في مشهد أقرب لأفلام الانتقام المحلية لم يعد يركن فيه إلى فرضيات اعتيادية داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI فجر يوم الجمعة الماضية بترخيص قضائي منزل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في منطقة ماريلاند ومكتبه في العاصمة واشنطن يزعم امتلاكه لمستندات سرية تتعلق بالأمن القومي وخرجوا محملين بعدة صناديق مغلقة
من البديهيات ان الرئيس ترامب لا ينتقم بلسانه فقط والبيت الأبيض لا ينسى من ينتقد سيده ومع تطبيق هذه الخطوة الخطيرة تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت العملية تشكل انتقام سياسي ممنهج يستغل فيه ترامب آليات السلطة والعدالة للانتقام وتصفية حسابات سياسية باعتبار الخصم السياسي بات مرشح لأن يصبح متهمًا حتى وإن كان من داخل اركان الإدارة الامريكية نفسها
التفتيش الامني لم يقتصر على البحث عن وثائق سرية لدى بولتون فحسب بل حمل انطباعًا قويًا بأن الانتقام الشخصي تحول إلى آلية رسمية تستخدم لاستهداف خصوم ترامب السياسيين في عدة حوادث لم تكن عادية خصوصا وانها خامس حالة يستهدفها التحقيق الفيدرالي من ضمن قائمة الـ 60 شخصً التي وردت في ملحق كتاب كاش باتيل المدير الحالي لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI بعنوانGovernment Gangster ( بلطجية الحكومة ) الذي يصفً فيه اشخاص داخل مؤسسات الدولة الامريكية يستخدمون سلطتهم لأهداف غير قانونية
ما حصل مع بولتون هو جزء من موجة أوسع من جملة تحقيقات طالت عدة شخصيات مثل جيمس كومي وجون برينان وألكسندر فيندمان وجميعهم وردت أسماؤهم في ملحق كتاب باتيل ورغم أن القضية المتعلقة ببولتون أغلقت عام 2021 في عهد إدارة بايدن الا ان اعادة فتحها بعد أربع سنوات لا يأتي بدوافع قانونية بحتة بل سياسية وشخصية وان إحيائها في هذه المرحلة يعكس وجود قرار سياسي واضح بالاستهداف وما يلفت الانتباه هو تزامن هذه الإجراءات مع شخصية المدعو باتيل مما يدعم الشكوك بأنه شكل القائمة المستهدَفة بمساعدة الجهاز القضائي الذي يُستغل لسحق الجهات المعارضة
خلال ولاية ترامب الأولى كانت محاولات تسليح الدولة مرتفعة لكنها غير منظمة إلى حد كبير أما الآن فالأمر أصبح أكثر منهجية وها هو باتيل يقدم القائمة المستهدَفة ووزارة العدل تنفذ الملاحقات حيث اصبح الواقع أشبه بمرحلة انتقام قضائي ذو منهجية مدروسة بالانتقال من الفوضى غير المنظمة إلى الانتقام المنظم المدعوم بخطاب سياسي عدائي وبتنفيذ رسمي من قبل وزارة العدل واجهزة انفاذ القانون وفي مقدمتها مكتب التحقيقات الفدرالية الـ FBI
المداهمات الامنية الموجهة تجاوزت حدود القانون إلى ما يشبه تصفية حسابات شخصية وفتح الباب أمام سيناريو أكثر خطورة بأن يصبح الانتماء أو النقد السياسي جريمة تلاحق قضائيًا بعدما عزز الرئيس ترامب نفسه هذا السياق بتصريحاته حيال بولتون حيث وصفه بأنه ' شخص واطٍ ' وقد يكون ' غير وطني ' وأعقبها بعبارة استفزازية ' سوف نرى ما ستكشفه التحقيقات حيث تبدو لغة الرد الشخصي والفصل السياسي واضحة ومنتقاة في هذا الخطاب السياسي المشحون الذي يشوه كليا الخط الفاصل بين العدالة والسياسة
