وهو ما يمثل انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني حيث دعا المرصد إلى فتح تحقيق دولي مستقل وشفاف لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم ومحاسبتهم تحت إشراف جهات أممية ومحاكم دولية مختصة وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية كما أكد على ضرورة سماح إسرائيل الفوري بدخول بعثات طبية شرعية مستقلة وخبراء في الطب الشرعي والحمض النووي إلى قطاع غزة لتوثيق هوية الضحايا وفحص ظروف احتجازهم وتعذيبهم وحذر من أن الأدلة الميدانية قد تتلف وتختفي ما لم توثق بشكل عاجل
الإحصاءات والبيانات المختصة تشير إلى أن الاحتلال كان يحتجز قبل وقف إطلاق النار نحو سبعمئة وخمسة وثلاثين جثمانا في ما يعرف بمقابر الأرقام وهي مدافن بسيطة محاطة بحجارة دون شواهد وفوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما دون اسم لصاحب الجثمان ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية وتشير تقارير أخرى إلى احتجاز نحو ألف وخمسمئة جثمان فلسطيني في معسكر سدي تيمان المثير للجدل ما يفتح ملفا واسعا حول مصير المفقودين وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل وقتل
هذه الشواهد المؤلمة جاءت بعد توقيع المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في العاشر من أكتوبر الماضي والتي سمحت بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل إفراج الحركة عن أسرى إسرائيليين وقد أعيدت جثامين الفلسطينيين دون تعريفات دقيقة ما اضطر معها الطاقم الطبي في غزة للاعتماد على وسائل بدائية لمحاولة التعرف عليهم ما يعكس فقدان الهوية وغياب العدالة ويعزز المخاوف من استمرار انتهاكات الاحتلال بعد انتهاء الحرب بسياسة ممنهجة
في المقابل تبرز المفارقة الأخلاقية الفاضحة فبينما سلمت المقاومة الفلسطينية جثث الأسرى الإسرائيليين دون أي مساس بأجسادهم احتراما لكرامة الإنسان في الموت وانطلاقا من شرفها العسكري وثوابتها الدينية المستمدة من مبادئ الإسلام الحنيف نجد ان الاحتلال مارس نقيض ذلك تماما من انتهاك وتنكيل وسرقة للأعضاء في سلوك لا يمت إلى القيم الإنسانية أو الأعراف الحربية بصلة بل يكشف الفارق الهائل بين من يقاتل بعقيدة وشرف ومن يقتل بحقد ووحشية خصوصا وان ما جرى لم يكن تجاوزًا فرديًا بل نمطًا منظّمًا من التعذيب والقتل والمشاهد المتكررة تعيد إلى الأذهان صور السجون السرية ومعتقلات الاحتلال التي تحوّلت إلى مختبر للتنكيل الجسدي والنفسي، ضمن سياسة تهدف إلى كسر الإرادة الفلسطينية حتى بعد الأسر
الوقائع الميدانية الموثقة تشكل صدمة إنسانية وسياسية وحقوقية وتؤكد أن التعذيب وسرقة الأعضاء كانت سياسة توجيهية منظمة هدفها الترهيب والقمع ولا يمكن فصلها عن سياق الجرائم الواسعة ضد الإنسانية في قطاع غزة مما يفرض على المجتمع الدولي التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين وعدم الاكتفاء بالإدانة اللفظية فالصمت الدولي يعمق مأساة الضحايا ويكرس فرصة الإفلات من العقاب وأن الجرائم المرتكبة بلغت مرحلة التفنن في الوحشية وأنها تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي تُرتكب على مرأى من العالم دون محاسبة
إن استحضار هذه الجرائم وتحليلها اليوم يكشف بوضوح زيف منظومة العدالة الدولية أمام الواقع الفلسطيني المرير ويضع مسؤولية أخلاقية وسياسية على عاتق كل من يسكت عن هذه الانتهاكات ويؤكد أن كل عضو بشري تمت سرقته من جسد شهيد فلسطيني هو وصمة عار على وجه العالم اجمع وأمام التاريخ وهو ما يستدعي تحركا عاجلا يعيد الاعتبار للضحايا ويوقف سياسات التصفية الجسدية والإفلات من العقاب ويحول المقابر الصامتة إلى محطات للعدالة والحق
المؤسسات الدولية باتت فارغة من محتواها وأن العدالة الدولية تحولت إلى واجهة شكلية امام كل هذه الجرائم البشعة التي تظهر المنظومة الدولية عجز او متواطئة في ظل هيمنة سياسية تمنع أي محاسبة حقيقية لمرتكبي الجرائم الإسرائيلية وأن المحاكم الدولية موجودة كمبانٍ فقط لا تملك أدوات تنفيذ أو إرادة سياسية لإنفاذ القانون حيث لم تعد مذكرات التوقيف الصادرة ضد نتنياهو وغالانت تكفي إذ يجب أن تمتد لتشمل المئات من الضباط والمسؤولين الذين شاركوا في التعذيب والإعدامات
