يمتلك الأردن طاقة ديموغرافية استثنائية؛ ملايين الشباب الذين يشكلون خمس الوطن يقفون على عتبة الانتقال من البحث عن الفرصة إلى صناعة الدور. فقرابة خمس السكان تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، أي نحو 2.3 مليون شاب وشابة. غير أن هذا المخزون البشري لا يتحول تلقائيًا إلى قوة اقتصادية أو سياسية ما لم يُعاد هندسة السياسات نحو التشغيل المنتج والتمكين الحقيقي. فالأرقام تتحدث بوضوح: بلغ معدل البطالة الكلي نحو 21.3% في الربع الأول من عام 2025، فيما تقترب بطالة الشباب من 42% بحسب تقديرات البنك الدولي. أما المشاركة الاقتصادية للنساء فما زالت عند حدود 14–15% فقط، وهي من الأدنى عالميًا، ما يعني أن نصف المجتمع لا يزال معطلاً عن الإسهام في بناء الناتج الوطني. الأخطر من ذلك أن نسبة الشباب غير المنخرطين في التعليم أو العمل أو التدريب (NEET) تدور حول ثلث الفئة العمرية 15–24 عامًا، وهو نزيف في رأس المال البشري يبدّد عوائد الوقت ويؤجل “الفرصة الديموغرافية” التي ينتظرها الأردن منذ عقدين. المشكلة إذن ليست اقتصادية فحسب، بل معرفية ومؤسساتية أيضًا. فاختبارات PISA الدولية لعام 2022 أظهرت أن أقل من خمس الطلبة الأردنيين بلغوا الحد الأدنى من الكفاية في الرياضيات والقراءة، ما يعكس فجوة مهارية مبكرة تتطور لاحقًا إلى بطالة أو اشتغال في وظائف دون المؤهل. سياسيًا واجتماعيًا، تتقاطع هذه المؤشرات مع ظواهر مقلقة؛ فوفق استطلاعات الرأي، نحو 54% من الشباب الأردنيين يفكرون بالهجرة، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 32% رغم التحديث التشريعي للحياة الحزبية. لقد فتحت بوابة المشاركة قانونيًا، لكنها لم تتحول بعد إلى شعور ملموس بجدوى الانخراط والعمل العام. اقتصاديًا، يتحرك النمو بوتيرة أبطأ من الطموح، إذ يتوقع أن يبلغ 2.7% في عام 2025، مع استمرار معدل الفقر عند حدود 24%. لكن في المقابل، ثمة نقاط قوة واعدة: انتشار الإنترنت بنسبة تفوق 91%، وتراجع كلفة الاتصال، وتحسن تدريجي في النقل العام، وتوسع في مشهد الريادة حيث ارتفع النشاط الريادي المبكر بنحو الثلث بين عامي 2024 و2025، مع تزايد حضور النساء الرياديات. غير أن التحدي الأكبر يبقى في هندسة التنفيذ، إذ تتشتت الجهود بين برامج صغيرة متفرقة لا تقاس نتائجها ولا يربط تمويلها بمخرجات قابلة للقياس. المطلوب اليوم ليس ضخ مزيد من المبادرات، بل نقل السياسة العامة من دعم المدخلات إلى شراء النتائج. فبدل تمويل برامج تدريبية مفتوحة النهاية، يمكن للحكومة أن تتبنى نموذج “الأجر مقابل المهارة”، بحيث تدفع الحوافز للمؤسسات التدريبية عند تثبيت المتدرب في عمل فعلي لمدة لا تقل عن 12 شهرًا. بهذه الآلية، يمكن تشغيل 50 ألف شاب سنويًا ضمن برنامج وطني واحد قابل للقياس والتقييم. كما يمكن إطلاق مسارات عودة سريعة لفئة NEET لخفض نسبتها إلى 30% خلال ثلاث سنوات، عبر قسائم تدريب رقمية تستهدف المهارات الرقمية واللغة والبيع عن بعد، مع حوافز للمنصات التي تثبت المتدربين في أعمال حرة أو عقود خارجية. أما في تمكين المرأة، فإن رفع المشاركة الاقتصادية إلى 22% بحلول 2028 يتطلب ثلاثية