أصدر مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية دراسة حول اتفاقية وادي عربة (1994)، محاولًا تفسيرها عبر فلسفة التاريخ مستشهداً بابن خلدون وهيغل وتوينبي... وغيرهم. الدراسة غنية بالبلاغة والزخرفة الفكرية، لكنها تفتقر إلى ما هو أهم , السياسة الواقعية. فبدل أن تُخضع الاتفاقية لنقد سياسي موضوعي يربطها بمصالح الاردن الوطنية على ضوء التطورات الاخيرة في المنطقة، لجأت إلى استعارة مقولات فلسفية لتبريرها وكأنها قدر تاريخي لا قرار سياسي يمكن مراجعته.
أول ما يلفت الانتباه هو الالتباس المنهجي في التعامل مع كامب ديفيد, إذ بينما وقع إطار العمل عام 1978، فإن اتفاقية السلام الفعلية بين مصر وإسرائيل وُقعت عام 1979، وهذا الخلط يكشف عن هشاشة في الدقة البحثية، ويضع مصداقية الدراسة موضع تساؤل.
على المستوى الشعبي، سعت الدراسة إلى الإيحاء بأن تراجع مكانة معاهدة وادي عربة جاء نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، لكنها أغفلت الحقيقة الأساس , الاتفاقية لم تحظَ أصلًا بأي شرعية شعبية منذ توقيعها. باستثناء قلة محدودة استفادت من مشاريع التطبيع السياسية والاقتصادية والأكاديمية، وبقيت الأغلبية الساحقة في الأردن وفلسطين والوطن العربي رافضة لها بصورة قاطعة. وبالتالي، فإن الحديث عن 'تآكل شعبيتها' ليس توصيفًا دقيقًا، بل محاولة لتجميل واقع اتسم بالرفض الشعبي العارم منذ البداية.
سياسيًا، أخطأت الدراسة حين حصرت النقاش في ثنائية 'الاستمرار أو الانهيار'، متجاهلة أن الاتفاقية تحولت منذ سنوات إلى أداة بيد إسرائيل لتكريس وقائع على الأرض، بينما تجاوزت تل أبيب نصوصها الأساسية. هنا تبرز معضلة أكبر, الدراسة لم تقدم أي بدائل عملية للأردن، لا على مستوى إعادة بناء التحالفات العربية، ولا في تنويع الموارد الاستراتيجية، ولا في صياغة موقف وطني جامع يحدد الخطوط الحمراء في القدس وفلسطين.
فكريًا، جاءت الاستعارات من ابن خلدون وهيغل وتوينبي أقرب إلى الزينة البلاغية منها إلى أدوات تحليل. استُخدمت الفلسفة لإضفاء طابع قدري على اتفاقية وادي عربة، بدل أن تكون مدخلًا لنقدها أو لتقديم رؤية استراتيجية جديدة. هذا التوظيف السطحي جعل النص يكرر الخطاب الرسمي أكثر مما ينتج موقفًا حزبيًا نقديًا.
أما على المستوى الحزبي، فالمفارقة واضحة , الورقة صادرة عن مركز حزبي، لكنها لم تحمل أي ملامح لموقف حزبي مستقل. فهي لم تُقدّم مشروعًا سياسيًا مختلفًا أو بدائل استراتيجية جادة، ولم تحدد دور الأحزاب والمجتمع في صياغة موقف وطني تجاه الاتفاقية. بهذا، تحولت الورقة إلى مجرد صدى للخطاب الرسمي، فاقدةً القيمة التي يُفترض أن يتميز بها إنتاج حزبي نقدي.
الحقيقة أن وادي عربة ليست نصًا فلسفيًا يُتلاعب به بلغة ابن خلدون أو هيغل، بل اختبار سياسي واستراتيجي لقدرة الأردن على حماية مصالحه الوطنية. ومع استمرار إسرائيل في انتهاكاتها، وتراجع المظلة الدولية، وتزايد الرفض الشعبي، تصبح الاتفاقية مقياسًا حقيقيًا لمدى قدرة القيادة الأردنية على تحويل التحديات إلى فرص، بعيدًا عن البلاغة الزائفة والفلسفة الجافة.