الاستهداف الانتقامي الترامبي يشكل رسالة واضحة أكثر من مجرد تحقيق خاصة وان الاجراءات الامنية والقضائية لم تتوقف عند بولتون والنقاد التقليديين بل شملت المدعي العام ناديتا جيمس والسناتور آدم شيف ومايلز تايلور الذي سحب تصريحه الأمني بسبب كتاباته المعارضة لترامب وكذلك جرى مسائلة شقيق العقيد فيندمان وعائلته حول سجلات مالية مرتبطة بأوكرانيا اضافة الى شخصيات أخرى صنفت بانها معادية لترامب ضمن الإدارة السابقة ممن كانوا في السلطة وهذه رسائل تحذيرية خطيرة من ترامب بان الانتماء داخل الإدارة مهما تصاعد لا يمنح صاحبه حصانة بل يمكن ان يتحول في أي لحظة إلى هدف للملاحقة بعدما باتت اجهزة الدولة الفيدرالية تستخدم لمعاقبة المنتقدين والمعارضين حتى لو كانوا من داخل الإدارة السابقة وهذه الحملة المؤسسية تُظهر أن النظام القضائي بات اداة سياسية طيعة في يد الرئيس وليس وسيلة ردع قانونية يركن اليها لحماية المواطنين
لقد حاول ترامب عبر خطاباته وتغريداته وتصريحاته المكررة والمثيرة للجدل ان يضفي الشرعية على اجراءاته وان يعزز الانطباع بأنها تشكل جزءًا من حربه المستمرة ضد ما يسميه بالدولة العميقة من خلال رهانه على ممارسة القمع والتخويف
العديد من المحللون والسياسيون والكتاب التقوا في موقف واحد بان بان المداهمة لبيت ومكتب بولتون تمثل اختراقً فاضح لأسس الأنظمة الديمقراطية التي تأسست بعد فضيحة ووترغيت وان ترامب يقوم بتسييس العدالة واستغلال نفوذ اجهزة الامن والقضاء بصورة انتقائية واستخدمها كأداة ضغط على خصومة ومنتقديه السياسيين كما اجمعوا على ان هذه المرحلة من رئاسة ترامب الثانية تعد ' فرصة جيدة للانتقام' حيث أصبحت تحولات التحقيقات أدوات للانتقام بدلًا من كونها سبيل للعدالة
بالإضافة الى سياسة المداهمات والتحقيقات والاتهامات تم تأسيس مجموعة العمل لمواجهة تسليح العدالة بقيادة إد مارتن بقرار من المدعية العامة بوندي لفضح من لا يمكن محاكمتهم فعليًا كوسيلة تخفيفية وهو ما يعكس توجهًا سلوكيًا غير قانونيً عبر فرض أدوات مؤسسية للملاحقة والانتقام والسؤال المطروح هل المجتمع الامريكي أمام انقلاب قانوني مكشوف حيث الاستهداف المباشر من داخل وخارج الإدارة
الرسالة الاشمل التي ارادها ترامب باتت واضحة بان الخصومة السياسية قد تتحول بسلاسة إلى ملف تحقيق جنائي واستخدام أجهزة الدولة بات يشبه غريزة الانتقام نفسها أكثر من ممارستها العدالة وبما يهدد طبيعة الديمقراطية ومعايير استقلالية القضاء لتشكل المرحلة الجديدة نقطة تحول فارقة في طبيعة التعامل مع الخصوم السياسيين سيما وان العدالة لم تعد محايدة بل انتقائية وانتقامية
معلوم بان الأنظمة الديمقراطية العالمية تقوم على مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء لكن ما يجري في ادارة ترامب اليوم عكس ذلك تمامًا فالخصم السياسي قد يتحول إلى هدف لتحقيقات واتهامات بدون ادلة راسخة او براهين ثابتة وبقوة سيف الانتقام السياسي وهذا التحول مفزع ومربك للسياسة الأمريكية خاصة حين تستثمر أجهزة الدولة بسطوتها ضد صوت الانتقاد والمعارضة حيث تتحول المعايير الديمقراطية من حماية المواطن إلى تهديده بنفوذ وسلطة الدولة وإعادة إحياء مسار الانتقام السياسي وبما يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة تفترض في نظام ديمقراطي أن يصبح الخصم السياسي بمجرد كونه منتقدًا متهمًا جنائيًا
