في الثالث والعشرين من تموز 2025، شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية حدثًا غير مسبوق، حيث أقرّ الكنيست بأغلبية ساحقة اقتراحًا لفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية. قرار يحمل طابعًا رمزيًا أكثر منه قانونيًا، لكنه يمثل إعلانًا رسميًا لتصفية القضية الفلسطينية التي استُنزفت على مدار عقود طويلة. هذا التصويت لم يكن مفاجئًا، بل هو تتويج لسياسة فرض الأمر الواقع التي تجري على الأرض منذ سنوات، ومقدمة لمرحلة جديدة في الصراع الإقليمي. في مواجهة هذا الواقع، تتضاعف الأعباء على الفلسطينيين وعلى الأردن، الدولة العربية الأكثر ارتباطًا جغرافيًا وسياسيًا بالضفة الغربية، والداعم الأساسي للقضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإنساني. موقف الأردن لا ينبع من الشعور بالعجز أو الخوف، بل من قدرة متجذرة في التاريخ، وسيادة ذاتية، ووعي استراتيجي راسخ بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أثبت حكمة ومثابرة في إدارة هذا الملف المعقد.
لقد بات مشروع أوسلو من الماضي، وأضحى ضرورة مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية لمشروع الدولة الفلسطينية حقيقة ميدانية لا يمكن تجاوزها، إذ يُعد تثبيت الكنيست لقرار الضم إعلانًا رسميًا لدفنه. لكن الأخطر من مجرد إعلان الضم هو استمرار خطاب الندب والشكوى، الذي لم يقدم بدائل استراتيجية واضحة، مما يعمّق الأزمة، ويزيد من الانقسام الفلسطيني، ويجعل القضية في حالة من الجمود المدمر.
الوقت اليوم يتطلب مراجعة فلسطينية شاملة وجادة، يقودها مشروع وطني بديل يتجاوز الموروثات القديمة، ويقدم رؤية وطنية واقعية ترتكز على إعادة بناء المؤسسات، وتوحيد الجهود السياسية، وإعادة صياغة العلاقة مع الأردن والدول العربية، بما يضمن استمرارية القضية الفلسطينية ودعمها على المستوى الدولي.
الأردن هو ركيزة استقرار واستراتيجية دبلوماسية، بقيادة جلالة الملك، ويتبوأ مركزًا محوريًا في هذه المعادلة. هو ليس شاهدًا على الأحداث فحسب، بل لاعب رئيس في تحديد مسار التطورات. توازن الأردن بين ممارسة ضغوط دبلوماسية فعالة، وحماية خطوط التواصل الأمني والسياسي، يعكس إدراكًا عميقًا لتشابك الأبعاد الإقليمية والدولية. على الصعيد الدبلوماسي، ظل الأردن يدعو إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدًا التزامه بحماية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وهو ملف يحظى بأهمية قصوى في السياسات الأردنية. ويجسد هذا الموقف الواضح في المحافل الدولية، حيث يجمع الأردن بين الضغط السياسي والحوار البناء مع الأطراف المعنية، مستفيدًا من علاقاته المتميزة مع القوى الكبرى.
وعلى الصعيد الطبي والإنساني، يواصل الأردن تقديم دعم ميداني حيوي من خلال عدة منشآت طبية عسكرية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. يضم الأردن مستشفى ميدانيًا رئيسيًا في قطاع غزة، وآخر في جنوب القطاع، ومستشفى ميدانيًا في نابلس، بالإضافة إلى محطات جراحية متخصصة في جنين ورام الله. تقدم هذه المنشآت خدمات طبية متكاملة لسكان المناطق المتأثرة، وتشكل جزءًا لا يتجزأ من شبكة الدعم الأردني الشاملة التي تشمل توفير الأدوية والرعاية الصحية في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.
