أ.د. علي حياصات
منذ ما بعد منتصف القرن الماضي، كانت بيانات القمم العربية والإسلامية تُستقبل في الشارع العربي بسخرية لاذعة، على الرغم من أن سقفها السياسي كان أعلى مما نسمعه اليوم . كان الضحك يومها فعل مقاومة، إعلانًا بأن الشعوب أذكى من خطابات حكامها وأكبر من أكاذيبهم. صحيح أن الجيوش انهزمت والأنظمة عجزت، لكن الناس احتفظوا باهتمام حيوي بالشأن العام، يرفضون أن يبتلعوا الوهم أو يصدقوا أن البيان بديل عن الفعل.
اليوم تغيّر المشهد. بيان الدوحة 2025 مرّ كخبر عابر، بلا غضب، بلا نقاش جاد. بعض التعليقات الساخرة على وسائل التواصل، لكنها أقرب إلى ضحكة مرهقة من شعوب أنهكها التعب. لم تعد الشعوب تكذّب البيان او حتى تسخر منه، لأنها ببساطة لم تعد تكترث به. عقود من الحروب الأهلية والانقسامات والحصارات والأزمات المعيشية جعلت البقاء بالنسبة اليها أولوية مطلقة، بينما تراجع الاهتمام بالشأن العام إلى مرتبة ثانوية، والسياسة أصبحت رفاهية لا وقت لها.
جيل Z وُلد وسط هذا الخراب. لم يعرف سوى وعود مكسورة وخرائط ممزقة. لا يقرأ بيانات القمم، وإن قرأ لا يفهمها ولا يجد نفسه فيها؛ ليس لأنه لا يريد، بل لأنه نشأ في عالم حوّل السياسة إلى مسرحية منتهية الصلاحية. لقد حُرم من ترف الغضب الذي امتلكه آباؤه، ولم يعد يرى في القمم مشروعًا يعيد فلسطين أو يصون مصالح الجمهور، بل مجرد أوراق باهتة لا تستحق حتى الجدال.
المفارقة أن الأنظمة التي ترفع شعارات 'السيادة والاهتمام بالشأن العام' في بياناتها، هي نفسها التي فرّطت بالمصالح ورهنت السيادة، تارة بالتطبيع العلني وتارة بالتنسيق الخفي. أما الشعوب، فقد سُحقت إلى حد لم تعد معه قادرة على تحويل الغضب إلى فعل. هذا ليس تواطؤًا بل إنهاك، ليس خيانة بل استنزاف.
الهزيمة الحقيقية ليست أن البيانات فارغة فقط، بل أن الشعوب اعتادت فراغها حتى أصبحت اللامبالاة رد الفعل الطبيعي. وحين تتحول السياسة إلى عبء، والحلم الجماعي إلى ذكرى بعيدة، يكون الأمل قد مات، لا في الأنظمة فقط، بل في الوعي العام نفسه. وما لم يُكسر هذا الصمت، ستبقى بيانات القمم مجرد أوراق تُضاف إلى الأرشيف، بلا أثر، وبلا جمهور، وألاهم بلا مستقبل.
أ.د. علي حياصات
منذ ما بعد منتصف القرن الماضي، كانت بيانات القمم العربية والإسلامية تُستقبل في الشارع العربي بسخرية لاذعة، على الرغم من أن سقفها السياسي كان أعلى مما نسمعه اليوم . كان الضحك يومها فعل مقاومة، إعلانًا بأن الشعوب أذكى من خطابات حكامها وأكبر من أكاذيبهم. صحيح أن الجيوش انهزمت والأنظمة عجزت، لكن الناس احتفظوا باهتمام حيوي بالشأن العام، يرفضون أن يبتلعوا الوهم أو يصدقوا أن البيان بديل عن الفعل.
اليوم تغيّر المشهد. بيان الدوحة 2025 مرّ كخبر عابر، بلا غضب، بلا نقاش جاد. بعض التعليقات الساخرة على وسائل التواصل، لكنها أقرب إلى ضحكة مرهقة من شعوب أنهكها التعب. لم تعد الشعوب تكذّب البيان او حتى تسخر منه، لأنها ببساطة لم تعد تكترث به. عقود من الحروب الأهلية والانقسامات والحصارات والأزمات المعيشية جعلت البقاء بالنسبة اليها أولوية مطلقة، بينما تراجع الاهتمام بالشأن العام إلى مرتبة ثانوية، والسياسة أصبحت رفاهية لا وقت لها.
