في وقتٍ ما، لم تكن الحياة مُزينة بما نراه اليوم من تعقيدات، ولم تكن الهدايا تُقاس بثمنها، بل بما تحمله من محبة وصدق نية. كانت الأمراض بسيطة، والهدايا أبسط، لكنها تُدخل الفرح على القلب وكأنها كنز ثمين. نتحدث عن زمن الطيبين... زمن البساطة، الفقر الشريف،المجبول بالقناعة، والمودة التي كانت تعم بين الناس دون تصنّع أو تكلّف. كانت زيارة المريض واجبًا مقدسًا، لا يُطلب ولا يُرتب له موعد. تكفي كلمة 'فلان الفلاني ' مريض، لتتجمّع القلوب والأقدام والأيدي، ويحمل الزائر رطل موز أو برتقال، أو صَفْط ناشد إخوان ملفوف بورق الجرائد، أو حتى توفّى بلازا أو ماكنتوش إن سمحت الظروف. وكان البعض يُكرم المريض بـ صَفْط حلقوم أو راحة أو بسكوت ماري من الججم الكبير، لا لأن القيمة كبيرة، بل لأن النيّة أصفى من ماء العين. وكان فنجان القهوة السادة حاضرًا دائمًا، يُقدّم للزائر بعد السلام، ومعه دعوات بالشفاء العاجل، وعبارات صادقة مثل:الف الحمدالله بالسلامة،ز 'عليك العافية'، و'طَهور إن شاء الله'. لم تكن هناك أدوية باهظة، ولا مضادات حيوية بأسماء لا تُنطق. كانت الأمراض تُعرف بأسمائها الشعبية: أبومزراق، أوالفالج،أو الدُمَيّة،أوالطاعون، أو الحصبة، الزايدة، فري دملة، أو كسر في يد أو رجل، أو فَشْخة بهوشه،أوقرصة حية اولدغة عقرب، وربما أحدهم وطى على مسمار نمرة ١٠ فأُغمي عليه وأُخذ للمستشفى، وهناك 'هرّوا العضل' بإبر مؤلمة لا تُنسى. أذكر جيدًا كيف كان الداعس على المسمار، بعد أن يُشبع ضربًا بـ فليجة الخشب، يُصبح نجم الحارة، الكل يسأل عنه، والكل يزوره. كانت الطيبة تمشي على قدمين، تتجلى في وجوة ضيوف دار ابوي الفلاحية 'العقد'بواد الاكراد وأذكر منهم العم فهد ابومحمد ، والعم أبو يوسف ،والعم ابونافع وهو يحمل كيس من بلوط الفَش في ليلة ماطرة. كنا نسهر معًا في ليالٍ سلطية دافئة، يجمعنا بيت واحد، وسقف واحد، وقلب واحد ،اتذكر دار العم أبو عادل، عبد الرحيم الطلاق، ودار العم عبد الله القرعومة أبو خالد،ودار العم سالم الحسن ابومحمد،ودارالعم عبد الله أبو محمد، والأستاذ أبو النمر... كلهم كانوا يملؤون الدار دفئًا وضحكًا، ويتسامرون حتى يغلبهم النعاس، ويغادرون: 'ويُطفأ السراج' أتذكّر صديقات الوالدة: أم شاهر ، وكيف كانت تهدب الشماغ بفن وإتقان، أم صالح، الخياطة منى، وأم عاطف ، كل واحدة منهن كانت تحمل مهنة، وحكاية، ويدًا لا تعرف إلا الإتقان والوفاء. وأم عماد، كنّ يسابقن الزمن في تطريز المدارق وكأنهنّ يرسمن لوحات فنية، بخيوط تحكي عن نساء صنعن مجد الصبر والإبداع من قلب الفقر. ولا يمكن أن ننسى الحجة ام محمد التي كانت تعشق متابعة المسلسلات على شاشة التلفاز الأبيض والأسود، تلك الشاشة الصغيرة التي كانت تسحر العائلة كل مساء رغم ألوانها الغائبة. وفي عمق الذكرى، يسطع نور البيوت الطيبة: دار عمي مبارك، وعمتي أمينة، ودار جدي أبو أحمد ... هناك الطيبة في الجدران، والحب في الرائحة، وذكريات الجدّة،'زعيله' ام احمد تلك السيدة التي كانت أقوى شخصية عرفتها وأجمل