يبدو مشروع موازنة 2026 كخريطة مفتوحة على احتمالات اقتصاد يسعى إلى تجاوز حدوده الطبيعية، موازنة تمشي فوق خيط مشدود بين ضروراتٍ لا ترحم، وطموحاتٍ لا تحتمل التأجيل، هي ليست مجرد أرقام، بل محاولة لإعادة ترتيب البيت الاقتصادي الأردني كي يقف على أعمدة أكثر صلابة وأقل هشاشة، فالدين العام ليس رقمًا جامدًا، بل ظلّ ممتدّ فوق جسد المالية العامة؛ كلما توسّع ظلّه ضاق الحيّز المالي، وكلما حاولت الدولة تقليص كلفته أعاد التذكير بأنه الهيكل الأثقل في مسيرة الاقتصاد الوطني، ورغم نجاح الحكومة في استبدال سندات مرتفعة الكلفة بقروض ميسّرة، فإن خدمة الدين التي تتجاوز 2.26 مليار دينار تظل بمثابة ضريبة على المستقبل، تستنزف جزءًا هاما من كل عام قبل أن يبدأ، أما العجز المقدر لعام 2026، والبالغ 2.125 مليار دينار (4.6% من الناتج)، فهو أشبه بجرحٍ قديم يُعاد تضميده دون أن يُشفى بالكامل، صحيح أن النسبة تتحسن مقارنة بعام 2025، لكن بنية العجز ما زالت تعكس توازنًا هشًا بين التوسع الرأسمالي لتغذية النمو، والاضطرار للاقتراض لتغطية النفقات الجارية. وفي المشهد الخارجي، لا يزال عجز الميزان التجاري يفرض حضوره: فجوة تاريخية بين ما يُنتج وما يُستورد، ورغم تحسّن الصادرات والسياحة والتحويلات، فإن قدرة الاقتصاد على تعويض حجم الواردات ما تزال محدودة، ما يجعل الحساب الجاري عند مستوى 5.8% انعكاسًا لضعف هيكلي لا يُحل بتقلبات سنة واحدة، ويقترب من هذه الفجوة اعتمادٌ آخر لا يمكن تجاهله: فالمنح والمساعدات الخارجية التي تُقدّر بنحو 735 مليون دينار، هي أشبه بعمودٍ إضافي يُسند البناء كل عام، لكنها عمادة دائمة تجعل الاستقلال المالي هدفًا مؤجلاً، ورغم تحسن الإيرادات المحلية، تبقى للعوامل الخارجية أثرًا واضحًا في هندسة الموازنة، وفي قلب النفقات، تتكرر ملامح موازنة السنوات الماضية: فالرواتب، الأجور، التقاعد والأمن تستحوذ على 60% من النفقات الجارية، وهذه الكلفة الهيكلية تشبه شجرة ضخمة ضاربة جذورها في عمق الأرض المالية، مهما تم تقليمها تبقى هي الحصة الأكبر من الظل. ومع ذلك، فإن هذه الموازنة ليست استنساخًا كاملاً لما سبق؛ هناك شيء جديد يتلمّس طريقه: مشاريع كبرى: 'الناقل الوطني، الطاقة، التنقيب، النقل، السكك الحديدية'، مشاريع ليست هوامش إنشائية بل محاولات لصياغة اقتصاد مختلف؛ اقتصاد يزرع تحت الأرض ليحصد فوقها، ويستبدل سياسة 'إدارة الفجوات' بسياسة 'صناعة النمو'، وهنا يظهر عنصر بالغ الأهمية؛ عنصر لا يوجد في الجداول، ولا في قانون الموازنة ذاته، لكنه موجود في بنية الثقة المؤسسية للدولة: (الثقة )، هذه العملة المعنوية الثمينة التي لا تظهرها الحسابات، مصدرها الأول المكانة المرموقة للقيادة الهاشمية، وما تحظى به من تقدير عالمي ووزن سياسي واقتصادي فاعل، فهذه المكانة ليست وصفًا بل واقعًا يتحوّل إلى استثمارات، إلى شراكات، إلى دعم دولي، إلى قدرة على استقطاب تمويلات بشروط أفضل، وإلى مظلة استقرار وسط إقليم صاخب. وإذا كان هذا هو رصيد القيادة، فثمة رصيد آخر يجب أن يُضاف إليه، وهو دور مجلس الامة، فالمرحلة القادمة لا تحتمل إضاعة وقت المداولة في مطالب جزئية أو خدماتية تُرهق الموازنة ولا تبنيها، فالدور الحقيقي للمجلسين هو اثراء النقاش، تدعيم المحفزات، توسيع أفق