إن أكثر ما يؤلم في العلاقات الأسرية ليس الشجار أو الخلاف المباشر، بل فترات الصمت الطويلة التي تعقب الخلافات حيث يتحوّل البيت خلالها إلى مكان بلا مشاعر أو أي تفاعل، ويشعر فيه كل فرد وكأنه يعيش بمفرده رغم وجود الآخرين.
تلك ليست مشكلة (سمر أم لطفلين) وحدها بل مشكلة أسر كثيرة حين يعتقد أن (الصمت) حل كي لا تتأجج الخلافات.
ففي داخل الأسرة 'مشكلات صامتة' يصعب رصدها رغم ما تخلّفه من آثار نفسية عميقة، منها فالتراجع التدريجي في الحوار بين الزوجين، وتجنب النقاشات، والصمت المطوّل، لتصبح مؤشرا على أزمة تواصل تؤثر على الاستقرار العائلي، وتنعكس لاحقًا على الصحة النفسية للأطفال، وعلى التماسك الاجتماعي بشكل عام.
حينها، تقول سمر، إن (الصمت) وتجاهل المشاعر والابتعاد العاطفي لفترات طويلة، يدفع الأطفال للتساؤل ثم مراقبة الأبوين دون أن يفهموا 'أسباب هذا البرود'، ما قد ينعكس على شعورهم بالأمان والثقة داخل الأسرة.
أحمد) (أب لثلاثة أبناء) يرى أن الثقافة المجتمعية لا تزال تنظر إلى الصمت في العلاقات العائلية كوسيلة لتجنب التصعيد أو 'حفظ الكرامة'، دون إدراك لما يسببه هذا الصمت من فجوة عاطفية تزداد مع الوقت.
ويشير إلى أن غياب الحوار داخل الأسرة يؤدي إلى تراكم المشكلات بدلاً من حلّها، موضحا أن كثيراً من الأُسر تتفكك عاطفياً دون أن يظهر عليها علامات واضحة، بسبب الاكتفاء بـ 'العلاقات الشكلية' التي يغيب عنها التواصل الحقيقي والدعم النفسي المتبادل.
تتبع هذا النمط من الانسحاب يُظهر أن الصمت داخل الأسرة لا يعني السلام، وإنما يخفي وراءه أزمات نفسية غير مرئية تتراكم بصمت وتمتد آثارها إلى بنية المجتمع، فالعلاقات التي تفتقر للحوار والتواصل الحقيقي، تتحول مع الوقت إلى بيئة طاردة للمشاعر، ومصدر للاضطراب النفسي، خاصة لدى الأطفال الذين يتشكل وعيهم العاطفي وسط هذا الجمود.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) حملت هذه المشكلة بكل تساؤلاتها لتضعها على طاولة المعنيين الذين اكدوا أنه 'مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تزداد الحاجة إلى تعزيز أنماط تواصل صحيّة داخل الأسرة، وإدراك أن الصمت المطوّل لا يُنهي الخلافات، بل قد يُعمّقها، مؤكدين أن 'إحياء الحوار لا يحمي العلاقات فقط، بل يضمن بيئة آمنة وداعمة لنمو أفرادها، خاصة الأطفال'.
أستاذة الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث تقول، إن العلاقات الأسرية تمر غالبًا بمراحل من التوتر والصراع، تسبق عادة مرحلة الانسحاب وقطع التواصل، مشيرة إلى أن هذه المراحل تتدرج من اللوم والدفاعية، إلى التجاهل المؤقت، ثم التسويات السطحية، فالتكيف الزائد، وصولا إلى الانفصال العاطفي والصمت المطوّل.
وأضافت، إن هذا النمط لا يظهر فجأة، بل يتشكل نتيجة تراكمات من خلافات لم تُحل، حيث يبدأ الشريكان بتبادل الاتهامات، ثم تتراجع حدة النقاشات تدريجيًا، ويحل محلها الصمت، الذي يُظن في البداية أنه يهدئ الأجواء، لكنه يترك المشكلات معلقة ويزيد الهوة العاطفية بين الطرفين.
