يُعتبر التعليم العالي ركيزة أساسية من ركائز تقدم الدول ونهضتها. وقد اكتسب هذا القطاع أهمية قصوى في الأردن باعتبار أن خريجي مرحلة التعليم العالي هم رأس المال البشري الذي يتم الاستثمار فيه داخل الأردن وخارجه. فمنذ تأسيس امارة شرق الأردن، ومرورا بمختلف المراحل التاريخية، حظي التعليم بشكل عام، والتعليم العالي على نحو خاص، باهتمام القيادة الهاشمية، وكان في طليعة أولوياتها، وتجسّد ذلك الاهتمام أكثر حينما تم تأسيس أول جامعة أردنية عام 1962، وما رافق ذلك من سنِّ تشريعات كانت ثمرتها ازدياد أعداد مؤسسات التعليم العالي، وازدياد أعداد الطلبة الملتحقين بهذه المؤسسات. ورغم ذلك، ما تزال هناك تحديات ذات أهمية، يجب النظر إليها بموضوعية، والتفكُّر في آلية إدارتها، حتى تتحقق الفائدة المرجوة. وسيستعرض هذا المقال، وما يليه من أجزاء أخرى، عددا من هذه التحديات، ويقدم اقتراحات متواضعة لكيفية التعامل معها. يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في الأردن حتى عام 2025 (82) مؤسسة منها (10) جامعات حكومية، و(19) جامعة خاصة و (2) جامعة إقليمية و (51) كلية مجتمع حكومية وخاصة وعسكرية. كما بلغ عدد الطلبة المسجلين للعام الدراسي 2024 / 2025 نحو (474.618) طالبا، منهم 11 % وافدون من أكثر من 113 جنسية، كما بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس (13.906) عضوا، منهم 34 % إناث. كما يبلغ عدد البرامج المطروحة في جميع المؤسسات الأكاديمية المذكورة أكثر من 2,480 برنامجا موزعا على مراحل: الدبلوم، البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه. مع ملاحظة أن النسبة الأكبر للملتحقين يدرسون في التخصصات الانسانية مثل: الحقوق، الإدارة، والعلوم الاجتماعية، مقابل ضعف الإقبال على التخصصات التقنية والمهنية. ورغم هذه النهضة التعليمية، فإنّ مجموعة من التحديات ما تزال قائمة، ويقتضي الأمر إدارتها والتعامل معها بكل جدية واهتمام. التحدي الأول: عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل يُعد عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل أحد أهم التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في الأردن، وهو تحدٍّ له أبعاد اجتماعية واقتصادية وتنموية عميقة. ففي الوقت الذي يتخرج فيه آلاف الطلبة من الجامعات الأردنية سنويا، يعاني السوق من فائض في تخصصات معينة مقابل عجز في أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، وتراجُع مساهمة الجامعات في دعم الاقتصاد الوطني. وتؤكد البيانات المتوافرة ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، إذ أن هناك (1) ارتفاعا في معدلات البطالة بين خريجي الجامعات و (2) كثافة خريجين من تخصصات مشبعة كالحقوق، والإدارة، والعلوم الاجتماعية و (3) نقصا حادا في خريجي التخصصات المهنية والتقنية المتقدمة. ومن المؤكد أن ثمة أسباب تقف وراء هذه المعضلة تتمثل في: (1) ضعف التخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي وعدم مواءمته مع خطط التنمية الاقتصادية، والتغيرات الحادة في البيئة المحلية والعالمية و (2) جمود الخطط الدراسية التي لم تعد قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل، وعدم تحديثها بشكل دوري و (3) ضعف التدريب العملي والتطبيقي للطلبة مما يؤدي في غالب الأحيان إلى ضعف قدراتهم التطبيقية المهنية و (4) انعدام أو محدودية ثقافة العمل المهني في مختلف المراحل الدراسية، وكذلك على صعيد العائلة، الأمر الذي يدفع بالطلبة إلى اختيار تخصصات ذات علاقة بالمكانة الاجتماعية، لكنها تخصصات راكدة أو مشبعة ولا تمثل الاستثمار الحقيقي في التعليم الذي يجب أن