يبقى رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران في حلقة اليوم، من 'سياسي يتذكر'، في فترة الازمة العراقية الكويتية، وارهاصات الحرب على العراق، التي حشدت لها الولايات المتحدة حلفا دوليا وعربيا واسعا. ويتناول بدران اليوم الحركة الدبلوماسية الواسعة التي قادها الراحل الحسين بن طلال، لمنع الوصول الى خيار الحرب على العراق، وحل الازمة سلميا، بما يضمن انسحاب العراق من الكويت، ومنع التدخل العسكري. الا ان بدران يؤكد ان الولايات المتحدة كانت مصرة على الحرب والتدخل العسكري، باعتبارها 'حربا على النفط' اساسا، وضرب القوة العسكرية للعراق، وهو ما كانت تدفع اليه بقوة اسرائيل. كما يستذكر بدران ان بريطانيا ورئيسة وزرائها مارغريت ثاتشر، كانتا الاكثر اندفاعا للخيار العسكري ضد العراق في تلك الازمة، ولم تخف ثاتشر ان هدفها من الحرب هو ليس اعادة العائلة المالكة للكويت، بل الاطاحة بصدام حسين. ويشير بدران الى تقدم العراق إبان الأزمة بعرضه ومبادرته لحل ازمات المنطقة بصورة متوازية، بما فيها القضية الفلسطينية واحتلال اسرائيل لأراض عربية، فيما يستذكر ايضا ازمة تدفق مئات آلاف الوافدين الاجانب والعرب من العراق والكويت الى الاردن في طريقهم الى بلدانهم بعد اجتياح الكويت، وكيف تعامل الاردن مع هذه الازمة بنجاح. وكان بدران استكمل في الحلقة السابقة روايته لمطلع الأزمة العراقية الكويتية، ونقل ما سمعه من الكويتيين في مطار الكويت، قبل عودته والراحل الحسين إلى عمان. وكشف بدران ايضا أن الراحل الحسين استطاع انتزاع موافقة من صدام حسين، على الانسحاب من الكويت، والضغط عليه لحضور اجتماع، اقترح أن يحضره العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز، والملك المغربي الحسن الثاني، والملك الحسين. ويؤكد بدران بأن صدام أبلغ الراحل الحسين، بأنه سينسحب من الكويت بعد الاجتماع، هذا 'إن حصل الاجتماع'. وكشف ايضا تلقي الاردن برقية عاجلة من قيادة منظمة التحرير تلك الفترة تحدثت عن أنباء نقلها مقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلي اسحق رابين، تفيد بأن خطة إسرائيل ستكون جاهزة للتنفيذ بالتزامن مع بدء غارات التحالف الدولي على العراق، بأن تجتاح اسرائيل الأردن وتحتلها. وفيما يلي نص الحلقة الثامنة والعشرين * وصلنا في الحلقة السابقة الى قضية طرح العراق خلال ازمة الكويت ربطا بين حل الازمة بحل ازمة الاحتلال الاسرائيلي؟ - ليس سرا ذلك، وتستطيع العودة لتفاصيل مبادرة العراق، في 12 آب (أغسطس) من العام 90، حيث وضع القضايا العربية في سلة واحدة، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي لحل القضايا العربية، على أساس مقياس واحد، وليس مقاييس المصالح والمؤامرات. وقد دعم الراحل الحسين صدام في ذلك، وقد نأتي على ذلك لاحقا.
*وخلال الحركة الدبلوماسية للراحل الحسين، وأنتم ترافقونه في جولاته بين الدول، ماذا كنتم تسمعون؟ - أذكر بأننا قمنا بزيارة لشمال إفريقيا وأوروبا، وعدنا بانطباعات كثيرة، منها بأن ليبيا موقفها 'مخلخل'، ويقولون بأن التدخل العراقي بالكويت هو سبب التدخل الأجنبي في المنطقة. الجزائر لم تحدد نقاط الحل، إلا أنهم كانوا ضد قرار قمة القاهرة في التدخل الأجنبي. موريتانيا قالت لنا ان التدخل الأجنبي من المحرمات، وقد خرج الأهالي لاستقبالنا، وكان كل خشيتهم على العراق والأمة العربية. المغرب شعرنا بأنهم تفهموا الظروف، التي شرحها الراحل الحسين، وكسبنا نقطة معهم لصالحنا، وبهذا كسبنا أن الدول تلك، إلى جانبنا، مع السودان واليمن. بعد انتقالنا إلى أوروبا، وصلنا اسبانيا، وأوضح رئيس حكومتها وجوب الانسحاب من الكويت، وأنهم ملتزمون بقرار المجموعة الأوروبية، وكانوا يؤيدون مقاطعة العراق، على الحرب ضدها، لكنهم قالوا لنا بأن بعض العرب يريدون ذلك (اي الحرب). بالنسبة لبريطانيا، فكانت تريد الحرب، واسقاط صدام حسين، وموقفهم متشدد ومتطرف جدا، وهناك اكتشفنا، بأن مشكلة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر ليست في عودة أمراء الكويت، الذين قالت عنهم 'ليسوا محبوبين' في منطقتهم، بل واقترح البريطانيون ان يجرى استفتاء حول شرعية الحكم في الكويت، وان كل ما تريده ثاتشر هو اسقاط نظام صدام حسين. الموقف البريطاني كان غاية في التطرف، ويبحث عن اسقاط نظام صدام، وعقلية ثاتشر عقلية 'فكتورية' كاملة، كأنها خارجة من استعمار الهند للتو. بالنسبة للفرنسيين، فقد أبلغنا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، بأنه متألم من موقف العراقيين، ومنزعج من صدام، لكنه ما يزال يعمل على تفعيل مبدأ الحل السلمي السياسي، وليس العسكري. أما ألمانيا، فكانت ضد استخدام القوة، وغمزوا هناك لنا، بأن ثاتشر هي من تدفع جورج بوش الأب، لهذا الموقف ضد العراق. أما إيطاليا، فقد اخذت موقفا بين موقفي فرنسا وبريطانيا، لكنها أيدت الانسحاب من الكويت والحل السلمي. طبعا، في تلك الجولة، فشلت زيارتنا لموسكو، بسبب تضارب المواعيد، وبعدها ذهبنا إلى بغداد، لوضعهم بصورة كل التطورات. قابلت طارق عزيز، وكان كلامه لا يوحي بالتفاؤل، لكنه ليس القائد، لذلك بقيت متفائلا قليلا. في احد الاجتماعات هناك، تحدث قائد عسكري رفيع، وكان اسمه خلدون سلطان، وهو فريق في الجيش العراقي، عن مشاركة السعودية بقرار الحرب ضد العراق، فقاطعناه، وقلنا له، بأن ثاتشر أبلغتنا بأن القوات الأميركية كانت في منتصف الطريق للسعودية، قبل أخذ موافقة السعودية، واعترفت لنا، بأن صدام كان يسبقهم في تفكيره العسكري. كما قلنا للعراقيين، في تلك الزيارة، بأن هناك أفكارا يمكن دعمها إن أبدت العراق المزيد من المرونة، فمن الممكن الانسحاب الأميركي من المنطقة والخليج، وان يكون ذلك متزامنا مع خروج العراق من الكويت، وهذا يدور اليوم في أروقة مجلس الأمن. كما أكدنا لهم، بأن بوش من قال، بأن الحكومة الكويتية ليست مشكلته الرئيسية، وانما الأهم عنده هو انسحاب العراق من الكويت. ونقلنا لهم بأن وزير الخارجية الأميركي، يتحدث عن حلف لأمن الخليج، وأن مبدأ الحلف يوسع الفرز بين الدول العربية في حال إعلانه. لكن ما أود قوله هنا، هو حجة الراحل الحسين عليهم جميعا، عندما قال في تلك الجولة، وبغضب: إن القضية الفلسطينية صار لها 23 عاما، ومع ذلك لم تتحرك الأساطيل، كما في حالة الكويت، فالقدس مقدسة عند الأديان الثلاثة، وإسرائيل أعلنت ضم القدس ولم تحشدوا. وقال 'افترضوا ان إسرائيل احتلت الأردن، فهل ستحشدون ضدها؟!' وطالبهم بوضوح خلال تلك الجولة، بأن يكون المقياس في التعامل مع قضايا الدول هو مقياس واحد. لكن الصدمة كانت رفضهم لمثل هذا الموقف، وأن بعضهم قال بأن القضية ليست قضية الكويت، أو آل الصباح، إنما نفط الخليج.