الخاتمة : الوضع القائم في ادارة ترامب لا يتمثل فقط في ممارسة تصعيد قضائي هادف بل ايضا في رسم مرحلة جديدة قد تصنع سابقة خطيرة تصبح فيها المواجهة السياسية هي الطريق إلى التحقيق تكون فيها أجهزة الدولة الفيدرالية أدوات انتقامية لا أجهزة تحقيق حيادية وأن ما كان يبدو تصعيدًا عابرً بالامس تحول اليوم إلى نمط مستقر في طريقة إدارة السلطة والتنظيم السياسي حيث اصبح نمطًا مقلقًا في النظام الأمريكي الحديث لذلك وفي خضم هذا التوتر لم يعد جهاز العدالة يُستخدم لضبط الجرائم بل لتصفية الحسابات السياسية وإن بقيت العدالة في قبضة النفوذ السياسي المتقلب المزاج فسينهار خط الدفاع الاول عن الديمقراطية القائم على قواعد فصل السلطات والعدالة المستقلة رغم ضرورته واهميته القصوى
تنويه ضروري: هذا المقال لا يندرج في سياق الدفاع عن جون بولتون الذي أعتبره شخصيًا شريكًا أصيلاً في صناعة السياسات العدوانية التي ألحقت أذًى بالغًا بالشعب الفلسطيني، وبشعوب عربية وإسلامية في مراحل مفصلية من تاريخ المنطقة فقد كان بولتون أحد مهندسي غزو العراق عام 2003 حين شغل مناصب رفيعة في إدارة بوش الابن ودعا لاحقًا إلى تغيير أنظمة الحكم في سوريا وإيران وليبيا مروجًا لعقيدة التدخل العسكري الوقائي
أما في ما يخص القضية الفلسطينية فقد عرف بولتون بمواقفه المتطرفة في دعم الاحتلال الإسرائيلي حيث أيّد علنًا ضم الضفة الغربية ورفض حل الدولتين كما عارض أي دور للأمم المتحدة في مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها واعتبر أن الدولة الفلسطينية ليست أكثر من وهم خطير وكان من أشد المدافعين عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتباره انتصارًا للسيادة الإسرائيلية لا شك بإن سجل بولتون الحافل بالدعوة إلى الحروب والتدخلات والاصطفاف الأيديولوجي الأعمى مع قوى الاحتلال لا يمكن تبريره أو تجاهله ومع ذلك فإن استخدام أدوات الدولة وأجهزتها الأمنية لتصفية الحسابات السياسية حتى مع شخص بمثل هذا السجل يعد انحرافًا خطيرًا عن مبادئ العدالة وسيادة القانون التي إن لم تكن مستقلة وعادلة في وجه الجميع تتحول إلى أداة قمع لا تختلف كثيرًا عن الجرائم التي يُفترض بها أن تكافحها
في مشهد أقرب لأفلام الانتقام المحلية لم يعد يركن فيه إلى فرضيات اعتيادية داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI فجر يوم الجمعة الماضية بترخيص قضائي منزل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في منطقة ماريلاند ومكتبه في العاصمة واشنطن يزعم امتلاكه لمستندات سرية تتعلق بالأمن القومي وخرجوا محملين بعدة صناديق مغلقة
من البديهيات ان الرئيس ترامب لا ينتقم بلسانه فقط والبيت الأبيض لا ينسى من ينتقد سيده ومع تطبيق هذه الخطوة الخطيرة تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت العملية تشكل انتقام سياسي ممنهج يستغل فيه ترامب آليات السلطة والعدالة للانتقام وتصفية حسابات سياسية باعتبار الخصم السياسي بات مرشح لأن يصبح متهمًا حتى وإن كان من داخل اركان الإدارة الامريكية نفسها