واضحة: حضانات مدعومة للأسر العاملة، وتشريعات عمل مرن (دوام جزئي أو عن بُعد)، ونقل عام آمن يربط الأحياء بمراكز العمل. وفي مجال الريادة، المطلوب الانتقال من دعم “الفكرة” إلى تمويل “النمو”، من خلال إنشاء صندوق يجذب استثمارات خاصة لشركات ناشئة تجاوزت مرحلة المنتج الأولي، مع تخصيص 1% من إنفاق الحكومة على تكنولوجيا المعلومات لشراء حلول من شركات ناشئة محلية (GovTech) توظّف شبابًا أردنيين. على الجانب الموازي، يمكن بناء منصة وطنية للعمل الحر تربط المواهب الأردنية بالطلب العالمي، تتيح الدفع الآمن والتأمين الاجتماعي والحماية القانونية للعاملين المستقلين، مع هدف استراتيجي بتصدير خدمات رقمية بقيمة مليار دولار سنويًا بحلول 2028. كما يجب استكمال منظومة النقل السريع (BRT) وربط عمان بالزرقاء وتغذية الأحياء الهشة بحافلات فرعية، فخفض “الاحتكاك المروري” يرفع إنتاجية الشباب ويقلل كلفة الوصول إلى العمل بنسبة ملموسة. لكن الامتحان الحقيقي يبقى سياسيًا، فالقوانين لا تصنع المشاركة ما لم تترجم إلى سياسات تشغيل وتعليم ونقل تُلمس في حياة الناس. التحدي هو بناء ثقة جديدة بين الشباب والدولة، قائمة على نتائج ملموسة لا وعود مؤجلة: وظائف لائقة، تعليم يواكب السوق، ونقل عام يحترم كرامة الوقت. فالسياسة ليست منبرًا للوعود، بل عقد ثقة متبادل بين دولة تفتح المسار وشبابٍ يملؤونه بالإنجاز. والإصلاح السياسي الحقيقي يبدأ حين يشعر الشاب أن صوته يصنع سياسة، وأن مشاركته تنتج وظيفة، وأن البرلمان والحكومة يتحركان على إيقاع حاجاته لا على إيقاع الخطاب. إن خفض نسبة الرغبة في الهجرة من 54% إلى أقل من 35% خلال ثلاث سنوات هدف وطني قابل للتحقيق، إذا ما اقترنت الإصلاحات بخارطة طريق تستشرف المستقبل: حكومة رقمية تشتري الخدمات من الشباب، وبرلمان يحاسب على مؤشرات تشغيل لا شعارات، وأحزاب تقدم حلولًا لا بيانات إنشائية. حين يتقدّم الشباب من مقاعد الانتظار إلى مواقع التأثير، لن يكون المستقبل وعدًا ننتظره، بل واقعًا نصنعه معًا.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يمتلك الأردن طاقة ديموغرافية استثنائية؛ ملايين الشباب الذين يشكلون خمس الوطن يقفون على عتبة الانتقال من البحث عن الفرصة إلى صناعة الدور. فقرابة خمس السكان تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، أي نحو 2.3 مليون شاب وشابة. غير أن هذا المخزون البشري لا يتحول تلقائيًا إلى قوة اقتصادية أو سياسية ما لم يُعاد هندسة السياسات نحو التشغيل المنتج والتمكين الحقيقي. فالأرقام تتحدث بوضوح: بلغ معدل البطالة الكلي نحو 21.3% في الربع الأول من عام 2025، فيما تقترب بطالة الشباب من 42% بحسب تقديرات البنك الدولي. أما المشاركة الاقتصادية للنساء فما زالت عند حدود 14–15% فقط، وهي من الأدنى عالميًا، ما يعني أن نصف المجتمع لا يزال معطلاً عن الإسهام في بناء الناتج الوطني. الأخطر من ذلك أن نسبة الشباب غير المنخرطين في التعليم أو العمل أو التدريب (NEET) تدور حول ثلث الفئة العمرية 15–24 عامًا، وهو نزيف في رأس المال البشري يبدّد عوائد الوقت ويؤجل “الفرصة الديموغرافية” التي ينتظرها