* بعد تلك الجولة، وزيارتكم للعراق، لشرح الموقف لهم، ماذا سمعتم من العراقيين؟ - فقط أريد أن أكمل لك جوهر موقف الراحل الحسين، الذي نقله للغرب، وبعدها سأقول لك ماذا وجدت العراقيين عليه. الحسين قال للألمان في تلك الزيارة، بأن المنطقة، التي تعيش، وتحتها بركة من النفط، يجب ان لا تحرقوها، لأن صدام لا يريد الاستحواذ على النفط في المنطقة، لكنه يستطيع إحراق سفنه، وإحراق كل نفط المنطقة. الحسين حذر بحسم، من أن هذه هي المرة الأولى، منذ بزوغ فجر الإسلام، التي ستدخل فيها قوات أجنبية، إلى الأراضي المقدسة، وأن الكارثة الأكبر هي في وجود 4 % من الاميركان اليهود في هذه القوات، وأن العرب والمسلمين لو سمعوا بذلك، فستتغير المواقف. وشدد الراحل أن موقف الشارع العربي والإسلامي لا يحتاج إلى دليل على هذا الأمر. اما لماذا يعبر الشعب الأردني عن موقفه علنا، ولا تستطيع بقية شعوب دول المنطقة التعبير مثله، فالفرق هو وجود الديمقراطية في الأردن، أما بقية دول المنطقة فشعوبها مكبوتة. والآن، أقول لك ماذا وجدنا في العراق، ففي تلك الزيارة، كان لقاء الراحل الحسين مع الرئيس صدام صريحا جدا. وكاشف الزعيمان بعضهما، بكل ما يجول في خاطرهما، والنتيجة التي وجدنا صدام ممسكا بها، هي ما طرحه في اجتماع سابق في 12 آب (أغسطس) من العام 1990، وهو الذي تضمن مبادرة العراق في ربط انسحاب العراق من الكويت بحل القضية الفلسطينية، وأن لا عودة عن هذا القرار، فالمرونة ستفسر على أنها تراجع، وصدام قال: 'لا تراجع عن هذا الموقف، والكويت محافظة عراقية، وانتهى الأمر'. في تلك الزيارة، ومن رؤيتك للعراقيين، كانت معنوياتك تنتشي، فهم يضعون أدق الحسابات العسكرية، في قراراتهم، وكانوا يتكلمون بقلب رجل واحد، 'ذاهبين للحرب لو دمرت نصف بغداد'، وتحدثوا عن خطط عسكرية لإخلاء نصف بغداد، إن تعرضت العاصمة العراقية لضرب بالسلاح الذري. القيادة العسكرية أبلغتنا، ونحن في تلك الزيارة، بأن قضية فلسطين معلقة، منذ العام 1948، وقرارات مجلس الأمن تملأ نصف غرفة بالورق، والشعب الفلسطيني يقاسي والأمة العربية في مذلة ووهن شديدين، وأن هناك عربا يكدسون المليارات، وآن أوان تصحيح المسار. في تلك الزيارة، استمعنا من القيادة العسكرية العراقية، الى انه تم تجنيد 1.5 مليون عسكري نظامي، و5 ملايين مواطن للجيش الشعبي، وأن هذا العدد مرشح ليصل إلى 10 ملايين، وأن العلاقة مع إيران في تحسن. وقالوا لنا بأن طارق عزيز سيذهب غدا إلى موسكو، ليبلغ الرئيس ميخائيل غورباتشوف بكل هذه التفاصيل. على الجهة المقابلة، كان وزير الخارجية مروان القاسم، ينفذ جولة دبلوماسية على دول الخليج، وكم كانت تلك الزيارة ثقيلة عليهم، وصعبة علينا. كانت الزيارة بهدف تجديد التوضيحات حول الموقف الأردني. قطر لم تجب على رسالتنا فلم نزرها. عمان، كان السلطان قابوس قد أظهر بعض الإيجابية، خصوصا وأنه لم يتجاوب مع كل مطالب الأميركيين. الإمارات كانت في حالة غضب، ويقولون لنا: 'هيك الملك حسين يعمل فينا! واحنا إللي ساعدناه'، وقالوا لنا: 'الشيخ زايد ينام ملء الجفون بسبب الوجود العسكري الأميركي'، وكذلك البحرين. كانت قلوبهم معبأة ضدنا، ويعتبرون أن موقف الراحل الحسين بكفة، وموقف العالم كله بكفة. كان ذلك يعني بالنسبة لنا في الأردن، قطع المساعدات العربية، وهو ما أبلغناه لمجلس النواب، وأننا بوضع اقتصادي صعب، حيث طلبنا من ليبيا دفع المساعدات، فسألونا عما إذا كان صدام حسين أعطانا من أموال البنك المركزي الكويتي، فأبلغناهم بأن أميركا قالت لنا: بأن صدام حسين لم يستطع فتح خزنة البنك المركزي الكويتي، وفك شيفرة الكمبيوتر الخاص بها. لذلك طلبنا من الليبيين، دفع المساعدات الخاصة بهم، خصوصا وأنهم 'ملأوا' الدنيا كلاما، فقاطعناهم، وقلنا للقذافي: 'يا بتدفع.. يا إما بحياتك لا تدفع'. وقلنا له 'يا الآن الدفع.. وإلا 100 مليار، بعد وقت طويل، لن تنفع'. فالمساعدات انقطعت عن الأردن، وليبيا وحدها من تستطيع المساعدة، فنحن نعيش حصارا اقتصاديا مباشرا، 'هز' القذافي رأسه؛ من دون أن يتكلم ولا كلمة.
*لكن، ثمة من اتهم العراق حينها بأنه يتاجر بالقضية الفلسطينية، خصوصا وأن العملية السياسية لا يمكن قراءتها بهذه العفوية؟ - قد يكون من حقك القول بذلك، أنت أو أي أحد آخر. لكن للأمانة التاريخية، أقول: لما زارنا طارق عزيز في نهاية أيلول (ستمبر) من العام 90، قال ما نصه: إن خطة ميتران نبتة جيدة، وإن العراق ما زال متمسكا بمبادرته، المتضمنة أخذ جميع قرارات مجلس الأمن، ومعاملتها بنفس الطريقة، وعقد مؤتمر لجميع القضايا؛ الكويت وفلسطين ولبنان، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية، حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية، وإن القصد من معركة الكويت إزالة الفوارق، وعدم معاملة الانتفاضة بإذلال، وعدم ترك القضية الفلسطينية بين أمين عام جامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد ومبعوث أميركا للسلام دينس روس. طارق عزيز أبلغنا بأن الرئيس الفرنسي ميتران ثمّن هذا الطرح، والاتحاد السوفياتي كان قد طرح وصفا مماثلا، وأنه دعا ان يتجه الحل العربي بهذا الاتجاه، وأن نتحرك معهم، وإن أراد العالم الحرب فليتفضلوا، وستكون، حسب ما نخطط له في العراق، حربا طويلة، وسنترك المنطقة بلا نفط يحمونه، وإذا كان سعر برميل النفط اليوم 40 دولارا، فسيصل إلى 100 دولار عند قيام الحرب.