الإيجابيات، وحماية الجانب الاستثماري والرأسمالي للموازنة، لا تحويلها إلى دفتر مطالب وموازنات فرعية داخل الموازنة العامة، لذلك نعول عليهما ممارسة دورهما كرافعة إصلاح لا كقائمة احتياجات، أن يساندا التحول الاقتصادي لا أن يثقلا عليه، أن يكونا شريكًا في صناعة نمو مستدام لا شريكًا في استنزاف الحيّز المالي، فالموازنة، مهما بدت محكمة، تبقى خريطة لا يكتمل طريقها إلا بمؤسسات تقرأها بالطريقة الصحيحة. وختاما يمكن القول إن موازنة 2026 تعلن أن الأردن قرر، رغم الظروف وضيق الطوق، أن يمشي إلى الأمام، وأن يوسّع طريقه بالمشاريع والتنمية، وأن يوازن بين العقل المالي والطموح الاقتصادي، وأن الثقة، بثنائية القيادة الحكيمة والدولة الواعية بمسؤولياتها، هي الجسر الذي ستعبر فوقه هذه الأرقام نحو واقع جديد، إنها موازنة تقول بلغة هادئة: الأردن لا يملك رفاهية الفشل، ولا ترف الانتظار، ولذلك سيحاول أن يمشي فوق الحبل… ولكن بخطوات محسوبة، وبعينٍ على هاوية العجز وأخرى على أفق النمو.
أ.د غازي عبدالمجيد الرقيبات
يبدو مشروع موازنة 2026 كخريطة مفتوحة على احتمالات اقتصاد يسعى إلى تجاوز حدوده الطبيعية، موازنة تمشي فوق خيط مشدود بين ضروراتٍ لا ترحم، وطموحاتٍ لا تحتمل التأجيل، هي ليست مجرد أرقام، بل محاولة لإعادة ترتيب البيت الاقتصادي الأردني كي يقف على أعمدة أكثر صلابة وأقل هشاشة، فالدين العام ليس رقمًا جامدًا، بل ظلّ ممتدّ فوق جسد المالية العامة؛ كلما توسّع ظلّه ضاق الحيّز المالي، وكلما حاولت الدولة تقليص كلفته أعاد التذكير بأنه الهيكل الأثقل في مسيرة الاقتصاد الوطني، ورغم نجاح الحكومة في استبدال سندات مرتفعة الكلفة بقروض ميسّرة، فإن خدمة الدين التي تتجاوز 2.26 مليار دينار تظل بمثابة ضريبة على المستقبل، تستنزف جزءًا هاما من كل عام قبل أن يبدأ، أما العجز المقدر لعام 2026، والبالغ 2.125 مليار دينار (4.6% من الناتج)، فهو أشبه بجرحٍ قديم يُعاد تضميده دون أن يُشفى بالكامل، صحيح أن النسبة تتحسن مقارنة بعام 2025، لكن بنية العجز ما زالت تعكس توازنًا هشًا بين التوسع الرأسمالي لتغذية النمو، والاضطرار للاقتراض لتغطية النفقات الجارية. وفي المشهد الخارجي، لا يزال عجز الميزان التجاري يفرض حضوره: فجوة تاريخية بين ما يُنتج وما يُستورد، ورغم تحسّن الصادرات والسياحة والتحويلات، فإن قدرة الاقتصاد على تعويض حجم الواردات ما تزال محدودة، ما يجعل الحساب الجاري عند مستوى 5.8% انعكاسًا لضعف هيكلي لا يُحل بتقلبات سنة واحدة، ويقترب من هذه الفجوة اعتمادٌ آخر لا يمكن تجاهله: فالمنح والمساعدات الخارجية التي تُقدّر بنحو 735 مليون دينار، هي أشبه بعمودٍ إضافي يُسند البناء كل عام، لكنها عمادة دائمة تجعل الاستقلال المالي هدفًا مؤجلاً، ورغم تحسن الإيرادات المحلية، تبقى للعوامل الخارجية أثرًا واضحًا في هندسة الموازنة، وفي قلب النفقات، تتكرر ملامح موازنة السنوات الماضية: فالرواتب، الأجور، التقاعد والأمن تستحوذ على 60% من النفقات الجارية، وهذه الكلفة الهيكلية تشبه شجرة ضخمة ضاربة جذورها في عمق الأرض المالية، مهما تم تقليمها تبقى هي الحصة الأكبر من الظل. ومع ذلك، فإن هذه الموازنة ليست استنساخًا كاملاً لما سبق؛ هناك شيء جديد يتلمّس طريقه: مشاريع كبرى: 'الناقل