مهدي مبارك عبد الله
منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض وترامب لا يكف عن إشهار لسان التهديد وسيف الوعيد في وجه العالم كله فقد هدد كوريا الشمالية بالإبادة الكاملة ثم توعد إيران بالحرق إذا لم تركع لإملاءاته ولوّح باجتياح فنزويلا عسكريا كما لو كانت ضاحية متمردة في أطراف مملكته واعتبر المكسيك عدوا داخليا يجب أن يُحاصر بجدار العار ثم عاد ليهدد كوبا ونيكاراغوا وحتى غزة التي لم يبق فيها ما يُهدد سوى أرواح الأطفال والأنقاض الممزقة كلها كانت في نظره أهدافا مشروعة لحروبه الكلامية التي تتحول دوما إلى سياسات نارية ترامب لا يبحث عن أمن بل عن فوضى تبرر جبروته ولا يسعى إلى السلام بل إلى إذلال الشعوب واستعراض قوته المريضة أمام أمة منهكة يريد قبل أن يغادر مكتبه أن يثبت أنه قادر على احتلال العالم أو تدميره وأنه لا يعيش إلا بزرع الشر في كل بقعة يمر بها اسمه وهاهو اليوم يفتعل معركة مع جولة تيجيريا تحت يافطة دينية مصطنعة و كاذبة
لطالما كانت العلاقات بين واشنطن وأبوجا من افضل النماذج الناجحة للشراكة الاستراتيجية في القارة الأفريقية فقد شكّل البلدان خلال العقدين الماضيين محورًا رئيسيًا لمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا ومكافحة القرصنة في خليج غينيا وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني وقد كانت نيجيريا تُعد بالنسبة للولايات المتحدة حليفًا موثوقًا في ملفات الطاقة ومكافحة التطرف وتنمية البنية التحتية كما استفادت واشنطن من موقع نيجيريا الجيوسياسي وثقلها الديموغرافي والاقتصادي لتمرير كثير من سياساتها في الاتحاد الأفريقي وغالبًا ما كانت أبوجا تحظى بتقديرٍ خاص من الإدارات الأميركية المتعاقبة على اعتبارها ركيزة الاستقرار في الإقليم إلا أن هذه الشراكة التي بدت راسخة طيلة عقود تلقت مؤخرًا ضربة قاسية مع تهديدات الرئيس دونالد ترامب العلنية التي حملت نبرة عدائية غير مسبوقة تجاه حكومة نيجيريا
في منشور ناري على منصة تروث سوشيال هدد ترامب الحكومة النيجيرية بوقف كل المساعدات والأنشطة الإغاثية بل ولوّح باستخدام القوة العسكرية إذا لم تتخذ أبوجا ما سماه إجراءات حاسمة ضد الإرهابيين الإسلاميين المسؤولين عن قتل المسيحيين كما زعم وقد جاء هذا الموقف بعد ضغوط مارستها جماعات إنجيلية أميركية نافذة داخل الحزب الجمهوري وجهت للرئيس سلسلة من الرسائل تحثه على التدخل في نيجيريا لوقف ما وصفته بالإبادة الجماعية للمسيحيين مستندة إلى تقارير إعلامية مثيرة للجدل تحدثت عن آلاف القتلى وتدمير مئات الكنائس ونزوح ملايين الأشخاص
لم يكن تهديد ترامب بالتدخل العسكري سوى انعكاسٍ لنزعةٍ قديمةٍ في السياسة الأميركية توظف الدين غطاءً للمصالح الاستراتيجية وتسعى لإعادة إنتاج خطاب السيطرة على القارة السمراء بذريعة حماية الأقليات فقد جاءت تصريحاته التي زعم فيها أن المسيحيين في نيجيريا يتعرضون للإبادة بمثابة صدمة دبلوماسية إذ اتهم الحكومة النيجيرية بالتواطؤ ضدهم وهدد بقطع المساعدات عنها وإرسال قواته إذا لم تتوقف تلك الانتهاكات المزعومة
من جانبها ردت أبوجا بحزم على تصريحات ترامب ووصفتها بأنها تهديد سافر وابتزاز سياسي لا يليق بدولة تعتبر نفسها حامية للديمقراطية مؤكدة أن نيجيريا لا تحتاج دروسا في التسامح الديني وأنها تحارب الإرهاب بجميع أشكاله وتتعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة كما أشار بيان وزارة الخارجية إلى أن الحكومة النيجيرية ملتزمة بمسار الشراكة مع واشنطن ولكن على أساس الندية والاحترام المتبادل لا الإملاء والوصاية خاصة بعد انضمام نيجيريا إلى مجموعة البريكس واعتمادها سياسة خارجية أكثر استقلالا عن الغرب وهو ما أثار قلق واشنطن من احتمال فقدان نفوذها التقليدي في غرب أفريقيا