* في تلك الأيام، أي قبل إعلان مشاركة سورية في قوات حفر الباطن، كيف كانت العلاقة معهم؟ - بعد احتلال العراق للكويت، زرت دمشق، وكنا متفاهمين على تقدير الموقف، وطبيعة الأزمة التي نعيش فيها. ولم يكن الموقف السوري من احتلال الكويت 'غلطا'، وصدام قالها لي أيضا، إنه لا يستغرب هذا الموقف من أي دولة. لكن القضية المشتركة بيننا وبين السوريين، كانت إسرائيل، فإن سقطت جبهتنا مع إسرائيل، تسقط الجبهة السورية، والعكس صحيح، وكذلك هي المصلحة القومية، للتعامل على هذا المستوى. ولذلك، بقيت حريصا على أن نظل والسوريين قريبين من بعضنا، لكن لا بد من استعادة ذكر أزمة الخلاف الحزبي، بين العراق وسورية، وهي التي دفعت بالسوريين إلى خصومة العراق في حربه مع ايران. وقبل قصف بغداد بأيام، زرت دمشق، وقابلت الرئيس حافظ الأسد، لمدة 6 ساعات متصلة، وقلت له بأن الحرب الدائرة، ليس لنا علاقة بها، وأن العلاقة السورية العراقية، كانت جيدة عندما وصلنا للحال الذي وصلناه. وقلت له بأن قوة العراق لكل العرب، وليست لصدام وحده، وسألت الأسد، كيف سيوفق السوريون بين وجود جيشهم في حفر الباطن، وجيشهم، إذا ما حدث لنا أي شيء، من جهة الإسرائيليين؟!. ليجيبني الرئيس السوري، بأن أي هجوم على الأردن، هو هجوم على سورية، وأن جيشه سيتدخل فورا، ولن يترك الأردن وحده في مواجهة إسرائيل. حاولت في ذلك الاجتماع الطويل، أن أدعو الأسد لمصالحة صدام، لكن الأسد قال لي: بأن الراحل الحسين 'أغلق الباب علي، وعلى صدام، في الجفر لمدة 14 ساعة، من التفاوض على أساس المصالحة، لكن فشل ذلك الاجتماع، بسبب غرور صدام، وغروره هو ما سيقتله'. لكن السبب الجوهري لزيارتي تلك، وهو ما كشفه الأسد، كان الطلب المباشر من حافظ الأسد الموافقة على تأمين الأردن بالنفط، في حال قطع النفط العراقي عن الأردن. ومباشرة أصدر الأسد أوامره لرئيس الوزراء السوري محمود الزعبي، بتأمين احتياجات الأردن من النفط، متى ما طلبت الحكومة ذلك. وبعد خروجي من عند الأسد، قال لي الزعبي، بأن ما طلبته من صلاحياته، وما كان من داع لتدخل الرئيس الأسد بالأمر، فقلت له هكذا أضمن تنفيذ طلبي. فعلا، في احد الأيام، التي طلبت فيها النفط من سورية، منع وزير المواصلات السوري دخول الصهاريج المحملة بالنفط من العاصمة السورية دمشق إلى الحدود السورية الأردنية، فاتصل معه الزعبي وأبلغه بأن الرئيس الأسد هو الذي أمر بذلك، وليس اي أحد آخر.
*بعد أن بدأت أزمة الوافدين من الكويت والعراق إلى الأردن كيف تعاملتم معها؟ -هي بدأت في شهر آب (أغسطس) من العام 90، ولم نلحظ تلك المشكلة في البداية، بعدها بنحو أسبوع من ذات الشهر، بدأت الأعداد تزداد بشكل كبير، وفي نهاية نفس الشهر، اعترفنا بأن الأزمة صارت أكبر من طاقة الأردن. المساعدات التي حصلنا عليها لمواجهة هذه المشكلة، كانت كما أذكرها جيدا، 10 سفن، وطائرتين من السعودية، وواحدة من النرويج. وكنا نواجه في عمان مشكلة توزيع نحو 30 ألف وافد، على المساجد والبيوت. في تلك الفترة، زرنا الرويشد، وقررنا فتح مخيم الشعلان، بنحو 15 كم داخل الأردن، ثم فتحنا المخيم، ووصل عدد الوافدين في أحد الأيام إلى 105 آلاف شخص، وأنشأنا مخيم الرحمة، بين مخيمي الشعلان والرويشد. أما إجمالي المساعدات الطارئة، التي وصلتنا، فكانت 250 ألف دولار، من الولايات المتحدة، و300 ألف دولار من الاتحاد الأوروبي، و5 آلاف كتبرع شخصي من موسى ابو الراغب وآخرين. وكانت أزمة حقيقية، لكن تداركنا ما يمكن تداركه، وكانت أزمة من الممكن أن تتسبب في تعثر اقتصادنا، المتعثر بطبيعة الحال. ولم يكن التعامل معها بالأمر الهين، فأنت لا تتحدث عن كميات المؤن الواجب توفيرها لهذه الأعداد، والتي كنا نحسبها بمنتهى الدقة، لأن ذلك كان على حساب تأمين أبناء شعبنا بالحاجات الأساسية، كما أننا كنا نخشى من الأوبئة الصحية، وتداعيات أي عدوى قد تنتقل من أي وافد آسيوي أو من أي جنسية. وأذكر بأن ممثل الأونروا في عمان، الذي أنهى فترة عمله وكان يستعد للمغادرة، أصر على طلب مقابلتي ووداعي، استغربت إصراره، ووافقت أخيرا، ولما جاءني قال بأن ما قامت به الحكومة الأردنية بتأمين مخيمات الوافدين، وسرعة مغادرتهم لبلادهم، وتأمينهم بالغذاء والماء والدواء، على طول الحدود الأردنية العراقية الصحراوية، كان عملا عجزت عنه الولايات المتحدة، بكل قدرتها، وضرب مثالا على ذلك، في أزمة أكراد العراق، وتأمين نقلهم وتأمين مخيماتهم. فالأردن تعامل مع 360 ألف وافد، دخلوا الأردن في ذلك الوقت، وبوقت قصير، لكن أحسنا التعامل مع الأزمة، ولم يشعر بها أحد.
يبقى رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران في حلقة اليوم، من 'سياسي يتذكر'، في فترة الازمة العراقية الكويتية، وارهاصات الحرب على العراق، التي حشدت لها الولايات المتحدة حلفا دوليا وعربيا واسعا. ويتناول بدران اليوم الحركة الدبلوماسية الواسعة التي قادها الراحل الحسين بن طلال، لمنع الوصول الى خيار الحرب على العراق، وحل الازمة سلميا، بما يضمن انسحاب العراق من الكويت، ومنع التدخل العسكري. الا ان بدران يؤكد ان الولايات المتحدة كانت مصرة على الحرب والتدخل العسكري، باعتبارها 'حربا على النفط' اساسا، وضرب القوة العسكرية للعراق، وهو ما كانت تدفع اليه بقوة اسرائيل. كما يستذكر بدران ان بريطانيا ورئيسة وزرائها مارغريت ثاتشر، كانتا الاكثر اندفاعا للخيار العسكري ضد العراق في تلك الازمة، ولم تخف ثاتشر ان هدفها من الحرب هو ليس اعادة العائلة المالكة للكويت، بل الاطاحة بصدام حسين. ويشير بدران الى تقدم العراق إبان الأزمة بعرضه ومبادرته لحل ازمات المنطقة بصورة متوازية، بما فيها القضية الفلسطينية واحتلال اسرائيل لأراض عربية، فيما يستذكر ايضا ازمة تدفق مئات آلاف الوافدين الاجانب والعرب من العراق والكويت الى الاردن في طريقهم الى بلدانهم بعد اجتياح الكويت، وكيف تعامل الاردن مع هذه الازمة بنجاح. وكان بدران استكمل في الحلقة السابقة روايته لمطلع الأزمة العراقية الكويتية، ونقل ما سمعه من الكويتيين في مطار الكويت، قبل عودته والراحل الحسين إلى عمان. وكشف بدران ايضا أن الراحل الحسين استطاع انتزاع موافقة من صدام حسين، على الانسحاب من الكويت، والضغط عليه لحضور اجتماع، اقترح أن يحضره العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز، والملك المغربي الحسن الثاني، والملك الحسين. ويؤكد بدران بأن صدام أبلغ الراحل الحسين، بأنه سينسحب من الكويت بعد الاجتماع، هذا 'إن حصل الاجتماع'. وكشف ايضا تلقي الاردن برقية عاجلة من قيادة منظمة التحرير تلك الفترة تحدثت عن أنباء نقلها مقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلي اسحق رابين، تفيد بأن خطة إسرائيل ستكون جاهزة للتنفيذ بالتزامن مع بدء غارات التحالف الدولي على العراق، بأن تجتاح اسرائيل الأردن وتحتلها. وفيما يلي نص الحلقة الثامنة والعشرين * وصلنا في الحلقة السابقة الى قضية طرح العراق خلال ازمة الكويت ربطا بين حل الازمة بحل ازمة الاحتلال الاسرائيلي؟ - ليس سرا ذلك، وتستطيع العودة لتفاصيل مبادرة العراق، في 12 آب (أغسطس) من العام 90، حيث وضع القضايا العربية في سلة واحدة، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي لحل القضايا العربية، على أساس مقياس واحد، وليس مقاييس المصالح والمؤامرات. وقد دعم الراحل الحسين صدام في ذلك، وقد نأتي على ذلك لاحقا.