الوطني، الطاقة، التنقيب، النقل، السكك الحديدية'، مشاريع ليست هوامش إنشائية بل محاولات لصياغة اقتصاد مختلف؛ اقتصاد يزرع تحت الأرض ليحصد فوقها، ويستبدل سياسة 'إدارة الفجوات' بسياسة 'صناعة النمو'، وهنا يظهر عنصر بالغ الأهمية؛ عنصر لا يوجد في الجداول، ولا في قانون الموازنة ذاته، لكنه موجود في بنية الثقة المؤسسية للدولة: (الثقة )، هذه العملة المعنوية الثمينة التي لا تظهرها الحسابات، مصدرها الأول المكانة المرموقة للقيادة الهاشمية، وما تحظى به من تقدير عالمي ووزن سياسي واقتصادي فاعل، فهذه المكانة ليست وصفًا بل واقعًا يتحوّل إلى استثمارات، إلى شراكات، إلى دعم دولي، إلى قدرة على استقطاب تمويلات بشروط أفضل، وإلى مظلة استقرار وسط إقليم صاخب. وإذا كان هذا هو رصيد القيادة، فثمة رصيد آخر يجب أن يُضاف إليه، وهو دور مجلس الامة، فالمرحلة القادمة لا تحتمل إضاعة وقت المداولة في مطالب جزئية أو خدماتية تُرهق الموازنة ولا تبنيها، فالدور الحقيقي للمجلسين هو اثراء النقاش، تدعيم المحفزات، توسيع أفق الإيجابيات، وحماية الجانب الاستثماري والرأسمالي للموازنة، لا تحويلها إلى دفتر مطالب وموازنات فرعية داخل الموازنة العامة، لذلك نعول عليهما ممارسة دورهما كرافعة إصلاح لا كقائمة احتياجات، أن يساندا التحول الاقتصادي لا أن يثقلا عليه، أن يكونا شريكًا في صناعة نمو مستدام لا شريكًا في استنزاف الحيّز المالي، فالموازنة، مهما بدت محكمة، تبقى خريطة لا يكتمل طريقها إلا بمؤسسات تقرأها بالطريقة الصحيحة. وختاما يمكن القول إن موازنة 2026 تعلن أن الأردن قرر، رغم الظروف وضيق الطوق، أن يمشي إلى الأمام، وأن يوسّع طريقه بالمشاريع والتنمية، وأن يوازن بين العقل المالي والطموح الاقتصادي، وأن الثقة، بثنائية القيادة الحكيمة والدولة الواعية بمسؤولياتها، هي الجسر الذي ستعبر فوقه هذه الأرقام نحو واقع جديد، إنها موازنة تقول بلغة هادئة: الأردن لا يملك رفاهية الفشل، ولا ترف الانتظار، ولذلك سيحاول أن يمشي فوق الحبل… ولكن بخطوات محسوبة، وبعينٍ على هاوية العجز وأخرى على أفق النمو.
أ.د غازي عبدالمجيد الرقيبات
يبدو مشروع موازنة 2026 كخريطة مفتوحة على احتمالات اقتصاد يسعى إلى تجاوز حدوده الطبيعية، موازنة تمشي فوق خيط مشدود بين ضروراتٍ لا ترحم، وطموحاتٍ لا تحتمل التأجيل، هي ليست مجرد أرقام، بل محاولة لإعادة ترتيب البيت الاقتصادي الأردني كي يقف على أعمدة أكثر صلابة وأقل هشاشة، فالدين العام ليس رقمًا جامدًا، بل ظلّ ممتدّ فوق جسد المالية العامة؛ كلما توسّع ظلّه ضاق الحيّز المالي، وكلما حاولت الدولة تقليص كلفته أعاد التذكير بأنه الهيكل الأثقل في مسيرة الاقتصاد الوطني، ورغم نجاح الحكومة في استبدال سندات مرتفعة الكلفة بقروض ميسّرة، فإن خدمة الدين التي تتجاوز 2.26 مليار دينار تظل بمثابة ضريبة على المستقبل، تستنزف جزءًا هاما من كل عام قبل أن يبدأ، أما العجز المقدر لعام 2026، والبالغ 2.125 مليار دينار (4.6% من الناتج)، فهو أشبه بجرحٍ قديم يُعاد تضميده دون أن يُشفى بالكامل، صحيح أن النسبة تتحسن مقارنة بعام 2025، لكن بنية العجز ما زالت تعكس توازنًا هشًا بين التوسع الرأسمالي لتغذية النمو، والاضطرار للاقتراض لتغطية النفقات الجارية. وفي المشهد الخارجي، لا يزال عجز الميزان التجاري