وأوضحت غيث أن بعض الأزواج يلجأون إلى تسويات ظاهرية لا تعالج جذور الخلاف، ما يُراكم الاستياء الداخلي، وقد يضطر أحدهما إلى تنازلات دائمة تبدو وكأنها قبول، لكنها تخفي شعورًا بالظلم والغضب، ما يعمّق التباعد ويفضي إلى انسحاب تام.
وبينت أن الانكفاء على الذات وقطع التواصل نتيجة حتمية إذا ما تعلم الزوجان مهارات تواصل فعّالة، تبدأ بالتعبير الصريح عن المشاعر دون اتهام، والإنصات الفعّال لما يقوله الطرف الآخر، وتخصيص وقت منتظم للحوار بعيدًا عن الانفعالات، إلى جانب الاعتذار الصادق والمسامحة، وبما يُعيد بناء الروابط العاطفية، ويمنع الصمت من أن يتحول إلى قطيعة طويلة الأمد.
وأوضحت أن بعض الأزواج يلجأون إلى هذا الانسحاب كوسيلة للحفاظ على العلاقة تحت سقف واحد، خاصة حين يتجنبون الطلاق من أجل الأبناء أو بدافع العادة، فيما يُعرف بحالات 'الطلاق الرمادي' بعد سنوات طويلة من الزواج، معتبرة أن هذه الاستراتيجية، رغم نواياها في تجنب التصعيد، تُعدّ من أكثر الأساليب ضررًا على الاستقرار النفسي والعاطفي.
وأكدت الدكتورة غيث أن الاستقرار الظاهري الناتج عن الصمت يخفي غيابًا عميقًا للتواصل، ويؤدي إلى تراجع الرضا، وشعور متبادل بالوحدة وفقدان الأمان، لافتة إلى أن استمرار الانسحاب يترك آثارًا على الصحة النفسية والجسدية، كالتوتر، والأرق، الكبت، والإنهاك العام، مؤكدة أن هذا الانسحاب يؤثر على التركيز والإنتاجية، ويضعف قدرة الطرفين على أداء أدوارهما الأسرية، خاصة تربية الأطفال الذين يحتاجون إلى نموذج قائم على التعاون والتفاهم بين الوالدين.
وحول أثر هذا النمط على الأطفال قالت، إن غياب الحوار بين الأبوين يُربك النمو النفسي والاجتماعي للصغار، ويشعرهم بعدم الأمان، بل وقد يحمل بعضهم مسؤولية إصلاح العلاقة، ما يرسّخ لديهم شعورًا بالعجز وتدني الكفاءة الذاتية، موضحة أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة يغيب فيها التواصل، غالبًا ما يتبنّون لاحقًا 'أنماطا انسحابية' عند مواجهة النزاعات، ما يؤدي إلى تكرار التجربة الزوجية لوالديهم.
ولتجاوز هذه المشكلة دعت الدكتورة غيث الوالدين الى إدراك تأثير صمتهما المتبادل على أبنائهما والمبادرة الى فتح قنوات للتواصل المستمر، وتزويد الأطفال بالمهارات المعرفية والانفعالية لحل النزاعات عبر التفاهم والمشاركة، وبما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويمنحهم نموذجًا إيجابيًا للتعامل مع الاختلافات.
وأكدت غيث أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأثر الانسحاب العاطفي داخل الأسرة، مشددة على ضرورة التفاعل الإيجابي، وتبني حوار منتظم وصريح بين الزوجين، واللجوء إلى المساعدة المهنية من مرشد أسري أو معالج نفسي عند الحاجة، موضحة أنه للتغلب على هذه المشكلة، يجب أن يتعلّم الأزواج تقنيات إدارة الغضب للتعبير عن المشاعر بطريقة صحية، والانخراط بأنشطة مشتركة تساهم بإعادة بناء التواصل وتعزيز التقارب العاطفي داخل الأسرة.
من جهتها تقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة، إن غياب التواصل الأسري له آثار سلبية لا تقتصر على الأسرة فحسب وإنما تمتد أيضا، موضحة أنه حين يغيب الحوار داخل الأسرة، التي تعتبر مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأولى، يُحرم الأبناء من فرص التعلّم العاطفي والتفاعل البنّاء، ما يُنتج أفرادًا لا يملكون مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين وسيكونو أقل قدرة على الاندماج في المجتمع وأكثر ميلًا إلى الانسحاب والانطواء.