*وخلال الحركة الدبلوماسية للراحل الحسين، وأنتم ترافقونه في جولاته بين الدول، ماذا كنتم تسمعون؟ - أذكر بأننا قمنا بزيارة لشمال إفريقيا وأوروبا، وعدنا بانطباعات كثيرة، منها بأن ليبيا موقفها 'مخلخل'، ويقولون بأن التدخل العراقي بالكويت هو سبب التدخل الأجنبي في المنطقة. الجزائر لم تحدد نقاط الحل، إلا أنهم كانوا ضد قرار قمة القاهرة في التدخل الأجنبي. موريتانيا قالت لنا ان التدخل الأجنبي من المحرمات، وقد خرج الأهالي لاستقبالنا، وكان كل خشيتهم على العراق والأمة العربية. المغرب شعرنا بأنهم تفهموا الظروف، التي شرحها الراحل الحسين، وكسبنا نقطة معهم لصالحنا، وبهذا كسبنا أن الدول تلك، إلى جانبنا، مع السودان واليمن. بعد انتقالنا إلى أوروبا، وصلنا اسبانيا، وأوضح رئيس حكومتها وجوب الانسحاب من الكويت، وأنهم ملتزمون بقرار المجموعة الأوروبية، وكانوا يؤيدون مقاطعة العراق، على الحرب ضدها، لكنهم قالوا لنا بأن بعض العرب يريدون ذلك (اي الحرب). بالنسبة لبريطانيا، فكانت تريد الحرب، واسقاط صدام حسين، وموقفهم متشدد ومتطرف جدا، وهناك اكتشفنا، بأن مشكلة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر ليست في عودة أمراء الكويت، الذين قالت عنهم 'ليسوا محبوبين' في منطقتهم، بل واقترح البريطانيون ان يجرى استفتاء حول شرعية الحكم في الكويت، وان كل ما تريده ثاتشر هو اسقاط نظام صدام حسين. الموقف البريطاني كان غاية في التطرف، ويبحث عن اسقاط نظام صدام، وعقلية ثاتشر عقلية 'فكتورية' كاملة، كأنها خارجة من استعمار الهند للتو. بالنسبة للفرنسيين، فقد أبلغنا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، بأنه متألم من موقف العراقيين، ومنزعج من صدام، لكنه ما يزال يعمل على تفعيل مبدأ الحل السلمي السياسي، وليس العسكري. أما ألمانيا، فكانت ضد استخدام القوة، وغمزوا هناك لنا، بأن ثاتشر هي من تدفع جورج بوش الأب، لهذا الموقف ضد العراق. أما إيطاليا، فقد اخذت موقفا بين موقفي فرنسا وبريطانيا، لكنها أيدت الانسحاب من الكويت والحل السلمي. طبعا، في تلك الجولة، فشلت زيارتنا لموسكو، بسبب تضارب المواعيد، وبعدها ذهبنا إلى بغداد، لوضعهم بصورة كل التطورات. قابلت طارق عزيز، وكان كلامه لا يوحي بالتفاؤل، لكنه ليس القائد، لذلك بقيت متفائلا قليلا. في احد الاجتماعات هناك، تحدث قائد عسكري رفيع، وكان اسمه خلدون سلطان، وهو فريق في الجيش العراقي، عن مشاركة السعودية بقرار الحرب ضد العراق، فقاطعناه، وقلنا له، بأن ثاتشر أبلغتنا بأن القوات الأميركية كانت في منتصف الطريق للسعودية، قبل أخذ موافقة السعودية، واعترفت لنا، بأن صدام كان يسبقهم في تفكيره العسكري. كما قلنا للعراقيين، في تلك الزيارة، بأن هناك أفكارا يمكن دعمها إن أبدت العراق المزيد من المرونة، فمن الممكن الانسحاب الأميركي من المنطقة والخليج، وان يكون ذلك متزامنا مع خروج العراق من الكويت، وهذا يدور اليوم في أروقة مجلس الأمن. كما أكدنا لهم، بأن بوش من قال، بأن الحكومة الكويتية ليست مشكلته الرئيسية، وانما الأهم عنده هو انسحاب العراق من الكويت. ونقلنا لهم بأن وزير الخارجية الأميركي، يتحدث عن حلف لأمن الخليج، وأن مبدأ الحلف يوسع الفرز بين الدول العربية في حال إعلانه. لكن ما أود قوله هنا، هو حجة الراحل الحسين عليهم جميعا، عندما قال في تلك الجولة، وبغضب: إن القضية الفلسطينية صار لها 23 عاما، ومع ذلك لم تتحرك الأساطيل، كما في حالة الكويت، فالقدس مقدسة عند الأديان الثلاثة، وإسرائيل أعلنت ضم القدس ولم تحشدوا. وقال 'افترضوا ان إسرائيل احتلت الأردن، فهل ستحشدون ضدها؟!' وطالبهم بوضوح خلال تلك الجولة، بأن يكون المقياس في التعامل مع قضايا الدول هو مقياس واحد. لكن الصدمة كانت رفضهم لمثل هذا الموقف، وأن بعضهم قال بأن القضية ليست قضية الكويت، أو آل الصباح، إنما نفط الخليج.
* بعد تلك الجولة، وزيارتكم للعراق، لشرح الموقف لهم، ماذا سمعتم من العراقيين؟ - فقط أريد أن أكمل لك جوهر موقف الراحل الحسين، الذي نقله للغرب، وبعدها سأقول لك ماذا وجدت العراقيين عليه. الحسين قال للألمان في تلك الزيارة، بأن المنطقة، التي تعيش، وتحتها بركة من النفط، يجب ان لا تحرقوها، لأن صدام لا يريد الاستحواذ على النفط في المنطقة، لكنه يستطيع إحراق سفنه، وإحراق كل نفط المنطقة. الحسين حذر بحسم، من أن هذه هي المرة الأولى، منذ بزوغ فجر الإسلام، التي ستدخل فيها قوات أجنبية، إلى الأراضي المقدسة، وأن الكارثة الأكبر هي في وجود 4 % من الاميركان اليهود في هذه القوات، وأن العرب والمسلمين لو سمعوا بذلك، فستتغير المواقف. وشدد الراحل أن موقف الشارع العربي والإسلامي لا يحتاج إلى دليل على هذا الأمر. اما لماذا يعبر الشعب الأردني عن موقفه علنا، ولا تستطيع بقية شعوب دول المنطقة التعبير مثله، فالفرق هو وجود الديمقراطية في الأردن، أما بقية دول المنطقة فشعوبها مكبوتة. والآن، أقول لك ماذا وجدنا في العراق، ففي تلك الزيارة، كان لقاء الراحل الحسين مع الرئيس صدام صريحا جدا. وكاشف الزعيمان بعضهما، بكل ما يجول في خاطرهما، والنتيجة التي وجدنا صدام ممسكا بها، هي ما طرحه في اجتماع سابق في 12 آب (أغسطس) من العام 1990، وهو الذي تضمن مبادرة العراق في ربط انسحاب العراق من الكويت بحل القضية الفلسطينية، وأن لا عودة عن هذا القرار، فالمرونة ستفسر على أنها تراجع، وصدام قال: 'لا تراجع عن هذا الموقف، والكويت محافظة عراقية، وانتهى الأمر'. في تلك الزيارة، ومن رؤيتك للعراقيين، كانت معنوياتك تنتشي، فهم يضعون أدق الحسابات العسكرية، في قراراتهم، وكانوا يتكلمون بقلب رجل واحد، 'ذاهبين للحرب لو دمرت نصف بغداد'، وتحدثوا عن خطط عسكرية لإخلاء نصف بغداد، إن تعرضت العاصمة العراقية لضرب بالسلاح الذري. القيادة العسكرية أبلغتنا، ونحن في تلك الزيارة، بأن قضية فلسطين