ختاما : لا يمكن للعالم الحر أن يظل صامتا أمام هذه الجرائم البشعة التي تتعدى حدود الإبادة إلى انتهاك كرامة الموتى وتدمير أي أثر لهويتهم فكل جثة فلسطينية كانت تحمل شهادة على وحشية الاحتلال وكل عضو مسروق هو دليل حي على استمرار الإجرام وإهمال العدالة العالمية والمجتمع الدولي بات مطالبا اليوم قبل الغد بالتحرك الجاد والمحاسبة الحازمة فإما تطبيق العدالة وإما استمرار العار أمام التاريخ وإذا كان العدو يظن أن عبثه بجثامين الشهداء سينال من مكانتهم فإنه واهم فكرامة الشهيد لا تنتهك وجسده الطاهر عند الله عزيز ومكرم ولا يضره ما يصنع الأعداء به بعد موته فما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها وقد فاز الشهداء بالحياة الأبدية وتركوا للجلادين خزيا فريدا لا يزول ووحشية حصرية لن تمحى من اذهان الشعوب والامم في الحاضر والمستقبل في وقت تعود فيه جثامين الشهداء بالحقائق إلى الواجهة في انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف الرابعة وكل قواعد القانون الدولي الإنساني هل يقترب يوم العدالة المؤجلة لضحايا الإعدامات الميدانية التي نفذت بدمٍ بارد في غزة هل الى متى يمكن أن تظل رهينة حسابات سياسة مختلفة ؟
لم يعد الاحتلال الإسرائيلي يكتفي بالقتل والتدمير بل تجاوز كل الخطوط الحمراء ليطال حتى جثامين الشهداء الفلسطينيين من خلال سرقة أعضاء من أجسادهم وتعذيبهم وتشويههم بعد الموت وإخفاء هويتهم في ما يعرف بمقابر الأرقام وهذه الجرائم الوحشية تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وإهماله المتعمد للقوانين الدولية الإنسانية وتطرح أسئلة حادة حول مصداقية ومسؤولية المجتمع الدولي في حماية حقوق الضحايا وتطبيق العدالة
الاتهامات الموجهة للجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين الفلسطينيين تمثل فصلا جديدا من فصول الانتهاكات الوحشية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وتكشف حجم الاستهتار بالقوانين الدولية ومدى القدرة في ردع هذه الجرائم وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أن الاحتلال أعاد مؤخرا عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر مئات الجثامين خلال الفترة الماضية معظمها في حالة مزرية يدل حالها على حدوث إعدامات ميدانية وتعذيب خارج نطاق القانون في جريمة تجاوزت حدود الحرب
مدير المكتب الإعلامي إسماعيل الثوابتة أكد اكثر من مرة بأن بعض الجثامين أعيدت معصوبة الأعين ومقيدة اليدين والقدمين فيما تظهر على أخرى علامات خنق وربط حبال حول الرقبة وآثار لجنازير الدبابات وحروق على أجسادهم وقد أشار ايضا إلى أن أجزاء من أجساد العديد من الشهداء مفقودة بينها عيون وقرنيات وأعضاء أخرى ما يوضح جليا سرقة الاحتلال أعضاء بشرية خلال احتجاز الجثامين وقد وصف الثوابتة ذلك بالجريمة الوحشية التي تتطلب تحركا دوليا عاجلا للمسائلة والمحاسبة
في السياق ذاته حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن الصور والتقارير الطبية التي رافقت عملية تسليم الجثامين اظهرت دلائل دامغة على تعرض عدد من الضحايا للضرب المبرح والحرق والقتل المتعمد بإطلاق الرصاص عن قرب بعد احتجازهم وهو ما يمثل انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني حيث دعا المرصد إلى فتح تحقيق دولي مستقل وشفاف لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم ومحاسبتهم تحت إشراف جهات أممية ومحاكم دولية مختصة وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية كما أكد على ضرورة سماح إسرائيل الفوري بدخول بعثات طبية شرعية مستقلة وخبراء في الطب الشرعي والحمض النووي إلى قطاع غزة لتوثيق هوية الضحايا وفحص ظروف احتجازهم وتعذيبهم وحذر من أن الأدلة الميدانية قد تتلف وتختفي ما لم توثق بشكل عاجل
الإحصاءات والبيانات المختصة تشير إلى أن الاحتلال كان يحتجز قبل وقف إطلاق النار نحو سبعمئة وخمسة وثلاثين جثمانا في ما يعرف بمقابر الأرقام وهي مدافن بسيطة محاطة بحجارة دون شواهد وفوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما دون اسم لصاحب الجثمان ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية وتشير تقارير أخرى إلى احتجاز نحو ألف وخمسمئة جثمان فلسطيني في معسكر سدي تيمان المثير للجدل ما يفتح ملفا واسعا حول مصير المفقودين وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل وقتل
