في كل مجتمع يسعى للتطور، يظهر صراع واضح بين منطق 'الفكرة' ومنظومة 'العادة'. صراع قديم متجدد، لا يدور بين أشخاص بقدر ما يدور بين ذهنيتين: الأولى تنشد الوعي والتجديد ، والثانية ترتكن إلى التكرار والتلقين، وتعتبر كل خروج عن المألوف تهديدًا ينبغي عزله أو قمعه. في الأردن، هذا الصراع يتجلّى بوضوح، ليس فقط في المواقف من قضايا الفكر والدين والتعليم، بل في تفاصيل حياتنا الاجتماعية اليومية، وعلى رأسها 'الجاهات' . ففي مشهد يتكرر باستمرار، نجد جاهة تُشكّل لحل نزاع أو خطبة عروس أو إصلاح ذات البين، يتصدرها 'وجيه' قد لا يملك من الكفاءة أو الفهم إلا صوته العالي أو موقعه القبلي او العشائري، بينما تسير خلفه النخبة من أساتذة جامعات ومهندسين وأطباء ومحامين وغيرهم الكثيرين، تمامًا كما يسير القطيع خلف 'المريّاع' — ذلك الكبش الذي لا يقود لعقله، بل للنمط الذي اعتادوه. هذه الصورة ليست مجرد تفصيلة فلكلورية، بل تعبير دقيق عن هيمنة 'العادة' على 'الفكرة'، حين تُختزل القيمة في المظهر والموقع لا في الكفاءة والمنطق. فبدلاً من أن يكون القرار الجماعي نابعًا من عقل جمعي واعٍ، يُختزل في صوت فرد، فقط لأنه اعتُبر 'وجيهًا' وفق معايير العشيرة أو المنصب أو المال والتي مازلت مع الاسف تتكرر منذ زمن معاوية ابن ابي سفيان. الانكى من ذلك , وفي بيئة لم يكتمل فيها مشروع التنوير بعد، يُقابَل المفكر بالشبهة، والمجدد بالاتهام، ويُعامل النقد وكأنه خيانة. من يطرح أسئلة حول الموروث، يُنعت بأنه 'ينفصل عن الواقع' أو 'يفسد المجتمع'، وكأن المجتمع لا يُصلَح إلا بإعادة إنتاج السكون. الجهل لا يزول بمرور الزمن، بل حين تُطرح الأسئلة الصعبة، ويُحرر العقل من الطقوس إلى المعنى، وتُستبدل السلطة الهلامية بالعقلية النقدية. فلم يخلّد التاريخ محمدًا ﷺ وعمر بن الخطاب وعليًا وأبا بكر لأنهم كرروا ما سبقهم، بل لأنهم تجاوزوه، لذا, فإن مجتمعنا لن ينهض إلا حين ينتقل من زمن المريّاع إلى زمن الإنسان العاقل. الأسئلة التي يجب أن نطرحها اليوم ليست فقط: من يقود الجاهة؟ بل: لماذا نسمح لمن لا يحمل مشروعًا فكريًا أو إنسانيًا أن يقودنا؟ ومتى نكف عن تقديس الصوت العالي، ونحتكم للعقل؟
د. علي النحلة الحياصات
في كل مجتمع يسعى للتطور، يظهر صراع واضح بين منطق 'الفكرة' ومنظومة 'العادة'. صراع قديم متجدد، لا يدور بين أشخاص بقدر ما يدور بين ذهنيتين: الأولى تنشد الوعي والتجديد ، والثانية ترتكن إلى التكرار والتلقين، وتعتبر كل خروج عن المألوف تهديدًا ينبغي عزله أو قمعه. في الأردن، هذا الصراع يتجلّى بوضوح، ليس فقط في المواقف من قضايا الفكر والدين والتعليم، بل في تفاصيل حياتنا الاجتماعية اليومية، وعلى رأسها 'الجاهات' . ففي مشهد يتكرر باستمرار، نجد جاهة تُشكّل لحل نزاع أو خطبة عروس أو إصلاح ذات البين، يتصدرها 'وجيه' قد لا يملك من الكفاءة أو الفهم إلا صوته العالي أو موقعه القبلي او العشائري، بينما تسير خلفه النخبة من أساتذة جامعات ومهندسين وأطباء ومحامين وغيرهم الكثيرين، تمامًا كما يسير القطيع خلف 'المريّاع' — ذلك الكبش الذي لا يقود لعقله، بل للنمط الذي اعتادوه. هذه الصورة ليست مجرد تفصيلة فلكلورية، بل تعبير دقيق عن هيمنة 'العادة' على 'الفكرة'، حين تُختزل القيمة في المظهر والموقع لا في الكفاءة والمنطق. فبدلاً من أن يكون القرار الجماعي نابعًا من عقل جمعي واعٍ، يُختزل