ليست السيارة كما قد يظن البعض مجرّد وسيلة تنقّل، بل هي شاهدٌ على الرحلة، ورفيقة دربٍ شاركتنا الفرح والتعب، وحفظت أسرار أيامنا. في عالمنا، لا تُشترى السيارة بالنقود فقط، بل تُقتنى بالتعب والكدّ و'جمعيات' العمر. وهذه حكايتي... حكاية رجل بسيط، حمل طموحه بين يديه، وسار به على أربع عجلات، وسط دروب الحياة المتقلبة. حكايتي مع السيارات حكاية طويلة، تحمل بين طياتها كثيرًا من الأحلام، والعثرات، والضحكات. كنتُ أحلم – بل كان أكبر طموحاتي – أن أمتلك يومًا سيارة 'بيجو' فرنسية أو 'هوندا' يابانية صغيرة، طبعًا أتحدث عن موديلات الثمانينات. وبدأت الرحلة بأول سيارة اشتريتها، كانت من نوع 'فيات' موديل 74، لونها أخضر، وكنتُ يومها في خضم فترة طفر وغلاء بأسعار السيارات. دفعت ثمنها 4000 دينار نقدًا، وبعد شهر فقط، بعتها لرجل آخر، لأكتشف لاحقًا أنه المالك الأول لنفس السيارة، وما زال قلبه معلّقًا بها. باعها للشخص الذي باعني إياها، ثم اشتراها مني بسعر 3800 دينار، بخسارة بسيطة تحملتها برضا. بعدها، اشتريت سيارتي الثانية: 'فولكس فاجن' برازيلي، لون برتقالي، موديل 1982، من أحد الأصدقاء الطيبين، بـ 2000 دينار. وأجزم أنها كانت أنظف فولكس في الأردن في تلك الفترة. تساهل معي صديقي، واتفقنا على دفعة أولى 1000 دينار، والباقي أقساط شهرية، كل شهر 100 دينار. بقيت معي 'الفولكس' ما يقارب 7 سنوات، وكانت أكثر من مجرد سيارة. خدمت كل من في الحارة: حملنا بها الأهل والأحبة، فرحنا بها مع الجيران، ورافقنا بها في الأفراح والأتراح. أسعفنا بها مرضى، ونقلنا طلاب المدارس، بل حتى التيس الشامي للهداد. تدرّب عليها أكثر من قريب وصديق على السواقة. حملنا بها أسطوانات الغاز، وجريكنات الكاز، وشوالات الزيتون، وحتى شوالات الإسمنت والطوب! حتى إنني في إحدى المرات، نقلت على سقفها كنبًا ثلاثي المقاعد لبيت أختي 'أم صدام'، ومع مرور الأيام ونزول أسعار السيارات، قررنا تغيير السيارة، رغم أننا لا نملك من سعر الجديدة ولو دينارًا واحدًا. عرض عليّ النسيب العزيز 'أبو المؤمن' أن أشتري سيارة 'كيا سيفيا' من أحد الأشخاص. كانت مرهونة لأحد البنوك، وطلب البائع 3300 دينار نقدًا، على أن نُقَسِّط الباقي مع البنك. صار استنفار داخل البيت، باعت زوجتي آخر إسوارة عندها، وأخذنا قرضًا من البنك بـ 3000 دينار، وأعطاني الأولاد حصالاتهم الصغيرة. من يومها صارت السيارة تُعرف عندنا بـ 'سيارة الجمعية'. بقيت الكيا معنا حتى يومنا هذا، سيارة خدمتنا بإخلاص. وفي عام 2015، اشتريت سيارة 'ميتسوبيشي' 'فراشة' حديثة لأول مرة، وأيضًا... أخذنا قرضًا. لكن يبدو أن بعض أصحاب العيون الفارغة والحسّاد استكثروا علينا نفرح. السيارة تعرضت لأكثر من 8 حوادث متتالية، وعرفت يومها أن 'ما إلي حظ بالحديد'، وبعتها بخسارة 2000 دينار. ولا زلنا، والحمد لله، مبسوطين بسيارتنا 'الكيا سيفيا'، رفيقتنا، سيارة الجمعية... التي ما زالت تخدمنا بكل طاقتها، وبنظرنا وقناعتنا، هي أفضل من سيارات البابا والماما، 'الجي