يقف الأردن في عام 2025 على عتبة مرحلة مفصلية، تتقاطع فيها ضرورات الإصلاح السياسي مع ضغوط التحديات الاقتصادية والاجتماعية، في مشهد إقليمي مضطرب ومتغير. إنها لحظة التوازن الدقيق بين التحول والانضباط، بين الحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي وتعزيز الثقة، وبين واجب الحفاظ على استقرار مالي واقتصادي يعد خط الدفاع الأول عن الدولة.
لقد كانت انتخابات عام 2024 بمثابة الاختبار الحقيقي لأول قانون حزبي وانتخابي جديد يسعى إلى إعادة بناء الحياة السياسية على أسسٍ مؤسسية وبرامجية. أفرزت هذه الانتخابات مشهدًا أكثر تنوعًا، زاد فيه وزن الأحزاب المنظمة، لكنه لم يلغِ بعدُ تأثير البنى التقليدية التي ما تزال تمسك بخيوط النفوذ المحلي. ومع ذلك، فقد وضع هذا التحول بذورًا لنظام سياسي أكثر توازنًا، كان من المفترض ان تبدأ تتراجع فيه الشخصنة لصالح العمل الحزبي القائم على البرنامج .
على الصعيد الاقتصادي، تبدو الصورة معقدة لكنها قابلة للتصحيح. فالتضخم مستقر عند مستويات متدنية (نحو 1.3%)، واحتياطيات النقد الأجنبي تتجاوز 22 مليار دولار، ما يحافظ على استقرار سعر الصرف وثقة الأسواق. إلا أن هذا الاستقرار الكلي يخفي تحت سطحه هشاشة اجتماعية واضحة: بطالة تتجاوز 21%، ونمو اقتصادي يدور حول 2.5%، وفجوة متزايدة بين الكفاءة الإنتاجية ومستوى المعيشة.
مراجعة صندوق النقد الدولي الأخيرة أكدت أن الأردن نجح في تثبيت استقراره المالي، لكنه لم ينجح بعد في تحويل هذا الاستقرار إلى نمو منتج مولد للفرص. الإصلاح المطلوب اليوم ليس حسابيًا في الموازنة، بل بنيويًا في المنظومة. التحدي لا يكمن في تقليص العجز فقط، بل في إعادة تعريف دور الدولة الاقتصادي: من منفذ مباشر إلى ممكن ذكي يفتح المساحات للقطاع الخاص المنتج، ويعيد هيكلة بيئة الأعمال لتكون حاضنة للريادة والمبادرة، لا طاردة لهما.
(رؤية التحديث الاقتصادي 2033) تمثل خارطة طريق واعدة، لكنها تحتاج إلى ترجمة تنفيذية صارمة. المطلوب تحويلها من وثيقة نوايا إلى برنامج وطني للإصلاح القابل للقياس، يقوم على أربع ركائز استراتيجية:
1.تحفيز الإنتاجية عبر خفض كلفة الامتثال والإجراءات، وربط الحوافز بعدد الوظائف المستدامة لا بحجم الاستثمار الورقي.
2.تعميق الارتباط الإقليمي من خلال سلاسل القيمة المشتركة في مجالات النقل، اللوجستيات، التكنولوجيا، والسياحة المتخصصة.
3.إصلاح المرافق الحيوية كالكهرباء والمياه ضمن معادلة تحقق العدالة في التسعير وتحافظ على استدامة الخدمات.
4.تمكين الكفاءات الوطنية عبر شراكات تمويلية وتشريعية تعيد دمج الشباب والمرأة في سوق العمل بمنهجية لا شعارات.
على المستوى السياسي، الإصلاح الحقيقي لا يقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج خطاب وطني جامع وبرنامج واقعي يوازن بين الحرية والمسؤولية. المطلوب اليوم ليس تعددية شكلية، بل مأسسة للحياة السياسية تعيد الثقة بالعملية الديمقراطية وتربطها بمخرجات تنموية ملموسة.
أما التحدي الإداري، فهو في استدامة القرار الإصلاحي. إذ لا يكفي أن تطلق الحكومات استراتيجيات متتالية، بل أن تحولها إلى التزامات متراكمة ضمن نهج دولة لا حكومات. الإصلاح الإداري يجب أن يذهب نحو إدارة قائمة على الأداء لا الولاء، وعلى النتائج لا النوايا.
المعادلة الأردنية الدقيقة اليوم تقوم على ثلاث محاور مترابطة:
•إصلاح سياسي منضبط يعزز المشاركة ويحصن الدولة من الانغلاق.
•تحول اقتصادي هيكلي يوازن بين الانضباط المالي والعدالة الاجتماعية.