يحقق العوائد المرجوة و(5) ضعف ثقافة ريادة الأعمال، فرغم الحديث المتزايد عن ريادة الأعمال والابتكار، لا تزال مؤسسات التعليم العالي مقصّرة في غرس هذه الثقافة فعليًا في نفوس الطلبة، وتوفير البيئة الحاضنة للأفكار الريادية والمشاريع الصغيرة التي يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة. ومما لا شك فيه أن مثل هذا التحدي كمؤشرات وأسباب، من شأنه توليد العديد من السلبيات التي تقتضي العمل للحد من آثارها. ومن هذه السلبيات (1) الارتفاع المتواصل في أعداد الخريجين المتعطلين عن العمل مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر، وما ينتج عن ذلك من مشكلات اجتماعية و (2) انعدام الثقة في مخرجات التعليم العالي و(3) ازدياد ميول الخريجين وبخاصة أصحاب الكفاءات نحو الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن فرص عمل، وهو أمر يتناقض مع أساسيات اقتصاديات التعليم. إن التحديات المذكورة، وما يقف وراءها من أسباب، وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج غير مرغوبة، تتطلب على وجه السرعة، وبعد التشارك والتعاون مع العديد من الأجهزة المختصة وأيضا أصحاب الخبرة والرأي، اتخاذ مجموعة من الإجراءات التحسينية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر (1) مراجعة وتطوير استراتيجية التعليم العالي بما يتواءم مع التطورات التي تحدث في البيئة العالمية وتنعكس آثارها على البيئة المحلية و (2) تعزيز ثقافة ريادة الأعمال وإقامة المشاريع الصغيرة، وكذلك الارشاد والتوجيه المهني بين طلبة جميع المراحل التعليمية و (3) إنشاء قنوات اتصال مفتوحة ودائمة مع القطاع الخاص بجميع مكوناته لرصد متطلبات سوق العمل من معارف ومهارات وكفايات وكذلك لتوسيع مساحة التدريب الميداني للطلبة ليكون تدريبا فعليا لا شكليا و (4) إعادة النظر في البرامج والتخصصات التعليمية المطروحة في الجامعات لتتلاءم مع الاحتياجات المطلوبة لسوق العمل . إن ذلك كله يفرض حتمية القيام باستجابة فورية من جميع الجهات المعنية بهذا القطاع، والعمل على وضع فلسفة عصرية للتعليم العالي (رؤيا ورسالة) تكون نابعة من واقعنا، ومتناغمة مع التحولات العالمية، وتفرز في نهاية المطاف استراتيجية تعليم عال عصرية، قادرة على مواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة في جميع المجالات، وبما ينعكس إيجابا على التنمية المستدامة بجميع أبعادها.
د. هيثم علي حجازي
يُعتبر التعليم العالي ركيزة أساسية من ركائز تقدم الدول ونهضتها. وقد اكتسب هذا القطاع أهمية قصوى في الأردن باعتبار أن خريجي مرحلة التعليم العالي هم رأس المال البشري الذي يتم الاستثمار فيه داخل الأردن وخارجه. فمنذ تأسيس امارة شرق الأردن، ومرورا بمختلف المراحل التاريخية، حظي التعليم بشكل عام، والتعليم العالي على نحو خاص، باهتمام القيادة الهاشمية، وكان في طليعة أولوياتها، وتجسّد ذلك الاهتمام أكثر حينما تم تأسيس أول جامعة أردنية عام 1962، وما رافق ذلك من سنِّ تشريعات كانت ثمرتها ازدياد أعداد مؤسسات التعليم العالي، وازدياد أعداد الطلبة الملتحقين بهذه المؤسسات. ورغم ذلك، ما تزال هناك تحديات ذات أهمية، يجب النظر إليها بموضوعية، والتفكُّر في آلية إدارتها، حتى تتحقق الفائدة المرجوة. وسيستعرض هذا المقال، وما يليه من أجزاء أخرى، عددا من هذه التحديات، ويقدم اقتراحات متواضعة لكيفية التعامل معها. يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في الأردن حتى عام 2025 (82) مؤسسة منها (10) جامعات حكومية، و(19) جامعة خاصة و (2) جامعة إقليمية و (51) كلية مجتمع حكومية وخاصة وعسكرية. كما بلغ عدد الطلبة المسجلين للعام