في العمق الجيوسياسي يمثل تهديد ترامب لنيجيريا أكثر من مجرد انفعال سياسي أو شعار انتخابي بل يعكس تحولا في التفكير الإستراتيجي الأميركي تجاه أفريقيا إذ لم تعد واشنطن قادرة على مجاراة الاختراق الصيني والروسي في مجالات الطاقة والبنى التحتية والمعادن النادرة فبدأت تبحث عن أدوات جديدة للنفوذ عبر البعد الديني والإعلامي فبينما تقدم بكين التمويل والمشاريع تقدم واشنطن خطابا أخلاقيا ودينيا لتأطير تدخلاتها بما يمنحها شرعية وهمية لدى الداخل الأميركي والخارج الأفريقي في آن واحد وبذلك تنتقل الولايات المتحدة من مرحلة السيطرة المباشرة إلى مرحلة النفوذ الناعم المغلف بالمقدس
نيجيريا تمثل اليوم بوابةً رئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية وعضوا فعالا في مجموعة البريكس التي تضم قوى صاعدة تتحدى النظام المالي الغربي كما أنها من أكبر مصدري النفط في القارة نحو الأسواق الآسيوية وهو ما يفسر هذا التحول العدائي في خطاب ترامب إذ يخشى أن تخسر الولايات المتحدة آخر موطئ نفوذ اقتصادي وسياسي لها في غرب أفريقيا لحساب منافسيها
في العمق تبدو تصريحات ترامب محاولة لإعادة تعريف النفوذ الأميركي في أفريقيا بعد التراجع الحاد لدور واشنطن أمام التمدد الصيني والروسي
إن استخدام ترامب لورقة الدين ليس سوى امتدادٍ لموروث الهيمنة الأميركية الذي يختبئ خلف شعارات إنسانية لتبرير التدخلات العسكرية فالإدارة الأميركية لطالما استثمرت في سردية الاضطهاد الديني لتغليف أهدافها الجيوسياسية كما حدث في العراق وسوريا والسودان واليوم تحاول إعادة توظيف الخطاب ذاته في نيجيريا تمهيدًا لإعادة تموضعها العسكري والسياسي في القارة التي باتت مسرحًا للتنافس الدولي على الموارد والطاقة والنفوذ
ويضاف إلى ذلك أن الخطاب الديني لترامب موجه بالأساس إلى الداخل الأميركي فهو يستثمر مشاعر القاعدة الإنجيلية اليمينية التي تمثل أحد أهم ركائز قاعدته الانتخابية في سعيه لاستعادة البيت الأبيض تلك القاعدة التي ترى في ترامب زعيمًا روحيا مدافعا عن المسيحية في مواجهة ما تصفه بـ' المدّ الإسلامي ' العالمي ولذلك فإن تحريك ملف نيجيريا ليس سوى ورقة تعبئة انتخابية بلبوس أخلاقي يستهدف حشد التأييد الشعبي عبر دغدغة الحس الديني لدى الناخبين المحافظين
ولعل أخطر ما في هذا الخطاب أنه يعيد إنتاج الثنائية الاستعمارية القديمة بين المنقذ الأبيض والشعوب المتخلفة وهو منطق يتناقض مع القيم التي تزعم واشنطن الدفاع عنها ويشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدول الأفريقية واستقلال قرارها الوطني فحين يتحول الدين إلى أداة جيوسياسية فإنه يفقد جوهره الإنساني ويتحول إلى سلاحٍ للابتزاز وإشعال الفتن الداخلية
إن نيجيريا التي واجهت الإرهاب بقدراتها الذاتية ودون وصايةٍ خارجية أثبتت أنها دولة قادرة على إدارة شؤونها وحماية مواطنيها بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية وهي تدرك اليوم أن معركتها الحقيقية ليست مع تنظيمات متطرفة فحسب بل مع منظومات نفوذ عالمية تحاول إعادة رسم خريطة القارة بما يخدم مصالحها فتهديد ترامب هذا ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة التدخلات التي لبست ثوب الدين والأخلاق لإخفاء أطماعٍ اقتصادية واستراتيجية مكشوفة وترامب يستخدم حماسة الدين المقدس لتبرير القهر والسيطرة وطمس إرادة الشعوب الحرة وهو ما يفتح الباب أمام فوضى فكرية وأخلاقية تشوه صورة الأديان وتزرع الكراهية بين الأمم
الحقيقة أن المشهد في نيجيريا أبعد ما يكون عن الحرب الدينية فالعنف الذي يضرب مناطق واسعة من الشمال والوسط يتداخل فيه البعد الاقتصادي والاجتماعي مع النزاعات على الأراضي والموارد والمياه إذ يعاني المزارعون والرعاة من التصحر وتراجع الأراضي الخصبة في ظل فشل حكومي مزمن في إدارة التنمية وتوزيع الثروة أما الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وداعش في غرب أفريقيا فهي لا تمثل المسلمين بل تستهدفهم في المقام الأول ومع ذلك يصر اليمين الديني الأميركي على تصوير الصراع كمعركة بين الإسلام والمسيحية لتبرير التدخل الخارجي وإثارة التعاطف الديني لدى الرأي العام الأميركي