التفتيش الامني لم يقتصر على البحث عن وثائق سرية لدى بولتون فحسب بل حمل انطباعًا قويًا بأن الانتقام الشخصي تحول إلى آلية رسمية تستخدم لاستهداف خصوم ترامب السياسيين في عدة حوادث لم تكن عادية خصوصا وانها خامس حالة يستهدفها التحقيق الفيدرالي من ضمن قائمة الـ 60 شخصً التي وردت في ملحق كتاب كاش باتيل المدير الحالي لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI بعنوانGovernment Gangster ( بلطجية الحكومة ) الذي يصفً فيه اشخاص داخل مؤسسات الدولة الامريكية يستخدمون سلطتهم لأهداف غير قانونية
ما حصل مع بولتون هو جزء من موجة أوسع من جملة تحقيقات طالت عدة شخصيات مثل جيمس كومي وجون برينان وألكسندر فيندمان وجميعهم وردت أسماؤهم في ملحق كتاب باتيل ورغم أن القضية المتعلقة ببولتون أغلقت عام 2021 في عهد إدارة بايدن الا ان اعادة فتحها بعد أربع سنوات لا يأتي بدوافع قانونية بحتة بل سياسية وشخصية وان إحيائها في هذه المرحلة يعكس وجود قرار سياسي واضح بالاستهداف وما يلفت الانتباه هو تزامن هذه الإجراءات مع شخصية المدعو باتيل مما يدعم الشكوك بأنه شكل القائمة المستهدَفة بمساعدة الجهاز القضائي الذي يُستغل لسحق الجهات المعارضة
خلال ولاية ترامب الأولى كانت محاولات تسليح الدولة مرتفعة لكنها غير منظمة إلى حد كبير أما الآن فالأمر أصبح أكثر منهجية وها هو باتيل يقدم القائمة المستهدَفة ووزارة العدل تنفذ الملاحقات حيث اصبح الواقع أشبه بمرحلة انتقام قضائي ذو منهجية مدروسة بالانتقال من الفوضى غير المنظمة إلى الانتقام المنظم المدعوم بخطاب سياسي عدائي وبتنفيذ رسمي من قبل وزارة العدل واجهزة انفاذ القانون وفي مقدمتها مكتب التحقيقات الفدرالية الـ FBI
المداهمات الامنية الموجهة تجاوزت حدود القانون إلى ما يشبه تصفية حسابات شخصية وفتح الباب أمام سيناريو أكثر خطورة بأن يصبح الانتماء أو النقد السياسي جريمة تلاحق قضائيًا بعدما عزز الرئيس ترامب نفسه هذا السياق بتصريحاته حيال بولتون حيث وصفه بأنه ' شخص واطٍ ' وقد يكون ' غير وطني ' وأعقبها بعبارة استفزازية ' سوف نرى ما ستكشفه التحقيقات حيث تبدو لغة الرد الشخصي والفصل السياسي واضحة ومنتقاة في هذا الخطاب السياسي المشحون الذي يشوه كليا الخط الفاصل بين العدالة والسياسة
الاستهداف الانتقامي الترامبي يشكل رسالة واضحة أكثر من مجرد تحقيق خاصة وان الاجراءات الامنية والقضائية لم تتوقف عند بولتون والنقاد التقليديين بل شملت المدعي العام ناديتا جيمس والسناتور آدم شيف ومايلز تايلور الذي سحب تصريحه الأمني بسبب كتاباته المعارضة لترامب وكذلك جرى مسائلة شقيق العقيد فيندمان وعائلته حول سجلات مالية مرتبطة بأوكرانيا اضافة الى شخصيات أخرى صنفت بانها معادية لترامب ضمن الإدارة السابقة ممن كانوا في السلطة وهذه رسائل تحذيرية خطيرة من ترامب بان الانتماء داخل الإدارة مهما تصاعد لا يمنح صاحبه حصانة بل يمكن ان يتحول في أي لحظة إلى هدف للملاحقة بعدما باتت اجهزة الدولة الفيدرالية تستخدم لمعاقبة المنتقدين والمعارضين حتى لو كانوا من داخل الإدارة السابقة وهذه الحملة المؤسسية تُظهر أن النظام القضائي بات اداة سياسية طيعة في يد الرئيس وليس وسيلة ردع قانونية يركن اليها لحماية المواطنين
لقد حاول ترامب عبر خطاباته وتغريداته وتصريحاته المكررة والمثيرة للجدل ان يضفي الشرعية على اجراءاته وان يعزز الانطباع بأنها تشكل جزءًا من حربه المستمرة ضد ما يسميه بالدولة العميقة من خلال رهانه على ممارسة القمع والتخويف