منذ اندلاع الأزمة، تصدّر الأردن المشهد الإنساني بدعم لا محدود لشعبي الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر إرسال دفعات متواصلة من المساعدات الطبية والغذائية واللوجستية. شملت هذه المساعدات تجهيز المستشفيات الميدانية الأردنية بالأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى توفير المواد الأساسية كالوقود، وحليب الأطفال، والمواد الغذائية الطارئة. شكّلت هذه الجهود الأردنية، التي تمت بتوجيهات ودعم مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد، صمام أمان حيويًا في ظل الأزمات المتلاحقة، وأبرزت دور الأردن كعمود فقري في الحفاظ على استقرار المنطقة وتحقيق التوازن الإنساني والاقتصادي. أما الدور الإنساني والاقتصادي الحيوي للأردن، فهو يتجاوز البعد السياسي ليصل إلى أبعاد إنسانية واقتصادية لا غنى عنها للضفة الغربية وقطاع غزة. إذ يعتبر الأردن الشريان الحيوي الذي يغذي الضفة بالكهرباء عبر شبكته الوطنية، ويوفر عبر معبر جسر الملك حسين أكثر من 70% من احتياجات الضفة من الأدوية، والوقود، وحليب الأطفال. كما يواصل الجيش الأردني تشغيل هذه المستشفيات الميدانية العسكرية منذ عام 2009، حيث قدمت خلال العام الماضي وحده أكثر من نصف مليون خدمة طبية مجانية، مما يجعلها ركيزة أساسية في دعم الصحة والرعاية الإنسانية لشعبي الضفة وغزة في ظل الظروف الصعبة. إن أي خطوة إسرائيلية تمس بهذه الشبكات أو المعابر ستزيد الأوضاع الإنسانية تدهورًا، وتفتح الباب أمام تداعيات أمنية وسياسية غير محسوبة، تزيد العبء على الأردن الذي يتحمل أصلاً استضافة أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، في ظل أزمات اقتصادية وديموغرافية متلاحقة.
في ضوء هذا التصويت، تتشكل أمام المنطقة ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول، ضم جزئي متدرج يركز على الأغوار والمستوطنات الكبرى، مع ردود فعل دولية متباينة وهادئة نسبيًا. الثاني، تجميد الاقتراح لفترة طويلة، يتيح لنتنياهو الاحتفاظ بورقة الضغط كسلاح تفاوضي في ملفات أخرى مثل النووي الإيراني أو أزمة غزة. الثالث، ضم شامل يشعل انتفاضة ثالثة، ويجبر الأردن على مراجعة اتفاقية وادي عربة، مما يفتح أبواب أزمة إقليمية أوسع. جلالة الملك عبدالله الثاني شدّد في خطابات متعددة على أن «الوصاية على المقدسات في القدس مسؤولية أردنية بامتياز، ولن نتخلى عنها، ولن نسمح بالمساس بها»، مؤكّدًا أن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين والقدس الشريف يشكل جوهر السياسة الأردنية.
أما المنظمات الدولية، فقد عبّرت مرارًا عن قلقها إزاء أي إجراءات تغير الوضع الديموغرافي والسياسي في الضفة، معتبرةً أن الضم يتعارض مع القانون الدولي ويمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
الأردن هو صمام أمان المنطقة والرافعة الاستراتيجية في خضم هذا التحول التاريخي، ويثبت بقيادة جلالة الملك أنه ليس مجرد طرف مراقب، بل لاعب استراتيجي ومحوري في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. دوره يتجاوز الحفاظ على الاستقرار ليشمل حماية الحقوق الوطنية والإنسانية، والضغط دبلوماسيًا وعسكريًا لضمان الأمن الإقليمي. الضفة الغربية ليست مجرد رقعة جغرافية، بل معادلة سياسية وإنسانية مركبة، والأردن مستمر في أداء دوره كحارس للمقدسات وداعم لشعب فلسطين، رافعًا راية الاستقرار والسلام في منطقة تغلي بأزمات متشابكة. لكن هذا الدور يتطلب: * دعمًا دوليًا مباشرًا للأردن، سياسيًا واقتصاديًا، لتعزيز قدرته على الاستمرار في جهوده. * تحركًا فلسطينيًا داخليًا عاجلًا لتوحيد الصف وبناء استراتيجية جديدة. * انخراطًا عربيًا أوسع يضع ملف القدس والقضية الفلسطينية في صدارة الأولويات الإقليمية. إن استمرار تجاهل هذه المعادلة قد يدفع المنطقة إلى أزمات أعمق، في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية واقعية تقود نحو سلام عادل واستقرار طويل الأمد.