لقد تحولت نيجيريا فجأة إلى ساحة رمزية في خطاب ترامب الانتخابي الذي يسعى لاستمالة القواعد الإنجيلية المتشددة بتقديم نفسه زعيما مسيحيا عالميا يدافع عن الكنيسة في مواجهة الإسلام السياسي وهو الخطاب ذاته الذي استخدمه في الشرق الأوسط عندما رعى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل وادعى أنها لحماية الحرية الدينية بينما كانت تمهيدا لتحالفات سياسية واقتصادية تخدم مصالح واشنطن وتكرس هيمنتها في المنطقة واليوم يحاول ترامب تكرار اللعبة نفسها في أفريقيا مستخدما البعد الديني غطاء لتطويق النفوذ الصيني والروسي المتنامي والسيطرة على ثروات القارة المعدنية من ليثيوم وكوبالت ونيكل التي تمثل مستقبل الصناعة والتكنولوجيا في العالم
العالم اليوم يقف أمام لحظة فارقة إما أن يرفض هذا النمط الجديد من الاستعمار الديني المقنّع وإما أن يستسلم له فيغدو الإيمان مطية للهيمنة والتهديدات باسم الله لقد سقطت كل الذرائع الأخلاقية التي تبرر الحروب وأصبحت الشعوب تدرك أن ما يسمى بحماية الأقليات ليس سوى ستار لتقسيم الدول ونهب ثرواتها وإن نيجيريا اليوم تختبر شجاعتها في مواجهة هذا النموذج المتغطرس الذي يريد إعادة رسم القارة الأفريقية بخطاب تبشيري مغلف بالشعارات الإنسانية لكنها في حقيقتها شعارات للوصاية والابتزاز
من هنا يتضح لنا أن الأزمة الراهنة التي افتعلها ترامب لا تتعلق بحماية المسيحيين في نيجيريا بقدر ما ترتبط بمحاولة واشنطن استعادة نفوذها المفقود في أفريقيا من خلال افتعال صراع ديني دامي أما الشعب النيجيري الذي خبر مرارة الاستعمار فلن يسمح بإعادة التاريخ إلى الوراء فالدين في نيجيريا كان وسيبقى عامل وحدة لا سلاح تقسيم والعدالة وحدها هي التي تضمن التعايش لا صواريخ ترامب ولا وصايته باسم الإيمان
ختاما إن تهديد ترامب ليس مجرد نزوة انتخابية بل مؤشر على عقلية سياسية ترى في الدين وسيلة للغزو الناعم وفرض الوصاية على الشعوب غير أن أفريقيا الجديدة التي تتشكل ببطء بدأت تدرك اللعبة وتستعيد وعيها وتقول كلمتها بوضوح لا لحروب العقيدة ولا لابتزاز الشركاء تحت شعارات الإيمان ولا لعودة المستعمر في زي المبشر فالدين لله والسيادة للشعوب ومن يتذرع بالمقدس ليمارس القهر سيكتشف أن زمن الخداع قد ولى وأن أفريقيا لم تعد تبيع حريتها مقابل وعود الخلاص الكاذبة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]
مهدي مبارك عبد الله
منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض وترامب لا يكف عن إشهار لسان التهديد وسيف الوعيد في وجه العالم كله فقد هدد كوريا الشمالية بالإبادة الكاملة ثم توعد إيران بالحرق إذا لم تركع لإملاءاته ولوّح باجتياح فنزويلا عسكريا كما لو كانت ضاحية متمردة في أطراف مملكته واعتبر المكسيك عدوا داخليا يجب أن يُحاصر بجدار العار ثم عاد ليهدد كوبا ونيكاراغوا وحتى غزة التي لم يبق فيها ما يُهدد سوى أرواح الأطفال والأنقاض الممزقة كلها كانت في نظره أهدافا مشروعة لحروبه الكلامية التي تتحول دوما إلى سياسات نارية ترامب لا يبحث عن أمن بل عن فوضى تبرر جبروته ولا يسعى إلى السلام بل إلى إذلال الشعوب واستعراض قوته المريضة أمام أمة منهكة يريد قبل أن يغادر مكتبه أن يثبت أنه قادر على احتلال العالم أو تدميره وأنه لا يعيش إلا بزرع الشر في كل بقعة يمر بها اسمه وهاهو اليوم يفتعل معركة مع جولة تيجيريا تحت يافطة دينية مصطنعة و كاذبة