وأضافت أن اثار غياب التواصل الأسري تزداد تعقيدًا في ظل ما يُعرف بـ'الاحتراق الزواجي'، وهي حالة من الإنهاك النفسي والعاطفي تصيب العلاقة الزوجية نتيجة التوتر المزمن، وغياب الدعم والتقدير المتبادل، موضحة أن البيئة الأسرية الصامتة أو المشحونة، تتحوّل إلى نمط من التعايش البارد ما ينعكس مباشرة على الأبناء الذين ينشأون في ظل انعدام الأمان العاطفي، وهذا يدفعهم للبحث عن بدائل عاطفية خارجية أو الانسحاب التام.
وبيّنت الرواشدة أن تكرار هذه الأنماط داخل عدد كبير من الأسر يُضعف التماسك الاجتماعي، إذ تتراجع القيم المجتمعية مثل التضامن والاحترام، ويظهر جيل يجد صعوبة في بناء علاقات قائمة على التفاهم والانفتاح، معتبرة أن ضعف التواصل لا يُنتج تفككًا داخليًا فقط، بل يُسهم على المدى البعيد في إضعاف روابط التماسك المجتمعي.
بدوره يؤكد أخصائي الطب النفسي الدكتور عامر الرواجفة أن العلاقة بين الأبوين تنعكس بشكل كبير على الأطفال حتى في المراحل العمرية، مشيراً إلى أن الاعتقاد بأن الطفل لا يتأثر بالخلافات الزوجية أو الانسحاب العاطفي في سن الطفولة المبكرة هو اعتقاد خاطئ.
وبيّن أن كل مرحلة عمرية تتأثر بطريقتها بغياب التواصل بين الوالدين، ما يترك آثاراً نفسية وسلوكية تظهر لاحقاً على شكل اضطرابات كالقلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، واضطرابات الشخصية والمزاج، موضحا أن القلق عند الأطفال قد يتجلى بأعراض مثل التبول اللاإرادي، ومشاكل النوم، والعصبية الزائدة، والميل للعزلة أو العنف، والشعور بالذنب، وصعوبة التكيف مع الآخرين.
وأشار الرواجفة إلى أن استمرار الخلافات أو الصمت داخل الأسرة ينعكس ايضا على تواصل الأطفال مع محيطهم وتحصيلهم الدراسي لاحقاً، مؤكدا أن العديد من الاضطرابات النفسية في سن متقدمة تعود لمشكلات أسرية سابقة، وتنشأ في بيئات يغيب عنها التواصل الأسري السليم.
--(بترا)
إن أكثر ما يؤلم في العلاقات الأسرية ليس الشجار أو الخلاف المباشر، بل فترات الصمت الطويلة التي تعقب الخلافات حيث يتحوّل البيت خلالها إلى مكان بلا مشاعر أو أي تفاعل، ويشعر فيه كل فرد وكأنه يعيش بمفرده رغم وجود الآخرين.
تلك ليست مشكلة (سمر أم لطفلين) وحدها بل مشكلة أسر كثيرة حين يعتقد أن (الصمت) حل كي لا تتأجج الخلافات.
ففي داخل الأسرة 'مشكلات صامتة' يصعب رصدها رغم ما تخلّفه من آثار نفسية عميقة، منها فالتراجع التدريجي في الحوار بين الزوجين، وتجنب النقاشات، والصمت المطوّل، لتصبح مؤشرا على أزمة تواصل تؤثر على الاستقرار العائلي، وتنعكس لاحقًا على الصحة النفسية للأطفال، وعلى التماسك الاجتماعي بشكل عام.
حينها، تقول سمر، إن (الصمت) وتجاهل المشاعر والابتعاد العاطفي لفترات طويلة، يدفع الأطفال للتساؤل ثم مراقبة الأبوين دون أن يفهموا 'أسباب هذا البرود'، ما قد ينعكس على شعورهم بالأمان والثقة داخل الأسرة.