بقلم د. ليث القهيوي
في الثالث والعشرين من تموز 2025، شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية حدثًا غير مسبوق، حيث أقرّ الكنيست بأغلبية ساحقة اقتراحًا لفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية. قرار يحمل طابعًا رمزيًا أكثر منه قانونيًا، لكنه يمثل إعلانًا رسميًا لتصفية القضية الفلسطينية التي استُنزفت على مدار عقود طويلة. هذا التصويت لم يكن مفاجئًا، بل هو تتويج لسياسة فرض الأمر الواقع التي تجري على الأرض منذ سنوات، ومقدمة لمرحلة جديدة في الصراع الإقليمي. في مواجهة هذا الواقع، تتضاعف الأعباء على الفلسطينيين وعلى الأردن، الدولة العربية الأكثر ارتباطًا جغرافيًا وسياسيًا بالضفة الغربية، والداعم الأساسي للقضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإنساني. موقف الأردن لا ينبع من الشعور بالعجز أو الخوف، بل من قدرة متجذرة في التاريخ، وسيادة ذاتية، ووعي استراتيجي راسخ بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أثبت حكمة ومثابرة في إدارة هذا الملف المعقد.
لقد بات مشروع أوسلو من الماضي، وأضحى ضرورة مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية لمشروع الدولة الفلسطينية حقيقة ميدانية لا يمكن تجاوزها، إذ يُعد تثبيت الكنيست لقرار الضم إعلانًا رسميًا لدفنه. لكن الأخطر من مجرد إعلان الضم هو استمرار خطاب الندب والشكوى، الذي لم يقدم بدائل استراتيجية واضحة، مما يعمّق الأزمة، ويزيد من الانقسام الفلسطيني، ويجعل القضية في حالة من الجمود المدمر.
الوقت اليوم يتطلب مراجعة فلسطينية شاملة وجادة، يقودها مشروع وطني بديل يتجاوز الموروثات القديمة، ويقدم رؤية وطنية واقعية ترتكز على إعادة بناء المؤسسات، وتوحيد الجهود السياسية، وإعادة صياغة العلاقة مع الأردن والدول العربية، بما يضمن استمرارية القضية الفلسطينية ودعمها على المستوى الدولي.
الأردن هو ركيزة استقرار واستراتيجية دبلوماسية، بقيادة جلالة الملك، ويتبوأ مركزًا محوريًا في هذه المعادلة. هو ليس شاهدًا على الأحداث فحسب، بل لاعب رئيس في تحديد مسار التطورات. توازن الأردن بين ممارسة ضغوط دبلوماسية فعالة، وحماية خطوط التواصل الأمني والسياسي، يعكس إدراكًا عميقًا لتشابك الأبعاد الإقليمية والدولية. على الصعيد الدبلوماسي، ظل الأردن يدعو إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدًا التزامه بحماية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وهو ملف يحظى بأهمية قصوى في السياسات الأردنية. ويجسد هذا الموقف الواضح في المحافل الدولية، حيث يجمع الأردن بين الضغط السياسي والحوار البناء مع الأطراف المعنية، مستفيدًا من علاقاته المتميزة مع القوى الكبرى.
وعلى الصعيد الطبي والإنساني، يواصل الأردن تقديم دعم ميداني حيوي من خلال عدة منشآت طبية عسكرية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. يضم الأردن مستشفى ميدانيًا رئيسيًا في قطاع غزة، وآخر في جنوب القطاع، ومستشفى ميدانيًا في نابلس، بالإضافة إلى محطات جراحية متخصصة في جنين ورام الله. تقدم هذه المنشآت خدمات طبية متكاملة لسكان المناطق المتأثرة، وتشكل جزءًا لا يتجزأ من شبكة الدعم الأردني الشاملة التي تشمل توفير الأدوية والرعاية الصحية في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.