لطالما كانت العلاقات بين واشنطن وأبوجا من افضل النماذج الناجحة للشراكة الاستراتيجية في القارة الأفريقية فقد شكّل البلدان خلال العقدين الماضيين محورًا رئيسيًا لمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا ومكافحة القرصنة في خليج غينيا وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني وقد كانت نيجيريا تُعد بالنسبة للولايات المتحدة حليفًا موثوقًا في ملفات الطاقة ومكافحة التطرف وتنمية البنية التحتية كما استفادت واشنطن من موقع نيجيريا الجيوسياسي وثقلها الديموغرافي والاقتصادي لتمرير كثير من سياساتها في الاتحاد الأفريقي وغالبًا ما كانت أبوجا تحظى بتقديرٍ خاص من الإدارات الأميركية المتعاقبة على اعتبارها ركيزة الاستقرار في الإقليم إلا أن هذه الشراكة التي بدت راسخة طيلة عقود تلقت مؤخرًا ضربة قاسية مع تهديدات الرئيس دونالد ترامب العلنية التي حملت نبرة عدائية غير مسبوقة تجاه حكومة نيجيريا
في منشور ناري على منصة تروث سوشيال هدد ترامب الحكومة النيجيرية بوقف كل المساعدات والأنشطة الإغاثية بل ولوّح باستخدام القوة العسكرية إذا لم تتخذ أبوجا ما سماه إجراءات حاسمة ضد الإرهابيين الإسلاميين المسؤولين عن قتل المسيحيين كما زعم وقد جاء هذا الموقف بعد ضغوط مارستها جماعات إنجيلية أميركية نافذة داخل الحزب الجمهوري وجهت للرئيس سلسلة من الرسائل تحثه على التدخل في نيجيريا لوقف ما وصفته بالإبادة الجماعية للمسيحيين مستندة إلى تقارير إعلامية مثيرة للجدل تحدثت عن آلاف القتلى وتدمير مئات الكنائس ونزوح ملايين الأشخاص
لم يكن تهديد ترامب بالتدخل العسكري سوى انعكاسٍ لنزعةٍ قديمةٍ في السياسة الأميركية توظف الدين غطاءً للمصالح الاستراتيجية وتسعى لإعادة إنتاج خطاب السيطرة على القارة السمراء بذريعة حماية الأقليات فقد جاءت تصريحاته التي زعم فيها أن المسيحيين في نيجيريا يتعرضون للإبادة بمثابة صدمة دبلوماسية إذ اتهم الحكومة النيجيرية بالتواطؤ ضدهم وهدد بقطع المساعدات عنها وإرسال قواته إذا لم تتوقف تلك الانتهاكات المزعومة
من جانبها ردت أبوجا بحزم على تصريحات ترامب ووصفتها بأنها تهديد سافر وابتزاز سياسي لا يليق بدولة تعتبر نفسها حامية للديمقراطية مؤكدة أن نيجيريا لا تحتاج دروسا في التسامح الديني وأنها تحارب الإرهاب بجميع أشكاله وتتعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة كما أشار بيان وزارة الخارجية إلى أن الحكومة النيجيرية ملتزمة بمسار الشراكة مع واشنطن ولكن على أساس الندية والاحترام المتبادل لا الإملاء والوصاية خاصة بعد انضمام نيجيريا إلى مجموعة البريكس واعتمادها سياسة خارجية أكثر استقلالا عن الغرب وهو ما أثار قلق واشنطن من احتمال فقدان نفوذها التقليدي في غرب أفريقيا
في العمق الجيوسياسي يمثل تهديد ترامب لنيجيريا أكثر من مجرد انفعال سياسي أو شعار انتخابي بل يعكس تحولا في التفكير الإستراتيجي الأميركي تجاه أفريقيا إذ لم تعد واشنطن قادرة على مجاراة الاختراق الصيني والروسي في مجالات الطاقة والبنى التحتية والمعادن النادرة فبدأت تبحث عن أدوات جديدة للنفوذ عبر البعد الديني والإعلامي فبينما تقدم بكين التمويل والمشاريع تقدم واشنطن خطابا أخلاقيا ودينيا لتأطير تدخلاتها بما يمنحها شرعية وهمية لدى الداخل الأميركي والخارج الأفريقي في آن واحد وبذلك تنتقل الولايات المتحدة من مرحلة السيطرة المباشرة إلى مرحلة النفوذ الناعم المغلف بالمقدس
نيجيريا تمثل اليوم بوابةً رئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية وعضوا فعالا في مجموعة البريكس التي تضم قوى صاعدة تتحدى النظام المالي الغربي كما أنها من أكبر مصدري النفط في القارة نحو الأسواق الآسيوية وهو ما يفسر هذا التحول العدائي في خطاب ترامب إذ يخشى أن تخسر الولايات المتحدة آخر موطئ نفوذ اقتصادي وسياسي لها في غرب أفريقيا لحساب منافسيها
في العمق تبدو تصريحات ترامب محاولة لإعادة تعريف النفوذ الأميركي في أفريقيا بعد التراجع الحاد لدور واشنطن أمام التمدد الصيني والروسي