كلاس' و'التسلا'، التي تقف أمام فلل لا يعرف أصحابها 'جمعيات' آخر الشهر، ولا 'صندوق المرأة'، ولا 'أقساط البنوك'. لقد غدت سيارتنا 'الكيا سيفيا' أكثر من مجرد مركبة، بل أصبحت رمزًا لرحلتنا، وصورةً ناطقةً لصبرنا وكرامتنا. قد لا تحمل في داخلها رفاهية السيارات الحديثة، ولا تتباهى بشاشات ذكية أو أنظمة متطورة، لكنها تحمل ما هو أثمن من ذلك: ذكريات، وتعب سنين، ورضا قلوب تعلّمت أن تفرح بالقليل. هي سيارتنا... 'سيارة الجمعية'، لكنها – في نظرنا – أغلى من كنوز الفارهين، لأنها جاءت 'من قرضٍ بنكيٍّ يمتدّ همّه لسنوات، وجمعيةٍ شهريةٍ مُربِكة، وتحويشة حصّالات الأولاد التي جُمعت في كلّ المناسبات.'لا من وفرة الحسابات.سيارتنا خبيرة بمحطات الوقود، لا تدخلها إلا حين تقتضي الظروف،ويُتاح المصروف. على فكرة: أستطيع أن أجزم بأن سيارتنا 'الكيا سيفيا' تعرف الشوارع أكثر من GPS… بينما لم تطأ عجلات سيارات غيرنا حتى حدود طريق المنطقة الصناعية.
بقلم: عاطف أبو حجر
ليست السيارة كما قد يظن البعض مجرّد وسيلة تنقّل، بل هي شاهدٌ على الرحلة، ورفيقة دربٍ شاركتنا الفرح والتعب، وحفظت أسرار أيامنا. في عالمنا، لا تُشترى السيارة بالنقود فقط، بل تُقتنى بالتعب والكدّ و'جمعيات' العمر. وهذه حكايتي... حكاية رجل بسيط، حمل طموحه بين يديه، وسار به على أربع عجلات، وسط دروب الحياة المتقلبة. حكايتي مع السيارات حكاية طويلة، تحمل بين طياتها كثيرًا من الأحلام، والعثرات، والضحكات. كنتُ أحلم – بل كان أكبر طموحاتي – أن أمتلك يومًا سيارة 'بيجو' فرنسية أو 'هوندا' يابانية صغيرة، طبعًا أتحدث عن موديلات الثمانينات. وبدأت الرحلة بأول سيارة اشتريتها، كانت من نوع 'فيات' موديل 74، لونها أخضر، وكنتُ يومها في خضم فترة طفر وغلاء بأسعار السيارات. دفعت ثمنها 4000 دينار نقدًا، وبعد شهر فقط، بعتها لرجل آخر، لأكتشف لاحقًا أنه المالك الأول لنفس السيارة، وما زال قلبه معلّقًا بها. باعها للشخص الذي باعني إياها، ثم اشتراها مني بسعر 3800 دينار، بخسارة بسيطة تحملتها برضا. بعدها، اشتريت سيارتي الثانية: 'فولكس فاجن' برازيلي، لون برتقالي، موديل 1982، من أحد الأصدقاء الطيبين، بـ 2000 دينار. وأجزم أنها كانت أنظف فولكس في الأردن في تلك الفترة. تساهل معي صديقي، واتفقنا على دفعة أولى 1000 دينار، والباقي أقساط شهرية، كل شهر 100 دينار. بقيت معي 'الفولكس' ما يقارب 7 سنوات، وكانت أكثر من مجرد سيارة. خدمت كل من في الحارة: حملنا بها الأهل والأحبة، فرحنا بها مع الجيران، ورافقنا بها في الأفراح والأتراح. أسعفنا بها مرضى، ونقلنا طلاب المدارس، بل حتى التيس الشامي للهداد. تدرّب عليها أكثر من قريب وصديق على السواقة. حملنا بها أسطوانات الغاز، وجريكنات الكاز، وشوالات الزيتون، وحتى شوالات الإسمنت والطوب! حتى إنني في إحدى المرات، نقلت على سقفها كنبًا ثلاثي المقاعد لبيت أختي 'أم صدام'، ومع مرور الأيام ونزول أسعار السيارات، قررنا تغيير السيارة، رغم أننا لا نملك من سعر الجديدة