إذا وقعت الثورة لا تلجأوا لاعمال البلطجة ومسيرات التأييد ولا جدوى من التشويش وقطع الاتصالات .
صدر في القاهرة قبل يومين التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق لاحداث ثورة '25 يناير' التي اطاحت بنظام مبارك والاسباب التي دفعت المصريين الى الثورة.
النظام المصري سقط وانتهى ولن يستفيد شيئا من توصيات التقرير, ولو سمحت الظروف الصحية لمبارك الاطلاع عليه لشعر بالاسى والحسرة ولتمنى ان يعود به الزمن الى الوراء ليأخذ بما ورد فيه من نصائح ولكان تجنب حالة الذل التي يعيش فيها الآن.
إذا كان التقرير لا يفيد مبارك في شيء فان اللجنة المصرية تقدم هدية ثمينة لكل الانظمة العربية, التي تواجه حالة غير مسبوقة من الاحتجاجات والاضطرابات وعدم الاستقرار وتبحث عن وصفة الخلاص والامان لمستقبل شعوبها واوطانها.
الاسباب التي ادت الى ثورة المصريين على نظام مبارك هي نفس الاسباب التي تدفع باقي الشعوب العربية الى الثورة على انظمتها وتتلخص بالتالي:- دستور يعطي صلاحيات مطلقة للحاكم من شأنها ان تخلق 'دكتاتورا محصنا من اي عقاب او مسؤولية' التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب, حكومات رجال الاعمال التي 'جمعت بين المال والسلطة بمعزل عن الجماهير والمواطنين'. وفوق ذلك 'السلطات والصلاحيات الواسعة للنخبة الحاكمة وفي صدارتها رئيس الدولة, والتي لا تقابلها المسؤولية, والتي خولت له التحكم في مصائر الدولة دون ان يطاله اي اجراء او عقاب'. والسبب الآخر المهم هو: 'الفساد المالي والاداري واقصاء الكفاءات والتضليل الاعلامي بالترويج لديمقراطية نظام الحكم, على عكس ما كان يتم على ارض الواقع ، لان ذلك اوجد مناخا متدهورا فقد الاعلام الحكومي فيه مصداقيته واصبح معه عاجزا عن تكوين رأي عام صحيح'.
السبب الاخير والمهم هو فرض مشروع توريث رئاسة البلاد في 'الجمهوريات' رغم المعارضة الشعبية الواسعة.
معالجة هذه الاسباب هي الكفيلة بمنع الثورات اما اذا كان النظام السياسي يعاني من هذه العلل ووقعت الثورة قبل ان يتمكن من تدارك الوضع فعليه ان يتجنب المحاذير التالية لان الوقوع فيها يزيد من نقمة الشعب على الحاكم ويدفع بشعار 'الشعب يريد اسقاط النظام' الى الواجهة:
عدم التورط في اطلاق النار على المتظاهرين او اصدار الاوامر بقمع الاحتجاجات بقوة النار والسلاح كما حدث في ميدان التحرير وسط القاهرة وكانت النتيجة ان اندفع الملايين الى الشارع غضبا وسخطا على جرائم النظام. عدم اللجوء الى 'البلطجة' او 'الشبيحة' وتدبير مسيرات التأييد للنظام كما حصل في مصر, لان في ذلك استفزازا للمتظاهرين ليزيدهم اصرارا على المواجهة. 'قطع الاتصالات عن طريق الشبكات الهاتفية الجوالة والانترنت والتشويش على القنوات' اسلوب غير مجد في حجب الاخبار او اعاقة المتظاهرين من الوصول الى اماكن التجمع, فضلا عن انه اسلوب متخلف يُظهر عجز النظام ويستخدم اداة لادانته عالميا.
اما الانظمة التي لم تقع فيها ثورات وتريد تجنب الانتفاضات و 'الهبات' فما عليها سوى الاخذ بتوصيات الاشقاء المصريين وهي: 'وضع دستور جديد يقيم بنيانا ديمقراطيا', اعادة النظر بجميع القوانين المقيدة للحريات وضمان انتخابات نزيهة يشرف عليها القضاء اشرافا حقيقيا. واعادة النظر بقانون الاحزاب وجميع القوانين المنظمة للحقوق والحريات العامة. على المستوى الاقتصادي اعادة النظر في الاعفاءات الممنوحة لرجال الاعمال مع فرض ضرائب تصاعدية على الدخل. ومراجعة النظام التعليمي, تأمين استقلال القضاء استقلالا حقيقيا, والغاء جميع صور القضاء الاستثنائي.
على المستوى الامني اوصت اللجنة بتحديث الجهاز الامني بما يضمن كفاءته المهنية واحترامه للقانون وحقوق الانسان, وألا يترك الامر بيد الامن وحده لحل مشكلات المواطنين وتأهيل عناصره نفسيا ومهنيا.
على المستوى الاداري, القضاء على الفساد وتحديث جهاز الدولة الاداري لزيادة كفاءته وفتح منافذ الشفافية للحفاظ على المال العام, ووضع نظام صحي يقدم الرعاية الصحية المجانية لكل ابناء الوطن.
تلك هي خلاصة تجربة لشعب عربي يضعها اليوم أمام كل الانظمة العربية, لعلها تتعظ وتجنب شعوبها التضحيات والالام ويجنب الحكام انفسهم ذل السقوط وهوان السجون.
القذافي وصالح لم يتعلما الدرس.. فهل يفهم الآخرون قبل فوات الاوان?0
التعليقات