الأردن منذ عقدين. المشكلة إذن ليست اقتصادية فحسب، بل معرفية ومؤسساتية أيضًا. فاختبارات PISA الدولية لعام 2022 أظهرت أن أقل من خمس الطلبة الأردنيين بلغوا الحد الأدنى من الكفاية في الرياضيات والقراءة، ما يعكس فجوة مهارية مبكرة تتطور لاحقًا إلى بطالة أو اشتغال في وظائف دون المؤهل. سياسيًا واجتماعيًا، تتقاطع هذه المؤشرات مع ظواهر مقلقة؛ فوفق استطلاعات الرأي، نحو 54% من الشباب الأردنيين يفكرون بالهجرة، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 32% رغم التحديث التشريعي للحياة الحزبية. لقد فتحت بوابة المشاركة قانونيًا، لكنها لم تتحول بعد إلى شعور ملموس بجدوى الانخراط والعمل العام. اقتصاديًا، يتحرك النمو بوتيرة أبطأ من الطموح، إذ يتوقع أن يبلغ 2.7% في عام 2025، مع استمرار معدل الفقر عند حدود 24%. لكن في المقابل، ثمة نقاط قوة واعدة: انتشار الإنترنت بنسبة تفوق 91%، وتراجع كلفة الاتصال، وتحسن تدريجي في النقل العام، وتوسع في مشهد الريادة حيث ارتفع النشاط الريادي المبكر بنحو الثلث بين عامي 2024 و2025، مع تزايد حضور النساء الرياديات. غير أن التحدي الأكبر يبقى في هندسة التنفيذ، إذ تتشتت الجهود بين برامج صغيرة متفرقة لا تقاس نتائجها ولا يربط تمويلها بمخرجات قابلة للقياس. المطلوب اليوم ليس ضخ مزيد من المبادرات، بل نقل السياسة العامة من دعم المدخلات إلى شراء النتائج. فبدل تمويل برامج تدريبية مفتوحة النهاية، يمكن للحكومة أن تتبنى نموذج “الأجر مقابل المهارة”، بحيث تدفع الحوافز للمؤسسات التدريبية عند تثبيت المتدرب في عمل فعلي لمدة لا تقل عن 12 شهرًا. بهذه الآلية، يمكن تشغيل 50 ألف شاب سنويًا ضمن برنامج وطني واحد قابل للقياس والتقييم. كما يمكن إطلاق مسارات عودة سريعة لفئة NEET لخفض نسبتها إلى 30% خلال ثلاث سنوات، عبر قسائم تدريب رقمية تستهدف المهارات الرقمية واللغة والبيع عن بعد، مع حوافز للمنصات التي تثبت المتدربين في أعمال حرة أو عقود خارجية. أما في تمكين المرأة، فإن رفع المشاركة الاقتصادية إلى 22% بحلول 2028 يتطلب ثلاثية واضحة: حضانات مدعومة للأسر العاملة، وتشريعات عمل مرن (دوام جزئي أو عن بُعد)، ونقل عام آمن يربط الأحياء بمراكز العمل. وفي مجال الريادة، المطلوب الانتقال من دعم “الفكرة” إلى تمويل “النمو”، من خلال إنشاء صندوق يجذب استثمارات خاصة لشركات ناشئة تجاوزت مرحلة المنتج الأولي، مع تخصيص 1% من إنفاق الحكومة على تكنولوجيا المعلومات لشراء حلول من شركات ناشئة محلية (GovTech) توظّف شبابًا أردنيين. على الجانب الموازي، يمكن بناء منصة وطنية للعمل الحر تربط المواهب الأردنية بالطلب العالمي، تتيح الدفع الآمن والتأمين الاجتماعي والحماية القانونية للعاملين المستقلين، مع هدف استراتيجي بتصدير خدمات رقمية بقيمة مليار دولار سنويًا بحلول 2028. كما يجب استكمال منظومة النقل السريع (BRT) وربط عمان بالزرقاء وتغذية الأحياء الهشة بحافلات فرعية، فخفض “الاحتكاك المروري” يرفع إنتاجية الشباب ويقلل كلفة الوصول إلى العمل بنسبة ملموسة. لكن الامتحان الحقيقي يبقى سياسيًا، فالقوانين لا تصنع المشاركة ما لم تترجم