إن استخدام ترامب لورقة الدين ليس سوى امتدادٍ لموروث الهيمنة الأميركية الذي يختبئ خلف شعارات إنسانية لتبرير التدخلات العسكرية فالإدارة الأميركية لطالما استثمرت في سردية الاضطهاد الديني لتغليف أهدافها الجيوسياسية كما حدث في العراق وسوريا والسودان واليوم تحاول إعادة توظيف الخطاب ذاته في نيجيريا تمهيدًا لإعادة تموضعها العسكري والسياسي في القارة التي باتت مسرحًا للتنافس الدولي على الموارد والطاقة والنفوذ
ويضاف إلى ذلك أن الخطاب الديني لترامب موجه بالأساس إلى الداخل الأميركي فهو يستثمر مشاعر القاعدة الإنجيلية اليمينية التي تمثل أحد أهم ركائز قاعدته الانتخابية في سعيه لاستعادة البيت الأبيض تلك القاعدة التي ترى في ترامب زعيمًا روحيا مدافعا عن المسيحية في مواجهة ما تصفه بـ' المدّ الإسلامي ' العالمي ولذلك فإن تحريك ملف نيجيريا ليس سوى ورقة تعبئة انتخابية بلبوس أخلاقي يستهدف حشد التأييد الشعبي عبر دغدغة الحس الديني لدى الناخبين المحافظين
ولعل أخطر ما في هذا الخطاب أنه يعيد إنتاج الثنائية الاستعمارية القديمة بين المنقذ الأبيض والشعوب المتخلفة وهو منطق يتناقض مع القيم التي تزعم واشنطن الدفاع عنها ويشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدول الأفريقية واستقلال قرارها الوطني فحين يتحول الدين إلى أداة جيوسياسية فإنه يفقد جوهره الإنساني ويتحول إلى سلاحٍ للابتزاز وإشعال الفتن الداخلية
إن نيجيريا التي واجهت الإرهاب بقدراتها الذاتية ودون وصايةٍ خارجية أثبتت أنها دولة قادرة على إدارة شؤونها وحماية مواطنيها بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية وهي تدرك اليوم أن معركتها الحقيقية ليست مع تنظيمات متطرفة فحسب بل مع منظومات نفوذ عالمية تحاول إعادة رسم خريطة القارة بما يخدم مصالحها فتهديد ترامب هذا ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة التدخلات التي لبست ثوب الدين والأخلاق لإخفاء أطماعٍ اقتصادية واستراتيجية مكشوفة وترامب يستخدم حماسة الدين المقدس لتبرير القهر والسيطرة وطمس إرادة الشعوب الحرة وهو ما يفتح الباب أمام فوضى فكرية وأخلاقية تشوه صورة الأديان وتزرع الكراهية بين الأمم
الحقيقة أن المشهد في نيجيريا أبعد ما يكون عن الحرب الدينية فالعنف الذي يضرب مناطق واسعة من الشمال والوسط يتداخل فيه البعد الاقتصادي والاجتماعي مع النزاعات على الأراضي والموارد والمياه إذ يعاني المزارعون والرعاة من التصحر وتراجع الأراضي الخصبة في ظل فشل حكومي مزمن في إدارة التنمية وتوزيع الثروة أما الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وداعش في غرب أفريقيا فهي لا تمثل المسلمين بل تستهدفهم في المقام الأول ومع ذلك يصر اليمين الديني الأميركي على تصوير الصراع كمعركة بين الإسلام والمسيحية لتبرير التدخل الخارجي وإثارة التعاطف الديني لدى الرأي العام الأميركي
لقد تحولت نيجيريا فجأة إلى ساحة رمزية في خطاب ترامب الانتخابي الذي يسعى لاستمالة القواعد الإنجيلية المتشددة بتقديم نفسه زعيما مسيحيا عالميا يدافع عن الكنيسة في مواجهة الإسلام السياسي وهو الخطاب ذاته الذي استخدمه في الشرق الأوسط عندما رعى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل وادعى أنها لحماية الحرية الدينية بينما كانت تمهيدا لتحالفات سياسية واقتصادية تخدم مصالح واشنطن وتكرس هيمنتها في المنطقة واليوم يحاول ترامب تكرار اللعبة نفسها في أفريقيا مستخدما البعد الديني غطاء لتطويق النفوذ الصيني والروسي المتنامي والسيطرة على ثروات القارة المعدنية من ليثيوم وكوبالت ونيكل التي تمثل مستقبل الصناعة والتكنولوجيا في العالم
العالم اليوم يقف أمام لحظة فارقة إما أن يرفض هذا النمط الجديد من الاستعمار الديني المقنّع وإما أن يستسلم له فيغدو الإيمان مطية للهيمنة والتهديدات باسم الله لقد سقطت كل الذرائع الأخلاقية التي تبرر الحروب وأصبحت الشعوب تدرك أن ما يسمى بحماية الأقليات ليس سوى ستار لتقسيم الدول ونهب ثرواتها وإن نيجيريا اليوم تختبر شجاعتها في مواجهة هذا النموذج المتغطرس الذي يريد إعادة رسم القارة الأفريقية بخطاب تبشيري مغلف بالشعارات الإنسانية لكنها في حقيقتها شعارات للوصاية والابتزاز