هذه الشواهد المؤلمة جاءت بعد توقيع المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في العاشر من أكتوبر الماضي والتي سمحت بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل إفراج الحركة عن أسرى إسرائيليين وقد أعيدت جثامين الفلسطينيين دون تعريفات دقيقة ما اضطر معها الطاقم الطبي في غزة للاعتماد على وسائل بدائية لمحاولة التعرف عليهم ما يعكس فقدان الهوية وغياب العدالة ويعزز المخاوف من استمرار انتهاكات الاحتلال بعد انتهاء الحرب بسياسة ممنهجة
في المقابل تبرز المفارقة الأخلاقية الفاضحة فبينما سلمت المقاومة الفلسطينية جثث الأسرى الإسرائيليين دون أي مساس بأجسادهم احتراما لكرامة الإنسان في الموت وانطلاقا من شرفها العسكري وثوابتها الدينية المستمدة من مبادئ الإسلام الحنيف نجد ان الاحتلال مارس نقيض ذلك تماما من انتهاك وتنكيل وسرقة للأعضاء في سلوك لا يمت إلى القيم الإنسانية أو الأعراف الحربية بصلة بل يكشف الفارق الهائل بين من يقاتل بعقيدة وشرف ومن يقتل بحقد ووحشية خصوصا وان ما جرى لم يكن تجاوزًا فرديًا بل نمطًا منظّمًا من التعذيب والقتل والمشاهد المتكررة تعيد إلى الأذهان صور السجون السرية ومعتقلات الاحتلال التي تحوّلت إلى مختبر للتنكيل الجسدي والنفسي، ضمن سياسة تهدف إلى كسر الإرادة الفلسطينية حتى بعد الأسر
الوقائع الميدانية الموثقة تشكل صدمة إنسانية وسياسية وحقوقية وتؤكد أن التعذيب وسرقة الأعضاء كانت سياسة توجيهية منظمة هدفها الترهيب والقمع ولا يمكن فصلها عن سياق الجرائم الواسعة ضد الإنسانية في قطاع غزة مما يفرض على المجتمع الدولي التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين وعدم الاكتفاء بالإدانة اللفظية فالصمت الدولي يعمق مأساة الضحايا ويكرس فرصة الإفلات من العقاب وأن الجرائم المرتكبة بلغت مرحلة التفنن في الوحشية وأنها تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي تُرتكب على مرأى من العالم دون محاسبة
إن استحضار هذه الجرائم وتحليلها اليوم يكشف بوضوح زيف منظومة العدالة الدولية أمام الواقع الفلسطيني المرير ويضع مسؤولية أخلاقية وسياسية على عاتق كل من يسكت عن هذه الانتهاكات ويؤكد أن كل عضو بشري تمت سرقته من جسد شهيد فلسطيني هو وصمة عار على وجه العالم اجمع وأمام التاريخ وهو ما يستدعي تحركا عاجلا يعيد الاعتبار للضحايا ويوقف سياسات التصفية الجسدية والإفلات من العقاب ويحول المقابر الصامتة إلى محطات للعدالة والحق
المؤسسات الدولية باتت فارغة من محتواها وأن العدالة الدولية تحولت إلى واجهة شكلية امام كل هذه الجرائم البشعة التي تظهر المنظومة الدولية عجز او متواطئة في ظل هيمنة سياسية تمنع أي محاسبة حقيقية لمرتكبي الجرائم الإسرائيلية وأن المحاكم الدولية موجودة كمبانٍ فقط لا تملك أدوات تنفيذ أو إرادة سياسية لإنفاذ القانون حيث لم تعد مذكرات التوقيف الصادرة ضد نتنياهو وغالانت تكفي إذ يجب أن تمتد لتشمل المئات من الضباط والمسؤولين الذين شاركوا في التعذيب والإعدامات
ختاما : لا يمكن للعالم الحر أن يظل صامتا أمام هذه الجرائم البشعة التي تتعدى حدود الإبادة إلى انتهاك كرامة الموتى وتدمير أي أثر لهويتهم فكل جثة فلسطينية كانت تحمل شهادة على وحشية الاحتلال وكل عضو مسروق هو دليل حي على استمرار الإجرام وإهمال العدالة العالمية والمجتمع الدولي بات مطالبا اليوم قبل الغد بالتحرك الجاد والمحاسبة الحازمة فإما تطبيق العدالة وإما استمرار العار أمام التاريخ وإذا كان العدو يظن أن عبثه بجثامين الشهداء سينال من مكانتهم فإنه واهم فكرامة الشهيد لا تنتهك وجسده الطاهر عند الله عزيز ومكرم ولا يضره ما يصنع الأعداء به بعد موته فما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها وقد فاز الشهداء بالحياة الأبدية وتركوا للجلادين خزيا فريدا لا يزول ووحشية حصرية لن تمحى من اذهان الشعوب والامم في الحاضر والمستقبل في وقت تعود فيه جثامين الشهداء بالحقائق إلى الواجهة في انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف الرابعة وكل قواعد القانون الدولي الإنساني هل يقترب يوم العدالة المؤجلة لضحايا الإعدامات الميدانية التي نفذت بدمٍ بارد في غزة هل الى متى يمكن أن تظل رهينة حسابات سياسة مختلفة ؟
التعليقات