معلقة، منذ العام 1948، وقرارات مجلس الأمن تملأ نصف غرفة بالورق، والشعب الفلسطيني يقاسي والأمة العربية في مذلة ووهن شديدين، وأن هناك عربا يكدسون المليارات، وآن أوان تصحيح المسار. في تلك الزيارة، استمعنا من القيادة العسكرية العراقية، الى انه تم تجنيد 1.5 مليون عسكري نظامي، و5 ملايين مواطن للجيش الشعبي، وأن هذا العدد مرشح ليصل إلى 10 ملايين، وأن العلاقة مع إيران في تحسن. وقالوا لنا بأن طارق عزيز سيذهب غدا إلى موسكو، ليبلغ الرئيس ميخائيل غورباتشوف بكل هذه التفاصيل. على الجهة المقابلة، كان وزير الخارجية مروان القاسم، ينفذ جولة دبلوماسية على دول الخليج، وكم كانت تلك الزيارة ثقيلة عليهم، وصعبة علينا. كانت الزيارة بهدف تجديد التوضيحات حول الموقف الأردني. قطر لم تجب على رسالتنا فلم نزرها. عمان، كان السلطان قابوس قد أظهر بعض الإيجابية، خصوصا وأنه لم يتجاوب مع كل مطالب الأميركيين. الإمارات كانت في حالة غضب، ويقولون لنا: 'هيك الملك حسين يعمل فينا! واحنا إللي ساعدناه'، وقالوا لنا: 'الشيخ زايد ينام ملء الجفون بسبب الوجود العسكري الأميركي'، وكذلك البحرين. كانت قلوبهم معبأة ضدنا، ويعتبرون أن موقف الراحل الحسين بكفة، وموقف العالم كله بكفة. كان ذلك يعني بالنسبة لنا في الأردن، قطع المساعدات العربية، وهو ما أبلغناه لمجلس النواب، وأننا بوضع اقتصادي صعب، حيث طلبنا من ليبيا دفع المساعدات، فسألونا عما إذا كان صدام حسين أعطانا من أموال البنك المركزي الكويتي، فأبلغناهم بأن أميركا قالت لنا: بأن صدام حسين لم يستطع فتح خزنة البنك المركزي الكويتي، وفك شيفرة الكمبيوتر الخاص بها. لذلك طلبنا من الليبيين، دفع المساعدات الخاصة بهم، خصوصا وأنهم 'ملأوا' الدنيا كلاما، فقاطعناهم، وقلنا للقذافي: 'يا بتدفع.. يا إما بحياتك لا تدفع'. وقلنا له 'يا الآن الدفع.. وإلا 100 مليار، بعد وقت طويل، لن تنفع'. فالمساعدات انقطعت عن الأردن، وليبيا وحدها من تستطيع المساعدة، فنحن نعيش حصارا اقتصاديا مباشرا، 'هز' القذافي رأسه؛ من دون أن يتكلم ولا كلمة.
*لكن، ثمة من اتهم العراق حينها بأنه يتاجر بالقضية الفلسطينية، خصوصا وأن العملية السياسية لا يمكن قراءتها بهذه العفوية؟ - قد يكون من حقك القول بذلك، أنت أو أي أحد آخر. لكن للأمانة التاريخية، أقول: لما زارنا طارق عزيز في نهاية أيلول (ستمبر) من العام 90، قال ما نصه: إن خطة ميتران نبتة جيدة، وإن العراق ما زال متمسكا بمبادرته، المتضمنة أخذ جميع قرارات مجلس الأمن، ومعاملتها بنفس الطريقة، وعقد مؤتمر لجميع القضايا؛ الكويت وفلسطين ولبنان، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية، حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية، وإن القصد من معركة الكويت إزالة الفوارق، وعدم معاملة الانتفاضة بإذلال، وعدم ترك القضية الفلسطينية بين أمين عام جامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد ومبعوث أميركا للسلام دينس روس. طارق عزيز أبلغنا بأن الرئيس الفرنسي ميتران ثمّن هذا الطرح، والاتحاد السوفياتي كان قد طرح وصفا مماثلا، وأنه دعا ان يتجه الحل العربي بهذا الاتجاه، وأن نتحرك معهم، وإن أراد العالم الحرب فليتفضلوا، وستكون، حسب ما نخطط له في العراق، حربا طويلة، وسنترك المنطقة بلا نفط يحمونه، وإذا كان سعر برميل النفط اليوم 40 دولارا، فسيصل إلى 100 دولار عند قيام الحرب.
* في تلك الأيام، أي قبل إعلان مشاركة سورية في قوات حفر الباطن، كيف كانت العلاقة معهم؟ - بعد احتلال العراق للكويت، زرت دمشق، وكنا متفاهمين على تقدير الموقف، وطبيعة الأزمة التي نعيش فيها. ولم يكن الموقف السوري من احتلال الكويت 'غلطا'، وصدام قالها لي أيضا، إنه لا يستغرب هذا الموقف من أي دولة. لكن القضية المشتركة بيننا وبين السوريين، كانت إسرائيل، فإن سقطت جبهتنا مع إسرائيل، تسقط الجبهة السورية، والعكس صحيح، وكذلك هي المصلحة القومية، للتعامل على هذا المستوى. ولذلك، بقيت حريصا على أن نظل والسوريين قريبين من بعضنا، لكن لا بد من استعادة ذكر أزمة الخلاف الحزبي، بين العراق وسورية، وهي التي دفعت بالسوريين إلى خصومة العراق في حربه مع ايران. وقبل قصف بغداد بأيام، زرت دمشق، وقابلت الرئيس حافظ الأسد، لمدة 6 ساعات متصلة، وقلت له بأن الحرب الدائرة، ليس لنا علاقة بها، وأن العلاقة السورية العراقية، كانت جيدة عندما وصلنا للحال الذي وصلناه. وقلت له بأن قوة العراق لكل العرب، وليست لصدام وحده، وسألت الأسد، كيف سيوفق السوريون بين وجود جيشهم في حفر الباطن، وجيشهم، إذا ما حدث لنا أي شيء، من جهة الإسرائيليين؟!. ليجيبني الرئيس السوري، بأن أي هجوم على الأردن، هو هجوم على سورية، وأن جيشه سيتدخل فورا، ولن يترك الأردن وحده في مواجهة إسرائيل. حاولت في ذلك الاجتماع الطويل، أن أدعو الأسد لمصالحة صدام، لكن الأسد قال لي: بأن الراحل الحسين 'أغلق الباب علي، وعلى صدام، في الجفر لمدة 14 ساعة، من التفاوض على أساس المصالحة، لكن فشل ذلك الاجتماع، بسبب غرور صدام، وغروره هو ما سيقتله'. لكن السبب الجوهري لزيارتي تلك، وهو ما كشفه الأسد، كان الطلب المباشر من حافظ الأسد الموافقة على تأمين الأردن بالنفط، في حال قطع النفط العراقي عن الأردن. ومباشرة أصدر الأسد أوامره لرئيس الوزراء السوري محمود الزعبي، بتأمين احتياجات الأردن من النفط، متى ما طلبت الحكومة ذلك. وبعد خروجي من عند الأسد، قال لي الزعبي، بأن ما طلبته من صلاحياته، وما كان من داع لتدخل الرئيس الأسد بالأمر، فقلت له هكذا أضمن تنفيذ طلبي. فعلا، في احد الأيام، التي طلبت فيها النفط من سورية، منع وزير المواصلات السوري دخول الصهاريج المحملة بالنفط من العاصمة السورية دمشق إلى الحدود السورية الأردنية، فاتصل معه الزعبي وأبلغه بأن الرئيس الأسد هو الذي أمر بذلك، وليس اي أحد آخر.