العديد من المحللون والسياسيون والكتاب التقوا في موقف واحد بان بان المداهمة لبيت ومكتب بولتون تمثل اختراقً فاضح لأسس الأنظمة الديمقراطية التي تأسست بعد فضيحة ووترغيت وان ترامب يقوم بتسييس العدالة واستغلال نفوذ اجهزة الامن والقضاء بصورة انتقائية واستخدمها كأداة ضغط على خصومة ومنتقديه السياسيين كما اجمعوا على ان هذه المرحلة من رئاسة ترامب الثانية تعد ' فرصة جيدة للانتقام' حيث أصبحت تحولات التحقيقات أدوات للانتقام بدلًا من كونها سبيل للعدالة
بالإضافة الى سياسة المداهمات والتحقيقات والاتهامات تم تأسيس مجموعة العمل لمواجهة تسليح العدالة بقيادة إد مارتن بقرار من المدعية العامة بوندي لفضح من لا يمكن محاكمتهم فعليًا كوسيلة تخفيفية وهو ما يعكس توجهًا سلوكيًا غير قانونيً عبر فرض أدوات مؤسسية للملاحقة والانتقام والسؤال المطروح هل المجتمع الامريكي أمام انقلاب قانوني مكشوف حيث الاستهداف المباشر من داخل وخارج الإدارة
الرسالة الاشمل التي ارادها ترامب باتت واضحة بان الخصومة السياسية قد تتحول بسلاسة إلى ملف تحقيق جنائي واستخدام أجهزة الدولة بات يشبه غريزة الانتقام نفسها أكثر من ممارستها العدالة وبما يهدد طبيعة الديمقراطية ومعايير استقلالية القضاء لتشكل المرحلة الجديدة نقطة تحول فارقة في طبيعة التعامل مع الخصوم السياسيين سيما وان العدالة لم تعد محايدة بل انتقائية وانتقامية
معلوم بان الأنظمة الديمقراطية العالمية تقوم على مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء لكن ما يجري في ادارة ترامب اليوم عكس ذلك تمامًا فالخصم السياسي قد يتحول إلى هدف لتحقيقات واتهامات بدون ادلة راسخة او براهين ثابتة وبقوة سيف الانتقام السياسي وهذا التحول مفزع ومربك للسياسة الأمريكية خاصة حين تستثمر أجهزة الدولة بسطوتها ضد صوت الانتقاد والمعارضة حيث تتحول المعايير الديمقراطية من حماية المواطن إلى تهديده بنفوذ وسلطة الدولة وإعادة إحياء مسار الانتقام السياسي وبما يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة تفترض في نظام ديمقراطي أن يصبح الخصم السياسي بمجرد كونه منتقدًا متهمًا جنائيًا
الخاتمة : الوضع القائم في ادارة ترامب لا يتمثل فقط في ممارسة تصعيد قضائي هادف بل ايضا في رسم مرحلة جديدة قد تصنع سابقة خطيرة تصبح فيها المواجهة السياسية هي الطريق إلى التحقيق تكون فيها أجهزة الدولة الفيدرالية أدوات انتقامية لا أجهزة تحقيق حيادية وأن ما كان يبدو تصعيدًا عابرً بالامس تحول اليوم إلى نمط مستقر في طريقة إدارة السلطة والتنظيم السياسي حيث اصبح نمطًا مقلقًا في النظام الأمريكي الحديث لذلك وفي خضم هذا التوتر لم يعد جهاز العدالة يُستخدم لضبط الجرائم بل لتصفية الحسابات السياسية وإن بقيت العدالة في قبضة النفوذ السياسي المتقلب المزاج فسينهار خط الدفاع الاول عن الديمقراطية القائم على قواعد فصل السلطات والعدالة المستقلة رغم ضرورته واهميته القصوى
تنويه ضروري: هذا المقال لا يندرج في سياق الدفاع عن جون بولتون الذي أعتبره شخصيًا شريكًا أصيلاً في صناعة السياسات العدوانية التي ألحقت أذًى بالغًا بالشعب الفلسطيني، وبشعوب عربية وإسلامية في مراحل مفصلية من تاريخ المنطقة فقد كان بولتون أحد مهندسي غزو العراق عام 2003 حين شغل مناصب رفيعة في إدارة بوش الابن ودعا لاحقًا إلى تغيير أنظمة الحكم في سوريا وإيران وليبيا مروجًا لعقيدة التدخل العسكري الوقائي