إن المرحلة المقبلة (2026–2027) ستكون اختبارًا لقدرة الدولة على كسر سقف النمو المتواضع نحو مسار أعلى دون انفلات مالي أو تضخم مقلق. ولن يتحقق ذلك إلا عبر ثلاث رافعات استراتيجية:
1.تسريع إصلاح القطاعات الخدمية الكبرى بطريقة توازن بين الكفاءة والحماية الاجتماعية.
2.جذب شراكات استثمارية نوعية في قطاعات القيمة المضافة، لا مجرد توسع أفقي.
3.إطلاق موجة تمكين اقتصادي حقيقي للشباب والمرأة، تحوِلهم من متلقين إلى شركاء في الإنتاج وصنع القرار.
إن مستقبل الأردن لن يصاغ بقرارات مالية أو حزبية منفصلة، بل برؤية تكاملية تربط السياسة بالاقتصاد والإدارة ضمن فلسفة دولة تعرف ما تريد، وتملك الجرأة على التغيير دون أن تمس ثوابتها.
فالإصلاح ليس مغامرة، بل ضرورة وجودية لضمان توازن بين شرعية الإنجاز وشرعية المشاركة.
وحين تتقاطع الإرادة السياسية مع الكفاءة المؤسسية، سيجد الأردن طريقه نحو معادلة نادرة:
إصلاح يحافظ على الاستقرار… واستقرارٌ يثمر إصلاحًا، ليبقى الأردن كما كان دومًا، دولة الممكن وسط المستحيل.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يقف الأردن في عام 2025 على عتبة مرحلة مفصلية، تتقاطع فيها ضرورات الإصلاح السياسي مع ضغوط التحديات الاقتصادية والاجتماعية، في مشهد إقليمي مضطرب ومتغير. إنها لحظة التوازن الدقيق بين التحول والانضباط، بين الحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي وتعزيز الثقة، وبين واجب الحفاظ على استقرار مالي واقتصادي يعد خط الدفاع الأول عن الدولة.
لقد كانت انتخابات عام 2024 بمثابة الاختبار الحقيقي لأول قانون حزبي وانتخابي جديد يسعى إلى إعادة بناء الحياة السياسية على أسسٍ مؤسسية وبرامجية. أفرزت هذه الانتخابات مشهدًا أكثر تنوعًا، زاد فيه وزن الأحزاب المنظمة، لكنه لم يلغِ بعدُ تأثير البنى التقليدية التي ما تزال تمسك بخيوط النفوذ المحلي. ومع ذلك، فقد وضع هذا التحول بذورًا لنظام سياسي أكثر توازنًا، كان من المفترض ان تبدأ تتراجع فيه الشخصنة لصالح العمل الحزبي القائم على البرنامج .
على الصعيد الاقتصادي، تبدو الصورة معقدة لكنها قابلة للتصحيح. فالتضخم مستقر عند مستويات متدنية (نحو 1.3%)، واحتياطيات النقد الأجنبي تتجاوز 22 مليار دولار، ما يحافظ على استقرار سعر الصرف وثقة الأسواق. إلا أن هذا الاستقرار الكلي يخفي تحت سطحه هشاشة اجتماعية واضحة: بطالة تتجاوز 21%، ونمو اقتصادي يدور حول 2.5%، وفجوة متزايدة بين الكفاءة الإنتاجية ومستوى المعيشة.
مراجعة صندوق النقد الدولي الأخيرة أكدت أن الأردن نجح في تثبيت استقراره المالي، لكنه لم ينجح بعد في تحويل هذا الاستقرار إلى نمو منتج مولد للفرص. الإصلاح المطلوب اليوم ليس حسابيًا في الموازنة، بل بنيويًا في المنظومة. التحدي لا يكمن في تقليص العجز فقط، بل في إعادة تعريف دور الدولة الاقتصادي: من منفذ مباشر إلى ممكن ذكي يفتح المساحات للقطاع الخاص المنتج، ويعيد هيكلة بيئة الأعمال لتكون حاضنة للريادة والمبادرة، لا طاردة لهما.
(رؤية التحديث الاقتصادي 2033) تمثل خارطة طريق واعدة، لكنها تحتاج إلى ترجمة تنفيذية صارمة. المطلوب تحويلها من وثيقة نوايا إلى برنامج وطني للإصلاح القابل للقياس، يقوم على أربع ركائز استراتيجية:
1.تحفيز الإنتاجية عبر خفض كلفة الامتثال والإجراءات، وربط الحوافز بعدد الوظائف المستدامة لا بحجم الاستثمار الورقي.
2.تعميق الارتباط الإقليمي من خلال سلاسل القيمة المشتركة في مجالات النقل، اللوجستيات، التكنولوجيا، والسياحة المتخصصة.