ابتسامة. لا تنسى شيئًا، ولا يضيع منها أحد. كانت سندًا، ومرجعية، وحضنًا دافئًا كلما بردت الأرواح. ولا ننسى دار عمي إبراهيم ، ومجالس الأخوال، والأحاديث الشيقة، حين كانت الكلمات أكثر صدقًا من الصور، وكانت النية الطيبة تغني عن أي وسيلة تواصل. في زمن الطيبين، لم نكن نملك الكثير، لكننا كنا نملك كل شيء: الحب، الترابط، الدفء، والكرامة. كانت الهدية 'صَفْط ناشد إخوان'، ولكن قيمتها بحجم قصر. وكانت كلمات 'سلامتك' 'تفاقيد الله رحمه'كأنها دواء يُشفي الروح قبل الجسد. في ليالٍ ماطرة أو صيفية، كان يكفينا أن نجتمع... أن نحكي، أن نضحك، أن نغني مع الراديو بصوت هادئ … ثم نغفو على قصص الجدّات وهمسات الماضي. ويبقى السؤال: هل كنا نعيش زمنًا أبسط؟ أم كنا نحن... أبسط، وأصدق، وأجمل؟ رحم الله من توفاهم الله،من الأهل والجيران وأطال الله في أعمار من هم معنا، وباركت بيوتنا بكبارنا من الآباء والأمهات. هم بركة الدار، وسند الأيام، ودعاؤهم حصن لا يُهزم.
عاطف أبو حجر
في وقتٍ ما، لم تكن الحياة مُزينة بما نراه اليوم من تعقيدات، ولم تكن الهدايا تُقاس بثمنها، بل بما تحمله من محبة وصدق نية. كانت الأمراض بسيطة، والهدايا أبسط، لكنها تُدخل الفرح على القلب وكأنها كنز ثمين. نتحدث عن زمن الطيبين... زمن البساطة، الفقر الشريف،المجبول بالقناعة، والمودة التي كانت تعم بين الناس دون تصنّع أو تكلّف. كانت زيارة المريض واجبًا مقدسًا، لا يُطلب ولا يُرتب له موعد. تكفي كلمة 'فلان الفلاني ' مريض، لتتجمّع القلوب والأقدام والأيدي، ويحمل الزائر رطل موز أو برتقال، أو صَفْط ناشد إخوان ملفوف بورق الجرائد، أو حتى توفّى بلازا أو ماكنتوش إن سمحت الظروف. وكان البعض يُكرم المريض بـ صَفْط حلقوم أو راحة أو بسكوت ماري من الججم الكبير، لا لأن القيمة كبيرة، بل لأن النيّة أصفى من ماء العين. وكان فنجان القهوة السادة حاضرًا دائمًا، يُقدّم للزائر بعد السلام، ومعه دعوات بالشفاء العاجل، وعبارات صادقة مثل:الف الحمدالله بالسلامة،ز 'عليك العافية'، و'طَهور إن شاء الله'. لم تكن هناك أدوية باهظة، ولا مضادات حيوية بأسماء لا تُنطق. كانت الأمراض تُعرف بأسمائها الشعبية: أبومزراق، أوالفالج،أو الدُمَيّة،أوالطاعون، أو الحصبة، الزايدة، فري دملة، أو كسر في يد أو رجل، أو فَشْخة بهوشه،أوقرصة حية اولدغة عقرب، وربما أحدهم وطى على مسمار نمرة ١٠ فأُغمي عليه وأُخذ للمستشفى، وهناك 'هرّوا العضل' بإبر مؤلمة لا تُنسى. أذكر جيدًا كيف كان الداعس على المسمار، بعد أن يُشبع ضربًا بـ فليجة الخشب، يُصبح نجم الحارة، الكل يسأل عنه، والكل يزوره. كانت الطيبة تمشي على قدمين، تتجلى في وجوة ضيوف دار ابوي الفلاحية 'العقد'بواد الاكراد وأذكر منهم العم فهد ابومحمد ، والعم أبو يوسف ،والعم ابونافع وهو يحمل كيس من بلوط الفَش في ليلة ماطرة. كنا نسهر معًا في ليالٍ سلطية دافئة، يجمعنا بيت واحد، وسقف واحد، وقلب واحد ،اتذكر دار العم أبو عادل، عبد الرحيم الطلاق، ودار العم عبد الله القرعومة أبو خالد،ودار العم