*بعد أن بدأت أزمة الوافدين من الكويت والعراق إلى الأردن كيف تعاملتم معها؟ -هي بدأت في شهر آب (أغسطس) من العام 90، ولم نلحظ تلك المشكلة في البداية، بعدها بنحو أسبوع من ذات الشهر، بدأت الأعداد تزداد بشكل كبير، وفي نهاية نفس الشهر، اعترفنا بأن الأزمة صارت أكبر من طاقة الأردن. المساعدات التي حصلنا عليها لمواجهة هذه المشكلة، كانت كما أذكرها جيدا، 10 سفن، وطائرتين من السعودية، وواحدة من النرويج. وكنا نواجه في عمان مشكلة توزيع نحو 30 ألف وافد، على المساجد والبيوت. في تلك الفترة، زرنا الرويشد، وقررنا فتح مخيم الشعلان، بنحو 15 كم داخل الأردن، ثم فتحنا المخيم، ووصل عدد الوافدين في أحد الأيام إلى 105 آلاف شخص، وأنشأنا مخيم الرحمة، بين مخيمي الشعلان والرويشد. أما إجمالي المساعدات الطارئة، التي وصلتنا، فكانت 250 ألف دولار، من الولايات المتحدة، و300 ألف دولار من الاتحاد الأوروبي، و5 آلاف كتبرع شخصي من موسى ابو الراغب وآخرين. وكانت أزمة حقيقية، لكن تداركنا ما يمكن تداركه، وكانت أزمة من الممكن أن تتسبب في تعثر اقتصادنا، المتعثر بطبيعة الحال. ولم يكن التعامل معها بالأمر الهين، فأنت لا تتحدث عن كميات المؤن الواجب توفيرها لهذه الأعداد، والتي كنا نحسبها بمنتهى الدقة، لأن ذلك كان على حساب تأمين أبناء شعبنا بالحاجات الأساسية، كما أننا كنا نخشى من الأوبئة الصحية، وتداعيات أي عدوى قد تنتقل من أي وافد آسيوي أو من أي جنسية. وأذكر بأن ممثل الأونروا في عمان، الذي أنهى فترة عمله وكان يستعد للمغادرة، أصر على طلب مقابلتي ووداعي، استغربت إصراره، ووافقت أخيرا، ولما جاءني قال بأن ما قامت به الحكومة الأردنية بتأمين مخيمات الوافدين، وسرعة مغادرتهم لبلادهم، وتأمينهم بالغذاء والماء والدواء، على طول الحدود الأردنية العراقية الصحراوية، كان عملا عجزت عنه الولايات المتحدة، بكل قدرتها، وضرب مثالا على ذلك، في أزمة أكراد العراق، وتأمين نقلهم وتأمين مخيماتهم. فالأردن تعامل مع 360 ألف وافد، دخلوا الأردن في ذلك الوقت، وبوقت قصير، لكن أحسنا التعامل مع الأزمة، ولم يشعر بها أحد.
يبقى رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران في حلقة اليوم، من 'سياسي يتذكر'، في فترة الازمة العراقية الكويتية، وارهاصات الحرب على العراق، التي حشدت لها الولايات المتحدة حلفا دوليا وعربيا واسعا. ويتناول بدران اليوم الحركة الدبلوماسية الواسعة التي قادها الراحل الحسين بن طلال، لمنع الوصول الى خيار الحرب على العراق، وحل الازمة سلميا، بما يضمن انسحاب العراق من الكويت، ومنع التدخل العسكري. الا ان بدران يؤكد ان الولايات المتحدة كانت مصرة على الحرب والتدخل العسكري، باعتبارها 'حربا على النفط' اساسا، وضرب القوة العسكرية للعراق، وهو ما كانت تدفع اليه بقوة اسرائيل. كما يستذكر بدران ان بريطانيا ورئيسة وزرائها مارغريت ثاتشر، كانتا الاكثر اندفاعا للخيار العسكري ضد العراق في تلك الازمة، ولم تخف ثاتشر ان هدفها من الحرب هو ليس اعادة العائلة المالكة للكويت، بل الاطاحة بصدام حسين. ويشير بدران الى تقدم العراق إبان الأزمة بعرضه ومبادرته لحل ازمات المنطقة بصورة متوازية، بما فيها القضية الفلسطينية واحتلال اسرائيل لأراض عربية، فيما يستذكر ايضا ازمة تدفق مئات آلاف الوافدين الاجانب والعرب من العراق والكويت الى الاردن في طريقهم الى بلدانهم بعد اجتياح الكويت، وكيف تعامل الاردن مع هذه الازمة بنجاح. وكان بدران استكمل في الحلقة السابقة روايته لمطلع الأزمة العراقية الكويتية، ونقل ما سمعه من الكويتيين في مطار الكويت، قبل عودته والراحل الحسين إلى عمان. وكشف بدران ايضا أن الراحل الحسين استطاع انتزاع موافقة من صدام حسين، على الانسحاب من الكويت، والضغط عليه لحضور اجتماع، اقترح أن يحضره العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز، والملك المغربي الحسن الثاني، والملك الحسين. ويؤكد بدران بأن صدام أبلغ الراحل الحسين، بأنه سينسحب من الكويت بعد الاجتماع، هذا 'إن حصل الاجتماع'. وكشف ايضا تلقي الاردن برقية عاجلة من قيادة منظمة التحرير تلك الفترة تحدثت عن أنباء نقلها مقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلي اسحق رابين، تفيد بأن خطة إسرائيل ستكون جاهزة للتنفيذ بالتزامن مع بدء غارات التحالف الدولي على العراق، بأن تجتاح اسرائيل الأردن وتحتلها. وفيما يلي نص الحلقة الثامنة والعشرين * وصلنا في الحلقة السابقة الى قضية طرح العراق خلال ازمة الكويت ربطا بين حل الازمة بحل ازمة الاحتلال الاسرائيلي؟ - ليس سرا ذلك، وتستطيع العودة لتفاصيل مبادرة العراق، في 12 آب (أغسطس) من العام 90، حيث وضع القضايا العربية في سلة واحدة، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي لحل القضايا العربية، على أساس مقياس واحد، وليس مقاييس المصالح والمؤامرات. وقد دعم الراحل الحسين صدام في ذلك، وقد نأتي على ذلك لاحقا.