أ.د. علي حياصات
أصدر مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية دراسة حول اتفاقية وادي عربة (1994)، محاولًا تفسيرها عبر فلسفة التاريخ مستشهداً بابن خلدون وهيغل وتوينبي... وغيرهم. الدراسة غنية بالبلاغة والزخرفة الفكرية، لكنها تفتقر إلى ما هو أهم , السياسة الواقعية. فبدل أن تُخضع الاتفاقية لنقد سياسي موضوعي يربطها بمصالح الاردن الوطنية على ضوء التطورات الاخيرة في المنطقة، لجأت إلى استعارة مقولات فلسفية لتبريرها وكأنها قدر تاريخي لا قرار سياسي يمكن مراجعته.
أول ما يلفت الانتباه هو الالتباس المنهجي في التعامل مع كامب ديفيد, إذ بينما وقع إطار العمل عام 1978، فإن اتفاقية السلام الفعلية بين مصر وإسرائيل وُقعت عام 1979، وهذا الخلط يكشف عن هشاشة في الدقة البحثية، ويضع مصداقية الدراسة موضع تساؤل.
على المستوى الشعبي، سعت الدراسة إلى الإيحاء بأن تراجع مكانة معاهدة وادي عربة جاء نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، لكنها أغفلت الحقيقة الأساس , الاتفاقية لم تحظَ أصلًا بأي شرعية شعبية منذ توقيعها. باستثناء قلة محدودة استفادت من مشاريع التطبيع السياسية والاقتصادية والأكاديمية، وبقيت الأغلبية الساحقة في الأردن وفلسطين والوطن العربي رافضة لها بصورة قاطعة. وبالتالي، فإن الحديث عن 'تآكل شعبيتها' ليس توصيفًا دقيقًا، بل محاولة لتجميل واقع اتسم بالرفض الشعبي العارم منذ البداية.
سياسيًا، أخطأت الدراسة حين حصرت النقاش في ثنائية 'الاستمرار أو الانهيار'، متجاهلة أن الاتفاقية تحولت منذ سنوات إلى أداة بيد إسرائيل لتكريس وقائع على الأرض، بينما تجاوزت تل أبيب نصوصها الأساسية. هنا تبرز معضلة أكبر, الدراسة لم تقدم أي بدائل عملية للأردن، لا على مستوى إعادة بناء التحالفات العربية، ولا في تنويع الموارد الاستراتيجية، ولا في صياغة موقف وطني جامع يحدد الخطوط الحمراء في القدس وفلسطين.
فكريًا، جاءت الاستعارات من ابن خلدون وهيغل وتوينبي أقرب إلى الزينة البلاغية منها إلى أدوات تحليل. استُخدمت الفلسفة لإضفاء طابع قدري على اتفاقية وادي عربة، بدل أن تكون مدخلًا لنقدها أو لتقديم رؤية استراتيجية جديدة. هذا التوظيف السطحي جعل النص يكرر الخطاب الرسمي أكثر مما ينتج موقفًا حزبيًا نقديًا.
أما على المستوى الحزبي، فالمفارقة واضحة , الورقة صادرة عن مركز حزبي، لكنها لم تحمل أي ملامح لموقف حزبي مستقل. فهي لم تُقدّم مشروعًا سياسيًا مختلفًا أو بدائل استراتيجية جادة، ولم تحدد دور الأحزاب والمجتمع في صياغة موقف وطني تجاه الاتفاقية. بهذا، تحولت الورقة إلى مجرد صدى للخطاب الرسمي، فاقدةً القيمة التي يُفترض أن يتميز بها إنتاج حزبي نقدي.
الحقيقة أن وادي عربة ليست نصًا فلسفيًا يُتلاعب به بلغة ابن خلدون أو هيغل، بل اختبار سياسي واستراتيجي لقدرة الأردن على حماية مصالحه الوطنية. ومع استمرار إسرائيل في انتهاكاتها، وتراجع المظلة الدولية، وتزايد الرفض الشعبي، تصبح الاتفاقية مقياسًا حقيقيًا لمدى قدرة القيادة الأردنية على تحويل التحديات إلى فرص، بعيدًا عن البلاغة الزائفة والفلسفة الجافة.