منذ اندلاع الأزمة، تصدّر الأردن المشهد الإنساني بدعم لا محدود لشعبي الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر إرسال دفعات متواصلة من المساعدات الطبية والغذائية واللوجستية. شملت هذه المساعدات تجهيز المستشفيات الميدانية الأردنية بالأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى توفير المواد الأساسية كالوقود، وحليب الأطفال، والمواد الغذائية الطارئة. شكّلت هذه الجهود الأردنية، التي تمت بتوجيهات ودعم مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد، صمام أمان حيويًا في ظل الأزمات المتلاحقة، وأبرزت دور الأردن كعمود فقري في الحفاظ على استقرار المنطقة وتحقيق التوازن الإنساني والاقتصادي. أما الدور الإنساني والاقتصادي الحيوي للأردن، فهو يتجاوز البعد السياسي ليصل إلى أبعاد إنسانية واقتصادية لا غنى عنها للضفة الغربية وقطاع غزة. إذ يعتبر الأردن الشريان الحيوي الذي يغذي الضفة بالكهرباء عبر شبكته الوطنية، ويوفر عبر معبر جسر الملك حسين أكثر من 70% من احتياجات الضفة من الأدوية، والوقود، وحليب الأطفال. كما يواصل الجيش الأردني تشغيل هذه المستشفيات الميدانية العسكرية منذ عام 2009، حيث قدمت خلال العام الماضي وحده أكثر من نصف مليون خدمة طبية مجانية، مما يجعلها ركيزة أساسية في دعم الصحة والرعاية الإنسانية لشعبي الضفة وغزة في ظل الظروف الصعبة. إن أي خطوة إسرائيلية تمس بهذه الشبكات أو المعابر ستزيد الأوضاع الإنسانية تدهورًا، وتفتح الباب أمام تداعيات أمنية وسياسية غير محسوبة، تزيد العبء على الأردن الذي يتحمل أصلاً استضافة أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، في ظل أزمات اقتصادية وديموغرافية متلاحقة.
في ضوء هذا التصويت، تتشكل أمام المنطقة ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول، ضم جزئي متدرج يركز على الأغوار والمستوطنات الكبرى، مع ردود فعل دولية متباينة وهادئة نسبيًا. الثاني، تجميد الاقتراح لفترة طويلة، يتيح لنتنياهو الاحتفاظ بورقة الضغط كسلاح تفاوضي في ملفات أخرى مثل النووي الإيراني أو أزمة غزة. الثالث، ضم شامل يشعل انتفاضة ثالثة، ويجبر الأردن على مراجعة اتفاقية وادي عربة، مما يفتح أبواب أزمة إقليمية أوسع. جلالة الملك عبدالله الثاني شدّد في خطابات متعددة على أن «الوصاية على المقدسات في القدس مسؤولية أردنية بامتياز، ولن نتخلى عنها، ولن نسمح بالمساس بها»، مؤكّدًا أن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين والقدس الشريف يشكل جوهر السياسة الأردنية.
أما المنظمات الدولية، فقد عبّرت مرارًا عن قلقها إزاء أي إجراءات تغير الوضع الديموغرافي والسياسي في الضفة، معتبرةً أن الضم يتعارض مع القانون الدولي ويمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
الأردن هو صمام أمان المنطقة والرافعة الاستراتيجية في خضم هذا التحول التاريخي، ويثبت بقيادة جلالة الملك أنه ليس مجرد طرف مراقب، بل لاعب استراتيجي ومحوري في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. دوره يتجاوز الحفاظ على الاستقرار ليشمل حماية الحقوق الوطنية والإنسانية، والضغط دبلوماسيًا وعسكريًا لضمان الأمن الإقليمي. الضفة الغربية ليست مجرد رقعة جغرافية، بل معادلة سياسية وإنسانية مركبة، والأردن مستمر في أداء دوره كحارس للمقدسات وداعم لشعب فلسطين، رافعًا راية الاستقرار والسلام في منطقة تغلي بأزمات متشابكة. لكن هذا الدور يتطلب: * دعمًا دوليًا مباشرًا للأردن، سياسيًا واقتصاديًا، لتعزيز قدرته على الاستمرار في جهوده. * تحركًا فلسطينيًا داخليًا عاجلًا لتوحيد الصف وبناء استراتيجية جديدة. * انخراطًا عربيًا أوسع يضع ملف القدس والقضية الفلسطينية في صدارة الأولويات الإقليمية. إن استمرار تجاهل هذه المعادلة قد يدفع المنطقة إلى أزمات أعمق، في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية واقعية تقود نحو سلام عادل واستقرار طويل الأمد.
