لعل موافقة نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على اجراء المفاوضات مع الفلسطينيين في هذا الوقت بالذات بعد ان رفض ذلك بضع مرات وامام المجتمع الدولي؛ يعود الى قرب مناقشة قضية اعلان الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة، بعد ان لمس ان هناك دولا عديدة أعربت عن رغبتها في مساندة الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بعد اكثر من اثنين وستين عاماً من الاحتلال الاسرائيلي البغيض للاراضي الفلسطينية واتخاذ وسائل قمعية لقتل الفلسطينيين واسرهم، والاستيلاء على اراضيهم واستباحة مقدساتهم، وتعزيز شوكة المستوطنين في مدن القدس وبيت لحم والخليل، وتكريس يهودية الدولة فضلاً عن مقاضاة كل من يوافق على الاحتفال بيوم النكبة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم في المنطقة الخضراء اي فلسطينيي عام 1948.
هذا الاذعان من قبل نتنياهو جاء بعد ادراكه بأن الدول الصديقة، عازمة على دعم السلطة الفلسطينية في قرارها باعلان الدولة بعد ان اعربت حوالي (25) دولة مجدداً عن استعدادها لدعم الطلب العربي في الجمعية العامة وفي الامم المتحدة خاصة وان المفاوضات التي ينشدها الفلسطينيون لا ترى اذناً صاغية من الاسرائيليين بل انها تجيء «ذراً للرماد في العيون في المرحلة الحالية من منظار جدية الاسرائيليين على الرغبة في احلال السلام في المنطقة ورغبتها في الموافقة على قرارات اللجنة الرباعية الاخيرة».
فاذا كانت اسرائيل جادة في هذه الموافقة، فلماذا لا تُعلن موافقتها على خريطة الطريق، او مبادرة السلام العربية، او خطة اوباما لعام 1967 وهي التي رفضت من القيادة الاسرائيلية كافة بحجة انها لا توفر الامن للاسرائيليين!!
ان هذه الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة تجيء في ضوء الضغط التي تبذله الولايات المتحدة على الفلسطينيين حالياً لاقرار سياسة التفاوض والتخلي عن عرض القضية الفلسطينية مجدداً على الامم المتحدة، والسعي الاميركي لثني السلطة عن اتخاذ مخارج جديدة بهذا التوجه، علماً بأن الادارة الاميركية هددت اكثر من مرة باستخدام الفيتو في مجلس الامن اذا ما عرضت مسألة اقامة الدولة الفلسطينية على الامم المتحدة في ايلول المقبل.
ولعل هذا الموقف الاسرائيلي الجديد ينسجم مع ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك نوتر عندما سئل عن أهمية مواقف نتنياهو الجديدة بموافقته «الجريئة» على خطاب اوباما، حيث نأكد ان جهود الادارة الاميركية تنصب على كيفية تجاوز المأزق بين الجانبين وعلى العمل بكل قوة لايجاد طريق للعودة الى المفاوضات قبل ذهاب الفلسطينيين الى الامم المتحدة. وهذه المواقف الاسرائيلية التي لا تتسم بالصدق او الرغبة في احلال السلام في المنطقة تجيء ايضا في ضوء اقامة مشاريع استيطانية جديدة في مدينة القدس تصل الى (7000) مستوطنة، وفي وقت حذر فيه الأمين العام للامم المتحدة من ضرورة وقف اسرائيل لهذه المستوطنات، والتي وصفها تقرير دولي بأنها «غير قانونية بموجب القانون الانساني الدولي بغض النظر عن وضعها التخطيطي فضلا عن ان المستوطنات تُعتبر احد العوامل الرئيسة وراء القيود المفوضة على الوصول الى السلام وانعدام الأمن وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية مما يقوض الظروف المعيشية للعديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية!
ونتساءل لماذا يتجدد الموقف الاميركي الداعم لنتنياهو باجراء المفاوضات قبل التوجه للامم المتحدة، خاصة وان هذه المفاوضات التي يريدها الاسرائيليون تعتبر مناورات جديدة رفضها الفلسطينيون؟! وهي ليست الا أضاليل وعلاقات عامة، وتنطلق من رؤية اميركية – اسرايلية تهدف الى كسب الوقت بهذه المفاوضات لاستئنافها قبيل اجتماعات الجمعية العامة علماً بأن المحللين والمراقبين يعتقدون بأن هذا التحرك الاميركي والقبول الاسرائيلي الجزئي لخطة اوباما لن يُحقق اي شيء ذا قيمة او مصداقية، وان الجهود الاميركية الحالية خلال الاسابيع المقبلة، ليس هدفها الا «اجهاض واحباط المسعى الفلسطيني المدعوم عربيا ودوليا للاعتراف بدولة فلسطينية»، وبالرغم من ان البعض يرى انه حتى اذا نجح الفلسطينيون بالحصول على الاعتراف بدولتهم فان ذلك لن يُغير كثيراً من الحقائق على الارض، بل انه يعتبر بمثابة نصر معنوي على ممارسات اسرائيل العدوانية والدعم الاميركي لهذه السياسة الخرقاء!!
هذه الحركات الاميركية الرامية لاستئناف المفاوضات انطلقت ايضا بعد فشل حكومة نتنياهو في التهديد بالغاء اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين وهي التي وصفها المراقبون بأنها مناورة لكس الوقت والعودة مجدداً الى المفاوضات التي تدعو اليها اميركا والرامية لايجاد حل عادل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي عن طريق التفاوض وليس عبر المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة، وتُلوح الولايات المتحدة بعصا غليظة ضد الفلسطينيين اذا ما توجهوا للامم المتحدة، بوقف الدعم الاميركي للسلطة ماليا، مما يُهدد بوقف رواتب الموظفين وعملية البناء في الضفة الغربية، وانهاء العملية السلمية، ما يطلق العنان لاسرائيل للقيام بخطوات تصعيدية اكبر في المرحلة المقبلة بتسمين المستوطنات وتهويد الاراضي الفلسطينية واقامة المشاريع التهويدية في مدينة القدس وغير ذلك من الاجراء التي رفضها المجتمع الدولي!!
فاذا كان نتنياهو صادقاً، والإدارة الاميركية ترغب في احلال السلام فان وقوفهما الى جانب القرار الامم المتحدة باعلان الدولة الفلسطينية تعتبر من النوايا الحسنة لانجاح اي مفاوضات مقبلة مبنية على السلام الدائم والعادل، ولا تهدف الى اجهاض الجهود السلمية التي طرحتها المبادرة العربية للسلام، او المواقف الدولية المطالبة بانهاء الصراع العربي – الاسرائيلي والتي طالما رفضته اسرائيل جملة وتفصيلاً، لا سيما وان اعلان الدولة ينطلق من مسألة حل الدولتين والتي تضمنتها خطة السلام الدولية باقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش مع اسرائيل جنباً الى جنب بأمن وسلام واطمئنان!! هذه المسألة الرئيسة التي ينشدها العرب من المطالبة بالإعلان عن الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة بعيداً عن سياسة الضم واجراءات التصعيد والتهديد التي تمارسها اسرائيل في الاراضي العربية المحتلة والتي تلقى تأييداً اميركياً من بعض الدول الاوروبية للأسف ايضا!!
التعليقات