جيل Z وُلد وسط هذا الخراب. لم يعرف سوى وعود مكسورة وخرائط ممزقة. لا يقرأ بيانات القمم، وإن قرأ لا يفهمها ولا يجد نفسه فيها؛ ليس لأنه لا يريد، بل لأنه نشأ في عالم حوّل السياسة إلى مسرحية منتهية الصلاحية. لقد حُرم من ترف الغضب الذي امتلكه آباؤه، ولم يعد يرى في القمم مشروعًا يعيد فلسطين أو يصون مصالح الجمهور، بل مجرد أوراق باهتة لا تستحق حتى الجدال.
المفارقة أن الأنظمة التي ترفع شعارات 'السيادة والاهتمام بالشأن العام' في بياناتها، هي نفسها التي فرّطت بالمصالح ورهنت السيادة، تارة بالتطبيع العلني وتارة بالتنسيق الخفي. أما الشعوب، فقد سُحقت إلى حد لم تعد معه قادرة على تحويل الغضب إلى فعل. هذا ليس تواطؤًا بل إنهاك، ليس خيانة بل استنزاف.
الهزيمة الحقيقية ليست أن البيانات فارغة فقط، بل أن الشعوب اعتادت فراغها حتى أصبحت اللامبالاة رد الفعل الطبيعي. وحين تتحول السياسة إلى عبء، والحلم الجماعي إلى ذكرى بعيدة، يكون الأمل قد مات، لا في الأنظمة فقط، بل في الوعي العام نفسه. وما لم يُكسر هذا الصمت، ستبقى بيانات القمم مجرد أوراق تُضاف إلى الأرشيف، بلا أثر، وبلا جمهور، وألاهم بلا مستقبل.
أ.د. علي حياصات
منذ ما بعد منتصف القرن الماضي، كانت بيانات القمم العربية والإسلامية تُستقبل في الشارع العربي بسخرية لاذعة، على الرغم من أن سقفها السياسي كان أعلى مما نسمعه اليوم . كان الضحك يومها فعل مقاومة، إعلانًا بأن الشعوب أذكى من خطابات حكامها وأكبر من أكاذيبهم. صحيح أن الجيوش انهزمت والأنظمة عجزت، لكن الناس احتفظوا باهتمام حيوي بالشأن العام، يرفضون أن يبتلعوا الوهم أو يصدقوا أن البيان بديل عن الفعل.
اليوم تغيّر المشهد. بيان الدوحة 2025 مرّ كخبر عابر، بلا غضب، بلا نقاش جاد. بعض التعليقات الساخرة على وسائل التواصل، لكنها أقرب إلى ضحكة مرهقة من شعوب أنهكها التعب. لم تعد الشعوب تكذّب البيان او حتى تسخر منه، لأنها ببساطة لم تعد تكترث به. عقود من الحروب الأهلية والانقسامات والحصارات والأزمات المعيشية جعلت البقاء بالنسبة اليها أولوية مطلقة، بينما تراجع الاهتمام بالشأن العام إلى مرتبة ثانوية، والسياسة أصبحت رفاهية لا وقت لها.
جيل Z وُلد وسط هذا الخراب. لم يعرف سوى وعود مكسورة وخرائط ممزقة. لا يقرأ بيانات القمم، وإن قرأ لا يفهمها ولا يجد نفسه فيها؛ ليس لأنه لا يريد، بل لأنه نشأ في عالم حوّل السياسة إلى مسرحية منتهية الصلاحية. لقد حُرم من ترف الغضب الذي امتلكه آباؤه، ولم يعد يرى في القمم مشروعًا يعيد فلسطين أو يصون مصالح الجمهور، بل مجرد أوراق باهتة لا تستحق حتى الجدال.
المفارقة أن الأنظمة التي ترفع شعارات 'السيادة والاهتمام بالشأن العام' في بياناتها، هي نفسها التي فرّطت بالمصالح ورهنت السيادة، تارة بالتطبيع العلني وتارة بالتنسيق الخفي. أما الشعوب، فقد سُحقت إلى حد لم تعد معه قادرة على تحويل الغضب إلى فعل. هذا ليس تواطؤًا بل إنهاك، ليس خيانة بل استنزاف.
الهزيمة الحقيقية ليست أن البيانات فارغة فقط، بل أن الشعوب اعتادت فراغها حتى أصبحت اللامبالاة رد الفعل الطبيعي. وحين تتحول السياسة إلى عبء، والحلم الجماعي إلى ذكرى بعيدة، يكون الأمل قد مات، لا في الأنظمة فقط، بل في الوعي العام نفسه. وما لم يُكسر هذا الصمت، ستبقى بيانات القمم مجرد أوراق تُضاف إلى الأرشيف، بلا أثر، وبلا جمهور، وألاهم بلا مستقبل.
التعليقات