أما في ما يخص القضية الفلسطينية فقد عرف بولتون بمواقفه المتطرفة في دعم الاحتلال الإسرائيلي حيث أيّد علنًا ضم الضفة الغربية ورفض حل الدولتين كما عارض أي دور للأمم المتحدة في مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها واعتبر أن الدولة الفلسطينية ليست أكثر من وهم خطير وكان من أشد المدافعين عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتباره انتصارًا للسيادة الإسرائيلية لا شك بإن سجل بولتون الحافل بالدعوة إلى الحروب والتدخلات والاصطفاف الأيديولوجي الأعمى مع قوى الاحتلال لا يمكن تبريره أو تجاهله ومع ذلك فإن استخدام أدوات الدولة وأجهزتها الأمنية لتصفية الحسابات السياسية حتى مع شخص بمثل هذا السجل يعد انحرافًا خطيرًا عن مبادئ العدالة وسيادة القانون التي إن لم تكن مستقلة وعادلة في وجه الجميع تتحول إلى أداة قمع لا تختلف كثيرًا عن الجرائم التي يُفترض بها أن تكافحها
في مشهد أقرب لأفلام الانتقام المحلية لم يعد يركن فيه إلى فرضيات اعتيادية داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI فجر يوم الجمعة الماضية بترخيص قضائي منزل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في منطقة ماريلاند ومكتبه في العاصمة واشنطن يزعم امتلاكه لمستندات سرية تتعلق بالأمن القومي وخرجوا محملين بعدة صناديق مغلقة
من البديهيات ان الرئيس ترامب لا ينتقم بلسانه فقط والبيت الأبيض لا ينسى من ينتقد سيده ومع تطبيق هذه الخطوة الخطيرة تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت العملية تشكل انتقام سياسي ممنهج يستغل فيه ترامب آليات السلطة والعدالة للانتقام وتصفية حسابات سياسية باعتبار الخصم السياسي بات مرشح لأن يصبح متهمًا حتى وإن كان من داخل اركان الإدارة الامريكية نفسها
التفتيش الامني لم يقتصر على البحث عن وثائق سرية لدى بولتون فحسب بل حمل انطباعًا قويًا بأن الانتقام الشخصي تحول إلى آلية رسمية تستخدم لاستهداف خصوم ترامب السياسيين في عدة حوادث لم تكن عادية خصوصا وانها خامس حالة يستهدفها التحقيق الفيدرالي من ضمن قائمة الـ 60 شخصً التي وردت في ملحق كتاب كاش باتيل المدير الحالي لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI بعنوانGovernment Gangster ( بلطجية الحكومة ) الذي يصفً فيه اشخاص داخل مؤسسات الدولة الامريكية يستخدمون سلطتهم لأهداف غير قانونية
ما حصل مع بولتون هو جزء من موجة أوسع من جملة تحقيقات طالت عدة شخصيات مثل جيمس كومي وجون برينان وألكسندر فيندمان وجميعهم وردت أسماؤهم في ملحق كتاب باتيل ورغم أن القضية المتعلقة ببولتون أغلقت عام 2021 في عهد إدارة بايدن الا ان اعادة فتحها بعد أربع سنوات لا يأتي بدوافع قانونية بحتة بل سياسية وشخصية وان إحيائها في هذه المرحلة يعكس وجود قرار سياسي واضح بالاستهداف وما يلفت الانتباه هو تزامن هذه الإجراءات مع شخصية المدعو باتيل مما يدعم الشكوك بأنه شكل القائمة المستهدَفة بمساعدة الجهاز القضائي الذي يُستغل لسحق الجهات المعارضة