ولو دينارًا واحدًا. عرض عليّ النسيب العزيز 'أبو المؤمن' أن أشتري سيارة 'كيا سيفيا' من أحد الأشخاص. كانت مرهونة لأحد البنوك، وطلب البائع 3300 دينار نقدًا، على أن نُقَسِّط الباقي مع البنك. صار استنفار داخل البيت، باعت زوجتي آخر إسوارة عندها، وأخذنا قرضًا من البنك بـ 3000 دينار، وأعطاني الأولاد حصالاتهم الصغيرة. من يومها صارت السيارة تُعرف عندنا بـ 'سيارة الجمعية'. بقيت الكيا معنا حتى يومنا هذا، سيارة خدمتنا بإخلاص. وفي عام 2015، اشتريت سيارة 'ميتسوبيشي' 'فراشة' حديثة لأول مرة، وأيضًا... أخذنا قرضًا. لكن يبدو أن بعض أصحاب العيون الفارغة والحسّاد استكثروا علينا نفرح. السيارة تعرضت لأكثر من 8 حوادث متتالية، وعرفت يومها أن 'ما إلي حظ بالحديد'، وبعتها بخسارة 2000 دينار. ولا زلنا، والحمد لله، مبسوطين بسيارتنا 'الكيا سيفيا'، رفيقتنا، سيارة الجمعية... التي ما زالت تخدمنا بكل طاقتها، وبنظرنا وقناعتنا، هي أفضل من سيارات البابا والماما، 'الجي كلاس' و'التسلا'، التي تقف أمام فلل لا يعرف أصحابها 'جمعيات' آخر الشهر، ولا 'صندوق المرأة'، ولا 'أقساط البنوك'. لقد غدت سيارتنا 'الكيا سيفيا' أكثر من مجرد مركبة، بل أصبحت رمزًا لرحلتنا، وصورةً ناطقةً لصبرنا وكرامتنا. قد لا تحمل في داخلها رفاهية السيارات الحديثة، ولا تتباهى بشاشات ذكية أو أنظمة متطورة، لكنها تحمل ما هو أثمن من ذلك: ذكريات، وتعب سنين، ورضا قلوب تعلّمت أن تفرح بالقليل. هي سيارتنا... 'سيارة الجمعية'، لكنها – في نظرنا – أغلى من كنوز الفارهين، لأنها جاءت 'من قرضٍ بنكيٍّ يمتدّ همّه لسنوات، وجمعيةٍ شهريةٍ مُربِكة، وتحويشة حصّالات الأولاد التي جُمعت في كلّ المناسبات.'لا من وفرة الحسابات.سيارتنا خبيرة بمحطات الوقود، لا تدخلها إلا حين تقتضي الظروف،ويُتاح المصروف. على فكرة: أستطيع أن أجزم بأن سيارتنا 'الكيا سيفيا' تعرف الشوارع أكثر من GPS… بينما لم تطأ عجلات سيارات غيرنا حتى حدود طريق المنطقة الصناعية.
بقلم: عاطف أبو حجر
ليست السيارة كما قد يظن البعض مجرّد وسيلة تنقّل، بل هي شاهدٌ على الرحلة، ورفيقة دربٍ شاركتنا الفرح والتعب، وحفظت أسرار أيامنا. في عالمنا، لا تُشترى السيارة بالنقود فقط، بل تُقتنى بالتعب والكدّ و'جمعيات' العمر. وهذه حكايتي... حكاية رجل بسيط، حمل طموحه بين يديه، وسار به على أربع عجلات، وسط دروب الحياة المتقلبة. حكايتي مع السيارات حكاية طويلة، تحمل بين طياتها كثيرًا من الأحلام، والعثرات، والضحكات. كنتُ أحلم – بل كان أكبر طموحاتي – أن أمتلك يومًا سيارة 'بيجو' فرنسية أو 'هوندا' يابانية صغيرة، طبعًا أتحدث عن موديلات الثمانينات. وبدأت الرحلة بأول سيارة اشتريتها، كانت من نوع 'فيات' موديل 74، لونها أخضر، وكنتُ يومها في خضم فترة طفر وغلاء بأسعار السيارات. دفعت ثمنها 4000 دينار نقدًا، وبعد شهر فقط، بعتها لرجل آخر، لأكتشف لاحقًا أنه المالك الأول لنفس السيارة، وما زال قلبه معلّقًا بها. باعها للشخص الذي باعني إياها، ثم اشتراها مني