بقلم د. ليث القهيوي
في الثالث والعشرين من تموز 2025، شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية حدثًا غير مسبوق، حيث أقرّ الكنيست بأغلبية ساحقة اقتراحًا لفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية. قرار يحمل طابعًا رمزيًا أكثر منه قانونيًا، لكنه يمثل إعلانًا رسميًا لتصفية القضية الفلسطينية التي استُنزفت على مدار عقود طويلة. هذا التصويت لم يكن مفاجئًا، بل هو تتويج لسياسة فرض الأمر الواقع التي تجري على الأرض منذ سنوات، ومقدمة لمرحلة جديدة في الصراع الإقليمي. في مواجهة هذا الواقع، تتضاعف الأعباء على الفلسطينيين وعلى الأردن، الدولة العربية الأكثر ارتباطًا جغرافيًا وسياسيًا بالضفة الغربية، والداعم الأساسي للقضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإنساني. موقف الأردن لا ينبع من الشعور بالعجز أو الخوف، بل من قدرة متجذرة في التاريخ، وسيادة ذاتية، ووعي استراتيجي راسخ بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أثبت حكمة ومثابرة في إدارة هذا الملف المعقد.
لقد بات مشروع أوسلو من الماضي، وأضحى ضرورة مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية لمشروع الدولة الفلسطينية حقيقة ميدانية لا يمكن تجاوزها، إذ يُعد تثبيت الكنيست لقرار الضم إعلانًا رسميًا لدفنه. لكن الأخطر من مجرد إعلان الضم هو استمرار خطاب الندب والشكوى، الذي لم يقدم بدائل استراتيجية واضحة، مما يعمّق الأزمة، ويزيد من الانقسام الفلسطيني، ويجعل القضية في حالة من الجمود المدمر.
الوقت اليوم يتطلب مراجعة فلسطينية شاملة وجادة، يقودها مشروع وطني بديل يتجاوز الموروثات القديمة، ويقدم رؤية وطنية واقعية ترتكز على إعادة بناء المؤسسات، وتوحيد الجهود السياسية، وإعادة صياغة العلاقة مع الأردن والدول العربية، بما يضمن استمرارية القضية الفلسطينية ودعمها على المستوى الدولي.
الأردن هو ركيزة استقرار واستراتيجية دبلوماسية، بقيادة جلالة الملك، ويتبوأ مركزًا محوريًا في هذه المعادلة. هو ليس شاهدًا على الأحداث فحسب، بل لاعب رئيس في تحديد مسار التطورات. توازن الأردن بين ممارسة ضغوط دبلوماسية فعالة، وحماية خطوط التواصل الأمني والسياسي، يعكس إدراكًا عميقًا لتشابك الأبعاد الإقليمية والدولية. على الصعيد الدبلوماسي، ظل الأردن يدعو إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدًا التزامه بحماية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وهو ملف يحظى بأهمية قصوى في السياسات الأردنية. ويجسد هذا الموقف الواضح في المحافل الدولية، حيث يجمع الأردن بين الضغط السياسي والحوار البناء مع الأطراف المعنية، مستفيدًا من علاقاته المتميزة مع القوى الكبرى.
وعلى الصعيد الطبي والإنساني، يواصل الأردن تقديم دعم ميداني حيوي من خلال عدة منشآت طبية عسكرية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. يضم الأردن مستشفى ميدانيًا رئيسيًا في قطاع غزة، وآخر في جنوب القطاع، ومستشفى ميدانيًا في نابلس، بالإضافة إلى محطات جراحية متخصصة في جنين ورام الله. تقدم هذه المنشآت خدمات طبية متكاملة لسكان المناطق المتأثرة، وتشكل جزءًا لا يتجزأ من شبكة الدعم الأردني الشاملة التي تشمل توفير الأدوية والرعاية الصحية في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.