خلال ولاية ترامب الأولى كانت محاولات تسليح الدولة مرتفعة لكنها غير منظمة إلى حد كبير أما الآن فالأمر أصبح أكثر منهجية وها هو باتيل يقدم القائمة المستهدَفة ووزارة العدل تنفذ الملاحقات حيث اصبح الواقع أشبه بمرحلة انتقام قضائي ذو منهجية مدروسة بالانتقال من الفوضى غير المنظمة إلى الانتقام المنظم المدعوم بخطاب سياسي عدائي وبتنفيذ رسمي من قبل وزارة العدل واجهزة انفاذ القانون وفي مقدمتها مكتب التحقيقات الفدرالية الـ FBI
المداهمات الامنية الموجهة تجاوزت حدود القانون إلى ما يشبه تصفية حسابات شخصية وفتح الباب أمام سيناريو أكثر خطورة بأن يصبح الانتماء أو النقد السياسي جريمة تلاحق قضائيًا بعدما عزز الرئيس ترامب نفسه هذا السياق بتصريحاته حيال بولتون حيث وصفه بأنه ' شخص واطٍ ' وقد يكون ' غير وطني ' وأعقبها بعبارة استفزازية ' سوف نرى ما ستكشفه التحقيقات حيث تبدو لغة الرد الشخصي والفصل السياسي واضحة ومنتقاة في هذا الخطاب السياسي المشحون الذي يشوه كليا الخط الفاصل بين العدالة والسياسة
الاستهداف الانتقامي الترامبي يشكل رسالة واضحة أكثر من مجرد تحقيق خاصة وان الاجراءات الامنية والقضائية لم تتوقف عند بولتون والنقاد التقليديين بل شملت المدعي العام ناديتا جيمس والسناتور آدم شيف ومايلز تايلور الذي سحب تصريحه الأمني بسبب كتاباته المعارضة لترامب وكذلك جرى مسائلة شقيق العقيد فيندمان وعائلته حول سجلات مالية مرتبطة بأوكرانيا اضافة الى شخصيات أخرى صنفت بانها معادية لترامب ضمن الإدارة السابقة ممن كانوا في السلطة وهذه رسائل تحذيرية خطيرة من ترامب بان الانتماء داخل الإدارة مهما تصاعد لا يمنح صاحبه حصانة بل يمكن ان يتحول في أي لحظة إلى هدف للملاحقة بعدما باتت اجهزة الدولة الفيدرالية تستخدم لمعاقبة المنتقدين والمعارضين حتى لو كانوا من داخل الإدارة السابقة وهذه الحملة المؤسسية تُظهر أن النظام القضائي بات اداة سياسية طيعة في يد الرئيس وليس وسيلة ردع قانونية يركن اليها لحماية المواطنين
لقد حاول ترامب عبر خطاباته وتغريداته وتصريحاته المكررة والمثيرة للجدل ان يضفي الشرعية على اجراءاته وان يعزز الانطباع بأنها تشكل جزءًا من حربه المستمرة ضد ما يسميه بالدولة العميقة من خلال رهانه على ممارسة القمع والتخويف
العديد من المحللون والسياسيون والكتاب التقوا في موقف واحد بان بان المداهمة لبيت ومكتب بولتون تمثل اختراقً فاضح لأسس الأنظمة الديمقراطية التي تأسست بعد فضيحة ووترغيت وان ترامب يقوم بتسييس العدالة واستغلال نفوذ اجهزة الامن والقضاء بصورة انتقائية واستخدمها كأداة ضغط على خصومة ومنتقديه السياسيين كما اجمعوا على ان هذه المرحلة من رئاسة ترامب الثانية تعد ' فرصة جيدة للانتقام' حيث أصبحت تحولات التحقيقات أدوات للانتقام بدلًا من كونها سبيل للعدالة
بالإضافة الى سياسة المداهمات والتحقيقات والاتهامات تم تأسيس مجموعة العمل لمواجهة تسليح العدالة بقيادة إد مارتن بقرار من المدعية العامة بوندي لفضح من لا يمكن محاكمتهم فعليًا كوسيلة تخفيفية وهو ما يعكس توجهًا سلوكيًا غير قانونيً عبر فرض أدوات مؤسسية للملاحقة والانتقام والسؤال المطروح هل المجتمع الامريكي أمام انقلاب قانوني مكشوف حيث الاستهداف المباشر من داخل وخارج الإدارة