إلى سياسات تشغيل وتعليم ونقل تُلمس في حياة الناس. التحدي هو بناء ثقة جديدة بين الشباب والدولة، قائمة على نتائج ملموسة لا وعود مؤجلة: وظائف لائقة، تعليم يواكب السوق، ونقل عام يحترم كرامة الوقت. فالسياسة ليست منبرًا للوعود، بل عقد ثقة متبادل بين دولة تفتح المسار وشبابٍ يملؤونه بالإنجاز. والإصلاح السياسي الحقيقي يبدأ حين يشعر الشاب أن صوته يصنع سياسة، وأن مشاركته تنتج وظيفة، وأن البرلمان والحكومة يتحركان على إيقاع حاجاته لا على إيقاع الخطاب. إن خفض نسبة الرغبة في الهجرة من 54% إلى أقل من 35% خلال ثلاث سنوات هدف وطني قابل للتحقيق، إذا ما اقترنت الإصلاحات بخارطة طريق تستشرف المستقبل: حكومة رقمية تشتري الخدمات من الشباب، وبرلمان يحاسب على مؤشرات تشغيل لا شعارات، وأحزاب تقدم حلولًا لا بيانات إنشائية. حين يتقدّم الشباب من مقاعد الانتظار إلى مواقع التأثير، لن يكون المستقبل وعدًا ننتظره، بل واقعًا نصنعه معًا.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يمتلك الأردن طاقة ديموغرافية استثنائية؛ ملايين الشباب الذين يشكلون خمس الوطن يقفون على عتبة الانتقال من البحث عن الفرصة إلى صناعة الدور. فقرابة خمس السكان تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، أي نحو 2.3 مليون شاب وشابة. غير أن هذا المخزون البشري لا يتحول تلقائيًا إلى قوة اقتصادية أو سياسية ما لم يُعاد هندسة السياسات نحو التشغيل المنتج والتمكين الحقيقي. فالأرقام تتحدث بوضوح: بلغ معدل البطالة الكلي نحو 21.3% في الربع الأول من عام 2025، فيما تقترب بطالة الشباب من 42% بحسب تقديرات البنك الدولي. أما المشاركة الاقتصادية للنساء فما زالت عند حدود 14–15% فقط، وهي من الأدنى عالميًا، ما يعني أن نصف المجتمع لا يزال معطلاً عن الإسهام في بناء الناتج الوطني. الأخطر من ذلك أن نسبة الشباب غير المنخرطين في التعليم أو العمل أو التدريب (NEET) تدور حول ثلث الفئة العمرية 15–24 عامًا، وهو نزيف في رأس المال البشري يبدّد عوائد الوقت ويؤجل “الفرصة الديموغرافية” التي ينتظرها الأردن منذ عقدين. المشكلة إذن ليست اقتصادية فحسب، بل معرفية ومؤسساتية أيضًا. فاختبارات PISA الدولية لعام 2022 أظهرت أن أقل من خمس الطلبة الأردنيين بلغوا الحد الأدنى من الكفاية في الرياضيات والقراءة، ما يعكس فجوة مهارية مبكرة تتطور لاحقًا إلى بطالة أو اشتغال في وظائف دون المؤهل. سياسيًا واجتماعيًا، تتقاطع هذه المؤشرات مع ظواهر مقلقة؛ فوفق استطلاعات الرأي، نحو 54% من الشباب الأردنيين يفكرون بالهجرة، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 32% رغم التحديث التشريعي للحياة الحزبية. لقد فتحت بوابة المشاركة قانونيًا، لكنها لم تتحول بعد إلى شعور ملموس بجدوى الانخراط والعمل العام. اقتصاديًا، يتحرك النمو بوتيرة أبطأ من الطموح، إذ يتوقع أن يبلغ 2.7% في عام 2025، مع استمرار معدل الفقر عند حدود 24%. لكن في المقابل، ثمة نقاط قوة واعدة: انتشار الإنترنت بنسبة تفوق 91%، وتراجع كلفة الاتصال، وتحسن تدريجي في النقل العام، وتوسع في مشهد الريادة حيث ارتفع النشاط الريادي المبكر