من هنا يتضح لنا أن الأزمة الراهنة التي افتعلها ترامب لا تتعلق بحماية المسيحيين في نيجيريا بقدر ما ترتبط بمحاولة واشنطن استعادة نفوذها المفقود في أفريقيا من خلال افتعال صراع ديني دامي أما الشعب النيجيري الذي خبر مرارة الاستعمار فلن يسمح بإعادة التاريخ إلى الوراء فالدين في نيجيريا كان وسيبقى عامل وحدة لا سلاح تقسيم والعدالة وحدها هي التي تضمن التعايش لا صواريخ ترامب ولا وصايته باسم الإيمان
ختاما إن تهديد ترامب ليس مجرد نزوة انتخابية بل مؤشر على عقلية سياسية ترى في الدين وسيلة للغزو الناعم وفرض الوصاية على الشعوب غير أن أفريقيا الجديدة التي تتشكل ببطء بدأت تدرك اللعبة وتستعيد وعيها وتقول كلمتها بوضوح لا لحروب العقيدة ولا لابتزاز الشركاء تحت شعارات الإيمان ولا لعودة المستعمر في زي المبشر فالدين لله والسيادة للشعوب ومن يتذرع بالمقدس ليمارس القهر سيكتشف أن زمن الخداع قد ولى وأن أفريقيا لم تعد تبيع حريتها مقابل وعود الخلاص الكاذبة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]
مهدي مبارك عبد الله
منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض وترامب لا يكف عن إشهار لسان التهديد وسيف الوعيد في وجه العالم كله فقد هدد كوريا الشمالية بالإبادة الكاملة ثم توعد إيران بالحرق إذا لم تركع لإملاءاته ولوّح باجتياح فنزويلا عسكريا كما لو كانت ضاحية متمردة في أطراف مملكته واعتبر المكسيك عدوا داخليا يجب أن يُحاصر بجدار العار ثم عاد ليهدد كوبا ونيكاراغوا وحتى غزة التي لم يبق فيها ما يُهدد سوى أرواح الأطفال والأنقاض الممزقة كلها كانت في نظره أهدافا مشروعة لحروبه الكلامية التي تتحول دوما إلى سياسات نارية ترامب لا يبحث عن أمن بل عن فوضى تبرر جبروته ولا يسعى إلى السلام بل إلى إذلال الشعوب واستعراض قوته المريضة أمام أمة منهكة يريد قبل أن يغادر مكتبه أن يثبت أنه قادر على احتلال العالم أو تدميره وأنه لا يعيش إلا بزرع الشر في كل بقعة يمر بها اسمه وهاهو اليوم يفتعل معركة مع جولة تيجيريا تحت يافطة دينية مصطنعة و كاذبة
لطالما كانت العلاقات بين واشنطن وأبوجا من افضل النماذج الناجحة للشراكة الاستراتيجية في القارة الأفريقية فقد شكّل البلدان خلال العقدين الماضيين محورًا رئيسيًا لمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا ومكافحة القرصنة في خليج غينيا وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني وقد كانت نيجيريا تُعد بالنسبة للولايات المتحدة حليفًا موثوقًا في ملفات الطاقة ومكافحة التطرف وتنمية البنية التحتية كما استفادت واشنطن من موقع نيجيريا الجيوسياسي وثقلها الديموغرافي والاقتصادي لتمرير كثير من سياساتها في الاتحاد الأفريقي وغالبًا ما كانت أبوجا تحظى بتقديرٍ خاص من الإدارات الأميركية المتعاقبة على اعتبارها ركيزة الاستقرار في الإقليم إلا أن هذه الشراكة التي بدت راسخة طيلة عقود تلقت مؤخرًا ضربة قاسية مع تهديدات الرئيس دونالد ترامب العلنية التي حملت نبرة عدائية غير مسبوقة تجاه حكومة نيجيريا
في منشور ناري على منصة تروث سوشيال هدد ترامب الحكومة النيجيرية بوقف كل المساعدات والأنشطة الإغاثية بل ولوّح باستخدام القوة العسكرية إذا لم تتخذ أبوجا ما سماه إجراءات حاسمة ضد الإرهابيين الإسلاميين المسؤولين عن قتل المسيحيين كما زعم وقد جاء هذا الموقف بعد ضغوط مارستها جماعات إنجيلية أميركية نافذة داخل الحزب الجمهوري وجهت للرئيس سلسلة من الرسائل تحثه على التدخل في نيجيريا لوقف ما وصفته بالإبادة الجماعية للمسيحيين مستندة إلى تقارير إعلامية مثيرة للجدل تحدثت عن آلاف القتلى وتدمير مئات الكنائس ونزوح ملايين الأشخاص