أحمد) (أب لثلاثة أبناء) يرى أن الثقافة المجتمعية لا تزال تنظر إلى الصمت في العلاقات العائلية كوسيلة لتجنب التصعيد أو 'حفظ الكرامة'، دون إدراك لما يسببه هذا الصمت من فجوة عاطفية تزداد مع الوقت.
ويشير إلى أن غياب الحوار داخل الأسرة يؤدي إلى تراكم المشكلات بدلاً من حلّها، موضحا أن كثيراً من الأُسر تتفكك عاطفياً دون أن يظهر عليها علامات واضحة، بسبب الاكتفاء بـ 'العلاقات الشكلية' التي يغيب عنها التواصل الحقيقي والدعم النفسي المتبادل.
تتبع هذا النمط من الانسحاب يُظهر أن الصمت داخل الأسرة لا يعني السلام، وإنما يخفي وراءه أزمات نفسية غير مرئية تتراكم بصمت وتمتد آثارها إلى بنية المجتمع، فالعلاقات التي تفتقر للحوار والتواصل الحقيقي، تتحول مع الوقت إلى بيئة طاردة للمشاعر، ومصدر للاضطراب النفسي، خاصة لدى الأطفال الذين يتشكل وعيهم العاطفي وسط هذا الجمود.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) حملت هذه المشكلة بكل تساؤلاتها لتضعها على طاولة المعنيين الذين اكدوا أنه 'مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تزداد الحاجة إلى تعزيز أنماط تواصل صحيّة داخل الأسرة، وإدراك أن الصمت المطوّل لا يُنهي الخلافات، بل قد يُعمّقها، مؤكدين أن 'إحياء الحوار لا يحمي العلاقات فقط، بل يضمن بيئة آمنة وداعمة لنمو أفرادها، خاصة الأطفال'.
أستاذة الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث تقول، إن العلاقات الأسرية تمر غالبًا بمراحل من التوتر والصراع، تسبق عادة مرحلة الانسحاب وقطع التواصل، مشيرة إلى أن هذه المراحل تتدرج من اللوم والدفاعية، إلى التجاهل المؤقت، ثم التسويات السطحية، فالتكيف الزائد، وصولا إلى الانفصال العاطفي والصمت المطوّل.
وأضافت، إن هذا النمط لا يظهر فجأة، بل يتشكل نتيجة تراكمات من خلافات لم تُحل، حيث يبدأ الشريكان بتبادل الاتهامات، ثم تتراجع حدة النقاشات تدريجيًا، ويحل محلها الصمت، الذي يُظن في البداية أنه يهدئ الأجواء، لكنه يترك المشكلات معلقة ويزيد الهوة العاطفية بين الطرفين.
وأوضحت غيث أن بعض الأزواج يلجأون إلى تسويات ظاهرية لا تعالج جذور الخلاف، ما يُراكم الاستياء الداخلي، وقد يضطر أحدهما إلى تنازلات دائمة تبدو وكأنها قبول، لكنها تخفي شعورًا بالظلم والغضب، ما يعمّق التباعد ويفضي إلى انسحاب تام.
وبينت أن الانكفاء على الذات وقطع التواصل نتيجة حتمية إذا ما تعلم الزوجان مهارات تواصل فعّالة، تبدأ بالتعبير الصريح عن المشاعر دون اتهام، والإنصات الفعّال لما يقوله الطرف الآخر، وتخصيص وقت منتظم للحوار بعيدًا عن الانفعالات، إلى جانب الاعتذار الصادق والمسامحة، وبما يُعيد بناء الروابط العاطفية، ويمنع الصمت من أن يتحول إلى قطيعة طويلة الأمد.
وأوضحت أن بعض الأزواج يلجأون إلى هذا الانسحاب كوسيلة للحفاظ على العلاقة تحت سقف واحد، خاصة حين يتجنبون الطلاق من أجل الأبناء أو بدافع العادة، فيما يُعرف بحالات 'الطلاق الرمادي' بعد سنوات طويلة من الزواج، معتبرة أن هذه الاستراتيجية، رغم نواياها في تجنب التصعيد، تُعدّ من أكثر الأساليب ضررًا على الاستقرار النفسي والعاطفي.