3.إصلاح المرافق الحيوية كالكهرباء والمياه ضمن معادلة تحقق العدالة في التسعير وتحافظ على استدامة الخدمات.
4.تمكين الكفاءات الوطنية عبر شراكات تمويلية وتشريعية تعيد دمج الشباب والمرأة في سوق العمل بمنهجية لا شعارات.
على المستوى السياسي، الإصلاح الحقيقي لا يقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج خطاب وطني جامع وبرنامج واقعي يوازن بين الحرية والمسؤولية. المطلوب اليوم ليس تعددية شكلية، بل مأسسة للحياة السياسية تعيد الثقة بالعملية الديمقراطية وتربطها بمخرجات تنموية ملموسة.
أما التحدي الإداري، فهو في استدامة القرار الإصلاحي. إذ لا يكفي أن تطلق الحكومات استراتيجيات متتالية، بل أن تحولها إلى التزامات متراكمة ضمن نهج دولة لا حكومات. الإصلاح الإداري يجب أن يذهب نحو إدارة قائمة على الأداء لا الولاء، وعلى النتائج لا النوايا.
المعادلة الأردنية الدقيقة اليوم تقوم على ثلاث محاور مترابطة:
•إصلاح سياسي منضبط يعزز المشاركة ويحصن الدولة من الانغلاق.
•تحول اقتصادي هيكلي يوازن بين الانضباط المالي والعدالة الاجتماعية.
إن المرحلة المقبلة (2026–2027) ستكون اختبارًا لقدرة الدولة على كسر سقف النمو المتواضع نحو مسار أعلى دون انفلات مالي أو تضخم مقلق. ولن يتحقق ذلك إلا عبر ثلاث رافعات استراتيجية:
1.تسريع إصلاح القطاعات الخدمية الكبرى بطريقة توازن بين الكفاءة والحماية الاجتماعية.
2.جذب شراكات استثمارية نوعية في قطاعات القيمة المضافة، لا مجرد توسع أفقي.
3.إطلاق موجة تمكين اقتصادي حقيقي للشباب والمرأة، تحوِلهم من متلقين إلى شركاء في الإنتاج وصنع القرار.
إن مستقبل الأردن لن يصاغ بقرارات مالية أو حزبية منفصلة، بل برؤية تكاملية تربط السياسة بالاقتصاد والإدارة ضمن فلسفة دولة تعرف ما تريد، وتملك الجرأة على التغيير دون أن تمس ثوابتها.
فالإصلاح ليس مغامرة، بل ضرورة وجودية لضمان توازن بين شرعية الإنجاز وشرعية المشاركة.
وحين تتقاطع الإرادة السياسية مع الكفاءة المؤسسية، سيجد الأردن طريقه نحو معادلة نادرة:
إصلاح يحافظ على الاستقرار… واستقرارٌ يثمر إصلاحًا، ليبقى الأردن كما كان دومًا، دولة الممكن وسط المستحيل.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يقف الأردن في عام 2025 على عتبة مرحلة مفصلية، تتقاطع فيها ضرورات الإصلاح السياسي مع ضغوط التحديات الاقتصادية والاجتماعية، في مشهد إقليمي مضطرب ومتغير. إنها لحظة التوازن الدقيق بين التحول والانضباط، بين الحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي وتعزيز الثقة، وبين واجب الحفاظ على استقرار مالي واقتصادي يعد خط الدفاع الأول عن الدولة.
لقد كانت انتخابات عام 2024 بمثابة الاختبار الحقيقي لأول قانون حزبي وانتخابي جديد يسعى إلى إعادة بناء الحياة السياسية على أسسٍ مؤسسية وبرامجية. أفرزت هذه الانتخابات مشهدًا أكثر تنوعًا، زاد فيه وزن الأحزاب المنظمة، لكنه لم يلغِ بعدُ تأثير البنى التقليدية التي ما تزال تمسك بخيوط النفوذ المحلي. ومع ذلك، فقد وضع هذا التحول بذورًا لنظام سياسي أكثر توازنًا، كان من المفترض ان تبدأ تتراجع فيه الشخصنة لصالح العمل الحزبي القائم على البرنامج .
على الصعيد الاقتصادي، تبدو الصورة معقدة لكنها قابلة للتصحيح. فالتضخم مستقر عند مستويات متدنية (نحو 1.3%)، واحتياطيات النقد الأجنبي تتجاوز 22 مليار دولار، ما يحافظ على استقرار سعر الصرف وثقة الأسواق. إلا أن هذا الاستقرار الكلي يخفي تحت سطحه هشاشة اجتماعية واضحة: بطالة تتجاوز 21%، ونمو اقتصادي يدور حول 2.5%، وفجوة متزايدة بين الكفاءة الإنتاجية ومستوى المعيشة.