لم يكن تهديد ترامب بالتدخل العسكري سوى انعكاسٍ لنزعةٍ قديمةٍ في السياسة الأميركية توظف الدين غطاءً للمصالح الاستراتيجية وتسعى لإعادة إنتاج خطاب السيطرة على القارة السمراء بذريعة حماية الأقليات فقد جاءت تصريحاته التي زعم فيها أن المسيحيين في نيجيريا يتعرضون للإبادة بمثابة صدمة دبلوماسية إذ اتهم الحكومة النيجيرية بالتواطؤ ضدهم وهدد بقطع المساعدات عنها وإرسال قواته إذا لم تتوقف تلك الانتهاكات المزعومة
من جانبها ردت أبوجا بحزم على تصريحات ترامب ووصفتها بأنها تهديد سافر وابتزاز سياسي لا يليق بدولة تعتبر نفسها حامية للديمقراطية مؤكدة أن نيجيريا لا تحتاج دروسا في التسامح الديني وأنها تحارب الإرهاب بجميع أشكاله وتتعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة كما أشار بيان وزارة الخارجية إلى أن الحكومة النيجيرية ملتزمة بمسار الشراكة مع واشنطن ولكن على أساس الندية والاحترام المتبادل لا الإملاء والوصاية خاصة بعد انضمام نيجيريا إلى مجموعة البريكس واعتمادها سياسة خارجية أكثر استقلالا عن الغرب وهو ما أثار قلق واشنطن من احتمال فقدان نفوذها التقليدي في غرب أفريقيا
في العمق الجيوسياسي يمثل تهديد ترامب لنيجيريا أكثر من مجرد انفعال سياسي أو شعار انتخابي بل يعكس تحولا في التفكير الإستراتيجي الأميركي تجاه أفريقيا إذ لم تعد واشنطن قادرة على مجاراة الاختراق الصيني والروسي في مجالات الطاقة والبنى التحتية والمعادن النادرة فبدأت تبحث عن أدوات جديدة للنفوذ عبر البعد الديني والإعلامي فبينما تقدم بكين التمويل والمشاريع تقدم واشنطن خطابا أخلاقيا ودينيا لتأطير تدخلاتها بما يمنحها شرعية وهمية لدى الداخل الأميركي والخارج الأفريقي في آن واحد وبذلك تنتقل الولايات المتحدة من مرحلة السيطرة المباشرة إلى مرحلة النفوذ الناعم المغلف بالمقدس
نيجيريا تمثل اليوم بوابةً رئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية وعضوا فعالا في مجموعة البريكس التي تضم قوى صاعدة تتحدى النظام المالي الغربي كما أنها من أكبر مصدري النفط في القارة نحو الأسواق الآسيوية وهو ما يفسر هذا التحول العدائي في خطاب ترامب إذ يخشى أن تخسر الولايات المتحدة آخر موطئ نفوذ اقتصادي وسياسي لها في غرب أفريقيا لحساب منافسيها
في العمق تبدو تصريحات ترامب محاولة لإعادة تعريف النفوذ الأميركي في أفريقيا بعد التراجع الحاد لدور واشنطن أمام التمدد الصيني والروسي
إن استخدام ترامب لورقة الدين ليس سوى امتدادٍ لموروث الهيمنة الأميركية الذي يختبئ خلف شعارات إنسانية لتبرير التدخلات العسكرية فالإدارة الأميركية لطالما استثمرت في سردية الاضطهاد الديني لتغليف أهدافها الجيوسياسية كما حدث في العراق وسوريا والسودان واليوم تحاول إعادة توظيف الخطاب ذاته في نيجيريا تمهيدًا لإعادة تموضعها العسكري والسياسي في القارة التي باتت مسرحًا للتنافس الدولي على الموارد والطاقة والنفوذ
ويضاف إلى ذلك أن الخطاب الديني لترامب موجه بالأساس إلى الداخل الأميركي فهو يستثمر مشاعر القاعدة الإنجيلية اليمينية التي تمثل أحد أهم ركائز قاعدته الانتخابية في سعيه لاستعادة البيت الأبيض تلك القاعدة التي ترى في ترامب زعيمًا روحيا مدافعا عن المسيحية في مواجهة ما تصفه بـ' المدّ الإسلامي ' العالمي ولذلك فإن تحريك ملف نيجيريا ليس سوى ورقة تعبئة انتخابية بلبوس أخلاقي يستهدف حشد التأييد الشعبي عبر دغدغة الحس الديني لدى الناخبين المحافظين
ولعل أخطر ما في هذا الخطاب أنه يعيد إنتاج الثنائية الاستعمارية القديمة بين المنقذ الأبيض والشعوب المتخلفة وهو منطق يتناقض مع القيم التي تزعم واشنطن الدفاع عنها ويشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدول الأفريقية واستقلال قرارها الوطني فحين يتحول الدين إلى أداة جيوسياسية فإنه يفقد جوهره الإنساني ويتحول إلى سلاحٍ للابتزاز وإشعال الفتن الداخلية