وأكدت الدكتورة غيث أن الاستقرار الظاهري الناتج عن الصمت يخفي غيابًا عميقًا للتواصل، ويؤدي إلى تراجع الرضا، وشعور متبادل بالوحدة وفقدان الأمان، لافتة إلى أن استمرار الانسحاب يترك آثارًا على الصحة النفسية والجسدية، كالتوتر، والأرق، الكبت، والإنهاك العام، مؤكدة أن هذا الانسحاب يؤثر على التركيز والإنتاجية، ويضعف قدرة الطرفين على أداء أدوارهما الأسرية، خاصة تربية الأطفال الذين يحتاجون إلى نموذج قائم على التعاون والتفاهم بين الوالدين.
وحول أثر هذا النمط على الأطفال قالت، إن غياب الحوار بين الأبوين يُربك النمو النفسي والاجتماعي للصغار، ويشعرهم بعدم الأمان، بل وقد يحمل بعضهم مسؤولية إصلاح العلاقة، ما يرسّخ لديهم شعورًا بالعجز وتدني الكفاءة الذاتية، موضحة أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة يغيب فيها التواصل، غالبًا ما يتبنّون لاحقًا 'أنماطا انسحابية' عند مواجهة النزاعات، ما يؤدي إلى تكرار التجربة الزوجية لوالديهم.
ولتجاوز هذه المشكلة دعت الدكتورة غيث الوالدين الى إدراك تأثير صمتهما المتبادل على أبنائهما والمبادرة الى فتح قنوات للتواصل المستمر، وتزويد الأطفال بالمهارات المعرفية والانفعالية لحل النزاعات عبر التفاهم والمشاركة، وبما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويمنحهم نموذجًا إيجابيًا للتعامل مع الاختلافات.
وأكدت غيث أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأثر الانسحاب العاطفي داخل الأسرة، مشددة على ضرورة التفاعل الإيجابي، وتبني حوار منتظم وصريح بين الزوجين، واللجوء إلى المساعدة المهنية من مرشد أسري أو معالج نفسي عند الحاجة، موضحة أنه للتغلب على هذه المشكلة، يجب أن يتعلّم الأزواج تقنيات إدارة الغضب للتعبير عن المشاعر بطريقة صحية، والانخراط بأنشطة مشتركة تساهم بإعادة بناء التواصل وتعزيز التقارب العاطفي داخل الأسرة.
من جهتها تقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة، إن غياب التواصل الأسري له آثار سلبية لا تقتصر على الأسرة فحسب وإنما تمتد أيضا، موضحة أنه حين يغيب الحوار داخل الأسرة، التي تعتبر مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأولى، يُحرم الأبناء من فرص التعلّم العاطفي والتفاعل البنّاء، ما يُنتج أفرادًا لا يملكون مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين وسيكونو أقل قدرة على الاندماج في المجتمع وأكثر ميلًا إلى الانسحاب والانطواء.
وأضافت أن اثار غياب التواصل الأسري تزداد تعقيدًا في ظل ما يُعرف بـ'الاحتراق الزواجي'، وهي حالة من الإنهاك النفسي والعاطفي تصيب العلاقة الزوجية نتيجة التوتر المزمن، وغياب الدعم والتقدير المتبادل، موضحة أن البيئة الأسرية الصامتة أو المشحونة، تتحوّل إلى نمط من التعايش البارد ما ينعكس مباشرة على الأبناء الذين ينشأون في ظل انعدام الأمان العاطفي، وهذا يدفعهم للبحث عن بدائل عاطفية خارجية أو الانسحاب التام.
وبيّنت الرواشدة أن تكرار هذه الأنماط داخل عدد كبير من الأسر يُضعف التماسك الاجتماعي، إذ تتراجع القيم المجتمعية مثل التضامن والاحترام، ويظهر جيل يجد صعوبة في بناء علاقات قائمة على التفاهم والانفتاح، معتبرة أن ضعف التواصل لا يُنتج تفككًا داخليًا فقط، بل يُسهم على المدى البعيد في إضعاف روابط التماسك المجتمعي.