يفرض حضوره: فجوة تاريخية بين ما يُنتج وما يُستورد، ورغم تحسّن الصادرات والسياحة والتحويلات، فإن قدرة الاقتصاد على تعويض حجم الواردات ما تزال محدودة، ما يجعل الحساب الجاري عند مستوى 5.8% انعكاسًا لضعف هيكلي لا يُحل بتقلبات سنة واحدة، ويقترب من هذه الفجوة اعتمادٌ آخر لا يمكن تجاهله: فالمنح والمساعدات الخارجية التي تُقدّر بنحو 735 مليون دينار، هي أشبه بعمودٍ إضافي يُسند البناء كل عام، لكنها عمادة دائمة تجعل الاستقلال المالي هدفًا مؤجلاً، ورغم تحسن الإيرادات المحلية، تبقى للعوامل الخارجية أثرًا واضحًا في هندسة الموازنة، وفي قلب النفقات، تتكرر ملامح موازنة السنوات الماضية: فالرواتب، الأجور، التقاعد والأمن تستحوذ على 60% من النفقات الجارية، وهذه الكلفة الهيكلية تشبه شجرة ضخمة ضاربة جذورها في عمق الأرض المالية، مهما تم تقليمها تبقى هي الحصة الأكبر من الظل. ومع ذلك، فإن هذه الموازنة ليست استنساخًا كاملاً لما سبق؛ هناك شيء جديد يتلمّس طريقه: مشاريع كبرى: 'الناقل الوطني، الطاقة، التنقيب، النقل، السكك الحديدية'، مشاريع ليست هوامش إنشائية بل محاولات لصياغة اقتصاد مختلف؛ اقتصاد يزرع تحت الأرض ليحصد فوقها، ويستبدل سياسة 'إدارة الفجوات' بسياسة 'صناعة النمو'، وهنا يظهر عنصر بالغ الأهمية؛ عنصر لا يوجد في الجداول، ولا في قانون الموازنة ذاته، لكنه موجود في بنية الثقة المؤسسية للدولة: (الثقة )، هذه العملة المعنوية الثمينة التي لا تظهرها الحسابات، مصدرها الأول المكانة المرموقة للقيادة الهاشمية، وما تحظى به من تقدير عالمي ووزن سياسي واقتصادي فاعل، فهذه المكانة ليست وصفًا بل واقعًا يتحوّل إلى استثمارات، إلى شراكات، إلى دعم دولي، إلى قدرة على استقطاب تمويلات بشروط أفضل، وإلى مظلة استقرار وسط إقليم صاخب. وإذا كان هذا هو رصيد القيادة، فثمة رصيد آخر يجب أن يُضاف إليه، وهو دور مجلس الامة، فالمرحلة القادمة لا تحتمل إضاعة وقت المداولة في مطالب جزئية أو خدماتية تُرهق الموازنة ولا تبنيها، فالدور الحقيقي للمجلسين هو اثراء النقاش، تدعيم المحفزات، توسيع أفق الإيجابيات، وحماية الجانب الاستثماري والرأسمالي للموازنة، لا تحويلها إلى دفتر مطالب وموازنات فرعية داخل الموازنة العامة، لذلك نعول عليهما ممارسة دورهما كرافعة إصلاح لا كقائمة احتياجات، أن يساندا التحول الاقتصادي لا أن يثقلا عليه، أن يكونا شريكًا في صناعة نمو مستدام لا شريكًا في استنزاف الحيّز المالي، فالموازنة، مهما بدت محكمة، تبقى خريطة لا يكتمل طريقها إلا بمؤسسات تقرأها بالطريقة الصحيحة. وختاما يمكن القول إن موازنة 2026 تعلن أن الأردن قرر، رغم الظروف وضيق الطوق، أن يمشي إلى الأمام، وأن يوسّع طريقه بالمشاريع والتنمية، وأن يوازن بين العقل المالي والطموح الاقتصادي، وأن الثقة، بثنائية القيادة الحكيمة والدولة الواعية بمسؤولياتها، هي الجسر الذي ستعبر فوقه هذه الأرقام نحو واقع جديد، إنها موازنة تقول بلغة هادئة: الأردن لا يملك رفاهية الفشل، ولا ترف الانتظار، ولذلك سيحاول أن يمشي فوق الحبل… ولكن بخطوات محسوبة، وبعينٍ على هاوية العجز وأخرى على أفق النمو.
أ.د غازي عبدالمجيد الرقيبات
التعليقات
قراءة تحليلية في خطاب الموازنة للعام 2026 "موازنة تمشي على خيطٍ مشدود"
التعليقات