الدراسي 2024 / 2025 نحو (474.618) طالبا، منهم 11 % وافدون من أكثر من 113 جنسية، كما بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس (13.906) عضوا، منهم 34 % إناث. كما يبلغ عدد البرامج المطروحة في جميع المؤسسات الأكاديمية المذكورة أكثر من 2,480 برنامجا موزعا على مراحل: الدبلوم، البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه. مع ملاحظة أن النسبة الأكبر للملتحقين يدرسون في التخصصات الانسانية مثل: الحقوق، الإدارة، والعلوم الاجتماعية، مقابل ضعف الإقبال على التخصصات التقنية والمهنية. ورغم هذه النهضة التعليمية، فإنّ مجموعة من التحديات ما تزال قائمة، ويقتضي الأمر إدارتها والتعامل معها بكل جدية واهتمام. التحدي الأول: عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل يُعد عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل أحد أهم التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في الأردن، وهو تحدٍّ له أبعاد اجتماعية واقتصادية وتنموية عميقة. ففي الوقت الذي يتخرج فيه آلاف الطلبة من الجامعات الأردنية سنويا، يعاني السوق من فائض في تخصصات معينة مقابل عجز في أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، وتراجُع مساهمة الجامعات في دعم الاقتصاد الوطني. وتؤكد البيانات المتوافرة ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، إذ أن هناك (1) ارتفاعا في معدلات البطالة بين خريجي الجامعات و (2) كثافة خريجين من تخصصات مشبعة كالحقوق، والإدارة، والعلوم الاجتماعية و (3) نقصا حادا في خريجي التخصصات المهنية والتقنية المتقدمة. ومن المؤكد أن ثمة أسباب تقف وراء هذه المعضلة تتمثل في: (1) ضعف التخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي وعدم مواءمته مع خطط التنمية الاقتصادية، والتغيرات الحادة في البيئة المحلية والعالمية و (2) جمود الخطط الدراسية التي لم تعد قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل، وعدم تحديثها بشكل دوري و (3) ضعف التدريب العملي والتطبيقي للطلبة مما يؤدي في غالب الأحيان إلى ضعف قدراتهم التطبيقية المهنية و (4) انعدام أو محدودية ثقافة العمل المهني في مختلف المراحل الدراسية، وكذلك على صعيد العائلة، الأمر الذي يدفع بالطلبة إلى اختيار تخصصات ذات علاقة بالمكانة الاجتماعية، لكنها تخصصات راكدة أو مشبعة ولا تمثل الاستثمار الحقيقي في التعليم الذي يجب أن يحقق العوائد المرجوة و(5) ضعف ثقافة ريادة الأعمال، فرغم الحديث المتزايد عن ريادة الأعمال والابتكار، لا تزال مؤسسات التعليم العالي مقصّرة في غرس هذه الثقافة فعليًا في نفوس الطلبة، وتوفير البيئة الحاضنة للأفكار الريادية والمشاريع الصغيرة التي يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة. ومما لا شك فيه أن مثل هذا التحدي كمؤشرات وأسباب، من شأنه توليد العديد من السلبيات التي تقتضي العمل للحد من آثارها. ومن هذه السلبيات (1) الارتفاع المتواصل في أعداد الخريجين المتعطلين عن العمل مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر، وما ينتج عن ذلك من مشكلات اجتماعية و (2) انعدام الثقة في مخرجات التعليم العالي و(3) ازدياد ميول الخريجين وبخاصة أصحاب الكفاءات نحو الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن فرص عمل، وهو أمر يتناقض مع أساسيات اقتصاديات التعليم. إن التحديات المذكورة، وما يقف وراءها من أسباب، وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج غير مرغوبة، تتطلب على وجه السرعة، وبعد التشارك والتعاون مع العديد من الأجهزة المختصة وأيضا أصحاب الخبرة والرأي، اتخاذ مجموعة من