*وخلال الحركة الدبلوماسية للراحل الحسين، وأنتم ترافقونه في جولاته بين الدول، ماذا كنتم تسمعون؟ - أذكر بأننا قمنا بزيارة لشمال إفريقيا وأوروبا، وعدنا بانطباعات كثيرة، منها بأن ليبيا موقفها 'مخلخل'، ويقولون بأن التدخل العراقي بالكويت هو سبب التدخل الأجنبي في المنطقة. الجزائر لم تحدد نقاط الحل، إلا أنهم كانوا ضد قرار قمة القاهرة في التدخل الأجنبي. موريتانيا قالت لنا ان التدخل الأجنبي من المحرمات، وقد خرج الأهالي لاستقبالنا، وكان كل خشيتهم على العراق والأمة العربية. المغرب شعرنا بأنهم تفهموا الظروف، التي شرحها الراحل الحسين، وكسبنا نقطة معهم لصالحنا، وبهذا كسبنا أن الدول تلك، إلى جانبنا، مع السودان واليمن. بعد انتقالنا إلى أوروبا، وصلنا اسبانيا، وأوضح رئيس حكومتها وجوب الانسحاب من الكويت، وأنهم ملتزمون بقرار المجموعة الأوروبية، وكانوا يؤيدون مقاطعة العراق، على الحرب ضدها، لكنهم قالوا لنا بأن بعض العرب يريدون ذلك (اي الحرب). بالنسبة لبريطانيا، فكانت تريد الحرب، واسقاط صدام حسين، وموقفهم متشدد ومتطرف جدا، وهناك اكتشفنا، بأن مشكلة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر ليست في عودة أمراء الكويت، الذين قالت عنهم 'ليسوا محبوبين' في منطقتهم، بل واقترح البريطانيون ان يجرى استفتاء حول شرعية الحكم في الكويت، وان كل ما تريده ثاتشر هو اسقاط نظام صدام حسين. الموقف البريطاني كان غاية في التطرف، ويبحث عن اسقاط نظام صدام، وعقلية ثاتشر عقلية 'فكتورية' كاملة، كأنها خارجة من استعمار الهند للتو. بالنسبة للفرنسيين، فقد أبلغنا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، بأنه متألم من موقف العراقيين، ومنزعج من صدام، لكنه ما يزال يعمل على تفعيل مبدأ الحل السلمي السياسي، وليس العسكري. أما ألمانيا، فكانت ضد استخدام القوة، وغمزوا هناك لنا، بأن ثاتشر هي من تدفع جورج بوش الأب، لهذا الموقف ضد العراق. أما إيطاليا، فقد اخذت موقفا بين موقفي فرنسا وبريطانيا، لكنها أيدت الانسحاب من الكويت والحل السلمي. طبعا، في تلك الجولة، فشلت زيارتنا لموسكو، بسبب تضارب المواعيد، وبعدها ذهبنا إلى بغداد، لوضعهم بصورة كل التطورات. قابلت طارق عزيز، وكان كلامه لا يوحي بالتفاؤل، لكنه ليس القائد، لذلك بقيت متفائلا قليلا. في احد الاجتماعات هناك، تحدث قائد عسكري رفيع، وكان اسمه خلدون سلطان، وهو فريق في الجيش العراقي، عن مشاركة السعودية بقرار الحرب ضد العراق، فقاطعناه، وقلنا له، بأن ثاتشر أبلغتنا بأن القوات الأميركية كانت في منتصف الطريق للسعودية، قبل أخذ موافقة السعودية، واعترفت لنا، بأن صدام كان يسبقهم في تفكيره العسكري. كما قلنا للعراقيين، في تلك الزيارة، بأن هناك أفكارا يمكن دعمها إن أبدت العراق المزيد من المرونة، فمن الممكن الانسحاب الأميركي من المنطقة والخليج، وان يكون ذلك متزامنا مع خروج العراق من الكويت، وهذا يدور اليوم في أروقة مجلس الأمن. كما أكدنا لهم، بأن بوش من قال، بأن الحكومة الكويتية ليست مشكلته الرئيسية، وانما الأهم عنده هو انسحاب العراق من الكويت. ونقلنا لهم بأن وزير الخارجية الأميركي، يتحدث عن حلف لأمن الخليج، وأن مبدأ الحلف يوسع الفرز بين الدول العربية في حال إعلانه. لكن ما أود قوله هنا، هو حجة الراحل الحسين عليهم جميعا، عندما قال في تلك الجولة، وبغضب: إن القضية الفلسطينية صار لها 23 عاما، ومع ذلك لم تتحرك الأساطيل، كما في حالة الكويت، فالقدس مقدسة عند الأديان الثلاثة، وإسرائيل أعلنت ضم القدس ولم تحشدوا. وقال 'افترضوا ان إسرائيل احتلت الأردن، فهل ستحشدون ضدها؟!' وطالبهم بوضوح خلال تلك الجولة، بأن يكون المقياس في التعامل مع قضايا الدول هو مقياس واحد. لكن الصدمة كانت رفضهم لمثل هذا الموقف، وأن بعضهم قال بأن القضية ليست قضية الكويت، أو آل الصباح، إنما نفط الخليج.
* بعد تلك الجولة، وزيارتكم للعراق، لشرح الموقف لهم، ماذا سمعتم من العراقيين؟ - فقط أريد أن أكمل لك جوهر موقف الراحل الحسين، الذي نقله للغرب، وبعدها سأقول لك ماذا وجدت العراقيين عليه. الحسين قال للألمان في تلك الزيارة، بأن المنطقة، التي تعيش، وتحتها بركة من النفط، يجب ان لا تحرقوها، لأن صدام لا يريد الاستحواذ على النفط في المنطقة، لكنه يستطيع إحراق سفنه، وإحراق كل نفط المنطقة. الحسين حذر بحسم، من أن هذه هي المرة الأولى، منذ بزوغ فجر الإسلام، التي ستدخل فيها قوات أجنبية، إلى الأراضي المقدسة، وأن الكارثة الأكبر هي في وجود 4 % من الاميركان اليهود في هذه القوات، وأن العرب والمسلمين لو سمعوا بذلك، فستتغير المواقف. وشدد الراحل أن موقف الشارع العربي والإسلامي لا يحتاج إلى دليل على هذا الأمر. اما لماذا يعبر الشعب الأردني عن موقفه علنا، ولا تستطيع بقية شعوب دول المنطقة التعبير مثله، فالفرق هو وجود الديمقراطية في الأردن، أما بقية دول المنطقة فشعوبها مكبوتة. والآن، أقول لك ماذا وجدنا في العراق، ففي تلك الزيارة، كان لقاء الراحل الحسين مع الرئيس صدام صريحا جدا. وكاشف الزعيمان بعضهما، بكل ما يجول في خاطرهما، والنتيجة التي وجدنا صدام ممسكا بها، هي ما طرحه في اجتماع سابق في 12 آب (أغسطس) من العام 1990، وهو الذي تضمن مبادرة العراق في ربط انسحاب العراق من الكويت بحل القضية الفلسطينية، وأن لا عودة عن هذا القرار، فالمرونة ستفسر على أنها تراجع، وصدام قال: 'لا تراجع عن هذا الموقف، والكويت محافظة عراقية، وانتهى الأمر'. في تلك الزيارة، ومن رؤيتك للعراقيين، كانت معنوياتك تنتشي، فهم يضعون أدق الحسابات العسكرية، في قراراتهم، وكانوا يتكلمون بقلب رجل واحد، 'ذاهبين للحرب لو دمرت نصف بغداد'، وتحدثوا عن خطط عسكرية لإخلاء نصف بغداد، إن تعرضت العاصمة العراقية لضرب بالسلاح الذري. القيادة العسكرية أبلغتنا، ونحن في تلك الزيارة، بأن قضية فلسطين معلقة، منذ العام 1948، وقرارات مجلس الأمن تملأ نصف غرفة بالورق، والشعب الفلسطيني يقاسي والأمة العربية في مذلة ووهن شديدين، وأن هناك عربا يكدسون المليارات، وآن أوان تصحيح المسار. في تلك الزيارة، استمعنا من القيادة العسكرية العراقية، الى انه تم تجنيد 1.5 مليون عسكري نظامي، و5 ملايين مواطن للجيش الشعبي، وأن هذا العدد مرشح ليصل إلى 10 ملايين، وأن العلاقة مع إيران في تحسن. وقالوا لنا بأن طارق عزيز سيذهب غدا إلى موسكو، ليبلغ الرئيس ميخائيل غورباتشوف بكل هذه التفاصيل. على الجهة المقابلة، كان وزير الخارجية مروان القاسم، ينفذ جولة دبلوماسية على دول الخليج، وكم كانت تلك الزيارة ثقيلة عليهم، وصعبة علينا. كانت الزيارة بهدف تجديد التوضيحات حول الموقف الأردني. قطر لم تجب على رسالتنا فلم نزرها. عمان، كان السلطان قابوس قد أظهر بعض الإيجابية، خصوصا وأنه لم يتجاوب مع كل مطالب الأميركيين. الإمارات كانت في حالة غضب، ويقولون لنا: 'هيك الملك حسين يعمل فينا! واحنا إللي ساعدناه'، وقالوا لنا: 'الشيخ زايد ينام ملء الجفون بسبب الوجود العسكري الأميركي'، وكذلك البحرين. كانت قلوبهم معبأة ضدنا، ويعتبرون أن موقف الراحل الحسين بكفة، وموقف العالم كله بكفة. كان ذلك يعني بالنسبة لنا في الأردن، قطع المساعدات العربية، وهو ما أبلغناه لمجلس النواب، وأننا بوضع اقتصادي صعب، حيث طلبنا من ليبيا دفع المساعدات، فسألونا عما إذا كان صدام حسين أعطانا من أموال البنك المركزي الكويتي، فأبلغناهم بأن أميركا قالت لنا: بأن صدام حسين لم يستطع فتح خزنة البنك المركزي الكويتي، وفك شيفرة الكمبيوتر الخاص بها. لذلك طلبنا من الليبيين، دفع المساعدات الخاصة بهم، خصوصا وأنهم 'ملأوا' الدنيا كلاما، فقاطعناهم، وقلنا للقذافي: 'يا بتدفع.. يا إما بحياتك لا تدفع'. وقلنا له 'يا الآن الدفع.. وإلا 100 مليار، بعد وقت طويل، لن تنفع'. فالمساعدات انقطعت عن الأردن، وليبيا وحدها من تستطيع المساعدة، فنحن نعيش حصارا اقتصاديا مباشرا، 'هز' القذافي رأسه؛ من دون أن يتكلم ولا كلمة.