سالم الحسن ابومحمد،ودارالعم عبد الله أبو محمد، والأستاذ أبو النمر... كلهم كانوا يملؤون الدار دفئًا وضحكًا، ويتسامرون حتى يغلبهم النعاس، ويغادرون: 'ويُطفأ السراج' أتذكّر صديقات الوالدة: أم شاهر ، وكيف كانت تهدب الشماغ بفن وإتقان، أم صالح، الخياطة منى، وأم عاطف ، كل واحدة منهن كانت تحمل مهنة، وحكاية، ويدًا لا تعرف إلا الإتقان والوفاء. وأم عماد، كنّ يسابقن الزمن في تطريز المدارق وكأنهنّ يرسمن لوحات فنية، بخيوط تحكي عن نساء صنعن مجد الصبر والإبداع من قلب الفقر. ولا يمكن أن ننسى الحجة ام محمد التي كانت تعشق متابعة المسلسلات على شاشة التلفاز الأبيض والأسود، تلك الشاشة الصغيرة التي كانت تسحر العائلة كل مساء رغم ألوانها الغائبة. وفي عمق الذكرى، يسطع نور البيوت الطيبة: دار عمي مبارك، وعمتي أمينة، ودار جدي أبو أحمد ... هناك الطيبة في الجدران، والحب في الرائحة، وذكريات الجدّة،'زعيله' ام احمد تلك السيدة التي كانت أقوى شخصية عرفتها وأجمل ابتسامة. لا تنسى شيئًا، ولا يضيع منها أحد. كانت سندًا، ومرجعية، وحضنًا دافئًا كلما بردت الأرواح. ولا ننسى دار عمي إبراهيم ، ومجالس الأخوال، والأحاديث الشيقة، حين كانت الكلمات أكثر صدقًا من الصور، وكانت النية الطيبة تغني عن أي وسيلة تواصل. في زمن الطيبين، لم نكن نملك الكثير، لكننا كنا نملك كل شيء: الحب، الترابط، الدفء، والكرامة. كانت الهدية 'صَفْط ناشد إخوان'، ولكن قيمتها بحجم قصر. وكانت كلمات 'سلامتك' 'تفاقيد الله رحمه'كأنها دواء يُشفي الروح قبل الجسد. في ليالٍ ماطرة أو صيفية، كان يكفينا أن نجتمع... أن نحكي، أن نضحك، أن نغني مع الراديو بصوت هادئ … ثم نغفو على قصص الجدّات وهمسات الماضي. ويبقى السؤال: هل كنا نعيش زمنًا أبسط؟ أم كنا نحن... أبسط، وأصدق، وأجمل؟ رحم الله من توفاهم الله،من الأهل والجيران وأطال الله في أعمار من هم معنا، وباركت بيوتنا بكبارنا من الآباء والأمهات. هم بركة الدار، وسند الأيام، ودعاؤهم حصن لا يُهزم.
عاطف أبو حجر
في وقتٍ ما، لم تكن الحياة مُزينة بما نراه اليوم من تعقيدات، ولم تكن الهدايا تُقاس بثمنها، بل بما تحمله من محبة وصدق نية. كانت الأمراض بسيطة، والهدايا أبسط، لكنها تُدخل الفرح على القلب وكأنها كنز ثمين. نتحدث عن زمن الطيبين... زمن البساطة، الفقر الشريف،المجبول بالقناعة، والمودة التي كانت تعم بين الناس دون تصنّع أو تكلّف. كانت زيارة المريض واجبًا مقدسًا، لا يُطلب ولا يُرتب له موعد. تكفي كلمة 'فلان الفلاني ' مريض، لتتجمّع القلوب والأقدام والأيدي، ويحمل الزائر رطل موز أو برتقال، أو صَفْط ناشد إخوان ملفوف بورق الجرائد، أو حتى توفّى بلازا أو ماكنتوش إن سمحت الظروف. وكان البعض يُكرم المريض بـ صَفْط حلقوم أو راحة أو بسكوت ماري من الججم الكبير، لا لأن القيمة كبيرة، بل لأن النيّة أصفى من ماء العين. وكان فنجان القهوة السادة حاضرًا دائمًا، يُقدّم للزائر بعد السلام، ومعه دعوات بالشفاء العاجل، وعبارات صادقة مثل:الف الحمدالله بالسلامة،ز 'عليك