إن نيجيريا التي واجهت الإرهاب بقدراتها الذاتية ودون وصايةٍ خارجية أثبتت أنها دولة قادرة على إدارة شؤونها وحماية مواطنيها بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية وهي تدرك اليوم أن معركتها الحقيقية ليست مع تنظيمات متطرفة فحسب بل مع منظومات نفوذ عالمية تحاول إعادة رسم خريطة القارة بما يخدم مصالحها فتهديد ترامب هذا ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة التدخلات التي لبست ثوب الدين والأخلاق لإخفاء أطماعٍ اقتصادية واستراتيجية مكشوفة وترامب يستخدم حماسة الدين المقدس لتبرير القهر والسيطرة وطمس إرادة الشعوب الحرة وهو ما يفتح الباب أمام فوضى فكرية وأخلاقية تشوه صورة الأديان وتزرع الكراهية بين الأمم
الحقيقة أن المشهد في نيجيريا أبعد ما يكون عن الحرب الدينية فالعنف الذي يضرب مناطق واسعة من الشمال والوسط يتداخل فيه البعد الاقتصادي والاجتماعي مع النزاعات على الأراضي والموارد والمياه إذ يعاني المزارعون والرعاة من التصحر وتراجع الأراضي الخصبة في ظل فشل حكومي مزمن في إدارة التنمية وتوزيع الثروة أما الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وداعش في غرب أفريقيا فهي لا تمثل المسلمين بل تستهدفهم في المقام الأول ومع ذلك يصر اليمين الديني الأميركي على تصوير الصراع كمعركة بين الإسلام والمسيحية لتبرير التدخل الخارجي وإثارة التعاطف الديني لدى الرأي العام الأميركي
لقد تحولت نيجيريا فجأة إلى ساحة رمزية في خطاب ترامب الانتخابي الذي يسعى لاستمالة القواعد الإنجيلية المتشددة بتقديم نفسه زعيما مسيحيا عالميا يدافع عن الكنيسة في مواجهة الإسلام السياسي وهو الخطاب ذاته الذي استخدمه في الشرق الأوسط عندما رعى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل وادعى أنها لحماية الحرية الدينية بينما كانت تمهيدا لتحالفات سياسية واقتصادية تخدم مصالح واشنطن وتكرس هيمنتها في المنطقة واليوم يحاول ترامب تكرار اللعبة نفسها في أفريقيا مستخدما البعد الديني غطاء لتطويق النفوذ الصيني والروسي المتنامي والسيطرة على ثروات القارة المعدنية من ليثيوم وكوبالت ونيكل التي تمثل مستقبل الصناعة والتكنولوجيا في العالم
العالم اليوم يقف أمام لحظة فارقة إما أن يرفض هذا النمط الجديد من الاستعمار الديني المقنّع وإما أن يستسلم له فيغدو الإيمان مطية للهيمنة والتهديدات باسم الله لقد سقطت كل الذرائع الأخلاقية التي تبرر الحروب وأصبحت الشعوب تدرك أن ما يسمى بحماية الأقليات ليس سوى ستار لتقسيم الدول ونهب ثرواتها وإن نيجيريا اليوم تختبر شجاعتها في مواجهة هذا النموذج المتغطرس الذي يريد إعادة رسم القارة الأفريقية بخطاب تبشيري مغلف بالشعارات الإنسانية لكنها في حقيقتها شعارات للوصاية والابتزاز
من هنا يتضح لنا أن الأزمة الراهنة التي افتعلها ترامب لا تتعلق بحماية المسيحيين في نيجيريا بقدر ما ترتبط بمحاولة واشنطن استعادة نفوذها المفقود في أفريقيا من خلال افتعال صراع ديني دامي أما الشعب النيجيري الذي خبر مرارة الاستعمار فلن يسمح بإعادة التاريخ إلى الوراء فالدين في نيجيريا كان وسيبقى عامل وحدة لا سلاح تقسيم والعدالة وحدها هي التي تضمن التعايش لا صواريخ ترامب ولا وصايته باسم الإيمان
ختاما إن تهديد ترامب ليس مجرد نزوة انتخابية بل مؤشر على عقلية سياسية ترى في الدين وسيلة للغزو الناعم وفرض الوصاية على الشعوب غير أن أفريقيا الجديدة التي تتشكل ببطء بدأت تدرك اللعبة وتستعيد وعيها وتقول كلمتها بوضوح لا لحروب العقيدة ولا لابتزاز الشركاء تحت شعارات الإيمان ولا لعودة المستعمر في زي المبشر فالدين لله والسيادة للشعوب ومن يتذرع بالمقدس ليمارس القهر سيكتشف أن زمن الخداع قد ولى وأن أفريقيا لم تعد تبيع حريتها مقابل وعود الخلاص الكاذبة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]
التعليقات