الإجراءات التحسينية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر (1) مراجعة وتطوير استراتيجية التعليم العالي بما يتواءم مع التطورات التي تحدث في البيئة العالمية وتنعكس آثارها على البيئة المحلية و (2) تعزيز ثقافة ريادة الأعمال وإقامة المشاريع الصغيرة، وكذلك الارشاد والتوجيه المهني بين طلبة جميع المراحل التعليمية و (3) إنشاء قنوات اتصال مفتوحة ودائمة مع القطاع الخاص بجميع مكوناته لرصد متطلبات سوق العمل من معارف ومهارات وكفايات وكذلك لتوسيع مساحة التدريب الميداني للطلبة ليكون تدريبا فعليا لا شكليا و (4) إعادة النظر في البرامج والتخصصات التعليمية المطروحة في الجامعات لتتلاءم مع الاحتياجات المطلوبة لسوق العمل . إن ذلك كله يفرض حتمية القيام باستجابة فورية من جميع الجهات المعنية بهذا القطاع، والعمل على وضع فلسفة عصرية للتعليم العالي (رؤيا ورسالة) تكون نابعة من واقعنا، ومتناغمة مع التحولات العالمية، وتفرز في نهاية المطاف استراتيجية تعليم عال عصرية، قادرة على مواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة في جميع المجالات، وبما ينعكس إيجابا على التنمية المستدامة بجميع أبعادها.
د. هيثم علي حجازي
يُعتبر التعليم العالي ركيزة أساسية من ركائز تقدم الدول ونهضتها. وقد اكتسب هذا القطاع أهمية قصوى في الأردن باعتبار أن خريجي مرحلة التعليم العالي هم رأس المال البشري الذي يتم الاستثمار فيه داخل الأردن وخارجه. فمنذ تأسيس امارة شرق الأردن، ومرورا بمختلف المراحل التاريخية، حظي التعليم بشكل عام، والتعليم العالي على نحو خاص، باهتمام القيادة الهاشمية، وكان في طليعة أولوياتها، وتجسّد ذلك الاهتمام أكثر حينما تم تأسيس أول جامعة أردنية عام 1962، وما رافق ذلك من سنِّ تشريعات كانت ثمرتها ازدياد أعداد مؤسسات التعليم العالي، وازدياد أعداد الطلبة الملتحقين بهذه المؤسسات. ورغم ذلك، ما تزال هناك تحديات ذات أهمية، يجب النظر إليها بموضوعية، والتفكُّر في آلية إدارتها، حتى تتحقق الفائدة المرجوة. وسيستعرض هذا المقال، وما يليه من أجزاء أخرى، عددا من هذه التحديات، ويقدم اقتراحات متواضعة لكيفية التعامل معها. يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في الأردن حتى عام 2025 (82) مؤسسة منها (10) جامعات حكومية، و(19) جامعة خاصة و (2) جامعة إقليمية و (51) كلية مجتمع حكومية وخاصة وعسكرية. كما بلغ عدد الطلبة المسجلين للعام الدراسي 2024 / 2025 نحو (474.618) طالبا، منهم 11 % وافدون من أكثر من 113 جنسية، كما بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس (13.906) عضوا، منهم 34 % إناث. كما يبلغ عدد البرامج المطروحة في جميع المؤسسات الأكاديمية المذكورة أكثر من 2,480 برنامجا موزعا على مراحل: الدبلوم، البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه. مع ملاحظة أن النسبة الأكبر للملتحقين يدرسون في التخصصات الانسانية مثل: الحقوق، الإدارة، والعلوم الاجتماعية، مقابل ضعف الإقبال على التخصصات التقنية والمهنية. ورغم هذه النهضة التعليمية، فإنّ مجموعة من التحديات ما تزال قائمة، ويقتضي الأمر إدارتها والتعامل معها بكل جدية واهتمام. التحدي الأول: عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل يُعد عدم تناغم مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل أحد أهم التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في الأردن، وهو تحدٍّ له أبعاد اجتماعية واقتصادية وتنموية عميقة. ففي الوقت الذي يتخرج فيه آلاف الطلبة من الجامعات الأردنية سنويا، يعاني السوق من فائض في تخصصات معينة مقابل عجز في أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، وتراجُع مساهمة الجامعات في دعم الاقتصاد الوطني. وتؤكد البيانات المتوافرة ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، إذ أن هناك (1) ارتفاعا في معدلات البطالة بين خريجي الجامعات و (2) كثافة خريجين من تخصصات مشبعة كالحقوق، والإدارة، والعلوم الاجتماعية و (3) نقصا حادا في خريجي التخصصات المهنية والتقنية المتقدمة. ومن المؤكد أن ثمة أسباب تقف وراء هذه المعضلة تتمثل في: (1) ضعف التخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي وعدم مواءمته مع خطط التنمية الاقتصادية، والتغيرات الحادة في البيئة المحلية والعالمية و (2) جمود الخطط الدراسية التي لم تعد قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل، وعدم تحديثها بشكل دوري و (3) ضعف التدريب العملي والتطبيقي للطلبة مما يؤدي في غالب الأحيان إلى ضعف قدراتهم التطبيقية المهنية و (4) انعدام أو محدودية ثقافة العمل المهني في مختلف المراحل الدراسية، وكذلك على صعيد العائلة، الأمر الذي يدفع بالطلبة إلى اختيار تخصصات ذات علاقة بالمكانة الاجتماعية، لكنها تخصصات راكدة أو مشبعة ولا تمثل الاستثمار الحقيقي في التعليم الذي يجب أن يحقق العوائد المرجوة و(5) ضعف ثقافة ريادة الأعمال، فرغم الحديث المتزايد عن ريادة الأعمال والابتكار، لا تزال مؤسسات التعليم العالي مقصّرة في غرس هذه الثقافة فعليًا في نفوس الطلبة، وتوفير البيئة الحاضنة للأفكار الريادية والمشاريع الصغيرة التي يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة. ومما لا شك فيه أن مثل هذا التحدي كمؤشرات وأسباب، من شأنه توليد العديد من السلبيات التي تقتضي العمل للحد من آثارها. ومن هذه السلبيات (1) الارتفاع المتواصل في أعداد الخريجين المتعطلين عن العمل مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر، وما ينتج عن ذلك من مشكلات اجتماعية و (2) انعدام الثقة في مخرجات التعليم العالي و(3) ازدياد ميول الخريجين وبخاصة أصحاب الكفاءات نحو الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن فرص عمل، وهو أمر يتناقض مع أساسيات اقتصاديات التعليم. إن التحديات المذكورة، وما يقف وراءها من أسباب، وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج غير مرغوبة، تتطلب على وجه السرعة، وبعد التشارك والتعاون مع العديد من الأجهزة المختصة وأيضا أصحاب الخبرة والرأي، اتخاذ مجموعة من الإجراءات التحسينية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر (1) مراجعة وتطوير استراتيجية التعليم العالي بما يتواءم مع التطورات التي تحدث في البيئة العالمية وتنعكس آثارها على البيئة المحلية و (2) تعزيز ثقافة ريادة الأعمال وإقامة المشاريع الصغيرة، وكذلك الارشاد والتوجيه المهني بين طلبة جميع المراحل التعليمية و (3) إنشاء قنوات اتصال مفتوحة ودائمة مع القطاع الخاص بجميع مكوناته لرصد متطلبات سوق العمل من معارف ومهارات وكفايات وكذلك لتوسيع مساحة التدريب الميداني للطلبة ليكون تدريبا فعليا لا شكليا و (4) إعادة النظر في البرامج والتخصصات التعليمية المطروحة في الجامعات لتتلاءم مع الاحتياجات المطلوبة لسوق العمل . إن ذلك كله يفرض حتمية القيام باستجابة فورية من جميع الجهات المعنية بهذا القطاع، والعمل على وضع فلسفة عصرية للتعليم العالي (رؤيا ورسالة) تكون نابعة من واقعنا، ومتناغمة مع التحولات العالمية، وتفرز في نهاية المطاف استراتيجية تعليم عال عصرية، قادرة على مواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة في جميع المجالات، وبما ينعكس إيجابا على التنمية المستدامة بجميع أبعادها.
التعليقات