بنحو الثلث بين عامي 2024 و2025، مع تزايد حضور النساء الرياديات. غير أن التحدي الأكبر يبقى في هندسة التنفيذ، إذ تتشتت الجهود بين برامج صغيرة متفرقة لا تقاس نتائجها ولا يربط تمويلها بمخرجات قابلة للقياس. المطلوب اليوم ليس ضخ مزيد من المبادرات، بل نقل السياسة العامة من دعم المدخلات إلى شراء النتائج. فبدل تمويل برامج تدريبية مفتوحة النهاية، يمكن للحكومة أن تتبنى نموذج “الأجر مقابل المهارة”، بحيث تدفع الحوافز للمؤسسات التدريبية عند تثبيت المتدرب في عمل فعلي لمدة لا تقل عن 12 شهرًا. بهذه الآلية، يمكن تشغيل 50 ألف شاب سنويًا ضمن برنامج وطني واحد قابل للقياس والتقييم. كما يمكن إطلاق مسارات عودة سريعة لفئة NEET لخفض نسبتها إلى 30% خلال ثلاث سنوات، عبر قسائم تدريب رقمية تستهدف المهارات الرقمية واللغة والبيع عن بعد، مع حوافز للمنصات التي تثبت المتدربين في أعمال حرة أو عقود خارجية. أما في تمكين المرأة، فإن رفع المشاركة الاقتصادية إلى 22% بحلول 2028 يتطلب ثلاثية واضحة: حضانات مدعومة للأسر العاملة، وتشريعات عمل مرن (دوام جزئي أو عن بُعد)، ونقل عام آمن يربط الأحياء بمراكز العمل. وفي مجال الريادة، المطلوب الانتقال من دعم “الفكرة” إلى تمويل “النمو”، من خلال إنشاء صندوق يجذب استثمارات خاصة لشركات ناشئة تجاوزت مرحلة المنتج الأولي، مع تخصيص 1% من إنفاق الحكومة على تكنولوجيا المعلومات لشراء حلول من شركات ناشئة محلية (GovTech) توظّف شبابًا أردنيين. على الجانب الموازي، يمكن بناء منصة وطنية للعمل الحر تربط المواهب الأردنية بالطلب العالمي، تتيح الدفع الآمن والتأمين الاجتماعي والحماية القانونية للعاملين المستقلين، مع هدف استراتيجي بتصدير خدمات رقمية بقيمة مليار دولار سنويًا بحلول 2028. كما يجب استكمال منظومة النقل السريع (BRT) وربط عمان بالزرقاء وتغذية الأحياء الهشة بحافلات فرعية، فخفض “الاحتكاك المروري” يرفع إنتاجية الشباب ويقلل كلفة الوصول إلى العمل بنسبة ملموسة. لكن الامتحان الحقيقي يبقى سياسيًا، فالقوانين لا تصنع المشاركة ما لم تترجم إلى سياسات تشغيل وتعليم ونقل تُلمس في حياة الناس. التحدي هو بناء ثقة جديدة بين الشباب والدولة، قائمة على نتائج ملموسة لا وعود مؤجلة: وظائف لائقة، تعليم يواكب السوق، ونقل عام يحترم كرامة الوقت. فالسياسة ليست منبرًا للوعود، بل عقد ثقة متبادل بين دولة تفتح المسار وشبابٍ يملؤونه بالإنجاز. والإصلاح السياسي الحقيقي يبدأ حين يشعر الشاب أن صوته يصنع سياسة، وأن مشاركته تنتج وظيفة، وأن البرلمان والحكومة يتحركان على إيقاع حاجاته لا على إيقاع الخطاب. إن خفض نسبة الرغبة في الهجرة من 54% إلى أقل من 35% خلال ثلاث سنوات هدف وطني قابل للتحقيق، إذا ما اقترنت الإصلاحات بخارطة طريق تستشرف المستقبل: حكومة رقمية تشتري الخدمات من الشباب، وبرلمان يحاسب على مؤشرات تشغيل لا شعارات، وأحزاب تقدم حلولًا لا بيانات إنشائية. حين يتقدّم الشباب من مقاعد الانتظار إلى مواقع التأثير، لن يكون المستقبل وعدًا ننتظره، بل واقعًا نصنعه معًا.
التعليقات
الشباب الأردني… من البحث عن الفرصة إلى صناعة الدور
التعليقات