العافية'، و'طَهور إن شاء الله'. لم تكن هناك أدوية باهظة، ولا مضادات حيوية بأسماء لا تُنطق. كانت الأمراض تُعرف بأسمائها الشعبية: أبومزراق، أوالفالج،أو الدُمَيّة،أوالطاعون، أو الحصبة، الزايدة، فري دملة، أو كسر في يد أو رجل، أو فَشْخة بهوشه،أوقرصة حية اولدغة عقرب، وربما أحدهم وطى على مسمار نمرة ١٠ فأُغمي عليه وأُخذ للمستشفى، وهناك 'هرّوا العضل' بإبر مؤلمة لا تُنسى. أذكر جيدًا كيف كان الداعس على المسمار، بعد أن يُشبع ضربًا بـ فليجة الخشب، يُصبح نجم الحارة، الكل يسأل عنه، والكل يزوره. كانت الطيبة تمشي على قدمين، تتجلى في وجوة ضيوف دار ابوي الفلاحية 'العقد'بواد الاكراد وأذكر منهم العم فهد ابومحمد ، والعم أبو يوسف ،والعم ابونافع وهو يحمل كيس من بلوط الفَش في ليلة ماطرة. كنا نسهر معًا في ليالٍ سلطية دافئة، يجمعنا بيت واحد، وسقف واحد، وقلب واحد ،اتذكر دار العم أبو عادل، عبد الرحيم الطلاق، ودار العم عبد الله القرعومة أبو خالد،ودار العم سالم الحسن ابومحمد،ودارالعم عبد الله أبو محمد، والأستاذ أبو النمر... كلهم كانوا يملؤون الدار دفئًا وضحكًا، ويتسامرون حتى يغلبهم النعاس، ويغادرون: 'ويُطفأ السراج' أتذكّر صديقات الوالدة: أم شاهر ، وكيف كانت تهدب الشماغ بفن وإتقان، أم صالح، الخياطة منى، وأم عاطف ، كل واحدة منهن كانت تحمل مهنة، وحكاية، ويدًا لا تعرف إلا الإتقان والوفاء. وأم عماد، كنّ يسابقن الزمن في تطريز المدارق وكأنهنّ يرسمن لوحات فنية، بخيوط تحكي عن نساء صنعن مجد الصبر والإبداع من قلب الفقر. ولا يمكن أن ننسى الحجة ام محمد التي كانت تعشق متابعة المسلسلات على شاشة التلفاز الأبيض والأسود، تلك الشاشة الصغيرة التي كانت تسحر العائلة كل مساء رغم ألوانها الغائبة. وفي عمق الذكرى، يسطع نور البيوت الطيبة: دار عمي مبارك، وعمتي أمينة، ودار جدي أبو أحمد ... هناك الطيبة في الجدران، والحب في الرائحة، وذكريات الجدّة،'زعيله' ام احمد تلك السيدة التي كانت أقوى شخصية عرفتها وأجمل ابتسامة. لا تنسى شيئًا، ولا يضيع منها أحد. كانت سندًا، ومرجعية، وحضنًا دافئًا كلما بردت الأرواح. ولا ننسى دار عمي إبراهيم ، ومجالس الأخوال، والأحاديث الشيقة، حين كانت الكلمات أكثر صدقًا من الصور، وكانت النية الطيبة تغني عن أي وسيلة تواصل. في زمن الطيبين، لم نكن نملك الكثير، لكننا كنا نملك كل شيء: الحب، الترابط، الدفء، والكرامة. كانت الهدية 'صَفْط ناشد إخوان'، ولكن قيمتها بحجم قصر. وكانت كلمات 'سلامتك' 'تفاقيد الله رحمه'كأنها دواء يُشفي الروح قبل الجسد. في ليالٍ ماطرة أو صيفية، كان يكفينا أن نجتمع... أن نحكي، أن نضحك، أن نغني مع الراديو بصوت هادئ … ثم نغفو على قصص الجدّات وهمسات الماضي. ويبقى السؤال: هل كنا نعيش زمنًا أبسط؟ أم كنا نحن... أبسط، وأصدق، وأجمل؟ رحم الله من توفاهم الله،من الأهل والجيران وأطال الله في أعمار من هم معنا، وباركت بيوتنا بكبارنا من الآباء والأمهات. هم بركة الدار، وسند الأيام، ودعاؤهم حصن لا يُهزم.
التعليقات