بدوره يؤكد أخصائي الطب النفسي الدكتور عامر الرواجفة أن العلاقة بين الأبوين تنعكس بشكل كبير على الأطفال حتى في المراحل العمرية، مشيراً إلى أن الاعتقاد بأن الطفل لا يتأثر بالخلافات الزوجية أو الانسحاب العاطفي في سن الطفولة المبكرة هو اعتقاد خاطئ.
وبيّن أن كل مرحلة عمرية تتأثر بطريقتها بغياب التواصل بين الوالدين، ما يترك آثاراً نفسية وسلوكية تظهر لاحقاً على شكل اضطرابات كالقلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، واضطرابات الشخصية والمزاج، موضحا أن القلق عند الأطفال قد يتجلى بأعراض مثل التبول اللاإرادي، ومشاكل النوم، والعصبية الزائدة، والميل للعزلة أو العنف، والشعور بالذنب، وصعوبة التكيف مع الآخرين.
وأشار الرواجفة إلى أن استمرار الخلافات أو الصمت داخل الأسرة ينعكس ايضا على تواصل الأطفال مع محيطهم وتحصيلهم الدراسي لاحقاً، مؤكدا أن العديد من الاضطرابات النفسية في سن متقدمة تعود لمشكلات أسرية سابقة، وتنشأ في بيئات يغيب عنها التواصل الأسري السليم.
--(بترا)
إن أكثر ما يؤلم في العلاقات الأسرية ليس الشجار أو الخلاف المباشر، بل فترات الصمت الطويلة التي تعقب الخلافات حيث يتحوّل البيت خلالها إلى مكان بلا مشاعر أو أي تفاعل، ويشعر فيه كل فرد وكأنه يعيش بمفرده رغم وجود الآخرين.
تلك ليست مشكلة (سمر أم لطفلين) وحدها بل مشكلة أسر كثيرة حين يعتقد أن (الصمت) حل كي لا تتأجج الخلافات.
ففي داخل الأسرة 'مشكلات صامتة' يصعب رصدها رغم ما تخلّفه من آثار نفسية عميقة، منها فالتراجع التدريجي في الحوار بين الزوجين، وتجنب النقاشات، والصمت المطوّل، لتصبح مؤشرا على أزمة تواصل تؤثر على الاستقرار العائلي، وتنعكس لاحقًا على الصحة النفسية للأطفال، وعلى التماسك الاجتماعي بشكل عام.
حينها، تقول سمر، إن (الصمت) وتجاهل المشاعر والابتعاد العاطفي لفترات طويلة، يدفع الأطفال للتساؤل ثم مراقبة الأبوين دون أن يفهموا 'أسباب هذا البرود'، ما قد ينعكس على شعورهم بالأمان والثقة داخل الأسرة.
أحمد) (أب لثلاثة أبناء) يرى أن الثقافة المجتمعية لا تزال تنظر إلى الصمت في العلاقات العائلية كوسيلة لتجنب التصعيد أو 'حفظ الكرامة'، دون إدراك لما يسببه هذا الصمت من فجوة عاطفية تزداد مع الوقت.
ويشير إلى أن غياب الحوار داخل الأسرة يؤدي إلى تراكم المشكلات بدلاً من حلّها، موضحا أن كثيراً من الأُسر تتفكك عاطفياً دون أن يظهر عليها علامات واضحة، بسبب الاكتفاء بـ 'العلاقات الشكلية' التي يغيب عنها التواصل الحقيقي والدعم النفسي المتبادل.
تتبع هذا النمط من الانسحاب يُظهر أن الصمت داخل الأسرة لا يعني السلام، وإنما يخفي وراءه أزمات نفسية غير مرئية تتراكم بصمت وتمتد آثارها إلى بنية المجتمع، فالعلاقات التي تفتقر للحوار والتواصل الحقيقي، تتحول مع الوقت إلى بيئة طاردة للمشاعر، ومصدر للاضطراب النفسي، خاصة لدى الأطفال الذين يتشكل وعيهم العاطفي وسط هذا الجمود.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) حملت هذه المشكلة بكل تساؤلاتها لتضعها على طاولة المعنيين الذين اكدوا أنه 'مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تزداد الحاجة إلى تعزيز أنماط تواصل صحيّة داخل الأسرة، وإدراك أن الصمت المطوّل لا يُنهي الخلافات، بل قد يُعمّقها، مؤكدين أن 'إحياء الحوار لا يحمي العلاقات فقط، بل يضمن بيئة آمنة وداعمة لنمو أفرادها، خاصة الأطفال'.