بسعر 3800 دينار، بخسارة بسيطة تحملتها برضا. بعدها، اشتريت سيارتي الثانية: 'فولكس فاجن' برازيلي، لون برتقالي، موديل 1982، من أحد الأصدقاء الطيبين، بـ 2000 دينار. وأجزم أنها كانت أنظف فولكس في الأردن في تلك الفترة. تساهل معي صديقي، واتفقنا على دفعة أولى 1000 دينار، والباقي أقساط شهرية، كل شهر 100 دينار. بقيت معي 'الفولكس' ما يقارب 7 سنوات، وكانت أكثر من مجرد سيارة. خدمت كل من في الحارة: حملنا بها الأهل والأحبة، فرحنا بها مع الجيران، ورافقنا بها في الأفراح والأتراح. أسعفنا بها مرضى، ونقلنا طلاب المدارس، بل حتى التيس الشامي للهداد. تدرّب عليها أكثر من قريب وصديق على السواقة. حملنا بها أسطوانات الغاز، وجريكنات الكاز، وشوالات الزيتون، وحتى شوالات الإسمنت والطوب! حتى إنني في إحدى المرات، نقلت على سقفها كنبًا ثلاثي المقاعد لبيت أختي 'أم صدام'، ومع مرور الأيام ونزول أسعار السيارات، قررنا تغيير السيارة، رغم أننا لا نملك من سعر الجديدة ولو دينارًا واحدًا. عرض عليّ النسيب العزيز 'أبو المؤمن' أن أشتري سيارة 'كيا سيفيا' من أحد الأشخاص. كانت مرهونة لأحد البنوك، وطلب البائع 3300 دينار نقدًا، على أن نُقَسِّط الباقي مع البنك. صار استنفار داخل البيت، باعت زوجتي آخر إسوارة عندها، وأخذنا قرضًا من البنك بـ 3000 دينار، وأعطاني الأولاد حصالاتهم الصغيرة. من يومها صارت السيارة تُعرف عندنا بـ 'سيارة الجمعية'. بقيت الكيا معنا حتى يومنا هذا، سيارة خدمتنا بإخلاص. وفي عام 2015، اشتريت سيارة 'ميتسوبيشي' 'فراشة' حديثة لأول مرة، وأيضًا... أخذنا قرضًا. لكن يبدو أن بعض أصحاب العيون الفارغة والحسّاد استكثروا علينا نفرح. السيارة تعرضت لأكثر من 8 حوادث متتالية، وعرفت يومها أن 'ما إلي حظ بالحديد'، وبعتها بخسارة 2000 دينار. ولا زلنا، والحمد لله، مبسوطين بسيارتنا 'الكيا سيفيا'، رفيقتنا، سيارة الجمعية... التي ما زالت تخدمنا بكل طاقتها، وبنظرنا وقناعتنا، هي أفضل من سيارات البابا والماما، 'الجي كلاس' و'التسلا'، التي تقف أمام فلل لا يعرف أصحابها 'جمعيات' آخر الشهر، ولا 'صندوق المرأة'، ولا 'أقساط البنوك'. لقد غدت سيارتنا 'الكيا سيفيا' أكثر من مجرد مركبة، بل أصبحت رمزًا لرحلتنا، وصورةً ناطقةً لصبرنا وكرامتنا. قد لا تحمل في داخلها رفاهية السيارات الحديثة، ولا تتباهى بشاشات ذكية أو أنظمة متطورة، لكنها تحمل ما هو أثمن من ذلك: ذكريات، وتعب سنين، ورضا قلوب تعلّمت أن تفرح بالقليل. هي سيارتنا... 'سيارة الجمعية'، لكنها – في نظرنا – أغلى من كنوز الفارهين، لأنها جاءت 'من قرضٍ بنكيٍّ يمتدّ همّه لسنوات، وجمعيةٍ شهريةٍ مُربِكة، وتحويشة حصّالات الأولاد التي جُمعت في كلّ المناسبات.'لا من وفرة الحسابات.سيارتنا خبيرة بمحطات الوقود، لا تدخلها إلا حين تقتضي الظروف،ويُتاح المصروف. على فكرة: أستطيع أن أجزم بأن سيارتنا 'الكيا سيفيا' تعرف الشوارع أكثر من GPS… بينما لم تطأ عجلات سيارات غيرنا حتى حدود طريق المنطقة الصناعية.
التعليقات