الرسالة الاشمل التي ارادها ترامب باتت واضحة بان الخصومة السياسية قد تتحول بسلاسة إلى ملف تحقيق جنائي واستخدام أجهزة الدولة بات يشبه غريزة الانتقام نفسها أكثر من ممارستها العدالة وبما يهدد طبيعة الديمقراطية ومعايير استقلالية القضاء لتشكل المرحلة الجديدة نقطة تحول فارقة في طبيعة التعامل مع الخصوم السياسيين سيما وان العدالة لم تعد محايدة بل انتقائية وانتقامية
معلوم بان الأنظمة الديمقراطية العالمية تقوم على مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء لكن ما يجري في ادارة ترامب اليوم عكس ذلك تمامًا فالخصم السياسي قد يتحول إلى هدف لتحقيقات واتهامات بدون ادلة راسخة او براهين ثابتة وبقوة سيف الانتقام السياسي وهذا التحول مفزع ومربك للسياسة الأمريكية خاصة حين تستثمر أجهزة الدولة بسطوتها ضد صوت الانتقاد والمعارضة حيث تتحول المعايير الديمقراطية من حماية المواطن إلى تهديده بنفوذ وسلطة الدولة وإعادة إحياء مسار الانتقام السياسي وبما يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة تفترض في نظام ديمقراطي أن يصبح الخصم السياسي بمجرد كونه منتقدًا متهمًا جنائيًا
الخاتمة : الوضع القائم في ادارة ترامب لا يتمثل فقط في ممارسة تصعيد قضائي هادف بل ايضا في رسم مرحلة جديدة قد تصنع سابقة خطيرة تصبح فيها المواجهة السياسية هي الطريق إلى التحقيق تكون فيها أجهزة الدولة الفيدرالية أدوات انتقامية لا أجهزة تحقيق حيادية وأن ما كان يبدو تصعيدًا عابرً بالامس تحول اليوم إلى نمط مستقر في طريقة إدارة السلطة والتنظيم السياسي حيث اصبح نمطًا مقلقًا في النظام الأمريكي الحديث لذلك وفي خضم هذا التوتر لم يعد جهاز العدالة يُستخدم لضبط الجرائم بل لتصفية الحسابات السياسية وإن بقيت العدالة في قبضة النفوذ السياسي المتقلب المزاج فسينهار خط الدفاع الاول عن الديمقراطية القائم على قواعد فصل السلطات والعدالة المستقلة رغم ضرورته واهميته القصوى
تنويه ضروري: هذا المقال لا يندرج في سياق الدفاع عن جون بولتون الذي أعتبره شخصيًا شريكًا أصيلاً في صناعة السياسات العدوانية التي ألحقت أذًى بالغًا بالشعب الفلسطيني، وبشعوب عربية وإسلامية في مراحل مفصلية من تاريخ المنطقة فقد كان بولتون أحد مهندسي غزو العراق عام 2003 حين شغل مناصب رفيعة في إدارة بوش الابن ودعا لاحقًا إلى تغيير أنظمة الحكم في سوريا وإيران وليبيا مروجًا لعقيدة التدخل العسكري الوقائي
أما في ما يخص القضية الفلسطينية فقد عرف بولتون بمواقفه المتطرفة في دعم الاحتلال الإسرائيلي حيث أيّد علنًا ضم الضفة الغربية ورفض حل الدولتين كما عارض أي دور للأمم المتحدة في مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها واعتبر أن الدولة الفلسطينية ليست أكثر من وهم خطير وكان من أشد المدافعين عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتباره انتصارًا للسيادة الإسرائيلية لا شك بإن سجل بولتون الحافل بالدعوة إلى الحروب والتدخلات والاصطفاف الأيديولوجي الأعمى مع قوى الاحتلال لا يمكن تبريره أو تجاهله ومع ذلك فإن استخدام أدوات الدولة وأجهزتها الأمنية لتصفية الحسابات السياسية حتى مع شخص بمثل هذا السجل يعد انحرافًا خطيرًا عن مبادئ العدالة وسيادة القانون التي إن لم تكن مستقلة وعادلة في وجه الجميع تتحول إلى أداة قمع لا تختلف كثيرًا عن الجرائم التي يُفترض بها أن تكافحها
التعليقات