*لكن، ثمة من اتهم العراق حينها بأنه يتاجر بالقضية الفلسطينية، خصوصا وأن العملية السياسية لا يمكن قراءتها بهذه العفوية؟ - قد يكون من حقك القول بذلك، أنت أو أي أحد آخر. لكن للأمانة التاريخية، أقول: لما زارنا طارق عزيز في نهاية أيلول (ستمبر) من العام 90، قال ما نصه: إن خطة ميتران نبتة جيدة، وإن العراق ما زال متمسكا بمبادرته، المتضمنة أخذ جميع قرارات مجلس الأمن، ومعاملتها بنفس الطريقة، وعقد مؤتمر لجميع القضايا؛ الكويت وفلسطين ولبنان، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية، حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية، وإن القصد من معركة الكويت إزالة الفوارق، وعدم معاملة الانتفاضة بإذلال، وعدم ترك القضية الفلسطينية بين أمين عام جامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد ومبعوث أميركا للسلام دينس روس. طارق عزيز أبلغنا بأن الرئيس الفرنسي ميتران ثمّن هذا الطرح، والاتحاد السوفياتي كان قد طرح وصفا مماثلا، وأنه دعا ان يتجه الحل العربي بهذا الاتجاه، وأن نتحرك معهم، وإن أراد العالم الحرب فليتفضلوا، وستكون، حسب ما نخطط له في العراق، حربا طويلة، وسنترك المنطقة بلا نفط يحمونه، وإذا كان سعر برميل النفط اليوم 40 دولارا، فسيصل إلى 100 دولار عند قيام الحرب.
* في تلك الأيام، أي قبل إعلان مشاركة سورية في قوات حفر الباطن، كيف كانت العلاقة معهم؟ - بعد احتلال العراق للكويت، زرت دمشق، وكنا متفاهمين على تقدير الموقف، وطبيعة الأزمة التي نعيش فيها. ولم يكن الموقف السوري من احتلال الكويت 'غلطا'، وصدام قالها لي أيضا، إنه لا يستغرب هذا الموقف من أي دولة. لكن القضية المشتركة بيننا وبين السوريين، كانت إسرائيل، فإن سقطت جبهتنا مع إسرائيل، تسقط الجبهة السورية، والعكس صحيح، وكذلك هي المصلحة القومية، للتعامل على هذا المستوى. ولذلك، بقيت حريصا على أن نظل والسوريين قريبين من بعضنا، لكن لا بد من استعادة ذكر أزمة الخلاف الحزبي، بين العراق وسورية، وهي التي دفعت بالسوريين إلى خصومة العراق في حربه مع ايران. وقبل قصف بغداد بأيام، زرت دمشق، وقابلت الرئيس حافظ الأسد، لمدة 6 ساعات متصلة، وقلت له بأن الحرب الدائرة، ليس لنا علاقة بها، وأن العلاقة السورية العراقية، كانت جيدة عندما وصلنا للحال الذي وصلناه. وقلت له بأن قوة العراق لكل العرب، وليست لصدام وحده، وسألت الأسد، كيف سيوفق السوريون بين وجود جيشهم في حفر الباطن، وجيشهم، إذا ما حدث لنا أي شيء، من جهة الإسرائيليين؟!. ليجيبني الرئيس السوري، بأن أي هجوم على الأردن، هو هجوم على سورية، وأن جيشه سيتدخل فورا، ولن يترك الأردن وحده في مواجهة إسرائيل. حاولت في ذلك الاجتماع الطويل، أن أدعو الأسد لمصالحة صدام، لكن الأسد قال لي: بأن الراحل الحسين 'أغلق الباب علي، وعلى صدام، في الجفر لمدة 14 ساعة، من التفاوض على أساس المصالحة، لكن فشل ذلك الاجتماع، بسبب غرور صدام، وغروره هو ما سيقتله'. لكن السبب الجوهري لزيارتي تلك، وهو ما كشفه الأسد، كان الطلب المباشر من حافظ الأسد الموافقة على تأمين الأردن بالنفط، في حال قطع النفط العراقي عن الأردن. ومباشرة أصدر الأسد أوامره لرئيس الوزراء السوري محمود الزعبي، بتأمين احتياجات الأردن من النفط، متى ما طلبت الحكومة ذلك. وبعد خروجي من عند الأسد، قال لي الزعبي، بأن ما طلبته من صلاحياته، وما كان من داع لتدخل الرئيس الأسد بالأمر، فقلت له هكذا أضمن تنفيذ طلبي. فعلا، في احد الأيام، التي طلبت فيها النفط من سورية، منع وزير المواصلات السوري دخول الصهاريج المحملة بالنفط من العاصمة السورية دمشق إلى الحدود السورية الأردنية، فاتصل معه الزعبي وأبلغه بأن الرئيس الأسد هو الذي أمر بذلك، وليس اي أحد آخر.
*بعد أن بدأت أزمة الوافدين من الكويت والعراق إلى الأردن كيف تعاملتم معها؟ -هي بدأت في شهر آب (أغسطس) من العام 90، ولم نلحظ تلك المشكلة في البداية، بعدها بنحو أسبوع من ذات الشهر، بدأت الأعداد تزداد بشكل كبير، وفي نهاية نفس الشهر، اعترفنا بأن الأزمة صارت أكبر من طاقة الأردن. المساعدات التي حصلنا عليها لمواجهة هذه المشكلة، كانت كما أذكرها جيدا، 10 سفن، وطائرتين من السعودية، وواحدة من النرويج. وكنا نواجه في عمان مشكلة توزيع نحو 30 ألف وافد، على المساجد والبيوت. في تلك الفترة، زرنا الرويشد، وقررنا فتح مخيم الشعلان، بنحو 15 كم داخل الأردن، ثم فتحنا المخيم، ووصل عدد الوافدين في أحد الأيام إلى 105 آلاف شخص، وأنشأنا مخيم الرحمة، بين مخيمي الشعلان والرويشد. أما إجمالي المساعدات الطارئة، التي وصلتنا، فكانت 250 ألف دولار، من الولايات المتحدة، و300 ألف دولار من الاتحاد الأوروبي، و5 آلاف كتبرع شخصي من موسى ابو الراغب وآخرين. وكانت أزمة حقيقية، لكن تداركنا ما يمكن تداركه، وكانت أزمة من الممكن أن تتسبب في تعثر اقتصادنا، المتعثر بطبيعة الحال. ولم يكن التعامل معها بالأمر الهين، فأنت لا تتحدث عن كميات المؤن الواجب توفيرها لهذه الأعداد، والتي كنا نحسبها بمنتهى الدقة، لأن ذلك كان على حساب تأمين أبناء شعبنا بالحاجات الأساسية، كما أننا كنا نخشى من الأوبئة الصحية، وتداعيات أي عدوى قد تنتقل من أي وافد آسيوي أو من أي جنسية. وأذكر بأن ممثل الأونروا في عمان، الذي أنهى فترة عمله وكان يستعد للمغادرة، أصر على طلب مقابلتي ووداعي، استغربت إصراره، ووافقت أخيرا، ولما جاءني قال بأن ما قامت به الحكومة الأردنية بتأمين مخيمات الوافدين، وسرعة مغادرتهم لبلادهم، وتأمينهم بالغذاء والماء والدواء، على طول الحدود الأردنية العراقية الصحراوية، كان عملا عجزت عنه الولايات المتحدة، بكل قدرتها، وضرب مثالا على ذلك، في أزمة أكراد العراق، وتأمين نقلهم وتأمين مخيماتهم. فالأردن تعامل مع 360 ألف وافد، دخلوا الأردن في ذلك الوقت، وبوقت قصير، لكن أحسنا التعامل مع الأزمة، ولم يشعر بها أحد.
التعليقات
بدران: الأسد تعهد بالتدخل لصالح الأردن ضد اسرائيل عشية حرب العراق
التعليقات