أستاذة الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث تقول، إن العلاقات الأسرية تمر غالبًا بمراحل من التوتر والصراع، تسبق عادة مرحلة الانسحاب وقطع التواصل، مشيرة إلى أن هذه المراحل تتدرج من اللوم والدفاعية، إلى التجاهل المؤقت، ثم التسويات السطحية، فالتكيف الزائد، وصولا إلى الانفصال العاطفي والصمت المطوّل.
وأضافت، إن هذا النمط لا يظهر فجأة، بل يتشكل نتيجة تراكمات من خلافات لم تُحل، حيث يبدأ الشريكان بتبادل الاتهامات، ثم تتراجع حدة النقاشات تدريجيًا، ويحل محلها الصمت، الذي يُظن في البداية أنه يهدئ الأجواء، لكنه يترك المشكلات معلقة ويزيد الهوة العاطفية بين الطرفين.
وأوضحت غيث أن بعض الأزواج يلجأون إلى تسويات ظاهرية لا تعالج جذور الخلاف، ما يُراكم الاستياء الداخلي، وقد يضطر أحدهما إلى تنازلات دائمة تبدو وكأنها قبول، لكنها تخفي شعورًا بالظلم والغضب، ما يعمّق التباعد ويفضي إلى انسحاب تام.
وبينت أن الانكفاء على الذات وقطع التواصل نتيجة حتمية إذا ما تعلم الزوجان مهارات تواصل فعّالة، تبدأ بالتعبير الصريح عن المشاعر دون اتهام، والإنصات الفعّال لما يقوله الطرف الآخر، وتخصيص وقت منتظم للحوار بعيدًا عن الانفعالات، إلى جانب الاعتذار الصادق والمسامحة، وبما يُعيد بناء الروابط العاطفية، ويمنع الصمت من أن يتحول إلى قطيعة طويلة الأمد.
وأوضحت أن بعض الأزواج يلجأون إلى هذا الانسحاب كوسيلة للحفاظ على العلاقة تحت سقف واحد، خاصة حين يتجنبون الطلاق من أجل الأبناء أو بدافع العادة، فيما يُعرف بحالات 'الطلاق الرمادي' بعد سنوات طويلة من الزواج، معتبرة أن هذه الاستراتيجية، رغم نواياها في تجنب التصعيد، تُعدّ من أكثر الأساليب ضررًا على الاستقرار النفسي والعاطفي.
وأكدت الدكتورة غيث أن الاستقرار الظاهري الناتج عن الصمت يخفي غيابًا عميقًا للتواصل، ويؤدي إلى تراجع الرضا، وشعور متبادل بالوحدة وفقدان الأمان، لافتة إلى أن استمرار الانسحاب يترك آثارًا على الصحة النفسية والجسدية، كالتوتر، والأرق، الكبت، والإنهاك العام، مؤكدة أن هذا الانسحاب يؤثر على التركيز والإنتاجية، ويضعف قدرة الطرفين على أداء أدوارهما الأسرية، خاصة تربية الأطفال الذين يحتاجون إلى نموذج قائم على التعاون والتفاهم بين الوالدين.
وحول أثر هذا النمط على الأطفال قالت، إن غياب الحوار بين الأبوين يُربك النمو النفسي والاجتماعي للصغار، ويشعرهم بعدم الأمان، بل وقد يحمل بعضهم مسؤولية إصلاح العلاقة، ما يرسّخ لديهم شعورًا بالعجز وتدني الكفاءة الذاتية، موضحة أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة يغيب فيها التواصل، غالبًا ما يتبنّون لاحقًا 'أنماطا انسحابية' عند مواجهة النزاعات، ما يؤدي إلى تكرار التجربة الزوجية لوالديهم.