في صوت فرد، فقط لأنه اعتُبر 'وجيهًا' وفق معايير العشيرة أو المنصب أو المال والتي مازلت مع الاسف تتكرر منذ زمن معاوية ابن ابي سفيان. الانكى من ذلك , وفي بيئة لم يكتمل فيها مشروع التنوير بعد، يُقابَل المفكر بالشبهة، والمجدد بالاتهام، ويُعامل النقد وكأنه خيانة. من يطرح أسئلة حول الموروث، يُنعت بأنه 'ينفصل عن الواقع' أو 'يفسد المجتمع'، وكأن المجتمع لا يُصلَح إلا بإعادة إنتاج السكون. الجهل لا يزول بمرور الزمن، بل حين تُطرح الأسئلة الصعبة، ويُحرر العقل من الطقوس إلى المعنى، وتُستبدل السلطة الهلامية بالعقلية النقدية. فلم يخلّد التاريخ محمدًا ﷺ وعمر بن الخطاب وعليًا وأبا بكر لأنهم كرروا ما سبقهم، بل لأنهم تجاوزوه، لذا, فإن مجتمعنا لن ينهض إلا حين ينتقل من زمن المريّاع إلى زمن الإنسان العاقل. الأسئلة التي يجب أن نطرحها اليوم ليست فقط: من يقود الجاهة؟ بل: لماذا نسمح لمن لا يحمل مشروعًا فكريًا أو إنسانيًا أن يقودنا؟ ومتى نكف عن تقديس الصوت العالي، ونحتكم للعقل؟
د. علي النحلة الحياصات
في كل مجتمع يسعى للتطور، يظهر صراع واضح بين منطق 'الفكرة' ومنظومة 'العادة'. صراع قديم متجدد، لا يدور بين أشخاص بقدر ما يدور بين ذهنيتين: الأولى تنشد الوعي والتجديد ، والثانية ترتكن إلى التكرار والتلقين، وتعتبر كل خروج عن المألوف تهديدًا ينبغي عزله أو قمعه. في الأردن، هذا الصراع يتجلّى بوضوح، ليس فقط في المواقف من قضايا الفكر والدين والتعليم، بل في تفاصيل حياتنا الاجتماعية اليومية، وعلى رأسها 'الجاهات' . ففي مشهد يتكرر باستمرار، نجد جاهة تُشكّل لحل نزاع أو خطبة عروس أو إصلاح ذات البين، يتصدرها 'وجيه' قد لا يملك من الكفاءة أو الفهم إلا صوته العالي أو موقعه القبلي او العشائري، بينما تسير خلفه النخبة من أساتذة جامعات ومهندسين وأطباء ومحامين وغيرهم الكثيرين، تمامًا كما يسير القطيع خلف 'المريّاع' — ذلك الكبش الذي لا يقود لعقله، بل للنمط الذي اعتادوه. هذه الصورة ليست مجرد تفصيلة فلكلورية، بل تعبير دقيق عن هيمنة 'العادة' على 'الفكرة'، حين تُختزل القيمة في المظهر والموقع لا في الكفاءة والمنطق. فبدلاً من أن يكون القرار الجماعي نابعًا من عقل جمعي واعٍ، يُختزل في صوت فرد، فقط لأنه اعتُبر 'وجيهًا' وفق معايير العشيرة أو المنصب أو المال والتي مازلت مع الاسف تتكرر منذ زمن معاوية ابن ابي سفيان. الانكى من ذلك , وفي بيئة لم يكتمل فيها مشروع التنوير بعد، يُقابَل المفكر بالشبهة، والمجدد بالاتهام، ويُعامل النقد وكأنه خيانة. من يطرح أسئلة حول الموروث، يُنعت بأنه 'ينفصل عن الواقع' أو 'يفسد المجتمع'، وكأن المجتمع لا يُصلَح إلا بإعادة إنتاج السكون. الجهل لا يزول بمرور الزمن، بل حين تُطرح الأسئلة الصعبة، ويُحرر العقل من الطقوس إلى المعنى، وتُستبدل السلطة الهلامية بالعقلية النقدية. فلم يخلّد التاريخ محمدًا ﷺ وعمر بن الخطاب وعليًا وأبا بكر لأنهم كرروا ما سبقهم، بل لأنهم تجاوزوه، لذا, فإن مجتمعنا لن ينهض إلا حين ينتقل من زمن المريّاع إلى زمن الإنسان العاقل. الأسئلة التي يجب أن نطرحها اليوم ليست فقط: من يقود الجاهة؟ بل: لماذا نسمح لمن لا يحمل مشروعًا فكريًا أو إنسانيًا أن يقودنا؟ ومتى نكف عن تقديس الصوت العالي، ونحتكم للعقل؟
التعليقات
من زمن الجهل الى زمن "المريّاع ": صراع الفكرة والعادة في المجتمع الاردني.
التعليقات