منذ اندلاع الأزمة، تصدّر الأردن المشهد الإنساني بدعم لا محدود لشعبي الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر إرسال دفعات متواصلة من المساعدات الطبية والغذائية واللوجستية. شملت هذه المساعدات تجهيز المستشفيات الميدانية الأردنية بالأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى توفير المواد الأساسية كالوقود، وحليب الأطفال، والمواد الغذائية الطارئة. شكّلت هذه الجهود الأردنية، التي تمت بتوجيهات ودعم مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد، صمام أمان حيويًا في ظل الأزمات المتلاحقة، وأبرزت دور الأردن كعمود فقري في الحفاظ على استقرار المنطقة وتحقيق التوازن الإنساني والاقتصادي. أما الدور الإنساني والاقتصادي الحيوي للأردن، فهو يتجاوز البعد السياسي ليصل إلى أبعاد إنسانية واقتصادية لا غنى عنها للضفة الغربية وقطاع غزة. إذ يعتبر الأردن الشريان الحيوي الذي يغذي الضفة بالكهرباء عبر شبكته الوطنية، ويوفر عبر معبر جسر الملك حسين أكثر من 70% من احتياجات الضفة من الأدوية، والوقود، وحليب الأطفال. كما يواصل الجيش الأردني تشغيل هذه المستشفيات الميدانية العسكرية منذ عام 2009، حيث قدمت خلال العام الماضي وحده أكثر من نصف مليون خدمة طبية مجانية، مما يجعلها ركيزة أساسية في دعم الصحة والرعاية الإنسانية لشعبي الضفة وغزة في ظل الظروف الصعبة. إن أي خطوة إسرائيلية تمس بهذه الشبكات أو المعابر ستزيد الأوضاع الإنسانية تدهورًا، وتفتح الباب أمام تداعيات أمنية وسياسية غير محسوبة، تزيد العبء على الأردن الذي يتحمل أصلاً استضافة أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، في ظل أزمات اقتصادية وديموغرافية متلاحقة.
في ضوء هذا التصويت، تتشكل أمام المنطقة ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول، ضم جزئي متدرج يركز على الأغوار والمستوطنات الكبرى، مع ردود فعل دولية متباينة وهادئة نسبيًا. الثاني، تجميد الاقتراح لفترة طويلة، يتيح لنتنياهو الاحتفاظ بورقة الضغط كسلاح تفاوضي في ملفات أخرى مثل النووي الإيراني أو أزمة غزة. الثالث، ضم شامل يشعل انتفاضة ثالثة، ويجبر الأردن على مراجعة اتفاقية وادي عربة، مما يفتح أبواب أزمة إقليمية أوسع. جلالة الملك عبدالله الثاني شدّد في خطابات متعددة على أن «الوصاية على المقدسات في القدس مسؤولية أردنية بامتياز، ولن نتخلى عنها، ولن نسمح بالمساس بها»، مؤكّدًا أن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين والقدس الشريف يشكل جوهر السياسة الأردنية.
أما المنظمات الدولية، فقد عبّرت مرارًا عن قلقها إزاء أي إجراءات تغير الوضع الديموغرافي والسياسي في الضفة، معتبرةً أن الضم يتعارض مع القانون الدولي ويمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
الأردن هو صمام أمان المنطقة والرافعة الاستراتيجية في خضم هذا التحول التاريخي، ويثبت بقيادة جلالة الملك أنه ليس مجرد طرف مراقب، بل لاعب استراتيجي ومحوري في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. دوره يتجاوز الحفاظ على الاستقرار ليشمل حماية الحقوق الوطنية والإنسانية، والضغط دبلوماسيًا وعسكريًا لضمان الأمن الإقليمي. الضفة الغربية ليست مجرد رقعة جغرافية، بل معادلة سياسية وإنسانية مركبة، والأردن مستمر في أداء دوره كحارس للمقدسات وداعم لشعب فلسطين، رافعًا راية الاستقرار والسلام في منطقة تغلي بأزمات متشابكة. لكن هذا الدور يتطلب: * دعمًا دوليًا مباشرًا للأردن، سياسيًا واقتصاديًا، لتعزيز قدرته على الاستمرار في جهوده. * تحركًا فلسطينيًا داخليًا عاجلًا لتوحيد الصف وبناء استراتيجية جديدة. * انخراطًا عربيًا أوسع يضع ملف القدس والقضية الفلسطينية في صدارة الأولويات الإقليمية. إن استمرار تجاهل هذه المعادلة قد يدفع المنطقة إلى أزمات أعمق، في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية واقعية تقود نحو سلام عادل واستقرار طويل الأمد.
التعليقات