ولتجاوز هذه المشكلة دعت الدكتورة غيث الوالدين الى إدراك تأثير صمتهما المتبادل على أبنائهما والمبادرة الى فتح قنوات للتواصل المستمر، وتزويد الأطفال بالمهارات المعرفية والانفعالية لحل النزاعات عبر التفاهم والمشاركة، وبما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويمنحهم نموذجًا إيجابيًا للتعامل مع الاختلافات.
وأكدت غيث أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأثر الانسحاب العاطفي داخل الأسرة، مشددة على ضرورة التفاعل الإيجابي، وتبني حوار منتظم وصريح بين الزوجين، واللجوء إلى المساعدة المهنية من مرشد أسري أو معالج نفسي عند الحاجة، موضحة أنه للتغلب على هذه المشكلة، يجب أن يتعلّم الأزواج تقنيات إدارة الغضب للتعبير عن المشاعر بطريقة صحية، والانخراط بأنشطة مشتركة تساهم بإعادة بناء التواصل وتعزيز التقارب العاطفي داخل الأسرة.
من جهتها تقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة، إن غياب التواصل الأسري له آثار سلبية لا تقتصر على الأسرة فحسب وإنما تمتد أيضا، موضحة أنه حين يغيب الحوار داخل الأسرة، التي تعتبر مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأولى، يُحرم الأبناء من فرص التعلّم العاطفي والتفاعل البنّاء، ما يُنتج أفرادًا لا يملكون مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين وسيكونو أقل قدرة على الاندماج في المجتمع وأكثر ميلًا إلى الانسحاب والانطواء.
وأضافت أن اثار غياب التواصل الأسري تزداد تعقيدًا في ظل ما يُعرف بـ'الاحتراق الزواجي'، وهي حالة من الإنهاك النفسي والعاطفي تصيب العلاقة الزوجية نتيجة التوتر المزمن، وغياب الدعم والتقدير المتبادل، موضحة أن البيئة الأسرية الصامتة أو المشحونة، تتحوّل إلى نمط من التعايش البارد ما ينعكس مباشرة على الأبناء الذين ينشأون في ظل انعدام الأمان العاطفي، وهذا يدفعهم للبحث عن بدائل عاطفية خارجية أو الانسحاب التام.
وبيّنت الرواشدة أن تكرار هذه الأنماط داخل عدد كبير من الأسر يُضعف التماسك الاجتماعي، إذ تتراجع القيم المجتمعية مثل التضامن والاحترام، ويظهر جيل يجد صعوبة في بناء علاقات قائمة على التفاهم والانفتاح، معتبرة أن ضعف التواصل لا يُنتج تفككًا داخليًا فقط، بل يُسهم على المدى البعيد في إضعاف روابط التماسك المجتمعي.
بدوره يؤكد أخصائي الطب النفسي الدكتور عامر الرواجفة أن العلاقة بين الأبوين تنعكس بشكل كبير على الأطفال حتى في المراحل العمرية، مشيراً إلى أن الاعتقاد بأن الطفل لا يتأثر بالخلافات الزوجية أو الانسحاب العاطفي في سن الطفولة المبكرة هو اعتقاد خاطئ.
وبيّن أن كل مرحلة عمرية تتأثر بطريقتها بغياب التواصل بين الوالدين، ما يترك آثاراً نفسية وسلوكية تظهر لاحقاً على شكل اضطرابات كالقلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، واضطرابات الشخصية والمزاج، موضحا أن القلق عند الأطفال قد يتجلى بأعراض مثل التبول اللاإرادي، ومشاكل النوم، والعصبية الزائدة، والميل للعزلة أو العنف، والشعور بالذنب، وصعوبة التكيف مع الآخرين.
وأشار الرواجفة إلى أن استمرار الخلافات أو الصمت داخل الأسرة ينعكس ايضا على تواصل الأطفال مع محيطهم وتحصيلهم الدراسي لاحقاً، مؤكدا أن العديد من الاضطرابات النفسية في سن متقدمة تعود لمشكلات أسرية سابقة، وتنشأ في بيئات يغيب عنها التواصل الأسري السليم.
--(بترا)
التعليقات
مشكلة تبحث عن حل .. بيوت بلا مشاعر تعصف بها "مشكلات صامتة"
التعليقات