أ.د. علي حياصات
أصدر مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية دراسة حول اتفاقية وادي عربة (1994)، محاولًا تفسيرها عبر فلسفة التاريخ مستشهداً بابن خلدون وهيغل وتوينبي... وغيرهم. الدراسة غنية بالبلاغة والزخرفة الفكرية، لكنها تفتقر إلى ما هو أهم , السياسة الواقعية. فبدل أن تُخضع الاتفاقية لنقد سياسي موضوعي يربطها بمصالح الاردن الوطنية على ضوء التطورات الاخيرة في المنطقة، لجأت إلى استعارة مقولات فلسفية لتبريرها وكأنها قدر تاريخي لا قرار سياسي يمكن مراجعته.
أول ما يلفت الانتباه هو الالتباس المنهجي في التعامل مع كامب ديفيد, إذ بينما وقع إطار العمل عام 1978، فإن اتفاقية السلام الفعلية بين مصر وإسرائيل وُقعت عام 1979، وهذا الخلط يكشف عن هشاشة في الدقة البحثية، ويضع مصداقية الدراسة موضع تساؤل.
على المستوى الشعبي، سعت الدراسة إلى الإيحاء بأن تراجع مكانة معاهدة وادي عربة جاء نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، لكنها أغفلت الحقيقة الأساس , الاتفاقية لم تحظَ أصلًا بأي شرعية شعبية منذ توقيعها. باستثناء قلة محدودة استفادت من مشاريع التطبيع السياسية والاقتصادية والأكاديمية، وبقيت الأغلبية الساحقة في الأردن وفلسطين والوطن العربي رافضة لها بصورة قاطعة. وبالتالي، فإن الحديث عن 'تآكل شعبيتها' ليس توصيفًا دقيقًا، بل محاولة لتجميل واقع اتسم بالرفض الشعبي العارم منذ البداية.
سياسيًا، أخطأت الدراسة حين حصرت النقاش في ثنائية 'الاستمرار أو الانهيار'، متجاهلة أن الاتفاقية تحولت منذ سنوات إلى أداة بيد إسرائيل لتكريس وقائع على الأرض، بينما تجاوزت تل أبيب نصوصها الأساسية. هنا تبرز معضلة أكبر, الدراسة لم تقدم أي بدائل عملية للأردن، لا على مستوى إعادة بناء التحالفات العربية، ولا في تنويع الموارد الاستراتيجية، ولا في صياغة موقف وطني جامع يحدد الخطوط الحمراء في القدس وفلسطين.
فكريًا، جاءت الاستعارات من ابن خلدون وهيغل وتوينبي أقرب إلى الزينة البلاغية منها إلى أدوات تحليل. استُخدمت الفلسفة لإضفاء طابع قدري على اتفاقية وادي عربة، بدل أن تكون مدخلًا لنقدها أو لتقديم رؤية استراتيجية جديدة. هذا التوظيف السطحي جعل النص يكرر الخطاب الرسمي أكثر مما ينتج موقفًا حزبيًا نقديًا.
أما على المستوى الحزبي، فالمفارقة واضحة , الورقة صادرة عن مركز حزبي، لكنها لم تحمل أي ملامح لموقف حزبي مستقل. فهي لم تُقدّم مشروعًا سياسيًا مختلفًا أو بدائل استراتيجية جادة، ولم تحدد دور الأحزاب والمجتمع في صياغة موقف وطني تجاه الاتفاقية. بهذا، تحولت الورقة إلى مجرد صدى للخطاب الرسمي، فاقدةً القيمة التي يُفترض أن يتميز بها إنتاج حزبي نقدي.
الحقيقة أن وادي عربة ليست نصًا فلسفيًا يُتلاعب به بلغة ابن خلدون أو هيغل، بل اختبار سياسي واستراتيجي لقدرة الأردن على حماية مصالحه الوطنية. ومع استمرار إسرائيل في انتهاكاتها، وتراجع المظلة الدولية، وتزايد الرفض الشعبي، تصبح الاتفاقية مقياسًا حقيقيًا لمدى قدرة القيادة الأردنية على تحويل التحديات إلى فرص، بعيدًا عن البلاغة الزائفة والفلسفة الجافة.
التعليقات