مراجعة صندوق النقد الدولي الأخيرة أكدت أن الأردن نجح في تثبيت استقراره المالي، لكنه لم ينجح بعد في تحويل هذا الاستقرار إلى نمو منتج مولد للفرص. الإصلاح المطلوب اليوم ليس حسابيًا في الموازنة، بل بنيويًا في المنظومة. التحدي لا يكمن في تقليص العجز فقط، بل في إعادة تعريف دور الدولة الاقتصادي: من منفذ مباشر إلى ممكن ذكي يفتح المساحات للقطاع الخاص المنتج، ويعيد هيكلة بيئة الأعمال لتكون حاضنة للريادة والمبادرة، لا طاردة لهما.
(رؤية التحديث الاقتصادي 2033) تمثل خارطة طريق واعدة، لكنها تحتاج إلى ترجمة تنفيذية صارمة. المطلوب تحويلها من وثيقة نوايا إلى برنامج وطني للإصلاح القابل للقياس، يقوم على أربع ركائز استراتيجية:
1.تحفيز الإنتاجية عبر خفض كلفة الامتثال والإجراءات، وربط الحوافز بعدد الوظائف المستدامة لا بحجم الاستثمار الورقي.
2.تعميق الارتباط الإقليمي من خلال سلاسل القيمة المشتركة في مجالات النقل، اللوجستيات، التكنولوجيا، والسياحة المتخصصة.
3.إصلاح المرافق الحيوية كالكهرباء والمياه ضمن معادلة تحقق العدالة في التسعير وتحافظ على استدامة الخدمات.
4.تمكين الكفاءات الوطنية عبر شراكات تمويلية وتشريعية تعيد دمج الشباب والمرأة في سوق العمل بمنهجية لا شعارات.
على المستوى السياسي، الإصلاح الحقيقي لا يقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج خطاب وطني جامع وبرنامج واقعي يوازن بين الحرية والمسؤولية. المطلوب اليوم ليس تعددية شكلية، بل مأسسة للحياة السياسية تعيد الثقة بالعملية الديمقراطية وتربطها بمخرجات تنموية ملموسة.
أما التحدي الإداري، فهو في استدامة القرار الإصلاحي. إذ لا يكفي أن تطلق الحكومات استراتيجيات متتالية، بل أن تحولها إلى التزامات متراكمة ضمن نهج دولة لا حكومات. الإصلاح الإداري يجب أن يذهب نحو إدارة قائمة على الأداء لا الولاء، وعلى النتائج لا النوايا.
المعادلة الأردنية الدقيقة اليوم تقوم على ثلاث محاور مترابطة:
•إصلاح سياسي منضبط يعزز المشاركة ويحصن الدولة من الانغلاق.
•تحول اقتصادي هيكلي يوازن بين الانضباط المالي والعدالة الاجتماعية.
إن المرحلة المقبلة (2026–2027) ستكون اختبارًا لقدرة الدولة على كسر سقف النمو المتواضع نحو مسار أعلى دون انفلات مالي أو تضخم مقلق. ولن يتحقق ذلك إلا عبر ثلاث رافعات استراتيجية:
1.تسريع إصلاح القطاعات الخدمية الكبرى بطريقة توازن بين الكفاءة والحماية الاجتماعية.
2.جذب شراكات استثمارية نوعية في قطاعات القيمة المضافة، لا مجرد توسع أفقي.
3.إطلاق موجة تمكين اقتصادي حقيقي للشباب والمرأة، تحوِلهم من متلقين إلى شركاء في الإنتاج وصنع القرار.
إن مستقبل الأردن لن يصاغ بقرارات مالية أو حزبية منفصلة، بل برؤية تكاملية تربط السياسة بالاقتصاد والإدارة ضمن فلسفة دولة تعرف ما تريد، وتملك الجرأة على التغيير دون أن تمس ثوابتها.
فالإصلاح ليس مغامرة، بل ضرورة وجودية لضمان توازن بين شرعية الإنجاز وشرعية المشاركة.
وحين تتقاطع الإرادة السياسية مع الكفاءة المؤسسية، سيجد الأردن طريقه نحو معادلة نادرة:
إصلاح يحافظ على الاستقرار… واستقرارٌ يثمر إصلاحًا، ليبقى الأردن كما كان دومًا، دولة الممكن وسط المستحيل.
التعليقات
الأردن بين الإصلاح السياسي والتحديات الاقتصادية: معادلة التوازن الاستراتيجي
التعليقات